→ فصل فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها | البداية والنهاية – الجزء الخامس فصل في ذكر سراريه عليه السلام ابن كثير |
فصل في ذكر أولاده عليه الصلاة والسلام ← |
كانت له عليه السلام سريتان:
إحداهما: مارية بنت شمعون القبطية، أهداها له صاحب إسكندرية واسمه: جريج بن مينا، وأهدى معها أختها شيرين، وذكر أبو نعيم أنه أهداها في أربع جواري، والله أعلم.
وغلاما خصيا اسمه: مابور، وبغلة يقال لها: الدلدل، فقبل هديته واختار لنفسه مارية، وكانت من قرية ببلاد مصر يقال لها: حفن من كورة أنصنا، وقد وضع عن أهل هذه البلدة معاوية ابن أبي سفيان في أيام إمارته الخراج إكراما لها من أجل أنها حملت من رسول الله ﷺ بولد ذكر، وهو: إبراهيم عليه السلام.
قالوا: وكانت مارية جميلة بيضاء، أعجب بها رسول الله ﷺ وأحبها وحضيت عنده، ولا سيما بعد ما وضعت إبراهيم ولده.
وأما أختها شيرين فوهبها رسول الله ﷺ لحسان بن ثابت فولدت له ابنه: عبد الرحمن بن حسان.
وأما الغلام الخصي: وهو: مابور فقد كان يدخل على مارية وسيرين بلا إذن كما جرت به عادته بمصر، فتكلم بعض الناس فيها بسبب ذلك، ولم يشعروا أنه خصي حتى انكشف الحال على ما سنبينه قريبا إن شاء الله.
وأما البغلة: فكان عليه السلام يركبها.
والظاهر: والله أعلم أنها التي كان راكبها يوم حنين، وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام إمارته ومات فصارت إلى عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب، وكبرت حتى كان يجش لها الشعير لتأكله.
قال أبو بكر بن خزيمة: حدثنا محمد بن زياد بن عبد الله، أنبأنا سفيان بن عيينة عن بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة بن الخصيب، عن أبيه قال: أهدى أمير القبط إلى رسول الله جاريتين أختين، وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة، واتخذ إحدى الجاريتين فولدت له إبراهيم ابنه، ووهب الأخرى.
وقال الواقدي: حدثنا يعقوب بن محمد ابن أبي صعصعة عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة قال: كان رسول الله ﷺ يعجب بمارية القبطية، وكانت بيضاء جعدة جميلة فأنزلها وأختها على أم سليم بنت ملحان، فدخل عليهما رسول الله ﷺ فعرض عليهما الإسلام فأسلمتا هناك، فوطئ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية كان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل، فكان يأتيها هناك وكانت حسنة الدين، ووهب أختها شيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن، وولدت مارية لرسول الله غلاما سماه إبراهيم، وعق عنه بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الأرض وسماه إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله ﷺ، فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما، فجاء أبو رافع إلى رسول الله فبشره فوهب له عقدا، وغار نساء رسول الله ﷺ واشتد عليهن حين رزق منها الولد.
وروى الحافظ أبو الحسن الدارقطني عن أبي عبيد القاسم بن إسماعيل، عن زياد بن أيوب، عن سعيد بن زكريا المدائني، عن ابن أبي سارة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية قال رسول الله ﷺ: «أعتقها ولدها».
ثم قال الدارقطني: تفرد به زياد بن أيوب وهو ثقة.
وقد رواه ابن ماجه من حديث حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة، عن ابن عباس بمثله.
ورويناه من وجه آخر، وقد أفردنا لهذه المسألة وهي بيع أمهات الأولاد مصنفا مفردا على حدته، وحكينا فيه أقوال العلماء بما حاصله يرجع إلى ثمانية أقوال، وذكرنا مستند كل قول ولله الحمد والمنة.
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن محمد بن علي ابن أبي طالب، عن أبيه، عن جده علي ابن أبي طالب قال: أكثروا على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن عم لها يزورها ويختلف إليها.
فقال رسول الله ﷺ: «خذ هذا السيف فانطلق، فإن وجدته عندها فاقتله».
قال: قلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أمرتني به، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
فقال رسول الله ﷺ: «بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب».
فأقبلت متوشحا السيف، فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما رآني عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقي فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شال رجليه، فإذا به أجب أمسح ماله مما للرجال لا قليل ولا كثير، فأتيت رسول الله ﷺ فأخبرته فقال: «الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت».
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا سفيان، حدثني محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب عن علي قال: قلت: يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟
قال: «الشاهد يرى ما لا يرى الغائب».
هكذا رواه مختصرا وهو أصل الحديث الذي أوردناه، وإسناده رجال ثقات.
وقال الطبراني: حدثني محمد بن عمرو بن خالد الحراني، حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب وعقيل عن الزهري، عن أنس قال: لما ولدت مارية إبراهيم كاد أن يقع في النبي ﷺ منه شيء حتى نزل جبريل عليه السلام فقال: «السلام عليك يا أبا إبراهيم».
وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر ابن أبي عاصم، حدثنا محمد بن يحيى الباهلي، حدثنا يعقوب بن محمد عن رجل سماه، عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: أهدى ملك من بطارقة الروم يقال له: المقوقس جارية قبطية من بنات الملوك يقال لها: مارية، وأهدى معها ابن عم لها شابا فدخل رسول الله ﷺ منها ذات يوم خلوته فأصابها حملت بإبراهيم.
