→ استقرار أبي العباس السفاح واستقلاله بالخلافة وما اعتمده في أيامه من السيرة الحسنة | البداية والنهاية – الجزء العاشر مروان بن محمد ابن كثير |
وأبو سلمة حفص بن سليمان ← |
ابن مروان بن الحكم، أبو عبد الملك، الأموي، آخر خلفاء بني أمية، فقتل في العشر الأخير من ذي الحجة من هذه السنة، كما تقدم ذلك مبسوطا، وزيره عبد الحميد بن يحيى بن سعد مولى بني عامر بن لؤي، الكاتب البليغ الذي يضرب به المثل، فيقال: فتحت الرسائل بعبد الحميد، وختمت بابن العميد.
وكان إماما في الكتابة وجميع فنونها، وهو القدوة فيها.
وله رسائل في ألف ورقة، وأصله من قيسارية ثم سكن الشام، وتعلم هذا الشأن من سالم مولى هشام بن عبد الملك، وكان يعقوب بن داود وزير المهدي يكتب بين يديه، وعليه تخرج، وكان ابنه إسماعيل بن عبد الحميد ماهرا في الكتابة أيضا، وقد كان أولا يعلم الصبيان ثم تقلبت به الأحوال إلى أن صار وزيرا لمروان، وقتله السفاح ومثَّل به، وكان اللائق بمثله العفو عنه.
ومن مستجاد كلامه: العلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة.
ومن كلامه وقد رأى رجلا يكتب خطا رديئا فقال: أطل جلفة قلمك وأسمنها، وحرِّف قطتك وأيمنها.
قال الرجل: ففعلت ذلك فجاد خطي.
وسأله رجل أن يكتب له كتابا إلى بعض الأكابر يوصيه به، فكتب إليه: حقُّ موصل كتابي إليك كحقه علي إذ رآك موضعا لأمله، ورآني أهلا لحاجته، وقد قضيت أنا حاجته فصدِّق أنت أمله.
وكان كثيرا ما ينشد هذا البيت:
إذا خرج الكتاب كان دويهم * قسيا وأقلام القسي لها نبلا