→ قصة مسجد الضرار | البداية والنهاية – الجزء الخامس ذكر أقوام تخلفوا من العصاة غير هؤلاء ابن كثير |
ما كان من الحوادث بعد منصرفه من تبوك ← |
قال علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى: { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم } [التوبة: 102] .
قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، فلما حضروا رجوعه أوسق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد.
فلما مر بهم رسول الله قال: «من هؤلاء؟».
قالوا: أبا لبابة، وأصحاب له تخلفوا عنك حتى تطلقهم، وتعذرهم.
قال: «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم، ولا أعذرهم حتى يكون الله عز وجل هو الذي يطلقهم، رغبوا عني، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين».
فلما أن بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا.
فأنزل الله عز وجل: { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية.
و { عسى } من الله واجب.
فلما أنزلت أرسل إليهم رسول الله فأطلقهم وعذرهم.
فجاؤا بأموالهم وقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا، فتصدق بها عنا، واستغفر لنا.
فقال: «ما أمرت أن آخذ أموالكم».
فأنزل الله: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم }. [التوبة: 103] .
إلى قوله: { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم }.
وهم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري، فأرجئوا حتى نزل قوله تعالى: { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار..........الذين خلفوا } [التوبة: 117 - 188] إلى آخرها.
وكذا رواه عطية بن سعيد العوفي عن ابن عباس بنحوه.
وقد ذكر سعيد بن المسيب، ومجاهد، ومحمد بن إسحاق قصة أبي لبابة، وما كان من أمره يوم بني قريظة، وربط نفسه حتى تيب عليه، ثم إنه تخلف عن غزوة تبوك فربط نفسه أيضا، حتى تاب الله عليه، وأراد أن ينخلع من ماله كله صدقة.
فقال له رسول الله ﷺ:
«يكفيك من ذلك الثلث».
قال مجاهد وابن إسحاق: فيه نزل { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية.
قال سعيد بن المسيب: ثم لم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلا خيرا رضي الله عنه وأرضاه.
قلت: ولعل هؤلاء الثلاثة لم يذكروا معه بقية أصحابه، واقتصروا على أنه كان كالزعيم لهم، كما دل عليه سياق ابن عباس، والله أعلم.
وروى الحافظ البيهقي من طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان الثوري، عن سليمة بن كهيل، عن عياض بن عياض، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: خطبنا رسول الله ﷺ فقال:
«إن منكم منافقين، فمن سميت فليقم، قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان».
حتى عد ستة وثلاثين.
ثم قال: «إن فيكم - أو إن منكم منافقين - فسلوا الله العافية».
قال: فمر عمر برجل متقنع، وقد كان بينه وبينه معرفة، فقال: ما شأنك؟
فأخبره بما قال رسول الله ﷺ، فقال: بعدا لك سائر اليوم.
قلت: كان المتخلفون عن غزوة تبوك أربعة أقسام:
مأمورون مأجورون: كعلي ابن أبي طالب، ومحمد بن مسلمة، وابن أم مكتوم.
ومعذورون: وهم الضعفاء، والمرضى.
والمقلون: وهم البكاؤن.
وعصاة مذنبون: وهم الثلاثة: أبو لبابة، وأصحابه المذكورون.
وآخرون ملومون مذمومون: وهم المنافقون.