→ فصل تخلف عبد الله ابن أبي وأهل الريب عام تبوك | البداية والنهاية – الجزء الخامس مروره صلى الله عليه وسلم بمساكن ثمود ابن كثير |
ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم إلى تبوك إلى نخلة هناك ← |
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله ﷺ حين مر بالحجر نزلها، واستقى الناس من بئرها، فلما راحوا.
قال رسول الله ﷺ: «لا تشربوا من مياهها شيئا ولا تتوضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا».
هكذا ذكره ابن إسحاق بغير إسناد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعمر بن بشر، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا: معمر عن الزهري أخبرني: سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله ﷺ لما مر بالحجر.
قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم» وتقنع بردائه وهو على الرحل.
ورواه البخاري من حديث عبد الله بن المبارك، وعبد الرزاق، كلاهما عن معمر بإسناده نحوه.
وقال مالك عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم».
ورواه البخاري من حديث مالك، ومن حديث سليمان بن بلال، كلاهما عن عبد الله بن دينار.
ورواه مسلم من وجه آخر عن عبد الله بن دينار نحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا صخر - هو ابن جويرية - عن نافع، عن ابن عمر، قال: نزل رسول الله ﷺ بالناس عام تبوك الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا ونصبوا القدور باللحم.
فأمرهم رسول الله ﷺ فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا.
فقال: «إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم».
وهذا الحديث إسناده على شرط الصحيحين من هذا الوجه، ولم يخرجوه.
وإنما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس بن عياض عن أبي ضمرة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر به.
قال البخاري: وتابعه أسامة عن عبيد الله.
ورواه مسلم من حديث شعيب بن إسحاق عن عبيد الله عن نافع به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما مر النبي ﷺ بالحجر قال:
«لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يوما، ويشربون لبنها يوما، فعقروها، فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء، منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله».
قيل: من هو يا رسول الله؟
قال: «هو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه».
إسناده صحيح ولم يخرجوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا: المسعودي عن إسماعيل بن واسط عن محمد ابن أبي كبشة الأنماري، عن أبيه قال: لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر، يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فنودي في الناس: الصلاة جامعة.
قال: فأتيت رسول الله ﷺ وهو ممسك بعيره، وهو يقول: «ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم».
فناداه رجل: نعجب منهم؟
قال: «أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك، رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم، وما هو كائن بعدكم، فاستقيموا وسددوا، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا».
إسناده حسن ولم يخرجوه.
وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله ابن أبي بكر ابن حزم، عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي، أو عن العباس بن سعد: الشك مني أن رسول الله ﷺ حين مر بالحجر ونزلها، استقى الناس من بئرها، فلما راحوا منها.
قال رسول الله ﷺ للناس لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له».
ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله ﷺ إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه.
وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى ألقته بجبل طيء، فأخبر رسول الله ﷺ بذلك فقال: «ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له» ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي.
وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله ﷺ من تبوك.
وفي رواية زياد عن ابن إسحاق أن طيئا أهدته إلى رسول الله ﷺ حين رجع إلى المدينة.
قال ابن إسحاق: وقد حدثني عبد الله ابن أبي بكر أن العباس بن سهل سمى له الرجلين لكنه استكتمه إياهما، فلم يحدثني بهما.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وهيب بن خالد، ثنا عمرو بن يحيى عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي حميد الساعدي قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام تبوك حتى جئنا وادي القرى، فإذا امرأة في حديقة لها.
فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «أخرصوا»
فخرص القوم، وخرص رسول الله ﷺ عشرة أوسق.
وقال رسول الله ﷺ للمرأة: «أحصي ما يخرج منها، حتى أرجع إليك إن شاء الله».
قال: فخرج حتى قدم تبوك.
فقال رسول الله ﷺ: «إنها ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقومن فيها رجل، فمن كان له بعير فليوثق عقاله».
قال أبو حميد: فعقلناها، فلما كان من الليل هبت علينا ريح شديدة، فقام رجل، فألقته في جبل طيء، ثم جاء رسول الله ملك إيلة، فأهدى لرسول الله بغلة بيضاء، وكساه رسول الله بردا، وكتب له يجيرهم، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جئنا وادي القرى.
قال للمرأة: «كم جاءت حديقتك؟»
قالت: عشرة أوسق خرص رسول الله.
فقال رسول الله: «إني متعجل فمن أحب منكم أن يتعجل فليفعل».
قال: فخرج رسول الله، وخرجنا معه، حتى إذا أوفى على المدينة.
قال: «هذه طابة»
فلما رأى أحدا قال: «هذا أحد يحبنا ونحبه، ألا أخبركم بخير دور الأنصار»
قلنا: بلى يا رسول الله.
قال: «خير دور الأنصار بنو النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني ساعدة، ثم في كل دور الأنصار خير».
وأخرجه البخاري ومسلم من غير وجه عن عمرو بن يحيى به نحوه.
وقال الإمام مالك رحمه الله عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة: أن معاذ بن جبل أخبره: أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ عام تبوك، فكان يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.
قال: فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ثم قال: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتونها حتى يضحى ضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا، حتى آتي».
قال: فجئناها، وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء، فسألهما رسول الله ﷺ: «هل مسستما من مائها شيئا».
قالا: نعم.
فسبهما وقال لهما: «ما شاء الله أن يقول»
ثم غرفوا من العين قليلا قليلا، حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس.
ثم قال رسول الله ﷺ: «يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا».
أخرجه مسلم من حديث مالك به.