→ فصل في ذكر سراريه عليه السلام | البداية والنهاية – الجزء الخامس فصل في ذكر أولاده عليه الصلاة والسلام ابن كثير |
باب ذكر عبيده عليه الصلاة والسلام وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه ← |
لا خلاف أن جميع أولاده من خديجة بنت خويلد، سوى إبراهيم فمن مارية بنت شمعون القبطية.
قال محمد بن سعد: أنبأنا هشام بن الكلبي، أخبرني أبي عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: كان أكبر ولد رسول الله ﷺ القاسم، ثم زينب، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، فمات القاسم - وهو أول ميت من ولده بمكة - ثم مات عبد الله فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع نسله فهو أبتر فأنزل الله عز وجل: «إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر».
قال: ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، فمات ابن ثمانية عشر شهرا.
وقال أبو الفرج المعافي بن زكريا الجريري: ثنا عبد الباقي بن نافع، ثنا محمد بن زكريا، ثنا العباس بن بكار، حدثني محمد بن زياد والفرات بن السائب عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: ولدت خديجة من النبي ﷺ عبد الله بن محمد، ثم أبطأ عليه الولد من بعده، فبينا رسول الله يكلم رجلا والعاص بن وائل ينظر إليه، إذ قال له رجل: من هذا؟
قال له: هذا الأبتر، وكانت قريش إذا ولد للرجل، ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا: هذا الأبتر.
فأنزل الله: «إن شانئك هو الأبتر» أي مبغضك هو الأبتر من كل خير.
قال: ثم ولدت له زينب، ثم ولدت له رقية، ثم ولدت له القاسم، ثم ولدت الطاهر، ثم ولدت المطهر، ثم ولدت الطيب، ثم ولدت المطيب، ثم ولدت أم كلثوم، ثم ولدت فاطمة وكانت أصغرهم، وكانت خديجة إذا ولدت ولدا دفعته إلى من يرضعه، فلما ولدت فاطمة لم يرضعها غيرها.
وقال الهيثم بن عدي: حدثنا هشام بن عروة عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: كان للنبي ﷺ ابنان طاهر، والطيب، وكان يسمى أحدهما: عبد شمس، والآخر: عبد العزى، وهذا فيه نكارة، والله أعلم.
وقال محمد بن عائذ: أخبرني الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز، أن خديجة ولدت القاسم، والطيب، والطاهر، ومطهر، وزينب، ورقية، وفاطمة، وأم كلثوم.
وقال الزبير بن بكار: أخبرني عمي مصعب بن عبد الله قال: ولدت خديجة القاسم، والطاهر، وكان يقال له: الطيب، وولد الطاهر بعد النبوة، ومات صغيرا، واسمه عبد الله، وفاطمة، وزينب، ورقية، وأم كلثوم.
قال الزبير: وحدثني إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود أن خديجة ولدت القاسم، والطاهر، والطيب، وعبد الله، وزينب، ورقية، وفاطمة، وأم كلثوم.
وحدثني محمد بن فضالة عن بعض من أدرك من المشيخة قال: ولدت خديجة القاسم، وعبد الله، فأما القاسم فعاش حتى مشى، وأما عبد الله فمات وهو صغير.
وقال الزبير بن بكار: كانت خديجة تذكر في الجاهلية الطاهرة بنت خويلد، وقد ولدت لرسول الله ﷺ القاسم وهو أكبر ولده، وبه كان يكنى، ثم زينب، ثم عبد الله، وكان يقال له: الطيب، ويقال له: الطاهر ولد بعد النبوة، ومات صغيرا، ثم ابنته أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، هكذا الأول فالأول، ثم مات القاسم بمكة، وهو أول ميت من ولده، ثم مات عبد الله، ثم ولدت له مارية بنت شمعون إبراهيم وهي القبطية التي أهداها المقوقس صاحب إسكندرية، وأهدى معها أختها شيرين، وخصيا يقال له: مابور، فوهب شيرين لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن، وقد انقرض نسل حسان بن ثابت.
وقال أبو بكر بن الرقي: يقال: إن الطاهر هو الطيب، وهو عبد الله، ويقال: إن الطيب والمطيب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن.
وقال المفضل ابن غسان عن أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج عن مجاهد قال: مكث القاسم ابن النبي ﷺ سبع ليال، ثم مات.
قال المفضل: وهذا خطأ، والصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا.
وقال الحافظ أبو نعيم: قال مجاهد: مات القاسم وله سبعة أيام.
وقال الزهري: وهو ابن سنتين.
وقال قتادة: عاش حتى مشى.
وقال هشام بن عروة: وضع أهل العراق ذكر الطيب والطاهر، فأما مشايخنا فقالوا: عبد العزى وعبد مناف والقاسم، ومن النساء: رقية، وأم كلثوم، وفاطمة، هكذا رواه ابن عساكر، وهو منكر، والذي أنكره هو المعروف، وسقط ذكر زينب ولا بد منها، والله أعلم.
فأما زينب فقال عبد الرزاق عن ابن جريج قال لي غير واحد: كانت زينب أكبر بنات رسول الله ﷺ، وكانت فاطمة أصغرهن وأحبهن إلى رسول الله ﷺ، وتزوج زينب أبو العاص بن الربيع فولدت منه عليا وأمامة، وهي التي كان رسول الله ﷺ يحملها في الصلاة، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها، ولعل ذلك كان بعد موت أمها سنة ثمان من الهجرة على ما ذكره الواقدي، وقتادة، وعبد الله ابن أبي بكر بن حزم وغيرهم، وكأنها كانت طفلة صغيرة، فالله أعلم.
وقد تزوجها علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت فاطمة على ما سيأتي إن شاء الله، وكانت وفاة زينب رضي الله عنها في سنة ثمان، قاله قتادة عن عبد الله ابن أبي بكر بن حزم، وخليفة بن خياط، وأبو بكر ابن أبي خيثمة، وغير واحد.
وقال قتادة عن ابن حزم: في أول سنة ثمان.
وذكر حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه أنها لما هاجرت دفعها رجل فوقعت على صخرة فأسقطت حملها، ثم لم تزل وجعة حتى ماتت، فكانوا يرونها ماتت شهيدة.
وأما رقية فكان قد تزوجها أولا ابن عمها عتبة ابن أبي لهب، كما تزوج أختها أم كلثوم أخوه عتيبة ابن أبي لهب، ثم طلقاهما قبل الدخول بهما بغضة في رسول الله ﷺ حين أنزل الله: { تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد }. [سورة المسد] .
فتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه رقية، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ويقال: إنه أول من هاجر إليها، ثم رجعا إلى مكة كما قدمنا، وهاجرا إلى المدينة، وولدت له ابنه عبد الله فبلغ ست سنين فنقره ديك في عينيه فمات، وبه كان يكنى أولا، ثم اقتفى بابنه عمرو وتوفيت، وقد انتصر رسول الله ﷺ ببدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، ولما أن جاء البشير بالنصر إلى المدينة - وهو زيد بن حارثة - وجدهم قد ساووا على قبرها التراب، وكان عثمان قد أقام عليها يمرضها بأمر رسول الله ﷺ وضرب له بسهمه وأجره، ولما رجع زوجه بأختها أم كلثوم أيضا، ولهذا كان يقال له: ذو النورين، ثم ماتت عنده في شعبان سنة تسع ولم تلد له شيئا، وقد قال رسول الله ﷺ: «لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان» وفي رواية قال رسول الله ﷺ: «لو كن عشرا لزوجتهن عثمان».
وأما فاطمة فتزوجها ابن عمها علي ابن أبي طالب في صفر سنة اثنتين، فولدت له الحسن، والحسين ويقال: ومحسن، وولدت له أم كلثوم، وزينب، وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام ولايته بأم كلثوم بنت علي ابن أبي طالب من فاطمة، وأكرمها إكراما زائدا، أصدقها أربعين ألف درهم لأجل نسبها من رسول الله ﷺ، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب، ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر فمات عنها، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها، فتزوجها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده، وقد كان عبد الله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت علي وماتت عنده أيضا.
وتوفيت فاطمة بعد رسول الله ﷺ بستة أشهر على أشهر الأقوال، وهذا الثابت عن عائشة في الصحيح، وقاله الزهري أيضا.
وأبو جعفر الباقر وعن الزهري بثلاثة أشهر.
وقال أبو الزبير: بشهرين.
وقال أبو بريدة: عاشت بعده سبعين من بين يوم وليلة.
وقال عمرو بن دينار: مكثت بعده ثمانية أشهر، وكذا قال عبد الله بن الحارث وفي رواية عن عمرو بن دينار: بأربعة أشهر.
وأما إبراهيم فمن مارية القبطية كما قدمنا، وكان ميلاده في ذي الحجة سنة ثمان، وقد روي عن ابن لهيعة وغيره، عن عبد الرحمن بن زياد قال: لما حبل بإبراهيم أتى جبريل فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، إن الله قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية، وأمرك أن تسميه إبراهيم، فبارك الله لك فيه، وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة.
وروى الحافظ أبو بكر البزار عن محمد بن مسكين، عن عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عقيل ويزيد ابن أبي حبيب، عن الزهري، عن أنس قال: لما ولد للنبي ﷺ ابنه إبراهيم وقع في نفسه منه شيء، فأتاه جبريل فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم.
