→ علي بن ظبيان | البداية والنهاية – الجزء العاشر العباس بن الأحنف ابن كثير |
عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور ← |
ابن الأسود بن طلحة، الشاعر المشهور، كان من عرب خراسان، ونشأ ببغداد.
وكان لطيفا ظريفا مقبولا حسن الشعر.
قال أبو العباس: قال عبد الله بن المعتز: لو قيل لي من أحسن الناس شعرا تعرفه؟ لقلت: العباس:
قد سحب الناس أذيال الظنون بنا * وفرَّق الناس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالظن غيركم * وصادق ليس يدري أنه صدقا
وقد طلبه الرشيد ذات ليلة في أثناء الليل فانزعج لذلك وخاف نساؤه، فلما وقف بين يدي الرشيد قال له: ويحك ! إنه قد عنَّ لي بيت في جارية لي فأحببت أن تشفعه بمثله.
فقال: يا أمير المؤمنين ! ما خفت أعظم من هذه الليلة.
فقال: ولم؟
فذكر له دخول الحرس عليه في الليل، ثم جلس حتى سكن روعه، ثم قال: ما قلت يا أمير المؤمنين؟
فقال:
حنان قد رأيناها فلم نر مثلها بشرا * يزيدك وجهها حسنا إذا ما زدته نظرا
فقال الرشيد: زد.
فقال:
إذا ما الليل مال عليـ * ـك بالإظلام واعتكرا
ودجَ فلم تر فجرا * فأبرزها ترَ قمرا
فقال: إنا قد رأيناها، وقد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم.
ومن شعره الذي أقر له فيه بشار بن برد وأثبته في سلك الشعراء بسببه قوله:
أبكي الذين أذاقوني مودتهم * حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
واستنهضوني فلما قمت منتصبا * بثقل ما حملوني منهم قعدوا
وله أيضا:
وحدثتني يا سعد عنها فزدتني * جنونا فزدني من حديثك يا سعد
هواها هوىً لم يعرف القلب غيره * فليس له قبل وليس له بعد
قال الأصمعي: دخلت على العباس بن الأحنف بالبصرة وهو طريح على فراشه يجود بنفسه وهو يقول:
يا بعيد الدار عن وطنه * مفردا يبكي على شجنه
كلما جدَّ النحيب به * زادت الأسقام في بدنه
ثم أغمي عليه ثم انتبه بصوت طائر على شجرة فقال:
ولقد زاد الفؤاد شجا * هاتف يبكي على فننه
شاقه ما شاقني فبكى * كلنا يبكي على سكنه
قال: ثم أغمي عليه أخرى فحركته فإذا هو قد مات.
قال الصولي: كانت وفاته في هذه السنة.
وقيل: بعدها.
وقيل: قبلها في سنة ثمان وثمانين ومائة، فالله أعلم.
وزعم بعض المؤرخين أنه بقي بعد الرشيد.