→ باب بيان أنه عليه السلام لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة | البداية والنهاية – الجزء الخامس باب خروجه عليه السلام من المدينة لحجة الوداع ابن كثير |
باب صفة خروجه عليه السلام من المدينة إلى مكة للحج ← |
بعد ما استعمل عليها أبا دجانة سماك بن حرشة الساعدي، ويقال: سباع بن عرفطة الغفاري.
قال محمد بن إسحاق: فلما دخل على رسول الله ﷺ ذو القعدة من سنة عشر تجهز للحج، وأمرالناس بالجهاز له، فحدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: خرج رسول الله ﷺ إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة، وهذا إسناد جيد.
وروى الإمام مالك في موطائه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة.
ورواه الإمام أحمد عن عبد الله بن نمير، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة عنها.
وهو ثابت في الصحيحين، وسنن النسائي، وابن ماجه، ومصنف ابن أبي شيبة، من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج، الحديث بطوله، كما سيأتي.
وقال البخاري: حدثنا محمد ابن أبي بكر المقدمي، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة، أخبرني كريب عن ابن عباس قال: انطلق النبي ﷺ من المدينة بعد ما ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه، ولم ينه عن شيء من الأردية، ولا الأرز إلا المزعفرة التي تردع الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتى استوى على البيداء، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لخمس خلون من ذي الحجة.
تفرد به البخاري.
فقوله: وذلك لخمس بقين من ذي القعدة إن أراد به صبيحة يومه بذي الحليفة، صح قول ابن حزم في دعواه، أنه ﷺ خرج من المدينة يوم الخميس، وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة، وأصبح بها يوم الجمعة، وهو اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.
وإن أراد ابن عباس بقوله: وذلك لخمس من ذي القعدة يوم انطلاقه عليه السلام من المدينة، بعد ما ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه، كما قالت عائشة وجابر: أنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، بعد قول ابن حزم، وتعذر المصير إليه، وتعين القول بغيره، ولم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة، إن كان شهر ذي القعدة كاملا، ولا يجوز أن يكون خروجه عليه السلام من المدينة كان يوم الجمعة.
لما روى البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، ثنا أيوب عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: صلى رسول الله ﷺ ونحن معه الظهر بالمدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله عز وجل، وسبح، ثم أهل بحج وعمرة.
وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن قتيبة بن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك: أن رسول الله ﷺ صلى الظهر بالمدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان، عن محمد يعني: ابن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس بن مالك: أن رسول الله ﷺ صلى الظهر بالمدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين.
ورواه البخاري عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري به.
وأخرجه مسلم وأبو داود، والنسائي من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن المنذر، وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس به.
وقال أحمد: ثنا محمد بن بكير، ثنا ابن جريج عن محمد بن المنذر، عن أنس قال: صلى بنا رسول الله ﷺ بالمدينة الظهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح، فلما ركب راحلته واستوت به أهل.
وقال أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن المنذر التيمي عن أنس بن مالك الأنصاري قال: صلى بنا رسول الله ﷺ الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات، ثم صلى بنا العصر بذي الحليفة ركعتين، آمنا لا يخاف في حجة الوداع.
تفرد به أحمد، من هذين الوجهين الآخرين، وهما على شرط الصحيح، وهذه ينفي كون خروجه عليه السلام يوم الجمعة قطعا، ولا يجوز على هذا أن يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم، لأنه كان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة، لأنه لا خلاف أن أول ذي الحجة كان يوم الخميس، لما ثبت بالتواتر والإجماع من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة، وهو تاسع ذي الحجة بلا نزاع، فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة لبقي في الشهر ست ليال قطعا، ليلة الجمعة والسبت، والأحد والإثنين، والثلاثاء والأربعاء، فهذه ست ليال.
وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر: أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة، وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس، فتعين على هذا أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم السبت، وظن الراوي أن الشهر يكون تاما فاتفق في تلك السنة نقصانه، فانسلخ يوم الأربعاء، واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس.
ويؤيده ما وقع في رواية جابر: لخمس بقين أو أربع، وهذا التقرير على هذا التقدير لا محيد عنه ولا بد منه، والله أعلم.