→ ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين ومائة | البداية والنهاية – الجزء العاشر ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائة ابن كثير |
غادر ← |
فيها: توفي بالبصرة محمد بن سليمان فأمر الرشيد بالاحتياط على حواصله التي تصلح للخلفاء، فوجدوا من ذلك شيئا كثيرا من الذهب والفضة والأمتعة وغير ذلك، فنضدوه ليستعان به على الحرب وعلى مصالح المسلمين.
وهو: محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، وأمه أم حسن بنت جعفر بن حسن بن حسن بن علي، وكان من رجالات قريش وشجعانهم.
جمع له المنصور بين البصرة والكوفة وزوجه المهدي ابنته العباسة، وكان له من الأموال شيء كثير، كان دخله في كل يوم مائة ألف.
وكان له خاتم من ياقوت أحمر لم ير مثله.
وروى الحديث عن أبيه عن جده الأكبر، وهو حديث مرفوع في مسح رأس اليتيم إلى مقدم رأسه، ومسح رأس من له أب إلى مؤخر رأسه.
وقد وفد على الرشيد فهناه بالخلافة فأكرمه وعظمه وزاده في عمل شيئا كثيرا.
ولما أراد الخروج خرج معه الرشيد يشيعه إلى كلواذا.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة عن إحدى وخمسين سنة، وقد أرسل الرشيد من اصطفى من ماله الصامت فوجد له من الذهب ثلاثة آلاف ألف دينار، ومن الدراهم ستة آلاف ألف، خارجا عن الأملاك.
وقد ذكر ابن جرير أن وفاته ووفاة الخيزران في يوم واحد، وقد وقفت جارية من جواريه على قبره فأنشأت تقول:
أمسى التراب لمن هويت مبيتا * القَ التراب فقل له حييتا
إنا نحبك يا تراب وما بنا * إلا كرامة من عليه حثيتا
وفيها: توفيت الخيزران جارية المهدي وأم أمير المؤمنين الهادي والرشيد، اشتراها المهدي وحظيت عنده جدا ثم أعتقها وتزوجها ولدت له خليفتين: موسى الهادي، والرشيد.
ولم يتفق هذا لغيرها من النساء إلا الولادة بنت العباس العبسية، زوجة عبد الملك بن مروان، وهي: أم الوليد، وسليمان.
وكذلك لشاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد، ولدت لمولاها الوليد بن عبد الملك: يزيد، وإبراهيم. وكلاهما ولي الخلافة.
وقد روي من طريق الخيزران، عن مولاها المهدي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، عن النبي ﷺقال: «من اتقى الله وقاه كل شيء».
ولما عرضت الخيزران على المهدي ليشتريها أعجبته إلا دقة في ساقيها، فقال لها: يا جارية ! إنك لعلى غاية المنى والجمال لولا دقة ساقيك وخموشهما.
فقالت: يا أمير المؤمنين ! إنك أحوج ما تكون إليهما لا تراهما فاستحسن جوابها واشتراها وحظيت عنده جدا.
وقد حجت الخيزران مرة في حياة المهدي فكتب إليها وهي بمكة يستوحش لها ويتشوق إليها بهذا الشعر:
نحن في غاية السرور ولكن * ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي * أنكم غيب ونحن حضور
فأجدوا في السير بل إن قدرتم * أن تطيروا مع الرياح فطيروا
فأجابته أو أمرت من أجابه:
قد أتانا الذي وصفت من الشو * ق فكدنا وما قدرنا نطير
ليت أن الرياح كن يؤدين * إليكم ما قد يكنّ الضمير
لم أزل صبة فإن كنت بعدي * في سرور فدام ذاك السرور
وذكروا أنه أهدى إليها محمد بن سليمان نائب البصرة الذي مات في اليوم الذي ماتت فيه مائة وصيفة، مع كل وصيفة جام من فضة مملوء مسكا.
فكتبت إليه: إن كان ما بعثته ثمنا عن ظننا فيك فظننا فيك أكثر مما بعثت، وقد بخستنا في الثمن، وإن كنت تريد به زيادة المودة فقد اتهمتني في المودة. وردت ذلك عليه.
وقد اشترت الدار المشهورة بها بمكة المعروفة بدار الخيزران، فزادتها في المسجد الحرام.
وكان مغل ضياعها في كل سنة ألف ألف وستين ألفا، واتفق موتها ببغداد ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة.
وخرج ابنها الرشيد في جنازتها وهو حامل سريرها يخب في الطين.
فلما انتهى إلى المقبرة أتي بماء فغسل رجليه ولبس خفا وصلى عليها، ونزل لحدها.
فلما خرج من القبر أتي بسرير فجلس عليه واستدعى بالفضل بن الربيع فولاه الخانم والنفقات.
وأنشد الرشيد قول ابن نويرة حين دفن أمه الخيزران:
وكنا كندماني جذيمة برهة * من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا * لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وفيها توفيت: