تفريع نكاح أهل الشرك |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإذا نكح الرجل المرأة في عدتها في دار الحرب مشركين فأنظر إذا اجتمع إسلامهما فإن كانت خارجة من العدة فالنكاح ثابت لأنه يصلح له حينئذ ابتداء نكاحها وإن كانت في شيء من العدة فالنكاح مفسوخ وليس لها أن تنكحه ولا غيره حتى تكمل العدة لأنه ليس له حينئذ أن يبتدئ نكاحها فإن كان أصابها في العدة أكملت العدة منه وتدخل فيها العدة من الذي قبله لأنهما لو لم يجتمع إسلامهما إلا بعد مضي عدتها من الأول أثبت النكاح ولم أرده بالعدة كما أرده في الإسلام بالعدة مكانه وبعد مدة طويلة ولو اجتمع إسلام الأزواج وعنده أربع إماء فإن كان موسرا فنكاحهن كلهن منفسخ وكذلك إن كان معسرا لا يخاف العنت فإن كان معسرا لا يجد ما ينكح به حرة ويخاف العنت أمسك أيتهن شاء وانفسخ نكاح البواقي وإن أسلم بعضهن بعده فسواء ينتظر إسلام البواقي فمن اجتمع إسلامه وإسلام الزوج قبل مضي عدة المسلمة كان له الخيار فيه.
ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها فإن كان دخل بواحدة منهما فنكاحهما عليه محرم على الأبد إن كان دخل بالأم فالبنت ربيبته من امرأة قد دخل بها وإن كان دخل بالبنت فالأم أم امرأة قد دخل بها فإن لم يكن دخل بواحدة منهن كان له أن يمسك البنت إن شاء ولم يكن له أن يمسك الأم أولا كانت أو آخرا إذا ثبت له العقدان في الشرك إذا جاز أحدهما في الإسلام بحال جاز نكاح البنت بعد الأم إذا لم يدخل بالأم ولا يجوز نكاح الأم وإن لم يدخل بالبنت لأنها مبهمة.
ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها قد وطئهما بملك اليمين حرم عليه وطؤهما إلى الأبد. ولو كان وطئ الأم حرم عليه وطء البنت، ولو كان وطئ البنت حرم عليه وطء الأم ويمسكهن في ملكه وإن حرمت عليه فروجهن أو فرج من حرم فرجه منهن.
ولو أسلم وعنده امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها قد دخل بهما أو لم يدخل أو دخل بإحداهما ولم يدخل بالأخرى كان ذلك كله سواء ويمسك أيتهما شاء ويفارق الأخرى ولا يكره من هاتين إلا ما يكره من الجمع بين الأختين وكل واحدة منهما حلال على الانفراد بعد صاحبتها وهكذا الأختان إذا أسلم وهما عنده لا يخالفان المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.
[قال الشافعي]: ولو أسلم وعنده أمة وحرة أو إماء وحرة فاجتمع إسلامهن في العدة فنكاح الإماء مفسوخ والحرة ثابت معسرا يخاف العنت كان أو غير معسر ولا بخائف للعنت لأن عنده حرة فلا يكون له ابتداء نكاح أمة بحال ولو كانت المسألة بحالها فطلق الحرة قبل أن تسلم أو بعدما أسلمت وقد أسلم أو لم يسلم ثلاثا وكان معسرا يخاف العنت ثم اجتمع إسلامه وإسلام الإماء وقف نكاحهن فإن اجتمع إسلامه وإسلام الحرة في عدتها فنكاح الإماء مفسوخ والحرة طالق ثلاثا لأنا قد علمنا أنها زوجة ولها المهر الذي سمي لها إن كان دخل بها ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن لم يجتمع إسلامهما حتى تنقضي عدتها فنكاح الحرة مفسوخ بغير طلاق والطلاق غير واقع عليها لأنا قد علمنا إذا مضت العدة قبل أن يجتمع إسلامهما أنه طلق غير زوجة ويختار من الإماء واحدة إذا كان له أن يبتدئ نكاح أمة فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن وهو ممن ليس له أن يبتدئ نكاح أمة انفسخ نكاحهن معا.
ولو كان عنده إماء أو أمة فأسلم وهو ممن له أن يبتدئ نكاح أمة فاجتمع إسلامه وإسلام الأمة في حال يكون له فيها ابتداء نكاح أمة كان له أن يمسك من الإماء اللاتي اجتمع إسلامهن وإسلامه وله نكاح أمة، وإن أسلم بعضهن قبل بعض وأيسر بعد عسر بحرة لم يحرم عليه إمساك واحدة منهن لأني أنظر إلى حاله حين اجتمع إسلامه وإسلامهن، وإن اختلف وقت إسلامهن فأيهن كان إسلامه وهو يحل له ابتداء نكاحه كان له أن يمسك واحدة من الإماء ولم يجز له أن يمسك واحدة من اللاتي أسلمن وهو لا يحل له إمساك واحدة منهن، وإذا كانت عنده أمة وحرائر أو حرائر وإماء وهو ممن له أن ينكح أمة فاجتمع إسلامه وإسلام أمة أو أكثر من الإماء وقف عنهن، فإن أسلمت حرة في عدتها فقد انفسخ نكاح الإماء كلهن اللاتي أسلمن وتخلفن وإن لم تسلم واحدة من الحرائر حتى تنقضي عددهن اختار من الإماء واحدة إن كن أكثر من واحدة وثبتت عنده واحدة إن لم يكن غيرها ولو اجتمع إسلامه وإسلام أمة أو إماء فعتقن بعد اجتماع إسلامه وإسلام حرة وقفناهن فإن أسلمت الحرة في العدة فنكاحهن منفسخ وإن لم يجتمع إسلامه وإسلام حرة في عدة اختار من الإماء واحدة إذا كان ممن يحل له نكاح الإماء لأني إنما أنظر إلى يوم يجتمع إسلامه وإسلامها فإن كان يجوز له في ذلك الوقت ابتداء نكاحها جعلت له إمساكها إن شاء وإن كان ممن لا يجوز له ابتداء نكاحها لم أثبت نكاحها معه بالعقد الأول بمدة تأتي بعدها ولو عتقن قبل أن يسلمن كن كمن ابتدأ نكاحه وهن حرائر وكذلك لو أسلمن هن وهو كافر فلم يجتمع إسلامه وإسلامهن حتى يعتقن كان كمن ابتدأ نكاحه وهن حرائر.
ولو كان عند عبد أربع إماء فأسلم وأسلمن قيل له أمسك اثنتين وفارق سائرهن، ولو كان عنده حرائر فاجتمع إسلامه وإسلامهن ولم ترد واحدة منهن فراقه قيل له أمسك اثنتين وفارق سائرهن، وكذلك إن كن إماء وحرائر مسلمات أو كتابيات ولو كن إماء فعتقن قبل إسلامه فاخترن فراقه كان ذلك لهن لأنه يكون لهن بعد إسلامه وعددهن عدد حرائر فيحصين من يوم اخترن فراقه فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر ومن يوم اخترن فراقه وإن لم يجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر من يوم أسلم متقدم الإسلام منهما لأن الفسخ كان من يومئذ إذا لم يجتمع إسلامهما في العدة وعددهن عدد حرائر بكل حال لأن العدة لم تنقض حتى صرن حرائر وإن لم يكن اخترن فراقه ولا المقام معه خيرن إذا اجتمع إسلامه وإسلامهن معا. وإن تقدم إسلامهن قبل إسلامه فاخترن المقام معه ثم أسلم خيرن حين يسلم وكان لهن أن يفارقنه وذلك أنهن اخترن المقام معه ولا خيار لهن إنما يكون لهن الخيار إذا اجتمع إسلامهن وإسلامه ولو اجتمع إسلامه وإسلامهن وهن إماء ثم عتقن من ساعتهن ثم اخترن فراقه لم يكن ذلك لهن إذا أتى عليهن أقل أوقات الدنيا وإسلامهن وإسلامه مجتمع. ولو اجتمع إسلامهن وإسلامه وعتقهن وعتقه معا لم يكن لهن خيار، وكذلك لو اجتمع إسلامهن وإسلامه فعتقن فلم يخترن حتى يعتق الزوج لم يكن لهن خيار.
ولو كان عند عبد أربع حرائر فاجتمع إسلامه وإسلام الأربع معا كأنهن أسلمن معه في كلمة واحدة أو متفرقات ثم عتقن قيل له اختر اثنتين وفارق اثنتين، وسواء أعتق في العدة أو بعد ما تنقضي عددهن لأنه كان يوم اجتمع إسلامه وإسلامهن مملوكا ليس له أن يجاوز اثنتين: قال وكذلك لو اجتمع إسلامه وإسلام اثنتين في العدة ثم عتق ثم أسلمت الاثنتان الباقيتان في العدة لم يكن له أن يمسك إلا اثنتين، أي الاثنتين شاء، اللتين أسلمتا أولا أو آخرا لأنه عقد في العبودية وإنما يثبت له عقد العبودية مع اجتماع إسلامه وإسلام أزواجه قبل مضي العدة فلا يثبت له بعقد العبودية إلا اثنتان، وإذا اختار اثنتين فهو ترك للاثنتين اللتين اختار غيرهما وله أن ينكحهما مكانه إن شاءتا وذلك أن هذا ابتداء نكاح بعد إذ صار حرا فله في الحرية الجمع بين أربع.
وإذا نكح المملوك المملوكة في الشرك ثم أعتق فملكها أو بعضها أو أعتقت فملكته أو بعضه ثم اجتمع إسلامهما معا في العدة وقد أقام في الكفر على النكاح فلا نكاح بينهما.
