→ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يزور البيت كل ليلة من ليالي منى | البداية والنهاية – الجزء الخامس فصل يوم الزينة ابن كثير |
فصل خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ← |
اليوم السادس من ذي الحجة.
قال بعضهم: يقال له: يوم الزينة لأنه يزين فيه البدن بالجلال وغيرها.
واليوم السابع: يقال له: يوم التروية، لأنهم يتروون فيه من الماء ويحملون منه ما يحتاجون اليه حال الوقوف وما بعده.
واليوم الثامن: يقال له: يوم منى لأنهم يرحلون فيه من الأبطح إلى منى.
واليوم التاسع: يقال له: يوم عرفة لوقوفهم فيه بها.
واليوم العاشر: يقال له: يوم النحر، ويوم الأضحى، ويوم الحج الأكبر.
واليوم الذي يليه: يقال له: يوم القر لأنهم يقرون فيه، ويقال له: يوم الرؤوس لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي، وهو أول أيام التشريق، وثاني أيام التشريق يقال له: يوم النفر الأول لجواز النفر فيه، وقيل: هو اليوم الذي يقال له: يوم الرؤوس، واليوم الثالث من أيام التشريق يقال له: يوم النفر الآخر.
قال الله تعالى: { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } الآية. [البقرة: 203] .
فلما كان يوم النفر الآخر، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق، وكان يوم الثلاثاء ركب رسول الله ﷺ والمسلمون معه فنفر بهم من منى، فنزل المحصب - وهو واد بين مكة ومنى - فصلى به العصر.
كما قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا إسحاق بن يوسف، ثنا يوسف، ثنا سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع قال: سألت أنس بن مالك: أخبرني عن شيء عقلته عن رسول الله ﷺ أين صلى الظهر يوم التروية؟.
قال: بمنى.
قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟
قال: بالأبطح، افعل كما يفعل أمراؤك.
وقد روي أنه ﷺ صلى الظهر يوم النفر بالأبطح، وهو المحصب، فالله أعلم.
قال البخاري: حدثنا عبد المتعال بن طالب، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك، حدثه عن النبي ﷺ أنه صلى الظهر والعصر والعشاء، ورقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به.
قلت: - يعني: طواف الوداع -.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن عبد الوهاب، ثنا خالد بن الحارث قال: سئل عبيد الله عن المحصب فحدثنا عبيد الله عن نافع قال: نزل بها رسول الله ﷺ وعمر وابن عمر.
وعن نافع أن ابن عمر كان يصلي بها - يعني المحصب - والظهر والعصر أحسبه قال: والمغرب، قال خالد: لا أشك في العشاء ثم يهجع هجعة، ويذكر ذلك عن النبي ﷺ.
وقال الإمام أحمد: ثنا نوح بن ميمون، أنبأنا عبد الله عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ وأبا بكر وعمر وعثمان نزلوا المحصب، هكذا رأيته في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله العمري عن نافع.
وقد روى الترمذي هذا الحديث عن إسحاق بن منصور، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى، كلاهما عن عبد الرزاق، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله ﷺ وأبا بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح.
قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وأبي رافع، وابن عباس، وحديث ابن عمر حسن غريب.
وإنما نعرفه من حديث عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به.
وقد رواه مسلم عن محمد بن مهران الرازي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح.
ورواه مسلم أيضا من حديث صخر بن جويرية عن نافع، عن ابن عمر أنه كان ينزل المحصب، وكان يصلي الظهر يوم النفر بالحصبة.
قال نافع: قد حصب رسول الله ﷺ والخلفاء بعده.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس، ثنا حماد - يعني: ابن سلمة - عن أيوب وحميد، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع هجعة، ثم دخل - يعني: مكة - فطاف بالبيت.
ورواه أحمد أيضا عن عفان، عن حماد، عن حميد، عن بكر، عن ابن عمر، فذكره وزاد في آخره: وكان ابن عمر يفعله.
وكذلك رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل.
وقال البخاري: ثنا الحميدي، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي، حدثني الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من الغد يوم النحر - بمنى - نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر - يعني: بذلك المحصب - الحديث.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي فذكر مثله سواء.
وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله أين تنزل غدا - في حجته -؟.
قال: «وهل ترك لنا عقيل منزلا».
ثم قال: «نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة - يعني: المحصب: حيث قاسمت قريشا على الكفر».
وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يؤوهم - يعني: حتى يسلموا إليهم رسول الله -.
ثم قال عند ذلك: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم».
قال الزهري - والخيف - الوادي.
أخرجاه من حديث عبد الرزاق، وهذان الحديثان فيهما دلالة على أنه عليه السلام قصد النزول في المحصب مراغمة لما كان تمالأ عليه كفار قريش، لما كتبوا الصحيفة في مصارمة بني هاشم وبني المطلب، حتى يسلموا إليهم رسول الله ﷺ.
