الرئيسيةبحث

البداية والنهاية/الجزء الخامس/احتضاره ووفاته عليه السلام


احتضاره ووفاته عليه السلام


قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله هو: ابن مسعود قال: دخلت على النبي ﷺ وهو يوعك، فمسسته فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا.

قال: «أجل!إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم».

قلت: إن لك أجرين؟

قال: «نعم!والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها».

وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الأعمش به.

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا إسحاق ابن أبي إسرائيل، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم، عن رجل، عن أبي سعيد الخدري قال: وضع يده على النبي ﷺ فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك.

فقال النبي ﷺ: «إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان الرجل ليبتلى بالعري حتى يأخذ العباءة فيجوبها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء» فيه رجل مبهم لا يعرف بالكلية، فالله أعلم.

وقد روى البخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، زاد مسلم - وجرير - ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن مسروق، عن عائشة قالت: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله ﷺ.

وفي صحيح البخاري من حديث يزيد بن الهاد عن عبد الرحيم بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: مات رسول الله ﷺ بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد بعد النبي ﷺ.

وفي الحديث الآخر الذي رواه البخاري في صحيحه قال: قال رسول الله: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء».

وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن محمد بن أسامة بن زيد قال: لما ثقل رسول الله ﷺ هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة، فدخلت على رسول الله وقد أصمت فلا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء، ثم يصيبها على وجهه، أعرف أنه يدعو لي.

ورواه الترمذي عن أبي كريب، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق وقال: حسن غريب.

وقال الإمام مالك في موطئه عن إسماعيل ابن أبي حكيم، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول الله ﷺ أن قال: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب».

هكذا رواه مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

وقد روى البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا».

وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو بكر ابن أبي رجاء الأديب، أنبأنا أبو العباس الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو بكر ابن عياش عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول قبل موته بثلاث: «أحسنوا الظن بالله»

وفي بعض الأحاديث كما رواه مسلم من حديث الأعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى».

وفي الحديث الآخر يقول الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي خيرا».

وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، حدثنا الأصم، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، ثنا جرير عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس قال: كانت عامة وصية رسول الله ﷺ حين حضره الوفاة: الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل يغرغر بها في صدره، وما يفصح بها لسانه.

وقد رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، عن جرير بن عبد الحميد به.

وابن ماجه عن أبي الأشعث، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، ثنا التيمي عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: كانت عامة وصية رسول الله ﷺ حين حضر الموت: الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل رسول الله ﷺ يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه.

وقد رواه النسائي وابن ماجه من حديث سليمان بن طرخان - وهو التيمي - عن قتادة، عن أنس به.

وفي رواية النسائي عن قتادة، عن صاحب له، عن أنس به.

وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى الراسبي، ثنا عمر بن الفضيل عن نعيم بن يزيد، عن علي ابن أبي طالب قال: أمرني رسول الله ﷺ أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده.

قال: فخشيت أن تفوتني نفسه.

قال: قلت: إني أحفظ وأعي قال: «أوصي بالصلاة، والزكاة، وما ملكت أيمانكم» تفرد به أحمد من هذا الوجه.

وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، ثنا أبو عوانة عن قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: كان عامة وصية رسول الله ﷺ عند موته: الصلاة، وما ملكت إيمانكم، حتى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه.

وهكذا رواه النسائي عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريع، عن سعد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة به.

قال البيهقي: والصحيح ما رواه عفان عن همام، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن سفينة، عن أم سلمة به.

وهكذا رواه النسائي أيضا وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون عن همام، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن سفينة، عن أم سلمة به.

وقد رواه النسائي أيضا عن قتيبة، عن أبي عوانة، عن قتادة، عن سفينة، عن النبي ﷺ فذكره.

ثم رواه عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن يونس بن محمد قال: حدثنا عن سفينة، فذكر نحوه.

وقال أحمد: ثنا يونس، ثنا الليث عن يزيد بن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن القاسم، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله ﷺ وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: «اللهم أعني على سكرات الموت».

ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث الليث به.

وقال الترمذي: غريب.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن إسماعيل، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة، عن عائشة عن النبي ﷺ أنه قال: «ليهون علي أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة» تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به.

وهذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضي الله عنها وقد ذكر الناس معاني كثيرة في كثرة المحبة، ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ، وما ذاك إلا لأنهم يبالغون كلاما لا حقيقة له، وهذا كلام حق لا محالة ولا شك فيه.

