→ صفة كفنه عليه الصلاة والسلام | البداية والنهاية – الجزء الخامس كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ابن كثير |
صفة دفنه عليه السلام وأين دفن ← |
وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي من حديث الأشعث بن طليق البزار من حديث الأصبهاني كلاهما عن مرة، عن ابن مسعود، في وصية النبي ﷺ أن يغسله رجال أهل بيته وأنه قال: «كفنوني في ثيابي هذه، أو في يمانية، أو بياض مصر» وأنه إذا كفنوه يضعونه على شفير قبره، ثم يخرجون عنه حتى تصلي عليه الملائكة، ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه، ثم الناس بعدهم فرادى، الحديث بتمامه وفي صحته نظر كما قدمنا، والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما مات رسول الله ﷺ أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا لم يأمهم على رسول الله ﷺ أحد.
وقال الواقدي: حدثني أبي بن عياش بن سهل بن سعد عن أبيه، عن جده قال: لما أدرج رسول الله ﷺ في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع على شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم عليه أحد.
قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال: وجدت كتابا بخط أبي فيه أنه لما كفن رسول الله ﷺ ووضع على سريره، دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله ﷺ: اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه، وتمت كلمته، وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رؤفا رحيما، لا نبتغي بالإيمان به بديلا، ولا نشتري به ثمنا أبدا.
فيقول الناس: آمين آمين، ويخرجون ويدخل آخرون، حتى صلى الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان.
وقد قيل: أنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الإثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء، وقيل: إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه، كما سيأتي بيان ذلك قريبا، والله أعلم.
وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله، فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك، ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه، وليس لأحد أن يقول: لأنه لم يكن لهم إمام، لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
وقد قال بعض العلماء: إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة، من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم، ونساءهم، وصبيانهم، حتى العبيد والإماء.
وأما السهيلي فقال ما حاصله: أن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل.
قال: وأيضا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة، فالله أعلم.
وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة:
فقيل: نعم لأن جسده عليه السلام طري في قبره، لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها، فهو كالميت اليوم.
وقال آخرون: لا يفعل، لأن السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه، ولو كان مشروعا لبادروا إليه، ولثابروا عليه، والله أعلم.