→ فصل أما كتاب الوحي وغيره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه | البداية والنهاية – الجزء الخامس فصل أمناء الرسول صلى الله عليه وسلم ابن كثير |
الجزء السادس ← |
وقد ذكر ابن عساكر من أمنائه أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري أحد العشرة رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف الزهري.
أما أبو عبيدة: فقد روى البخاري من حديث أبي قلابة عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: «لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح».
وفي لفظ: أن رسول الله قال لوفد عبد القيس نجران: «لأبعثن معكم أمينا حق أمين» فبعث معهم أبا عبيدة.
قال: ومنهم: معيقيب ابن أبي فاطمة الدوسي مولى بني عبد شمس، كان على خاتمه ويقال: كان خادمه، وقال غيره: أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة في الناس ثم إلى المدينة، وشهد بدرا وما بعدها، وكان على الخاتم، واستعمله الشيخان على بيت المال.
قالوا: وكان قد أصابه الجذام، فأمر عمر بن الخطاب فدووي بالحنظل فتوقف المرض، وكانت وفاته في خلافة عثمان، وقيل: سنة أربعين، فالله أعلم.
قال الإمام أحمد: ثنا يحيى ابن أبي بكير، ثنا شيبان عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، حدثني معيقيب أن رسول الله ﷺ قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد؟
قال: «إن كنت لابد فاعلا فواحدة».
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان النحوي، زاد مسلم وهشام الدستوائي، زاده الترمذي والنسائي، وابن ماجه والأوزاعي، ثلاثتهم عن يحيى ابن أبي كثير به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد: ثنا خلف بن الوليد، ثنا أيوب عن عتبة عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن معيقيب قال: قال رسول الله ﷺ: «ويل للأعقاب من النار».
وتفرد به الإمام أحمد.
وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي عتاب سهل بن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن المعيقيب، عن جده - وكان على خاتم النبي ﷺ قال: كان خاتم النبي ﷺ من حديد ملوي عليه فضة، قال: فربما كان في يدي.
قلت: أما خاتم النبي ﷺ فالصحيح أنه كان من فضة فصه منه، كما سيأتي في الصحيحين، وكان قد اتخذ قبله خاتم ذهب، فلبسه حينا ثم رمى به وقال: «والله لا ألبسه» ثم اتخذ هذا الخاتم من فضة فصه منه، ونقشه: محمد رسول الله، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، فكان في يده عليه السلام، ثم كان في يد أبي بكر من بعده، ثم في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، فلبث في يده ست سنين ثم سقط منه في بئر أريس، فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه.
وقد صنف أبو داود رحمة الله عليه كتابا مستقلا في سننه في الخاتم وحده، وسنورد منه إن شاء الله قريبا ما نحتاج إليه، وبالله المستعان.
وأما لبس معيقيب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصابه الجذام، كما ذكره ابن عبد البر وغيره، لكنه مشهور، فلعله أصابه ذلك بعد النبي ﷺ أو كان به وكان مما لا يعدى منه، أو كان ذلك من خصائص النبي ﷺ لقوة توكله، كما قال لذلك المجذوم - ووضع يده في القصعة -: «كل ثقة بالله، وتوكلا عليه».
رواه أبو داود.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» والله أعلم.
وأما أمراؤه عليه السلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصا على أسمائهم، ولله الحمد والمنة.
وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألف.
وعن الشافعي رحمه الله أنه قال: توفي رسول الله ﷺ والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء عن ستين ألف.
وقال الحاكم أبو عبد الله: يروي الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي.
قلت: والذي روى عنهم الإمام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته، فمن الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفسا.
ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا، وقد اعتنى جماعة من الحفاظ رحمهم الله بضبط أسمائهم وذكر أيامهم ووفياتهم من أجلهم:
الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتابه (الاستيعاب).
وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده.
وأبو موسى المديني.
ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الصحابية صنف كتابه (الغابة) في ذلك فأجاد وأفاد، وجمع وحصل، ونال ما رام وأمل، فرحمه الله وأثابه، وجمعه والصحابة آمين يا رب العالمين.
(تم الجزء الخامس من كتاب البداية النهاية ويليه الجزء السادس، وأوله (باب ما يذكر من آثار النبي ﷺ التي كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح).....الخ)