→ كتاب النفقات | كتاب الأم - كتاب النكاح المؤلف: الشافعي |
باب قدر النفقة ← |
وجوب نفقة المرأة |
قال الله عز وجل: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا} قرأ إلى {أن لا تعولوا} وقال عز وجل: {والوالدات يرضعن أولادهن} قرأ إلى {بالمعروف} وقال عز وجل: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي ﷺ (أن هندا قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما يدخل بيتي فقال رسول الله ﷺ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها حدثته (أن هندا أم معاوية جاءت النبي ﷺ فقالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء؟ فقال النبي ﷺ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال (جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله عندي دينار قال أنفقه على نفسك قال عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على أهلك قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم) قال سعيد بن أبي سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا يقول ولدك أنفق علي إلى من تكلني؟ وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني.
[قال الشافعي]: في قول الله عز وجل: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقوله عز وجل: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} ثم قول رسول الله ﷺ (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة التي في صلاح صغار ولده من رضاع ونفقة وكسوة وخدمة قال وفي قول الله تبارك وتعالى في النساء {ذلك أدنى أن لا تعولوا} بيان أن على الزوج ما لا غنى بامرأته عنه من نفقة وكسوة وسكنى قال وخدمة في الحال التي لا تقدر على أن تنحرف لما لا صلاح لبدنها إلا به من الزمانة والمرض فكل هذا لازم للزوج قال ويحتمل أن يكون عليه لخادمها نفقة إذا كانت ممن يعرف أنها لا تخدم نفسها وهو مذهب غير واحد من أهل العلم فيفرض على الرجل نفقة خادم واحد للمرأة التي الأغلب أن مثلها لا تخدم نفسها وليس عليه نفقة أكثر من خادم واحد فإذا لم يكن لها خادم فلا أعلمه يجبر على أن يعطيها خادما ولكن يجبر على من يصنع لها من طعامها ما لا تصنعه هي ويدخل عليها ما لا تخرج لإدخاله من الماء ومن مصلحتها لا يجاوز به ذلك.
[قال الشافعي]: وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم ثم لا نفقة لهم عليه إلا أن يتطوع إلا أن يكونوا زمنى فينفق عليهم قياسا على النفقة عليهم إذا كانوا لا يغنون أنفسهم في الصغر وسواء في ذلك الذكر والأنثى وإنما ينفق عليهم ما لم تكن لهم أموال فإذا كانت لهم أموال فنفقتهم في أموالهم قال وسواء في ذلك ولده وولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على أن ينفق عليهم قال وإذا زمن الأب والأم ولم يكن لهما مال ينفقان منه على أنفسهما أنفق عليهما الولد لأنهما قد جمعا الحاجة والزمانة التي لا ينحرفان معها والتي في مثل حال الصغر أو أكثر ومن نفقتهم الخدمة كما وصفت والأجداد وإن بعدوا آباء إذا لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم أنفق عليهم ولد الولد.
[قال الشافعي]: وينفق إذا كانوا كما وصفت على ولده بأنهم منه وينفق عليه ولده بذلك المعنى لا بالاستمتاع منهم بما يستمتع به الرجل من امرأته قال وينفق على امرأته غنية كانت أو فقيرة بحبسها على نفسه للاستمتاع بها وغير ذلك ومنعها من ذلك من غيره قال ولا شك إذا كانت امرأة الرجل قد بلغت من السن ما يجامع مثلها فامتنع من الدخول عليها ولم تمتنع من الدخول عليه ولا منه بعد الدخول عليه فعليه نفقتها ما كانت زوجة له مريضة وصحيحة وغائبا عنها وحاضرا لها وإن طلقها وكان يملك الرجعة فعليه نفقتها في العدة لأنه لا يمنعه من أن تصير حلالا له يستمتع بها إلا نفسه إذا أشهد شاهدين أنه راجعها فهي زوجته وإذا لم يفعل فهو منع نفسه من رجعتها ولا ينفق عليها إذا لم يكن يملك الرجعة لأنها أحق بنفسها منه ولا تحل له إلا بنكاح جديد.
قال وإذا نكح الصغيرة التي لا يجامع مثلها وهو صغير أو كبير فقد قيل ليس عليه نفقتها لأنه لا يستمتع بها وأكثر ما ينكح له الاستمتاع بها وهذا قول عدد من علماء أهل زماننا لا نفقة لها لأن الحبس من قبلها ولو قال قائل ينفق عليها لأنها ممنوعة به من غيره كان مذهبا قال وإذا كانت هي البالغة، وهو الصغير فقد قيل عليه النفقة لأن الحبس جاء من قبله ومثلها يستمتع به وقيل إذا علمته صغيرا ونكحته فلا نفقة لها لأن معلوما أن مثله لا يستمتع بامرأته قال ولا تجب النفقة لامرأة حتى تدخل على زوجها أو تخلي بينه وبين الدخول عليها فيكون الزوج يترك ذلك فإذا كانت هي الممتنعة من الدخول عليه فلا نفقة لها لأنها مانعة له نفسها وكذلك إن هربت منه أو منعته الدخول عليها بعد الدخول عليه لم يكن لها نفقة ما كانت ممتنعة منه.
[قال الشافعي]: وإذا نكحها ثم خلت بينه وبين الدخول عليها فلم يدخل فعليه نفقتها لأن الحبس من قبله.
[قال الشافعي]: وإذا نكحها ثم غاب عنها فسألت النفقة فإن كانت خلت بينه وبين نفسها فغاب ولم يدخل عليها فعليه النفقة وإن لم تكن قد خلت بينه وبين نفسها ولا منعته فهي غير مخلية حتى تخلي ولا نفقة عليه وتكتب إليه ويؤجل فإن قدم وإلا أنفق إذا أتى عليه قدر ما يأتيه الكتاب ويقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم.