→ وفد السباع | البداية والنهاية – الجزء الخامس فصل ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة ابن كثير |
سنة عشر من الهجرة باب بعث رسول الله خالد بن الوليد ← |
وقد تقدم ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة، وقد تقصينا الكلام في ذلك عند قوله تعالى في سورة الأحقاف: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن»، فذكرنا ما ورد من الأحاديث في ذلك والآثار، وأوردنا حديث سواد بن قارب الذي كان كاهنا فأسلم، وما رواه عن رئيه الذي كان يأتيه بالخبر حين أسلم الرئي، حين قال له:
عجبت للجن وأنجاسها * وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمن الجن كأرجاسها
فانهض إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى راسها
ثم قوله:
عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ليس قدامها كأذنابها
فانهض إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى بابها
ثم قوله: عجبت للجن وتخبارها * وشدها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ليس ذوو الشر كأخيارها
فانهض إلى الصفوة من هاشم * ما مؤمنوا الجن ككفارها
وهذا وأمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة، وقد قررنا ذلك هنالك بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق.
وقد أورد الحافظ أبو بكر البيهقي ها هنا حديثا غريبا جدا، بل منكرا أو موضوعا ولكن مخرجه عزيز، أحببنا أن نورده كما أورده، والعجب منه فإنه قال في (دلائل النبوة) باب ماروي في قدوم هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس على النبي ﷺ وإسلامه:
أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله، أنبأنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل القاري المروزي، ثنا عبد الله بن حماد الآملي، ثنا محمد ابن أبي معشر، أخبرني أبي عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: بينا نحن قعود مع النبي ﷺ على جبل من جبال تهامة، إذ أقبل شيخ بيده عصا فسلم على النبي ﷺ، فرد عليه السلام، ثم قال: «نغمة جن وغمغمتهم، من أنت؟»
قال: أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس.
فقال النبي ﷺ: «فما بينك وبين إبليس إلا أبوان، فكم أتى لك من الدهر؟»
قال: قد أفنيت الدنيا عمرها إلا قليلا ليال قتل قابيل هابيل كنت غلاما ابن أعوام، أفهم الكلام وأمر بالآكام، وآمر بإفساد الطعام وقطيعة الأرحام.
فقال رسول الله ﷺ: «بئس عمل الشيخ المتوسم، والشاب المتلوم».
قال: ذرني من الترداد إني تائب إلى الله عز وجل، إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني.
وقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
قال: قلت: يا نوح إني كنت ممن اشترك في دم السعيد الشهيد هابيل بن آدم، فهل تجد لي عندك توبة؟
قال: يا هام هم بالخير وافعله قبل الحسرة والندامة، إني قرأت فيما أنزل الله علي أنه ليس من عبد تاب إلى الله بالغ أمره ما بلغ إلا تاب الله عليه، قم فتوضأ واسجد لله سجدتين.
قال: ففعلت من ساعتي ما أمرني به، فناداني ارفع رأسك، فقد نزلت توبتك من السماء، فخررت لله ساجدا.
قال: وكنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني.
فقال: لاجرم إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
قال: وكنت مع صالح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني.
وقال: أنا على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
وكنت أزور يعقوب، وكنت مع يوسف في المكان الأمين، وكنت ألقى إلياس في الأودية وأنا ألقاه الآن، وإني لقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة.
وقال: إن لقيت عيسى بن مريم فأقره مني السلام، وإني لقيت عيسى بن مريم فأقرأته عن موسى السلام.
وإن عيسى قال: إن لقيت محمدا ﷺ فأقرئه مني السلام، فأرسل رسول الله ﷺ عينيه فبكى.
ثم قال: «وعلى عيسى السلام ما دامت الدنيا، وعليك السلام يا هام بأدائك الأمانة».
قال: يا رسول الله إفعل بي ما فعل بي موسى إنه علمني من التوراة.
قال: فعلمه رسول الله ﷺ «إذا وقعت الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، والمعوذتين، وقل هو الله أحد».
وقال: «ارفع إلينا حاجتك يا هامة، ولا تدع زيارتنا».
قال عمر: فقبض رسول الله ﷺ ولم يعد إلينا، فلا ندري الآن أحي هو أم ميت؟
ثم قال البيهقي: ابن أبي معشر هذا قد روى عنه الكبار إلا أن أهل العلم بالحديث يضعفونه، وقد روي هذا الحديث من وجه آخر هو أقوى منه، والله أعلم.