→ وأما سحنون المالكي صاحب المدونة | البداية والنهاية – الجزء العاشر ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائتين ابن كثير |
الإمام أحمد بن حنبل ← |
في جمادى الأولى أو الآخرة من هذه السنة، وثب أهل حمص أيضا على عاملهم محمد بن عبدويه فأرادوا قتله، وساعدهم نصارى أهلها أيضا عليه، فكتب إلى الخليفة يعلمه بذلك، فكتب إليه يأمره بمناهضتهم، وكتب إلى متولي دمشق أن يمده بجيش من عنده ليساعده على أهل حمص، وكتب إليه أن يضرب ثلاثة منهم معروفين بالشر بالسياط حتى يموتوا، ثم يصلبهم على أبواب البلد، وأن يضرب عشرين آخرين منهم كل واحد ثلاثمائة، وأن يرسلهم إلى سامرا مقيدين في الحديد، وأن يخرج كل نصراني بها، ويهدم كنيستها العظمى التي إلى جانب المسجد الجامع، وأن يضيفها إليه، وأمر بخمسين ألف درهم، وللأمراء الذين ساعدوه بصلات سنية. فامتثل ما أمره به الخليفة فيهم.
وفيها: أمر الخليفة المتوكل على الله بضرب رجل من أعيان أهل بغداد يقال له: عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم، فضرب ضربا شديدا مبرحا، يقال: إنه ضرب ألف سوط حتى مات، وذلك أنه شهد عليه سبعة عشر رجلا عند قاضي الشرقية أبي حسان الزيادي أنه يشتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة رضي الله عنهم، فرفع أمره إلى الخليفة فجاء كتاب الخليفة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين نائب بغداد يأمره أن يضربه بين الناس حد السب، ثم يضرب بالسياط حتى يموت، ويلقى في دجلة ولا يصلى عليه، ليرتدع بذلك أهل الإلحاد والمعاندة، ففعل معه ذلك قبحه الله ولعنه، ومثل هذا يكفر، وإن كان قد قذف عائشة بالإجماع، وفيمن قذف سواها من أمهات المؤمنين قولان.
والصحيح أنه يكفر أيضا، لأنهن أزواج رسول الله ﷺورضي عنهن.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة انقضت الكواكب ببغداد وتناثرت، وذلك ليلة الخميس لليلة خلت من جمادى الآخرة.
قال: وفيها: مطر الناس في آب مطرا شديدا جدا.
قال: وفيها: مات من الدواب شيء كثير، ولا سيما البقر.
قال: وفيها: أغارت الروم على عين زربة فأسروا من بها من الزط وأخذوا نساءهم وذراريهم ودوابهم.
قال: وفيها: كان الفداء بين المسلمين والروم في بلاد طرسوس بحضرة قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد، عن إذن الخليفة له في ذلك، واستنابه ابن أبي الشوارب. وكانت عدة الأسرى من المسلمين سبعمائة وخمسة وثمانين رجلا، ومن النساء مائة وخمسا وعشرين امرأة، وقد كانت أم الملك تدورة - لعنها الله - عرضت النصرانية على من كان في يدها من الأسارى، وكانوا نحوا من عشرين ألفا، فمن أجابها إلى النصرانية وإلا قتلته، فقتلت اثني عشر ألفا، وتنصر بعضهم، وبقي منهم هؤلاء الذين فودوا وهم قريب من التسعمائة رجالا ونساءً.
وفيها: أغارت البجة على جيش من أرض مصر، وقد كانت البجة لا يغزون المسلمين قبل ذلك، لهدنة كانت لهم من المسلمين، فنقضوا الهدنة، وصرحوا بالخلاف. والبجة طائفة من سودان بلاد المغرب، وكذا النوبة وشنون وزغرير ويكسوم وأمم كثيرة لا يعلمهم إلا الله.
وفي بلاد هؤلاء معادن الذهب والجوهر، وكان عليهم حمل كل سنة إلى ديار مصر من هذه المعادن، فلما كانت دولة المتوكل امتنعوا من أداء ما عليهم سنين متعددة، فكتب إلى نائب مصر- وهو يعقوب بن إبراهيم الباذغيسي مولى الهادي وهو المعروف بقوصرة - بذلك كله إلى المتوكل، فغضب المتوكل من ذلك غضبا شديدا، وشاور في أمر البجة فقيل له: يا أمير المؤمنين إنهم قوم أهل إبل وبادية، وإن بلادهم بعيدة ومعطشة، ويحتاج الجيش الذاهبون إليها أن يتزودوا لمقامهم بها طعاما وماء، فصده عن البعث إليهم، ثم بلغه أنهم يغيرون على أطراف الصعيد، ويخشى أهل مصر على أولادهم منهم، فجهز لحربهم محمد بن عبد الله القمي، وجعل إليه نيابة تلك البلاد كلها المتاخمة لأرضهم، وكتب إلى عمال مصر أن يعينوه بكل ما يحتاج إليه من الطعام وغير ذلك، فتخلص وتخلص معه من الجيوش الذين انضافوا إليه من تلك البلاد حتى دخل بلادهم في عشرين ألف فارس وراجل، وحمل معه الطعام الأدام في مراكب سبعة، وأمر الذين هم بها أن يلجوا بها في البحر فيوافوه بها إذا توسط بلاد البجة، ثم سار حتى دخل بلادهم وجاوز معادنهم، وأقبل إليه ملك البجة - واسمه علي بابا - في جمع عظيم أضعاف من مع محمد بن عبد الله القمي، وهم قوم مشركون يعبدون الأصنام، فجعل الملك يطاول المسلمين لعله تنفد أزوارهم فيأخذونهم بالأيدي، فلما نفد ما عند المسلمين طمع فيهم السودان فيسر الله وله الحمد بوصول تلك المراكب، وفيها من الطعام والتمر والزيت وغير ذلك مما يحتاجون إليه شيء كثير جدا، فقسمه الأمير بين المسلمين بحسب حاجاتهم، فيئس السودان من هلاك المسلمين جوعا فشرعوا في التأهب لقتال المسلمين، ومركبهم الإبل شبيهة بالهجن زعرة جدا كثيرة النفار، لا تكاد ترى شيئا ولا تسمع شيئا إلا جفلت منه. فلما كان يوم الحرب عمد أمير المسلمين إلى جميع الأجراس التي معهم في الجيش فجعلها في رقاب الخيول، فلما كانت الواقعة حمل المسلمون حملة رجل واحد، فنفرت بهم إبلهم من أصوات تلك الأجراس في كل وجه، وتفرقوا شذر مذر، واتبعهم المسلمون يقتلون من شاؤا، لا يمتنع منهم أحد، فلا يعلم عدد من قتلوا منهم إلا الله عز وجل، ثم أصبحوا وقد اجتمعوا رجالة فكسبهم القمى من حيث لا يشعرون فقتل عامة من بقي منهم وأخذ ملكهم بالأمان، وأدى ما كان عليه من الحمل، وأخذه معه أسيرا إلى الخليفة. وكانت هذه الوقعة في أول يوم من هذه السنة، فولاه الخليفة على بلاده كما كان، وجعل إلى ابن القمي أمر تلك الناحية والنظر في أمرها، ولله الحمد والمنة.
قال ابن جرير: ومات في هذه السنة يعقوب بن إبراهيم المعروف بقوصرة في جمادى الآخرة، قلت: وهذا الرجل كان نائبا على الديار المصرية من جهة المتوكل.
وفيها: حج بالناس عبد الله بن محمد بن داود، وحج جعفر بن دينار، وهو والي طريق مكة، وأحداث الموسم ولم يتعرض ابن جرير لوفاة أحد من المحدثين في هذه السنة، وقد توفي من الأعيان الإمام أحمد بن حنبل، وجبارة بن المغسل الحماني، وأبو ثوبة الحلبي، وعيسى بن حماد سجادة، ويعقوب بن حميد بن كاسب، ولنذكر شيئا من