وقال حماد بن زيد عن أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: توفي رسول الله ﷺ في بيتي ويومي، وتوفي بين سحري ونحري، وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه، فرفع بصره إلى السماء وقال: «في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى» ودخل عبد الرحمن ابن أبي بكر وبيده جريدة رطبة فنظر إليه، فظننت أن له بها حاجة قالت: فأخذتها فنفضتها، فدفعتها إليه فاستن بها أحسن ما كان مستنا، ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده قالت: فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة.

ورواه البخاري عن سليمان بن جرير، عن حماد بن زيد به.

وقال البيهقي: أنبانا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا داود بن عمرو بن زهير الضبي، ثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد ابن أبي حسين، أنبأنا ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول: إن من نعمة الله علي أن رسول الله ﷺ توفي في يومي، وفي بيتي، وبين سحري ونحري، وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت.

قالت: دخل علي أخي بسواك معه، وأنا مسندة رسول الله ﷺ إلى صدري، فرأيته ينظر إليه وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه، فقلت: آخذه لك، فأراد برأسه أي نعم!فلينته له، فأمره على فيه قالت: وبين يديه ركوة، أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ثم يقول: «لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات» ثم نصب إصبعه اليسرى وجعل يقول: «في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى» حتى قبض ومالت يده على الماء.

ورواه البخاري عن محمد، عن عيسى بن يونس.

وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم سمعت عروة يحدث عن عائشة قالت: كنا نحدث أن النبي لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة، قالت: فلما كان مرض رسول الله ﷺ الذي مات فيه عرضت له بحة فسمعته يقول: «مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا».

قالت عائشة: فظننا أنه كان يخير.

وأخرجاه من حديث شعبة به.

وقال الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ يقول وهو صحيح: «إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير».

قالت عائشة: فلما نزل برسول الله ﷺ ورأسه على فخذي - غشي عليه ساعة ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت وقال: «اللهم الرفيق الأعلى» فعرفت أنه الحديث الذي كان حدثناه، وهو صحيح أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير.

قالت عائشة: فقلت: إذا لا تختارنا وقالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله ﷺ «الرفيق الأعلى».

أخرجاه من غير وجه عن الزهري به.

وقال سفيان هو الثوري - عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن أبي بردة، عن عائشة قالت: أغمي على رسول الله ﷺ وهو في حجري، فجعلت أمسح وجهه، وأدعو له بالشفاء فقال: «لا بل أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل، وميكائيل وإسرافيل».

رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به.

وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره قالوا: ثنا أبو العباس الأصم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ثنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله ﷺ وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى صدرها يقول: «اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق».

أخرجاه من حديث هشام بن عروة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد سمعت عائشة تقول: مات رسول الله ﷺ بين سحري ونحري وفي دولتي، ولم أظلم فيه أحدا فمن سفهي وحداثة سني، أن رسول الله ﷺ قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألدم مع النساء وأضرب وجهي.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، ثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: قالت عائشة: كان رسول الله ﷺ يقول: «ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب، ثم ترد إليه فيخير بين أن ترد إليه وبين أن يلحق» فكنت قد حفظت ذلك منه، فإني لمسندته إلى صدري، فنظرت إليه حين مالت عنقه، فقلت: قد قضى فعرفت الذي قال، فنظرت إليه حين ارتفع فنظر قالت: قلت: إذا والله لا يختارنا فقال: «مع الرفيق الأعلى في الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا».

تفرد به أحمد، ولم يخرجوه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا همام، أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: قبض رسول الله ﷺ ورأسه بين سحري ونحري قالت: فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها.

وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.

ورواه البيهقي من حديث حنبل بن إسحاق عن عفان.

وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، عن أبي عروة، عن أم سلمة قالت: وضعت يدي على صدر رسول الله ﷺ يوم مات، فمرت لي جمع آكل وأتوضأ، وما يذهب ريح المسك من يدي.

وقال أحمد: حدثنا عفان، وبهز قالا: ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حميد بن هلال عن أبي بردة قال: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت: إن رسول الله ﷺ قبض في هذين الثوبين.

وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق عن حميد بن هلال به.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة، أنبأنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة فاستأذنا عليها، فألقت لنا وسادة، وجذبت إليها الحجاب.

