→ حديث في فضل بني تميم | البداية والنهاية – الجزء الخامس وفد بني عبد القيس ابن كثير |
قصة ثمامة ووفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب ← |
ثم قال البخاري: بعد وفد بني تميم، باب وفد عبد القيس، حدثنا أبو إسحاق، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا قرة عن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إن لي جرة ينتبذ لي فيها فأشربه حلوا في جر، إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت أن أفتضح؟.
فقال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله ﷺ فقال: «مرحبا بالقوم غير خزايا ولا الندامى».
فقال: يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين من مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، فحدثنا بجميل من الأمر أن عملنا به دخلنا الجنة، وندعوا به من وراءنا.
قال: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله هل تدرون ما الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغانم الخمس، وأنهاكم عن أربع: ما ينتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت».
وهكذا وراه مسلم من حديث قرة بن خالد عن أبي حمزة، وله طرق في الصحيحين عن أبي جمرة.
وقال أبوداود الطيالسي في مسنده: حدثنا شعبة عن أبي حمزة سمعت ابن عباس يقول: إن وفد عبد القيس لما قدم على رسول الله ﷺ قال: «ممن القوم؟»
قالوا: من ربيعة.
قال: «مرحبا بالوفد غير الخزايا ولا الندامى».
فقالوا: يا رسول الله إنا حي من ربيعة، وإنا نأتيك شقة بعيدة، وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في شهر الحرام، فمرنا بأمر فصل ندعوا إليه من وراءنا وندخل به الجنة.
فقال رسول الله ﷺ: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، آمركم: بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغانم الخمس، وأنهاكم عن أربع: عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت» - وربما قال: «والمقير» - فاحفظوهن، وادعوا إليهن من وراءكم».
وقد أخرجاه صاحبا الصحيحين من حديث شعبة بنحوه.
وقد رواه مسلم من حديث سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد بحديث قصتهم بمثل هذا السياق، وعنده أن رسول الله ﷺ قال لأشج عبد القيس: «إن فيك لخلتين يحبهما الله عز وجل، الحلم، والأناة».
وفي رواية «يحبهما الله ورسوله».
فقال: يا رسول الله تخلقتهما أم جبلني الله عليهما؟
فقال: «جبلك الله عليهما».
فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا مطر بن عبد الرحمن سمعت هند بنت الوزاع أنها سمعت الوزاع يقول: أتيت رسول الله ﷺ والأشج المنذر بن عامر - أو عامر بن المنذر - ومعهم رجل مصاب، فانتهوا إلى رسول الله ﷺ فلما رأوا رسول الله ﷺ وثبوا من رواحلهم، فأتوا رسول الله ﷺ فقبلوا يده، ثم نزل الأشج فعقل راحلته، وأخرج عيبته ففتحها، فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما، ثم أتى رواحلهم فعقلها، فأتى رسول الله ﷺ فقال: «يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله عز وجل ورسوله: الحلم والأناة».
فقال: يا رسول الله أنا تخلقتهما، أو جبلني الله عليهما؟
فقال: «بل جبلك الله عليهما».
قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله عز وجل ورسوله.
فقال الوازع: يا رسول الله إن معي خالا لي مصابا، فادع الله له.
فقال: «أين هو، آتيني به».
قال: فصنعت مثل ما صنع الأشج ألبسته ثوبيه، وأتيته، فأخذ من ورائه يرفعها حتى رأينا بياض إبطه، ثم ضرب بظهره فقال: «أخرج عدو الله»، فولى وجهه وهو ينظر بنظر رجل صحيح.
وروى الحافظ البيهقي من طريق هود بن عبد الله بن سعد أنه سمع جده مزيدة العبدي قال: بينما رسول الله ﷺ يحدث أصحابه إذ قال لهم: سيطلع من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق، فقام عمر فتوجه نحوهم، فتلقى ثلاثة عشر راكبا فقال: من القوم؟
فقالوا: من بني عبد القيس.
قال: فما أقدمكم هذه البلاد التجارة؟
قالوا: لا.
قال: أما إن النبي ﷺ قد ذكركم آنفا، فقال خيرا، ثم مشوا معه حتى أتوا النبي ﷺ فقال عمر للقوم: وهذا صاحبكم الذي تريدون، فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم، فمنهم من مشى، ومنهم من هرول، ومنهم من سعى، حتى أتوا رسول الله ﷺ فأخذوا بيده فقبلوها، وتخلف الأشج في الركاب حتى أناخها، وجمع متاع القوم، ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله ﷺ فقبلها.
فقال النبي ﷺ: «إن فيك خلتين يحبهما الله ورسوله» قال: جبل جبلت، أم تخلقا مني؟
قال: «بل جبل».
فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله.
وقال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله ﷺ الجارود بن عمرو بن حنش أخو عبد القيس.
قال ابن هشام: وهو الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس وكان نصرانيا.
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن الحسن قال: فلما انتهى إلى رسول الله ﷺ كلمه، فعرض عليه الإسلام، ودعاه إليه، ورغبه فيه، فقال: يا محمد إني كنت على دين، وإني تارك ديني لدينك، أفتضمن لي ديني؟
فقال رسول الله ﷺ: «نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه».
قال: فأسلم، وأسلم أصحابه، ثم سأل رسول الله ﷺ الحملان.
فقال: «والله ما عندي ما أحملكم عليه».
قال: يا رسول الله إن بيننا وبين بلادنا ضوالا من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا؟
قال: «لا إياك وإياها، فإنما تلك حرق النار».
قال: فخرج الجارود راجعا إلى قومه، وكان حسن الإسلام، صلبا على دينه حتى هلك، وقد أدرك الردة، فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود، فتشهد شهادة الحق، ودعا إلى الإسلام فقال: أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأكفر من لم يشهد.
وقد كان رسول الله ﷺ بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم، فحسن إسلامه، ثم هلك بعد رسول الله ﷺ قبل ردة أهل البحرين، والعلاء عنده أميرا لرسول الله ﷺ على البحرين.
ولهذا روى البخاري من حديث إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: أول جمعة جمعت في مسجد رسول الله ﷺ في مسجد عبد القيس بجوانا من البحرين.
وروى البخاري عن أم سلمة أن رسول الله ﷺ أخر الركعتين بعد الظهر بسبب وفد عبد القيس حتى صلاهما بعد العصر في بيتها.
قلت: لكن في سياق ابن عباس ما يدل على أن قدوم وفد عبد القيس كان قبل فتح مكة، لقولهم: وبيننا وبينك هذا الحي من مضر لا نصل إليك إلا في شهر حرام، والله أعلم.