وقال أسباط عن السدي - وهو إسماعيل بن عبد الرحمن - قال: سألت أنس بن مالك قلت: كم بلغ إبراهيم ابن النبي ﷺ من العمر؟
قال: قد كان ملأ مهده، ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبق لأن نبيكم ﷺ آخر الأنبياء.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان عن السدي، عن أنس بن مالك قال: لو عاش إبراهيم ابن النبي ﷺ لكان صديقا نبيا.
وقال أبو عبيد الله ابن منده: ثنا محمد بن سعد ومحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عثمان العبسي، ثنا منجاب، ثنا أبو عامر الأسدي عن سفيان، عن السدي، عن أنس قال: توفي إبراهيم ابن النبي ﷺ وهو ابن ستة عشر شهرا فقال رسول الله: «إدفنوه البقيع، فإن له مرضعا يتم رضاعه في الجنة».
وقال أبو يعلى: ثنا أبو خيثمة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن أنس قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله، كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة وكان ينطلق ونحن معه، فيدخل إلى البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره فينا، فيأخذه فيقبله ثم يرجع.
قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله: «إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة».
وقد روى جرير وأبو عوانة عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح أبي الضحى، عن البراء قال: توفي إبراهيم ابن رسول الله وهو ابن ستة عشر شهرا فقال: «إدفنوه في البقيع، فإن له مرضعا في الجنة».
ورواه أحمد من حديث جابر عن عامر، عن البراء.
وهكذا رواه سفيان الثوري عن فراس، عن الشعبي، عن البراء بن عازب بمثله.
وكذا رواه الثوري أيضا عن أبي إسحاق، عن البراء.
وأورد له ابن عساكر من طريق عتاب بن محمد بن شوذب عن عبد الله ابن أبي أوفى قال: توفي إبراهيم فقال رسول الله: «يرضع بقية رضاعه في الجنة».
وقال أبو يعلى الموصلي: ثنا زكريا بن يحيى الواسطي، ثنا هشيم عن إسماعيل قال: سألت ابن أبي أوفى - أو سمعته يسأل - عن إبراهيم ابن النبي ﷺ.
فقال: مات وهو صغير، ولو قضي أن يكون بعد النبي ﷺ نبي لعاش.
وروى ابن عساكر من حديث أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، ثنا عبيد بن إبراهيم الجعفي، ثنا الحسن ابن أبي عبد الله الفراء، ثنا مصعب بن سلام عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «لو عاش إبراهيم لكان نبيا».
وروى ابن عساكر من حديث محمد ابن إسماعيل بن سمرة عن محمد بن الحسن الأسدي، عن أبي شيبة، عن أنس قال: لما مات إبراهيم قال رسول الله ﷺ: «لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه» فجاء فانكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه ﷺ.
قلت: أبو شيبة هذا لا يتعامل بروايته.
ثم روى من حديث مسلم بن خالد الزنجي عن ابن خيثم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: لما توفي إبراهيم بكى رسول الله ﷺ.
قال أبو بكر وعمر: أنت أحق من علم لله حقه.
فقال: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم وجدا أشد مما وجدنا، وإن بك يا إبراهيم لمحزونون».
وقال الإمام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل عن جابر، عن الشعبي، عن البراء قال: صلى رسول الله ﷺ على ابنه إبراهيم، ومات وهو ابن ستة عشر شهرا وقال: «إن له في الجنة من يتم رضاعه، وهو صديق».
وقد روى من حديث الحكم بن عيينة عن الشعبي، عن البراء.
وقال أبو يعلى: ثنا القواريري، ثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن ابن أبي أوفى قال: صلى رسول الله ﷺ على ابنه وصليت خلفه، وكبر عليه أربعا.
وقد روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: مات إبراهيم ابن رسول الله وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه.
وروى ابن عساكر من حديث إسحاق بن محمد الفروي عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب، عن أبيه، عن أبي جده، عن علي قال: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله ﷺ بعث علي ابن أبي طالب إلى أمه مارية القبطية، وهي في مشربة، فحمله علي في سفط وجعله بين يديه على الفرس، ثم جاء به إلى رسول الله ﷺ فغسله وكفنه، وخرج به، وخرج الناس معه فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد، فدخل علي في قبره حتى سوى عليه ودفنه، ثم خرج ورش على قبره، وأدخل رسول الله يده في قبره فقال: «أما والله إنه لنبي ابن نبي» وبكى رسول الله ﷺ وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت ثم قال رسول الله ﷺ: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون».
وقال الواقدي: مات إبراهيم ابن رسول الله ﷺ يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في بني مازن بن النجار، في دار أم برزة بنت المنذر، ودفن بالبقيع.
قلت: وقد قدمنا أن الشمس كسفت يوم موته فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم فخطب رسول الله فقال في خطبته: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته»
قاله الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر.