→ ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائة فيها كان مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك | البداية والنهاية – الجزء العاشر مقتله وزوال دولته ابن كثير |
قتل يزيد بن الوليد الناقص للوليد بن يزيد ← |
كان هذا الرجل مجاهرا بالفواحش مصرا عليها، منتهكا محارم الله عز وجل، لا يتحاشى من معصية.
وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين، فالله أعلم.
لكن الذي يظهر أنه كان عاصيا شاعرا ماجنا متعاطيا للمعاصي، لا يتحاشاها من أحد، ولا يستحي من أحد، قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي.
وقد روي أن أخاه سليمان كان من جملة من سعى في قتله، قال: أشهد أنه كان شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي الفاسق.
وحكى المعافى بن زكريا، عن ابن دريد، عن أبي حاتم، عن العتبي: أن الوليد بن يزيد نظر إلى نصرانية من حسان نساء النصارى اسمها: سفرى فأحبها، فبعث يراودها عن نفسها، فأبت عليه، فألح عليها وعشقها، فلم تطاوعه.
فاتفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلم سفرى ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها: ويحك ! أتدرين من هذا الرجل؟
فقالت: لا !
فقيل لها: هو الوليد.
فلما تحققت ذلك حنت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها، قبل أن تحن عليه.
فقال الوليد في ذلك أبياتا:
أضحك فؤادك يا وليد عميدا * صبا قديما للحسان صيودا
في حب واضحة العوارض طفلة * برزت لنا نحو الكنيسة عيدا
ما زلت أرمقها بعيني وامق * حتى بصرت بها تقبِّل عودا
عود الصليب فويح نفسي من رأى * منكم صليبا مثله معبودا
فسألت ربي أن أكون مكانه * وأكون في لهب الجحيم وقودا
وقال فيها أيضا: لما ظهر أمره وعلم بحال الناس.
وقيل: أن هذا وقع قبل أن يلي الخلافة:
ألا حبذا سفري و إن قيل إنني * كلفت بنصرانية تشرب الخمرا
يهون علينا أن نظل نهارنا * إلى الليل لا ظهرا نصلِّي ولا عصرا
قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري المعروف: بابن طرار النهرواني بعد إيراده هذه الأشياء: للوليد في نحو هذا من الخلاعة والمجون وسخافة الدين، وما يطول ذكره، وقد ناقضناه في أشياء من منظوم شعره المتضمن ركيك ضلاله وكفره.
وروى ابن عساكر بسنده أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمار بخمسمائة دينار.
وقال القاضي أبو الفرج: أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريون مجموعة ومفردة، وقد جمعت شيئا من سيرته وأخباره، ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من جرأته وسفاهته وحمقه وهزله ومجونه وسخافة دينه، وما صرح به من الإلحاد في القرآن العزيز، والكفر بمن أنزله وأنزل عليه، وقد عارضت شعره السخيف بشعر حصيف، وباطله بحق نبيه شريف، وترجيت رضاء الله عز وجل، واستيجاب مغفرته.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: أراد الوليد بن يزيد الحج، وقال: أشرب فوق ظهر الكعبة الخمر، فهموا أن يفتكوا به إذا خرج، فجاؤوا إلى خالد ابن عبد الله القسري فسألوه أن يكون معهم فأبى.
فقالوا له: فاكتم علينا.
فقال: أما هذا فنعم.
فجاء إلى الوليد فقال: لاتخرج فإني أخاف عليك.
فقال: ومن هؤلاء الذين تخافهم عليَّ؟
قال: لا أخبرك بهم.
قال: إن لم تخبرني بهم بعثت بك إلى يوسف بن عمر.
قال: وإن بعثت بي إلى يوسف بن عمر.
فبعثه إلى يوسف فعاقبه حتى قتله.
وذكر ابن جرير أنه لما امتنع أن يعلمه بهم سجنه ثم سلمه إلى يوسف بن عمر، يستخلص منه أموال العراق فقتله.
وقد قيل: إن يوسف لما وفد إلى الوليد اشترى منه خالد بن عبد الله القسري بخمسين ألف ألف يخلصها منه، فما زال يعاقبه ويستخلص منه حتى قتله، فغضب أهل اليمن من قتله، وخرجوا على الوليد.
قال الزبير بن بكار: حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: سمعت أبي يقول: كنت عند المهدي فذكر الوليد بن يزيد فقال رجل: في المجلس كان زنديقا.
فقال المهدي: خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق.
وقال أحمد بن عمير بن حوصاء الدمشقي: ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حصين بن الوليد، عن الأزهري بن الوليد، قال: سمعت أم الدرداء، تقول: إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوما لم يزل طاعة مستخف بها ودم مسفوك على وجه الأرض بغير حق.
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري: