→ خلافة محمد المنتصر بن المتوكل | البداية والنهاية – الجزء العاشر أبو عثمان المازني النحوي ابن كثير |
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائتين ← |
واسمه: بكر بن محمد بن عثمان البصري، شيخ النحاة في زمانه.
أخذه عن: أبي عبيدة والأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، وغيرهم.
وأخذ عنه: أبو العباس المبرد وأكثر عنه.
وللمازني مصنفات كثيرة في هذا الشأن، وكان شبيها بالفقهاء ورعا زاهدا ثقةً مأمونا.
روى عنه المبرد: أن رجلا من أهل الذمة طلب منه أن يقرأ عليه كتاب سيبويه ويعطيه مائة دينار، فامتنع من ذلك.
فلامه بعض الناس في ذلك فقال: إنما تركت أخذ الأجرة عليه لما فيه من آيات الله تعالى.
فاتفق بعد هذا أن جارية غنت بحضرة الواثق:
أظلوم إن مصابكم رجلا * رد السلام تحية ظلم
فاختلف من بحضرة الواثق في إعراب هذا البيت، وهل يكون رجلا مرفوعا أو منصوبا، وبم نصب؟ أهو اسم أو ماذا؟
وأصرت الجارية على أن المازني حفظها هذا هكذا.
قال: فأرسل الخليفة إليه، فلما مثل بين يديه قال له: أنت المازني؟
قال: نعم !
قال: من مازن تميم، أم من مازن ربيعة، أم مازن قيس؟
فقلت: من مازن ربيعة.
فأخذ يكلمني بلغتي، فقال: باسمك؟
وهم يقلبون الباء ميما والميم باء، فكرهت أن أقول مكر فقلت: بكر.
فأعجبه إعراضي عن المكر إلى البكر، وعرف ما أردت.
فقال: على م انتصب رجلا؟
فقلت: لأنه معمول المصدر بمصابكم.
فأخذ اليزيدي يعارضه فعلاه المازني بالحجة، فأطلق له الخليفة ألف دينار، ورده إلى أهله مكرما.
فعوضه الله عن المائة الدينار - لما تركها لله سبحانه ولم يمكن الذمي من قراءة الكتاب لأجل ما فيه من القرآن - ألف دينار عشرة أمثالها.
روى المبرد عنه، قال: أقرأت رجلا كتاب سيبويه إلى آخره، فلما انتهى إلى آخره، قال لي: أما أنت أيها الشيخ فجزاك الله خيرا، وأما أنا فوالله ما فهمت منه حرفا.
توفي المازني في هذه السنة، وقيل: في سنة ثمان وأربعين.