قالت عائشة: فلما استبان حملها جزعت من ذلك، فسكت رسول الله ﷺ فلم يكن لها لبن فاشترى لها ضأنة لبونا تغذي منها الصبي، فصلح إليه جسمه وحسن لونه، وصفا لونه، فجاءته ذات يوم تحمله على عاتقها فقال: يا عائشة كيف ترين الشبه؟».
فقلت: أنا وغيري ما أرى شبها.
فقال: «ولا اللحم؟».
فقلت: لعمري من تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه.
قال الواقدي: ماتت مارية في المحرم سنة خمس عشرة، فصلى عليها عمر ودفنها في البقيع.
وكذا قال المفضل بن غسان الغلابي، وقال خليفة وأبو عبيدة، ويعقوب بن سفيان: ماتت سنة ست عشرة رحمها الله.
ومنهن: ريحانة بنت زيد من بني النضير ويقال: من بني قريظة.
قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير، ويقال: من بني قريظة.
قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير، وكانت مزوجة فيهم، وكان رسول الله ﷺ قد أخذها لنفسه صفيا، وكانت جميلة فعرض عليها رسول الله ﷺ أن تسلم فأبت إلا اليهودية، فعزلها رسول الله ﷺ ووجد في نفسه، فأرسل إلى ابن شعبة فذكر له ذلك.
فقال ابن شعبة: فداك أبي وأمي هي تسلم، فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها: لا تتبعي قومك فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن أخطب، فأسلمي يصطفيك رسول الله ﷺ لنفسه، فبينا رسول الله ﷺ في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال: «إن هاتين لنعلا ابن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة».
فجاء يقول: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة. فسر بذلك.
وقال محمد بن إسحاق: لما فتح رسول الله ﷺ قريظة اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة، فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه، وكان عرض عليها الإسلام ويتزوجها فأبت إلا اليهودية، ثم ذكر من إسلامها ما تقدم.
قال الواقدي: فحدثني عبد الملك بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة، عن أيوب بن بشير المعاوي قال: فأرسل بها رسول الله إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها، فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول الله، فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها: «إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطأك بالملك فعلت».
فقالت: يا رسول الله إن أخف عليك وعلي أن أكون في ملكك، فكانت في ملك رسول الله ﷺ يطأها حتى ماتت.
قال الواقدي: وحدثني ابن أبي ذئب قال: سألت الزهري عن ريحانة فقال: كانت أمة رسول الله فأعتقها وتزوجها، فكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله ﷺ.
قال الواقدي: وهذا أثبت الحديثين عندنا، وكان زوجها قبله عليه السلام الحكم.
وقال الواقدي: ثنا عاصم بن عبد الله بن الحكم عن عمر بن الحكم قال: أعتق رسول الله ﷺ ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة، وكانت عند زوج لها وكان محبا لها مكرما فقالت: لا أستخلف بعده أحدا أبدا، وكانت ذات جمال، فلما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله ﷺ.
قالت: فكنت فيمن عرض عليه فأمر بي فعزلت، وكان يكون له صفي في كل غنيمة، فلما عزلت خار الله لي فأرسل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياما حتى قتل الأسرى وفرق السبي، فدخل علي رسول الله ﷺ فتجنبت منه حياء، فدعاني فأجلسني بين يديه فقال: «إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه».
فقلت: إني أختار الله ورسوله، فلما أسلمت أعتقني رسول الله ﷺ وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا، كما كان يصدق نساءه وأعرس بي في بيت أم المنذر، وكان يقسم لي كما يقسم لنسائه، وضرب علي الحجاب.
قال: وكان رسول الله ﷺ معجبا بها، وكانت لا تسأله شيئا إلا أعطاها.
فقيل لها: لو كنت سألت رسول الله ﷺ بني قريظة لأعتقهم، فكانت تقول: لم يخل بي حتى فرق السبي، ولقد كان يخلو بها ويستكثر منها، فلم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع فدفنها بالبقيع، وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة.
وقال ابن وهب عن يونس بن يزيد، عن الزهري قال: استسر رسول الله ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كانت ريحانة بنت زيد بن شمعون من بني النضير، وقال بعضهم: من بني قريظة، وكانت تكون في نخل من نخل الصدقة، فكان رسول الله ﷺ يقيل عندها أحيانا، وكان سباها في شوال سنة أربع.
وقال أبو بكر ابن أبي خيثمة: ثنا أحمد بن المقدام، ثنا زهير عن سعيد، عن قتادة قال: كانت لرسول الله وليدتان: مارية القبطية، وريحه أو ريحانة بنت شمعون بن زيد بن خنافة من بني عمرو بن قريظة، كانت عند ابن عم لها يقال له: عبد الحكم فيما بلغني، وماتت قبل وفاة النبي ﷺ.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كانت لرسول الله ﷺ أربع ولائد: مارية القبطية، وريحانة القرظية، وكانت له جارية أخرى جميلة فكادها نساؤه وخفن أن تغلبهن عليه، وكانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب، وكان هجرها في شأن صفية بنت حيي ذا الحجة والمحرم وصفر، فلما كان شهر ربيع الأول الذي قبض فيه رضي عن زينب ودخل عليها فقالت: ما أدري ما أجزيك فوهبتها له ﷺ.
وقد روى سيف بن عمر عن سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله ﷺ كان يقسم لمارية وريحانة مرة، ويتركهما مرة.
وقال أبو نعيم: قال أبو محمد بن عمر الواقدي: توفيت ريحانة سنة عشرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب ودفنها بالبقيع، ولله الحمد.