→ أول ظهور أبي مسلم الخراساني | البداية والنهاية – الجزء العاشر مقتل ابن الكرماني ابن كثير |
سنة ثلاثين ومائة ← |
ونشبت الحرب بين نصر بن سيار وبين ابن الكرماني - وهو: جديع بن علي الكرماني - فقتل بينهما من الفريقين خلق كثير، وجعل أبو مسلم يكاتب كلا من الطائفتين ويستميلهم إليه، يكتب إلى نصر وإلى ابن الكرماني: إن الإمام قد أوصاني بكم خيرا ولست أعدو رأيه فيكم.
وكتب إلى الكور يدعو إلى بني العباس فاستجاب له خلق كثير وجم غفير، وأقبل أبو مسلم فنزل بين خندق نصر وخندق ابن الكرماني، فهابه الفريقان جميعا، وكتب نصر بن سيار إلى مروان يعلمه بأمر أبي مسلم وكثرة من معه، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد، وكتب في جملة كتابه:
أرى بين الرماد وميض جمر * وأحرى أن يكون له ضرام
فإن النار بالعيدان تذكى * وإن الحرب مبدؤها الكلام
فقلت من التعجب ليت شعري * أيقاظ أمية أمْ نيام
فكتب إليه مروان: الشاهد يرى ما لا يراه الغائب.
فقال نصر: إن صاحبكم قد أخبركم أن لا نصر عنده.
وبعضهم يرويها بلفظ آخر:
أرى خلل الرماد وميض نار * فيوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعيدان تذكى * وإن الحرب أولها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم * يكون وقودها جثث وهام
أقول من التعجب ليت شعري * أيقاظ أمية أمْ نيام
فإن كانوا لحينهم نياما * فقل قوموا فقد حان القيام
قال ابن خلكان: وهذا كما قال بعض علوية الكوفة حين خرج محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن على المنصور أخي السفاح:
أرى نارا تشب على بقاع * لها في كل ناحية شعاع
وقد رقدت بنو العباس عنها * وباتت وهي آمنة رتاع
كما رقدت أمية ثم هبت * تدافع حين لا يغني الدفاع
وكتب نصر بن سيار أيضا إلى نائب العراق يزيد بن عمر بن هبيرة يستمده وكتب إليه:
أبلغ يزيد وخير القول أصدقه * وقد تحققت أن لا خير في الكذب
بأن أرض خراسان رأيت بها * بيضا إذا أفرخت حُدثتَ بالعجب
فراخ عامين إلا أنها كبرت * ولم يطرن وقد سربلن بالزغب
فإن يطرن ولم يحتل لهن بها * يلهبن نيران حرب أيما لهيب
فبعث ابن هبيرة بكتاب نصر إلى مروان، واتفق في وصول الكتاب إليه، أن وجدوا رسولا من جهة إبراهيم الإمام ومعه كتاب منه إلى أبي مسلم، وهو يشتمه فيه ويسبه، ويأمره أن يناهض نصر بن سيار وابن الكرماني، ولا يترك هناك من يحسن العربية.
فعند ذلك بعث مروان وهو مقيم بحران كتابا إلى نائبه بدمشق وهو الوليد بن معاوية بن عبد الملك، يأمر فيه أن يذهب إلى الحميمة، وهي البلدة التي فيها إبراهيم بن محمد الإمام، فيقيده ويرسله إليه.
فبعث نائب دمشق إلى نائب البلقاء فذهب إلى مسجد البلدة المذكورة فوجد إبراهيم الإمام جالسا فقيده وأرسل به إلى دمشق، فبعثه نائب دمشق من فوره إلى مروان، فأمر به فسجن ثم قتل كما سيأتي.
وأما أبو مسلم فإنه لما توسط بين جيش نصر وابن الكرماني، كاتب ابن الكرماني: إني معك.
فمال إليه، فكتب إليه نصر: ويحك ! لا تغتر فإنه إنما يريد قتلك وقتل أصحابك، فهلم حتى نكتب كتابا بيننا بالموادعة، فدخل ابن الكرماني داره ثم خرج إلى الرحبة في مائة فارس، وبعث إلى نصر: هلم حتى نتكاتب.
فأبصر نصر غرة من ابن الكرماني فنهض إليه في خلق كثير، فحملوا عليه فقتلوه وقتلوا من جماعته جماعة، وقتل ابن الكرماني في المعركة، طعنه رجل في خاصرته فخرَّ عن دابته، ثم أمر نصر بصلبه وصلب معه جماعة، وصلب معه سمكة، وانضاف ولده إلى أبي مسلم الخراساني ومعه طوائف من الناس من أصحاب ابن الكرماني، فصاروا كتفا واحدا على نصر.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة: تغلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على فارس وكورها، وعلى حلوان وقومس وأصبهان والري، بعد حرب يطول ذكرها، ثم التقى عامر بن ضبارة معه باصطخر فهزمه ابن ضبارة وأسر من أصحابه أربعين ألفا.
فكان منهم: عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، فنسبه ابن ضبارة وقال له: ما جاء بك مع ابن معاوية وقد علمت خلافة لأمير المؤمنين؟
فقال: كان عليَّ دين فأتيته فيه.
فقام إليه حرب بن قطن بن وهب الهلالي فاستوهبه منه وقال: هو ابن أختنا فوهبه له.
وقال: ما كنت لأقدم على رجل من قريش.
ثم استعلم ابن ضبارة منه أخبار ابن معاوية فذمه ورماه هو وأصحابه باللواط، وجيء من الأسارى بمائة غلام عليهم الثياب المصبغة، وقد كان يعمل معهم الفاحشة، وحمل ابن ضبارة عبد الله بن علي على البريد لابن هبيرة ليخبره بما أخبر به ابن ضبارة عن ابن معاوية.
وقد كتب الله عز وجل أن زوال ملك بني أمية يكون على يدي هذا الرجل، وهو: عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، ولا يشعر واحد منهم بذلك.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة: ولي الموسم أبو حمزة الخارجي فأظهر التحكم والمخالفة لمروان، وتبرأ منه.
فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ أمير مكة والمدينة والطائف، وإليه أمر الحجيج في هذه السنة، ثم صالحهم على الأمان إلى يوم النفر، فوقفوا على حدة بين الناس بعرفات ثم تحيزوا عنهم، فلما كان يوم النفر الأول تعجل عبد الواحد وترك مكة فدخلها الخارجي بغير قتال، فقال بعض الشعراء في ذلك:
زار الحجيج عصابة قد خالفوا * دين الإله ففر عبد الواحد
ترك الحلائل والإمارة هاربا * ومضى يخبط كالبعير الشارد
لو كان والده تنصَّل عرقه * لصفت موارده بعرق الوارد
ولما رجع عبد الواحد إلى المدينة شرع في تجهيز السرايا إلى قتال الخارجي، وبذل النفقات وزاد في أعطية الأجناد، وسيرهم سريعا.
وكان أمير العراق يزيد بن هبيرة، وأمير خراسان نصر بن سيار، وقد استحوذ على بعض بلاده أبو مسلم الخراساني.
ممن توفي فيها من الأعيان: سالم أبو النضر، وعلي بن زيد بن جدعان، في قول، ويحيى بن أبي كثير.
وقد ذكرنا تراجمهم في التكميل، ولله الحمد.