→ فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم | البداية والنهاية – الجزء الخامس صفة غسله عليه السلام ابن كثير |
صفة كفنه عليه الصلاة والسلام ← |
قد قدمنا أنهم رضي الله عنهم اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الإثنين وبعض يوم الثلاثاء، فلما تمهدت وتوطدت وتمت، شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله ﷺ مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله ﷺ يوم الثلاثاء.
وقد تقدم من حديث ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله توفي يوم الإثنين، ودفن ليلة الأربعاء.
وقال أبو بكر ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، ثنا أبو بردة عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: لما أخذوا في غسل رسول الله ﷺ ناداهم مناد من الداخل أن لا تجردوا عن رسول الله ﷺ قميصه.
ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن أبي بردة - واسمه: عمرو بن يزيد التميمي كوفي -.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبي ﷺ قالوا: ما ندري أنجرد رسول الله ﷺ من ثيابه، كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله ﷺ وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله ﷺ فغسلوه وعليه قميص، يصبون الماء فوق القميص، فيدلكونه بالقميص دون أيديهم، فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما غسل رسول الله ﷺ إلا نساؤه.
رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: اجتمع القوم لغسل رسول الله ﷺ وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس بن عبد المطلب، وعلي ابن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد بن حارثة، وصالح مولاه، فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس أوس بن خولي الأنصاري، أحد بني عوف بن الخزرج، - وكان بدريا - علي ابن أبي طالب فقال: يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله ﷺ، فقال له علي: أدخل، فدخل، فحضر غسل رسول الله ﷺ ولم يل من غسله شيئا، فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس، وفضل، وقثم، يقلبونه مع علي، وكان أسامة بن زيد، وصالح مولاه هما يصبان الماء، وجعل علي يغسله، ولم ير من رسول الله ﷺ شيئا مما يرى من الميت وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا، حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله، وكان يغسل بالماء والسدر جففوه، ثم صنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة.
قال: ثم دعا العباس رجلين فقال: أحدكما ليذهب إلى أبى عبيدة بن الجراح - وكان أبوعبيدة يضرح لأهل مكة - وليذهب الآخر أبي طلحة ابن سهل الأنصاري - وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة -.
قال: ثم قال العباس حين سرحهما: اللهم خر لرسولك، قال: فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة، أبا عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة، أبا طلحة، فلحد لرسول الله ﷺ، انفرد به أحمد.
وقال يونس بن بكير عن المنذر بن ثعلبة، عن الصلت، عن العلباء بن أحمر قال: كان علي والفضل يغسلان رسول الله، فنودي علي إرفع طرفك إلى السماء، وهذا منقطع.
قلت: وقد روى بعض أهل السنن عن علي ابن أبي طالب أن رسول الله ﷺ قال له: «يا علي لا تبد فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت».
وهذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه، والله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا ضمرة، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال علي: غسلت رسول الله ﷺ فذهبت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا ﷺ.
وقد رواه أبو داود في المراسيل، وابن ماجه من حديث معمر به.
زاد البيهقي في روايته: قال سعيد بن المسيب: وقد ولي دفنه عليه السلام أربعة: علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول الله ﷺ لحدوا له لحدا، ونصبوا عليه اللبن نصبا.
وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم: عامر الشعبي، ومحمد بن قيس، وعبد الله بن الحارث، وغيرهم بألفاظ مختلفة يطول بسطها هاهنا.
وقال البيهقي: وروى أبو عمرو بن كيسان عن يزيد بن بلال سمعت عليا يقول: أوصى رسول الله ﷺ أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه.
قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.
قال علي: فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا، حتى فرغت من غسله.
وقد أسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، ثنا عبد الصمد بن النعمان، ثنا كيسان أبو عمرو عن يزيد بن بلال قال: قال علي ابن أبي طالب: أوصاني النبي ﷺ أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه.
قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.
قلت: هذا غريب جدا.
وقال البيهقي: أنبأنا محمد بن موسى بن الفضل، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا أسيد بن عاصم، ثنا الحسين بن حفص عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج، سمعت محمد بن علي - أبا جعفر - قال: غسل النبي ﷺ بالسدر ثلاثا، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر كان يقال له: الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول الله يشرب منها، وولي غسله علي، والفضل يحتضنه، والعباس يصب الماء، فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئا يترطل علي.
وقال الواقدي: ثنا عاصم بن عبد الله الحكمي عن عمر بن عبد الحكم قال: قال رسول الله ﷺ: «نعم البئر بئر غرس، هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه».
وكان رسول الله يستعذب له منها، وغسل من بئر غرس.
وقال سيف بن عمر عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما فرغ من القبر، وصلى الناس الظهر، أخذ العباس في غسل رسول الله ﷺ فضرب عليه كلة من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت، فدخل الكلة ودعا عليا، والفضل، فكان إذا ذهب إلى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان ابن الحارث فأدخله ورجال من بني هاشم من وراء الكلة، ومن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه: منهم أوس بن خولي رضي الله عنهم أجمعين.
ثم قال سيف عن الضحاك بن ^يربوع الحنفي، عن ماهان الحنفي، عن ابن عباس فذكر ضرب الكلة، وأن العباس أدخل فيها عليا، والفضل، وأبا سفيان، وأسامة، ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت، فذكر أنهم ألقي عليهم النعاس، فسمعوا قائلا يقول: لا تغسلوا رسول الله فإنه كان طاهرا.
فقال العباس: ألا بلى.
وقال أهل البيت: صدق، فلا تغسلوه.
فقال العباس: لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو، وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم: أن غسلوه وعليه ثيابه.
فقال أهل البيت: إلا لا.
وقال العباس: إلا نعم!فشرعوا في غسله وعليه قميص، ومجول مفتوح، فغسلوه بالماء القراح، وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله، واعتصر قميصه ومجوله، ثم أدرج في أكفانه، وجمروه عودا وندا، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه، وهذا السياق فيه غرابة جدا.