فقال صاحبي: يا أم المؤمنين، ما تقولين في العراك؟

قالت: وما العراك؟

فضربت منكب صاحبي.

قالت: مه، آذيت أخاك ثم قالت: ما العراك: المحيض!قولوا: ما قال الله عز وجل في المحيض ثم قالت: كان رسول الله ﷺ يتوشحني وينال من رأسي، وبيني وبينه ثوب وأنا حائض ثم قالت: كان رسول الله ﷺ إذا مر ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها، فمر ذات يوم فلم يقل شيئا، ثم مر فلم يقل شيئا، مرتين أو ثلاثا فقلت: يا جارية ضعي لي وسادة على الباب، وعصبت رأسي فمر بي فقال: «يا عائشة ما شأنك؟»

فقلت: أشتكي رأسي.

فقال: أنا وارأساه، فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء، فدخل علي وبعث إلى النساء فقال: «إني قد اشتكيت، وإني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإذن لي فلأكن عند عائشة، فكنت أمرضه ولم أمرض أحدا قبله، فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فخرجت من فيه نقطة باردة، فوقعت على نقرة نحري فاقشعر لها جلدي، فظننت أنه غشي عليه، فسجيته ثوبا، فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا، فأذنت لهما، وجذبت إلي الحجاب، فنظر عمر إليه فقال: واغشياه، ما أشد غشي رسول الله ﷺ ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله ﷺ.

فقلت: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة، إن رسول الله ﷺ لا يموت حتى يفني الله المنافقين.

قالت: ثم جاء أبو بكر، فرفعت الحجاب، فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله ﷺ ثم أتاه من قبل رأسه فحدرناه، فقبل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه فحدرناه، وقبل جبهته، ثم قال: واصفياه، ثم رفع رأسه وحدرناه، وقبل جبهته وقال: واخليلاه، مات رسول الله ﷺ وخرج إلى المسجد، وعمر يخطب الناس، ويتكلم ويقول: إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين.

فتكلم أبو بكر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الله يقول: { إنك ميت وإنهم ميتون } [الزمر: 30] . حتى فرغ من الآية { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه } [آل عمران: 144] حتى فرغ من الآية، ثم قال: فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمد فإن محمدا قد مات.

فقال عمر: أو إنها في كتاب الله؟ ما شعرت أنها في كتاب الله.

ثم قال عمر: يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة المسلمين، فبايعوه فبايعوه.

وقد روى أبو داود، والترمذي في (الشمائل) من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار عن أبي عمران الجوني به ببعضه.

وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبانا أبو بكر ابن إسحاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فيمم رسول الله ﷺ وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله، ثم بكى ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها.

قال الزهري: وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر!

فأبى عمر أن يجلس.

فقال: اجلس يا عمر.

فأبى عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر فأقبل الناس إليه فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } [آل عمران: 144] الآية.

قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها.

قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق، فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله ﷺ قد مات.

ورواه البخاري عن يحيى ابن بكير به.

وروى الحافظ البيهقي: من طريق ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله ﷺ قال: وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس، ويتوعد من قال مات، بالقتل والقطع ويقول: إن رسول الله ﷺ في غشية، لو قد قام قتل وقطع، وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم قائم في مؤخر المسجد يقرأ: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية والناس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون، فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس فقال: يا أيها الناس هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله ﷺ في وفاته فليحدثنا.

قالوا: لا!

قال: هل عندك يا عمر من علم؟

قال: لا!

فقال العباس: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إليه في وفاته، والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله ﷺ الموت.

قال: وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته، حتى نزل بباب المسجد وأقبل مكروبا حزينا، فاستأذن في بيت ابنته عائشة، فأذنت له فدخل ورسول الله ﷺ قد توفي على الفراش والنسوة حوله، فخمرن وجوههن، واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله ﷺ فحثى عليه يقبله ويبكي ويقول: ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئا، توفي رسول الله والذي نفسي بيده، رحمة الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حيا وميتا، ثم غشاه بالثوب، ثم خرج سريعا إلى المسجد يتخطى رقاب الناس، حتى أتى المنبر وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه، وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ونادى الناس فجلسوا وأنصتوا، فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد وقال: إن الله عز وجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز وجل قال تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية.

فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم.

وقد قال الله تعالى لمحمد ﷺ: { إنك ميت وإنهم ميتون } [الزمر: 30] .

وقال الله تعالى: { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون }. [القصص: 88] .

وقال تعالى: { كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }. [الرحمن: 26 - 27] .

وقال: { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } [آل عمران: 185] .

وقال: إن الله عمر محمدا ﷺ وأبقاه حتى أقام دين الله، وأظهر أمر الله، وبلغ رسالة الله، وجاهد في سبيل الله، ثم توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء، فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا وينزله إلها فقد هلك إلهه، فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمدا ﷺ وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله ﷺ فلا يبغين أحد إلا على نفسه.

ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله ﷺ، فذكر الحديث في غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه.

قلت: كما سنذكره مفصلا بدلائله وشواهده، إن شاء الله تعالى.

وذكر الواقدي عن شيوخه قالوا: ولما شك في موت النبي ﷺ فقال بعضهم: مات!

وقال بعضهم: لم يمت.

وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي رسول الله ﷺ فقالت: قد توفي رسول الله ﷺ وقد رفع الخاتم من بين كتفيه، فكان هذا الذي قد عرف به موته.

هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه (دلائل النبوة) من طريق الواقدي، وهو ضعيف، وشيوخه لم يسمون، ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح، وفيه غرابة شديدة وهو رفع الخاتم، فالله أعلم بالصواب.

وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها، ونكارة متونها، ولا سيما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم، فكثير منه موضوع لا محالة، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة والمروية في الكتب المشهورة غنية عن الأكاذيب، وما لا يعرف سنده، والله أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الخامس
ذكر غزوة تبوك في رجب 9 هجرية | فصل فيمن تخلف معذورا من البكائين وغيرهم | فصل تخلف عبد الله ابن أبي وأهل الريب عام تبوك | مروره صلى الله عليه وسلم بمساكن ثمود | ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم إلى تبوك إلى نخلة هناك | الصلاة على معاوية ابن أبي معاوية | قدوم رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك | مصالحته عليه السلام ملك أيلة وأهل جرباء وأذرح قبل رجوعه من تبوك | بعثه عليه السلام خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة | فصل | قصة مسجد الضرار | ذكر أقوام تخلفوا من العصاة غير هؤلاء | ما كان من الحوادث بعد منصرفه من تبوك | قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من سنة تسع | موت عبد الله بن أبي قبحه الله | فصل غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله عليه السلام | أبو بكر الصديق أميرا على الحج | موت النجاشي سنة تسع وموت أم كلثوم بنت رسول الله | كتاب الوفود الواردين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | حديث في فضل بني تميم | وفد بني عبد القيس | قصة ثمامة ووفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب | وفد أهل نجران | وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل وأربد بن مقيس | قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا على قومه | فصل إسلام ضماد الأزدي وقومه | وفد طيء مع زيد الخيل رضي الله عنه | قصة عدي بن حاتم الطائي | قصة دوس والطفيل بن عمرو | قدوم الأشعريين وأهل اليمن | قصة عمان والبحرين | وفود فروة بن مسيك المرادي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | قدوم عمرو بن معد يكرب في أناس من زبيد | قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة | قدوم أعشى بن مازن على النبي صلى الله عليه وسلم | قدوم صرد بن عبد الله الأزدي في نفر من قومه ثم وفود أهل جرش بعدهم | قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | قدوم جرير بن عبد الله البجلي وإسلامه | وفادة وائل بن حجر أحد ملوك اليمن | وفادة لقيط بن عامر المنتفق أبي رزين العقيلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | وفادة زياد بن الحارث رضي الله عنه | وفادة الحارث بن حسان البكري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | وفادة عبد الرحمن ابن أبي عقيل مع قومه | قدوم طارق بن عبيد الله وأصحابه | قدوم وافد فروة بن عمرو الجذامي صاحب بلاد معان | قدوم تميم الداري على رسول الله صلى الله عليه وسلم | وفد بني أسد | وفد بني عبس | وفد بني فزارة | وفد بني مرة | وفد بني ثعلبة | وفد بني محارب | وفد بني كلاب | وفد بني رؤاس من كلاب | وفد بني عقيل بن كعب | وفد بني قشير بن كعب | وفد بني البكاء | وفد كنانة | وفد أشجع | وفد باهلة | وفد بني سليم | وفد بني هلال بن عامر | وفد بني بكر بن وائل | وفد بني تغلب | وفادات أهل اليمن: وفد تجيب | وفد خولان | وفد جعفي | فصل في قدوم الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم | وفد كندة | وفد الصدف | وفد خشين | وفد بني سعد | وفد السباع | فصل ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة | سنة عشر من الهجرة باب بعث رسول الله خالد بن الوليد | بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء إلى أهل اليمن | بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وخالد إلى اليمن | كتاب حجة الوداع في سنة عشر | باب بيان أنه عليه السلام لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة | باب خروجه عليه السلام من المدينة لحجة الوداع | باب صفة خروجه عليه السلام من المدينة إلى مكة للحج | باب بيان الموضع الذي أهل منه عليه السلام | باب بسط البيان لما أحرم به عليه السلام في حجته هذه | ذكر ما قاله أنه صلى الله عليه وسلم حج متمتعا | ذكر حجة من ذهب إلى أنه عليه السلام كان قارنا | اختلاف جماعة من الصحابة في صفة حج رسول الله | فصل عدم نهي النبي عليه السلام عن حج التمتع والقران | ذكر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل في التلبية | ذكرالأماكن التي صلى فيها صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب من المدينة إلى مكة في عمرته وحجته | باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة شرفها الله عز وجل | صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه | ذكر رمله عليه السلام في طوافه واضطباعه | ذكر طوافه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة | فصل من لم يسق معه هدي فليحل ويجعلها عمرة | فصل قول بعض الصحابة فيمن لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة | فصل نزول النبي عليه السلام بالأبطح شرقي مكة | فصل قدوم رسول الله منيخ بالبطحاء خارج مكة | فصل صلاته صلى الله عليه وسلم بالأبطح الصبح وهو يوم التروية | فصل دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة | ذكر ما نزل على رسول الله من الوحي في هذا الموقف | ذكر إفاضته عليه السلام من عرفات إلى المشعر الحرام | فصل تقديم رسول الله ضعفة أهله بالليل ليقفوا بالمزدلفة | ذكر تلبيته عليه السلام بالمزدلفة | وقوفه عليه السلام بالمشعر الحرام ودفعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس | ذكر رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر | فصل انصراف رسول الله إلى المنحر واشراكه سيدنا علي بالهدي | صفة حلقه رأسه الكريم عليه الصلاة والتسليم | فصل تحلله صلى الله عليه وسلم بعد رمي جمرة العقبة | ذكر إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى البيت العتيق | فصل اكتفاء رسول الله عليه السلام بطوافه الأول | فصل رجوعه عليه الصلاة والسلام إلى منى | فصل خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر | فصل نزوله عليه الصلاة والسلام في منى | فصل خطبة النبي عليه الصلاة والسلام في ثاني أيام التشريق | حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يزور البيت كل ليلة من ليالي منى | فصل يوم الزينة | فصل خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة | فائدة عزيزة | فصل خطبته صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة | سنة إحدى عشرة من الهجرة | فصل في الآيات والأحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم | ذكر أمره عليه السلام أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يصلي بالصحابة أجمعين | احتضاره ووفاته عليه السلام | فصل في ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه | قصة سقيفة بني ساعدة | فصل خلافة أبي بكر | فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم | صفة غسله عليه السلام | صفة كفنه عليه الصلاة والسلام | كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم | صفة دفنه عليه السلام وأين دفن | آخر الناس به عهدا عليه الصلاة والسلام | متى وقع دفنه عليه الصلاة والسلام | صفة قبره عليه الصلاة والسلام | ما أصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى الله عليه وسلم | ما ورد من التعزية به عليه الصلاة والسلام | فصل فيما روي من معرفة أهل الكتاب بيوم وفاته عليه السلام | فصل ارتداد العرب بوفاته صلى الله عليه وسلم | فصل قصائد حسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم | باب ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم | باب بيان أنه عليه السلام قال لا نورث | بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك | فصل النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث | باب زوجاته وأولاده صلى الله عليه وسلم | فصل فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها | فصل في ذكر سراريه عليه السلام | فصل في ذكر أولاده عليه الصلاة والسلام | باب ذكر عبيده عليه الصلاة والسلام وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه | إماؤه عليه السلام | فصل وأما خدامه عليه السلام الذين خدموه من الصحابة | فصل أما كتاب الوحي وغيره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه | فصل أمناء الرسول صلى الله عليه وسلم