→ فصل صلاته صلى الله عليه وسلم بالأبطح الصبح وهو يوم التروية | البداية والنهاية – الجزء الخامس فصل دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ابن كثير |
ذكر ما نزل على رسول الله من الوحي في هذا الموقف ← |
فيما حفظ من دعائه عليه السلام وهو واقف بعرفه.
قد تقدم أنه عليه السلام أفطر يوم عرفة، فدل على أن الإفطار هناك أفضل من الصيام، لما فيه من التقوي على الدعاء، لأنه المقصود الأهم هناك، ولهذا وقف عليه السلام وهو راكب على الراحلة من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس.
وقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حوشب بن عقيل، حدثني مهدي المحاربي، حدثني عكرمة مولى ابن عباس قال: دخلت على أبي هريرة في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات؟
فقال: نهى رسول الله ﷺ عن صوم عرفة بعرفات.
وقال عبد الرحمن مرة عن مهدي العبدي.
وكذلك رواه أحمد عن وكيع، عن حوشب، عن مهدي العبدي فذكره.
وقد رواه أبو داود: عن سليمان بن حرب، عن حوشب.
والنسائي: عن سليمان ابن معبد، عن سليمان بن حرب به، وعن الفلاس، عن ابن مهدي به.
وابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن حوشب.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد ابن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أبو أسامة الكلبي، ثنا حسن بن الربيع، ثنا الحارث بن عبيد عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نهى النبي ﷺ عن صوم يوم عرفة بعرفة.
قال البيهقي: كذا قال الحارث بن عبيد، والمحفوظ عن عكرمة، عن أبي هريرة.
وروى أبو حاتم محمد بن حبان البستي في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه سئل عن صوم يوم عرفة؟
فقال: حججت مع رسول الله فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، وأنا فلا أصومه، ولا آمر به ولا أنهى عنه.
قال الإمام مالك عن زياد ابن أبي زياد مولى ابن عباس، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله ﷺ قال: «أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له».
قال البيهقي: هذا مرسل، وقد روي عن مالك بإسناد آخر موصولا، وإسناده ضعيف.
وقد روى الإمام أحمد والترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن رسول الله ﷺ قال: «أفضل الدعاء يوم عرفة، وخير من قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
وللإمام أحمد أيضا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كان أكثر دعاء النبي ﷺ يوم عرفة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وقال أبو عبد الله ابن منده: أنبأنا أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري، ثنا أحمد بن داود بن جابر الأحمسي، ثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي، ثنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
وقال الإمام أحمد: ثنا يزيد - يعني: ابن عبد ربه الجرجسي -، ثنا بقية بن الوليد، حدثني جبير بن عمرو القرشي عن أبي سعيد الأنصاري، عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ وهو بعرفة يقرأ هذه الآية: « { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } [آل عمران: 18] . وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب».
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في مناسكه: ثنا الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري، ثنا عفان ابن مسلم، ثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح، عن خليفة، عن علي قال: قال رسول الله ﷺ: «أفضل ما قلت أنا والأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
وقال الترمذي في (الدعوات): ثنا محمد بن حاتم المؤدب، ثنا علي بن ثابت، ثنا قيس بن الربيع وكان - من بني أسد - عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن علي رضي الله عنه قال: كان أكثر ما دعا به رسول الله ﷺ يوم عرفة في الموقف «اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخير مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي، ولك رب تراثي، أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح».
ثم قال: غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي.
وقد رواه الحافظ البيهقي من طريق موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن علي قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أكثر دعاء من كان قبلي ودعائي يوم عرفة أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في بصري نورا، وفي سمعي نورا، وفي قلبي نورا، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وشر فتنة القبر، وشر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوائق الدهر».
ثم قال: تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف، وأخوه عبد الله لم يدرك عليا.
وقال الطبراني في مناسكه: حدثنا يحيى بن عثمان النصري، ثنا يحيى بن بكير، ثنا يحيى بن صالح الأيلي عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء ابن أبي رباح، عن ابن عباس قال: كان فيما دعا به رسول الله ﷺ في حجة الوداع: «اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا، وكن بي رؤوفا رحيما، يا خير المسئولين، ويا خير المعطين».
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أنبأنا عبد الملك، ثنا عطاء قال: قال أسامة بن زيد: كنت رديف النبي ﷺ بعرفات فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها قال: فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى.
وهكذا رواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم، عن هشيم.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، ثنا ابن جريج عن حسين بن عبد الله الهاشمي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله ﷺ يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين.
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا عبد القاهر بن السري، حدثني ابن كنانة بن العباس بن مرداس عن أبيه، عن جده عباس بن مرداس أن رسول الله ﷺ دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء، فأوحى الله إليه «إني قد فعلت، إلا ظلم بعضهم بعضا، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها».
فقال: «يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خير من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم».
فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه الله تعالى: «إني قد غفرت لهم».
فتبسم رسول الله ﷺ.
فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها.
قال: «تبسمت من عدو الله إبليس، إنه لما علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه».
ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن عيسى بن إبراهيم البركي، وأبي الوليد الطيالسي، كلاهما عن عبد القاهر بن السري، عن ابن كنانة بن عباس بن مرداس، عن أبيه، عن جده مختصرا.
ورواه ابن ماجه عن أيوب بن محمد الهاشمي بن عبد القاهر بن السري، عن عبد الله بن كنانة بن عباس، عن أبيه، عن جده به مطولا.
ورواه ابن جرير في تفسيره عن إسماعيل بن سيف العجلي، عن عبد القاهر بن السري، عن ابن كنانة يقال له: أبو لبابة، عن أبيه، عن جده العباس بن مرداس، فذكره.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عمن سمع قتادة يقول: ثنا جلاس بن عمرو عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ يوم عرفة: «أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا بسم الله».
فلما كانوا بجمع قال: «إن الله قد غفر لصالحكم، وشفع لصالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم، ثم تفرق الرحمة في الأرض، فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فإذا نزلت الرحمة دعا هو وجنوده بالويل والثبور، كنت أستفزهم حقبا من الدهر المغفرة فغشيتهم، فيتفرقون يدعون بالويل والثبور».