كما قدمنا بيان ذلك في موضعه.
وكذلك نزله عام الفتح، فعلى هذا يكون نزوله سنة مرغبا فيها، وهو أحد قولي العلماء.
وقد قال البخاري: ثنا أبو نعيم، أنبأنا سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: إنما كان منزلا ينزله النبي ﷺ ليكون أسمح لخروجه - يعني: الأبطح -.
وأخرجه مسلم من حديث هشام به.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه، وليس بسنة، فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله.
وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان قال: قال عمرو عن عطاء، عن ابن عباس قال: ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله ﷺ.
ورواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة وغيره، عن سفيان - وهو ابن عيينة - به.
وقال أبو داود: ثنا أحمد بن حنبل وعثمان ابن أبي شيبة ومسدد المعني قالوا: ثنا سفيان، ثنا صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال: قال أبو رافع: لم يأمرني - يعني: رسول الله ﷺ أن أنزله، ولكن ضربت قبته فيه فنزله.
قال مسدد: وكان على ثقل النبي ﷺ، وقال عثمان - يعني: في الأبطح -.
ورواه مسلم عن قتيبة وأبي بكر، وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة به.
والمقصود: أن هؤلاء كلهم اتفقوا على نزول النبي ﷺ في المحصب لما نفر من منى، ولكن اختلفوا فمنهم من قال: لم يقصد نزوله، وإنما نزله اتفاقا ليكون أسمح لخروجه، ومنهم من أشعر كلامه بقصده عليه السلام نزوله، وهذا هو الأشبه، وذلك أنه عليه السلام أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وكانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه كما قال ابن عباس، فأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت - يعني: طواف الوداع - فأراد عليه السلام أن يطوف هو ومن معه من المسلمين بالبيت طواف الوداع وقد نفر من منى قريب الزوال، فلم يكن يمكنه أن يجيء البيت في بقية يومه، ويطوف به ويرحل إلى ظاهر مكة من جانب المدينة، لأن ذلك قد يتعذر على هذا الجم الغفير، فاحتاج أن يبيت قبل مكة ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصب الذي كانت قريش قد عاقدت بني كنانة على بني هاشم وبني المطلب فيه، فلم يبرم الله لقريش أمرا بل كبتهم وردهم خائبين، وأظهر الله دينه، ونصر نبيه وأعلا كلمته، وأتم له الدين القويم، وأوضح به الصراط المستقيم، فحج بالناس وبين لهم شرائع الله وشعائره، وقد نفر بعد إكمال المناسك، فنزل في الموضع الذي تقاسمت قريش فيه على الظلم والعدوان والقطيعة، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهجع هجعة.
وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم، فإذا فرغت أتته، فلما قضت عمرتها ورجعت أذن في المسلمين بالرحيل إلى البيت العتيق.
كما قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، ثنا خالد عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة قالت: أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله ﷺ بالأبطح حتى فرغت أمر الناس بالرحيل.
قالت: وأتى رسول الله ﷺ البيت فطاف به ثم خرج.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد.
ثم قال أبو داود: ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر - يعني: الحنفي - ثنا أفلح عن القاسم عنها - يعني: عائشة - قالت: خرجت معه - يعني: رسول الله ﷺ النفر الآخر ونزل المحصب.
قال أبو داود: فذكر ابن بشار بعثها إلى التنعيم.
قالت: ثم جئت سحرا فأذن في الصحابة بالرحيل، فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج ثم انصرف متوجها إلى المدينة.
ورواه البخاري عن محمد بن بشار به.
قلت: والظاهر أنه عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه وقرأ في صلاته تلك بسورة «والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور * والسقف المرفوع * والبحر المسجور» السورة بكمالها.
وذلك لما رواه البخاري حيث قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النبي ﷺ قال: شكوت إلى رسول الله أني اشتكي.
قال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة».
فطفت ورسول الله ﷺ يصلي حينئذ إلى جنب البيت، وهو يقرأ: { والطور * وكتاب مسطور }.
وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك بإسناد نحوه.
وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة أن رسول الله قال وهو بمكة وأراد الخروج، ولم تكن أم سلمة طافت وأرادت الخروج فقال لها: «إذا أقيمت صلاة الصبح، فطوفي على بعيرك والناس يصلون» فذكر الحديث.
فأما ما رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة أن رسول الله ﷺ أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة.
فهو إسناد كما ترى على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من هذا الوجه بهذا اللفظ، ولعل قوله: يوم النحر، غلط من الراوي أو من الناسخ، وإنما هو يوم النفر، ويؤيده ما ذكرناه من رواية البخاري، والله أعلم.
والمقصود: أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعا، ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الأسود، وبين باب الكعبة، فدعا الله عز وجل وألزق جسده بجدار الكعبة.
قال الثوري عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: رأيت رسول الله ﷺ يلزق وجهه وصدره بالملتزم المثنى - ضعيف -.