→ وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل وأربد بن مقيس | البداية والنهاية – الجزء الخامس قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا على قومه ابن كثير |
فصل إسلام ضماد الأزدي وقومه ← |
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب، عن ابن عباس قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله ﷺ فقدم إليه، وأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله ﷺ جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله ﷺ في أصحابه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟
فقال رسول الله ﷺ «أنا ابن عبد المطلب».
فقال: يا محمد.
قال: «نعم».
قال: يابن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك.
قال: «لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك».
فقال: أنشدك إلهك، وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله بعثك إلينا رسولا؟
قال: «اللهم نعم!».
قال: فأنشدك الله، إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟
قال: «اللهم نعم!».
قال: فأنشدك الله، إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟
قال: «نعم!».
قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة، فريضة، الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع الإسلام كلها، ينشده عند كل فريضة منها، كما يشهده في التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص، ثم انصرف إلى بعيره راجعا.
قال: فقال رسول الله ﷺ: «إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة».
قال: فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم أن قال: بئست اللات والعزى.
فقالوا: مه يا ضمام، اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون.
فقال: ويلكم إنهما والله لا يضران، ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولا، وأنزل عليه كتابا، استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به، وما نهاكم عنه.
قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم، وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما.
قال: يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.
وهكذا رواه الإمام أحمد عن يعقوب بن إبراهيم الزهري، عن أبيه، عن ابن إسحاق فذكره.
وقد روى هذا الحديث أبو داود من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق، عن سلمة بن كهيل، ومحمد بن الوليد بن نويفع، عن كريب، عن ابن عباس بنحوه.
وفي هذا السياق ما يدل على أنه رجع إلى قومه قبل الفتح، لأن العزى خربها خالد بن الوليد أيام الفتح.
وقد قال الواقدي: حدثني أبو بكر ابن عبد الله ابن أبي سبرة عن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بكر في رجب سنة خمس ضمام بن ثعلبة، وكان جلدا أشعر ذا غديرتين وافدا إلى رسول الله ﷺ فأقبل حتى وقف على رسول الله ﷺ فسأله فأغلظ في المسئلة، سأله عمن أرسله، وبما أرسله؟ وسأله عن شرائع الإسلام، فأجابه رسول الله ﷺ في ذلك كله، فرجع إلى قومه مسلما، قد خلع الأنداد، فأخبرهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما، وبنو المساجد وأذنوا بالصلاة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، ثنا سليمان - يعني: ابن المغيرة - عن ثابت، عن أنس ابن مالك قال: كنا نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل يسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك.
قال: «صدق!».
قال: فمن خلق السموات؟
قال: «الله».
قال: فمن خلق الأرض؟
قال: «الله».
قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟
قال: «الله».
قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟
قال: «نعم!».
قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا.
قال: «صدق».
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟
قال: «نعم!».
قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا.
قال: «صدق».
قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟
قال: «نعم!».
قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا.
قال: «صدق».
قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟
قال: «نعم!».
قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا.
قال: «صدق».
قال: ثم ولى، فقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئا، ولا أنقص عليهن شيئا.
فقال النبي ﷺ: «إن صدق ليدخلن الجنة».
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما بأسانيد وألفاظ كثيرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقد رواه مسلم من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة.
وعلقه البخاري من طريقه، وأخرجه من وجه آخر بنحوه.
فقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، ثنا ليث، حدثني سعيد ابن أبي سعيد عن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول: بينا نحن عند رسول الله ﷺ جلوس في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟.
ورسول الله متكئ بين ظهرانيهم.
قال: فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ.
فقال الرجل: يا ابن عبد المطلب.
فقال رسول الله ﷺ: «قد أجبتك».
فقال الرجل: يا محمد إني سائلك فمشتد عليك المسألة، فلا تجد علي في نفسك.
فقال: «سل ما بدا لك».
فقال الرجل: أسألك بربك، ورب من كان قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟
فقال رسول الله ﷺ: «اللهم نعم!».
قال: فأنشدك الله، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟
فقال رسول الله ﷺ: «اللهم نعم!».
قال: أنشدك الله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟
فقال رسول الله ﷺ: «نعم!».
قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني يعد بن بكر.
وقد رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، عن الليث بن سعد، عن سعيد المقبري به.
وهكذا رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن الليث به.
والعجب أن النسائي رواه من طريق آخر عن الليث، قال: حدثني ابن عجلان، وغيره من أصحابنا عن سعيد المقبري، عن شريك، عن أنس بن مالك فذكره.
وقد رواه النسائي أيضا من حديث عبيد الله العمري، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، فلعله عن سعيد المقبري من الوجهين جميعا.