الخلاف في نكاح الأولياء والسنة في النكاح |
[قال الشافعي]: رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في الأولياء فقال: إذا نكحت المرأة كفئا بمهر مثلها فالنكاح جائز وإن لم يزوجها ولي وإنما أريد بهذا أن يكون ما يفعل أن يأخذ به حظها فإذا أخذته كما يأخذه الولي فالنكاح جائز وذكرت له لبعض ما وصفت من الحجة في الأولياء وقلت له: أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك؟ فقال: إنما أريد من الإشهاد أن لا يتجاحد الزوجان فإذا نكحها بغير بينة فالنكاح ثابت فهو كالبيوع تثبت وإن عقدت بغير بينة قال ليس ذلك له، قلنا ولم؟ قال لأن سنة النكاح البينة. فقلت له: الحديث في البينة في النكاح عن النبي ﷺ منقطع وأنت لا تثبت المنقطع ولو أثبته دخل عليك الولي. قال: فإنه عن ابن عباس وغيره متصل قلت: وهكذا أيضا الولي عنهم والحديث عن النبي ﷺ (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رد النكاح بغير إذن ولي، وعن غيره من أصحاب رسول الله ﷺ فكيف أفسدت النكاح بترك الشهادة فيه وأثبته بترك الولي وهو أثبت في الإخبار من الشهادة؟ ولم تقل إن الشهود إنما جعلوا لاختلاف الخصمين فيجوز إذا تصادق الزوجان، وقلت لا يجوز لعلة في شيء جاءت به سنة وما جاءت به سنة فإنه يثبت بنفسه ولا يحتاج إلى أن يقاس على سنة أخرى لأنا لا ندري لعله أمر به لعلة أم لغيرها ولو جاز هذا لنا أبطلنا عامة السنن وقلنا إذا نكحت بغير صداق ورضيت لم يكن لها صداق وإن دخل بها لأنا إنما نأخذ الصداق لها وأنها إذا عفت الصداق جاز فنجيز النكاح والدخول بلا مهر فكيف لم تقل في الأولياء هكذا؟ قال: فقد خالفت صاحبي في قوله في الأولياء وعلمت أنه خلاف الحديث فلا يكون النكاح إلا بولي.
[قال الشافعي]: رحمه الله: فقلت له وإنما فارقت قول صاحبك ورأيته محجوجا بأنه يخالف الحديث وإنما القياس الجائز أن يشبه ما لم يأت فيه حديث بحديث لازم فأما أن تعمد إلى حديث والحديث عام فتحمله على أن يقاس فما للقياس ولهذا الموضع إن كان الحديث يقاس؟ فأين المنتهى إذا كان الحديث قياسا؟ قلت من قال هذا فهو منه جهل وإنما العلم اتباع الحديث كما جاء. قال نعم: قلت فأنت قد دخلت في بعض معنى قول صاحبك قال وأين؟ قلت زعمت أن المرأة إذا نكحت بغير إذن وليها فالنكاح موقوف حتى يجيزه السلطان إذا رآه احتياطا أو يرده: قال: نعم قلت: فقد خالفت الحديث يقول النبي ﷺ نكاحها باطل وعمر رضي الله عنه يرده فخالفتهما معا، فكيف يجيز السلطان عقدة إذا كان رسول الله ﷺ أبطلها؟ قال وكيف تقول؟ قلت: يستأنفها بأمر يحدثه فإذا فعل ذلك فليس ذلك بإجازة العقدة الفاسدة بل الاستئناف وهو نكاح جديد يرضيان به. قلت أرأيت رجلا نكح امرأة على أنه بالخيار أو هي أيجوز الخيار؟ قال: لا قلت: ولم لا يجوز كما يجوز في البيوع؟ قال: ليس كالبيوع قلت والفرق بينهما أن الجماع كان محرما قبل العقدة فلما انعقدت حل الجماع ولا يجوز أن تكون العقدة التي بها يكون الجماع بالنكاح تاما أبدا إلا والجماع مباح وإن كان غير مباح فالعقدة غير ثابتة لأن الجماع ليس بملك مال يجوز للمشتري هبته للبائع، وللبائع هبته للمشتري إنما هي إباحة شيء كان محرما يحل بها لا شيء يملكه ملك الأموال. قال ما فيه فرق أحسن من هذا وإنما دون هذا الفرق، قلت له تركت في المرأة تنكح بغير إذن ولي الحديث والقياس وزعمت أن العقدة مرفوعة والجماع غير مباح، فإن أجازها الولي جازت وقد كان العقد فيها غير تام ثم زعمت هذا أيضا في المرأة يزوجها الولي بغير إذنها فقلت إن أجازت النكاح جاز وإن ردته فهو مردود وفي الرجل يزوج المرأة بغير علمه إن أجاز النكاح جاز وإن رده فهو مردود وأجزت أن تكون العقدة منعقدة والجماع غير مباح وأجزت الخيار في النكاح وهو خلاف السنة وخلاف أصل من ذلك قال فما تقول أنت؟ قلت كل عدة انعقدت غير تامة يكون الجماع بها مباحا فهي مفسوخة لا نجيزها بإجازة رجل ولا امرأة ولا ولي ولا سلطان ولا بد فيها من استئناف بالسنة والقياس عليها وكل ما زعمت أنت من هذا أنه موقوف على رضا امرأة أو رجل أو ولي أو سلطان فهو مفسوخ عندي، وقلت له قال صاحبك في الصبية يزوجها غير الأب النكاح ثابت ولها الخيار إذا بلغت فجعلها وارثة موروثة يحل جماعها وتختار إذا بلغت فأجاز الخيار بعد إباحة جماعها إذا احتملت الجماع قبل تبلغ قال فقد خالفناه في هذا فقلنا لا خيار لها والنكاح ثابت فقلت له ولم أثبت النكاح على الصغيرة لغير الأب فجعلتها يملك عليها أمرها غير أبيها ولا خيار لها، وقد زعمت أن الأمة إنما جعل لها الخيار إذا عتقت لأنها كانت لا تملك نفسها بأن تأذن فيجوز عليها ولا ترد فيرد عنها فلم يصلح عندك أن تتم عليها عقدة انعقدت قبل أن يكون لها الأمر ثم يكون لها أمر فلا تملك النكاح ولا رد إجازته؟ قال فتقول ماذا؟ قلت لا يثبت على صغيرة ولا صغير إنكاح أحد غير أبيها وأبيه ولا يتوارثان؟ قال فإنا إنما أجزناه عليها على وجه النظر لها قلت: فيجوز أن ينظر لها نظرا يقطع به حقها الذي أثبته لها الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من أنه ليس لغير الأب أن يزوج حرة بالغة إلا برضاها وذلك أن تزويجها إثبات حق عليها لا تخرج منه. فإن زوجها صغيرة ثم صارت بالغة لا أمر لها في رد النكاح فقد قطعت حقها المجعول لها وإن جعلت لها الخيار دخلت في المعنى الذي عبت من أن تكون وارثة موروثة ولها بعد خيار.
[قال الشافعي]: فقال لي فقد يدخل عليك في الأمة مثل ما دخل علي قلت: لا، الأمة أنا أخيرها عند العبد بالاتباع ولا أخيرها عند الحر لاختلاف حال العبد والحر وأن العبد لو انتسب حرا فتزوجها على ذلك خيرتها لأنه لا يصل من أداء الحق لها والتوصل إليها إلى ما يصل إليه الحر والأمة مخالفة لها والأمة الثيب البالغ يزوجها سيدها كارهة ولا يزوج البالغة البكر ولا الصغيرة غير الأب كارهة. قال فما ترى لو كانت فقيرة فزوجت نظيرا لها أن النكاح جائز؟ قلت: أيجوز أن أنظر إليها بأن أقطع الحق الذي جعل لها في نفسها؟ هل رأيت فقيرا يقطع حقه في نفسه ولا يقطع حق الغني؟ قال: فقد بيع عليها في مالها، قلت: فيما لا بد لها منه. وكذلك أبيع على الغنية وفي النظر لهما أبيع وحقهما في أموالهما مخالف حقهما في أنفسهما، قال: فما فرق بينهما؟ قلت: أفرأيت لو دعت المرأة البالغة أو الرجل البالغ المولى عليهما إلى بيع شيء من أموالهما إمساكه خير لهما بلا ضرورة في مطعم ولا غيره أتبيعه؟ قال لا، قلت: ولو وجب على أحدهما أو احتيج إلى بيع بعض ماله في ضرورة نزلت به أو حق يلزمه أتبيعه وهو كاره؟ قال نعم قلت: فلو دعيت البالغ إلى منكح كفء أتمنعها؟ قال لا. قلت ولو خطبها فمنعته أتنكحها؟ قال لا قلت: أفترى حقها في نفسها يخالف حقها في مالها؟ قال نعم، وقد يكون النكاح للفقيرة الصغيرة والكبيرة سواء، قلت له: وكيف زعمت أن لا نفقة لها حتى تبلغ الجماع فعقدت عليها النكاح ولم تأخذ لها مهرا ولا نفقة ومنعتها بذلك من غير من زوجته إياها ولعل غيره خير لها أو أحب إليها أو أوفق لها في دين أو خلق أو غير ذلك؟ فلست أرى عقدك عليها إلا خلاف النظر لها لأنها لو كانت بالغا كانت أحق بنفسها منك كان النظر يكون بوجوه منها أن توضع في كفاءة أو عند ذي دين أو عند ذي خلق أو عند ذي مال أو عند من تهوى فتعف به عن التطلع إلى غيره وكان أحد لا يقوم في النظر لها في الهوى والمعرفة والموافقة لها مقام نفسها لأنه لا يعرف ذات نفسها من الناس إلا هي فإنكاحها وإن كانت فقيرة قد يكون نظرا عليها وخلاف النظر لها، قال أما في موضع الهوى في الزوج فنعم قلت فهي لو كانت بالغة فدعوتها إلى خير الناس ودعت إلى دونه إذا كان كفئا كان الحق عندك أن زوجها من دعت إليه وكانت أعلم بمن يوافقها وحرام عندك أن تمنعها إياه ولعلها تفتتن به أليس تزوجه؟ قال نعم. قلت فأراها أولى بالنظر لنفسها منك وأرى نظرك لها في الحال التي لا تنظر فيه لنفسها قد يكون عليها، قلت أفتزوج الصغيرة الغنية؟ قال نعم، قلت: قد يكون تزويجها نظرا عليها تموت فيرثها الذي زوجتها إياه وتعيش عمرا غير محتاجة إلى مال الزوج ومحتاجة إلى موافقته وتكون أدخلتها فيما لا توافقها. وليست فيها الحاجة التي اعتللت بها في الفقيرة، قال فيقبح أن نقول تزوج الفقيرة ولا تزوج الغنية قلت كلاهما قبيح. قال فقد تزوج بعض التابعين، قلت قد نخالف نحن بعض التابعين بما حجتنا فيه أضعف من هذه الحجة وأنت لا ترى قول أحد من التابعين يلزم فكيف تحتج به؟
قلت له أرأيت إذا جامعتنا في أن لا نكاح إلا بشاهدين واكتفينا إذا قلت بشاهدين أني إنما أردت الشاهدين الذين تجوز شهادتهما فأما من لا تجوز شهادته فلا يجوز النكاح به كما يكون من شهد بحق ممن لا تجوز شهادته غير مأخوذ بشهادته حق فقلت أنت تجيز النكاح بغير من تجوز شهادته إذا وقع عليها اسم الشهادة فكيف قلت بالاسم دون العدل هنا ولم تقل هناك؟ قال لما جاء الحديث فلم يذكر عدلا قلت هذا معفو عن العدل فيه فقلت له قد ذكر الله عز وجل شهود الزنا والقذف والبيع في القرآن ولم يذكر عدلا وشرط العدل في موضع غير هذا الموضع أفرأيت إن قال لك رجل بمثل حجتك إذا سكت عن ذكر العدل وسمى الشهود اكتفيت بتسمية الشهود دون العدل؟ قال ليس ذلك له إذا ذكر الله الشهود وشرط فيهم العدالة في موضع ثم سكت عن ذكر العدالة فيهم في غيره استدللت على أنه لم يرد بالشهود إلا أن يكونوا عدولا قلت وكذلك إذا قلت لرجل في حق ائت بشاهدين لم تقبل إلا عدولا؟ قال: نعم قلت أفيعدو النكاح أن يكون كبعض هذا فلا يقبل فيه إلا العدل وكالبيوع لا يستغنى فيه عن الشهادة إذا تشاجر الزوجان أو يكون فيه خبر عن أحد يلزم قوله فينتهي إليه؟ قال ما فيه خبر وما هو بقياس ولكنا استحسناه ووجدنا بعض أصحابك يقول قريبا منه، فقلت له إذا لم يكن خبرا ولا قياسا وجاز لك أن تستحسن خلاف الخبر فلم يبق عندك من الخطأ شيء إلا قد أجزته، قال فقد قال بعض أصحابك إذا أشيد بالنكاح ولم يعقد بالشهود جاز وإن عقد بشهود ولم يشد به لم يجز " قال الربيع أشيد يعني إذا تحدث الناس بعضهم في بعض فلان تزوج وفلانة خدر " فقلت له أفترى ما احتججت به من هذا فتشبه به على أحد؟ قال لا هو خلاف الحديث وخلاف القياس لأنه لا يعدو أن يكون كالبيوع فالبيوع يستغنى فيها عن الشهود وعن الإشادة ولا ينقضها الكتمان أو تكون سنته الشهود والشهود إنما يشهدون على العقد والعقد ما لم يعقد فإذا وقع العقد بلا شهود لم تجزه الإشادة والإشادة غير شهادة. قلت له فإذا كان هذا القول خطأ عندك فكيف احتججت به وبالسنة عليه؟ قال غيره من أصحابه فإن احتججت بالذي قال بالإشادة فقلت إنما أريد بالإشادة أن يكون يذهب التهمة ويكون أمرهما عند غير الزوجين أنهما زوجان قلت: فإن قال لك قائل هذا في المتنازعين في البيع فجاء المدعي بمن يذكر أنه سمع في الإشادة أن فلانا اشترى دار فلان أتجعل هذه بيعا؟ قال: لا قلت فإن كانوا ألفا؟ قال فإني لا أقبل إلا البينة القاطعة قلت: فهكذا نقول لك في النكاح بل النكاح أولى لأن أصل النكاح لا يحل إلا بالبينة، وأصل البيع يحل بغير بينة وقلت: أرأيت لو أشيد بنكاح امرأة وأنكرت المرأة النكاح أكنا نلزمها النكاح بلا بينة؟