→ فصل ارتداد العرب بوفاته صلى الله عليه وسلم | البداية والنهاية – الجزء الخامس فصل قصائد حسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن كثير |
باب ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ← |
وقد ذكر ابن إسحاق وغيره قصائد لحسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله ﷺ ومن أجل ذلك وأفصحه وأعظمه ما رواه عبد الملك بن هشام رحمه الله عن أبي زيد الأنصاري أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال يبكي رسول الله ﷺ:
بطيبة رسم للرسول ومعهد * منير وقد تعفو الرسوم وتمهد
ولا تمتحى الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آيات وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها * من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها * أتاها البلا فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده * وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت * عيون ومثلاها من الجن تسعد
يذكرن آلاء الرسول ولا أرى * لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد * فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره * ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها * على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
تهيل عليه الترب أيد وأعين * عليه الترب وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة * عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم * وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
ويبكون من تبكي السموات يومه * ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك * رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم * وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به * وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا * معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم * وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله * فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبيناهم في نعمة الله وسطهم * دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى * حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنى جناحه * إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبيناهم في ذلك النور إذ غدا * إلى نورهم منهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا * يبكيه جفن المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها * لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها * فقيد يبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء له فيها مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت * ديار وعرصات وربع ومولد
فبكي رسول الله يا عين عبرة * ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
ومالك لا تبكين ذا النعمة التي * على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي * لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد * ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة * وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد * إذا ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى * وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا * دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا * وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم بتمامه * على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه * فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلفي لما قلت عائب * من الناس إلا عازب القول مبعد
وليس هوائي نازعا عن ثنائه * لعلي به في جنة الخلد مبعد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره * وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
وقال الحافظ أبو القاسم السهيلي في آخر كتابه (الروض)، وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يبكي رسول الله ﷺ:
أرقت فبات ليلي لا يزول * وليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما * أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت * عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها * تكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحي والتنزيل فينا * يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه * نفوس الناس أو كربت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا * بما يوحى إليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ضلالا * علينا والرسول لنا دليل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر * وإن لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر * وفيه سيد الناس الرسول