وإذا تزوج الرجل في الشرك فأصاب امرأته ثم أسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج فسواء والنكاح موقوف على العدة فإذا أسلم المتأخر الإسلام منهما قبل أن تنقضي عدة المرأة والنكاح مما يصلح ابتداؤه في الإسلام ولم يكن فيهن من لا يصلح الجمع بينه فالنكاح ثابت، وهكذا إن كن حرائر ما بين واحدة إلى أربع ولا يقال للزوج اختر وهن أزواجه فإن شاء أمسك وإن شاء طلق وإن مات ورثنه وإن متن ورثهن فإن قال قد فسخت نكاحهن أو نكاح واحدة منهن وقف، فإن قال أردت إيقاع طلاق وقع عليه الطلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق، وإن قال عنيت أن نكاحهن كان فاسدا لم يكن طلاقا ويحلف ما كانت إرادته إحداث طلاق وإن كانت عنده أكثر من أربع فأسلم وأسلمت واحدة في العدة فقال قد اخترت حبسها ثم أسلمت أخرى فقال قد اخترت حبسها حتى يقول ذلك في أربع كان ذلك له وثبت نكاحهن باختياره لهن وكان نكاح الزوائد على الأربع منفسخا ولو قال كلما أسلمت واحدة قد اخترت فسخ نكاحها وقف فسخه فإن أسلمن معا أو لم يقل من هذا شيئا حتى أسلمن معا أو بعضهن قبل بعض غير أن كل واحدة منهن أسلمت قبل أن تنقضي عدتها خير فقيل أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق سائرهن لأن اختيارك فسخ لمن فسخت ولم يكن لك فسخهن إلا بأن تريد طلاقا ولا عليك فسخ نكاحهن فإذا أمسك أربعا فقد انفسخ نكاح من زاد عليهن بلا طلاق لأنه يجبر على أن يفارق ما زاد على أربع فلا يكون طلاقا ما جبر عليه وإنما أثبتنا له العقد باختياره فإن السنة جعلت له الخيار في إمساك أيتهن شاء فاتبعنا السنة قال والاختيار أن يقول قد أمسكت فلانة أو قد أمسكت بعقد فلانة أو قد أثبت عقد فلانة أو ما أشبه هذا فإذا قال هذا في أربع انفسخ عقد من زاد عليهن، ولو قال رجعت فيمن اخترت إمساكه منهن واخترت البواقي كان البواقي براء منه لا سبيل له عليهن إلا بنكاح جديد ووقفناه عند قوله: رجعت فيمن اخترت فإن قال أردت به طلاقا فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق وإن قال لم أرد به طلاقا أردت أني رأيت الخيار لي أو غير ذلك حلف ما أراد به طلاقا ولم يكن طلاقا.
[قال الشافعي]: وعلى اللاتي فسخ نكاحهن باختيار غيرهن عدة مستقبلة من يوم انفسخ نكاحهن لأنهن مدخول بهن انفسخ نكاحهن، وإن قال ما أردت بقولي قد أثبت عقد فلانة واللاتي قال ذلك لهن معا أو اخترت فلانة أو ما قاله مما يشبه هذا الكلام إثبات عقدهن دون البواقي انفسخ عقد البواقي في الحكم ولم يدن فيه ويثبت عقد اللواتي أظهر اختيارهن ووسعه إصابتهن لأن نكاحهن ثابت لا يزول إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه إنما يفسخه اختيار غيرهن وهو لم يختر غيرهن، وأحب إلي أن يحدث لهن اختيارا فيكون ذلك فسخا للبواقي اللاتي فسخ عقدهن في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل فيسعه حبس اللاتي فسخناهن عليه بأن يحدث لهن اختيارا أو يفسخ فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى نكاح اللاتي حكمنا له بهن.
[قال الشافعي]: والحكم كما وصفت فلو اختار أربعا ثم قال لم أرد اختيارهن وقد اخترت الأربع البواقي ألزمناه الأربع اللاتي اختار أولا وجعلنا اختياره الآخر باطلا كما لو نكح امرأة فقال ما أردت بنكاحها عقد نكاح ألزمناه إياه لأنه الظاهر من قوله وهو أبين أنه له حلال من المرأة يبتدئ نكاحها لأن نكاحهن ثابت إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه.
قال ولو أسلم وثمان نسوة له فقال قد فسخت عقد أربع بأعيانهن ثبت عقد اللاتي لم يفسخ عقدهن، ولم أحتج إلى أن يقول قد أثبت عقد البواقي ولا اخترت البواقي كما لا أحتاج إذا كن أربعا فأسلم وأسلمن إلى أن يقول قد أثبت عقدهن وهن ثوابت بالعقد الأول واجتماع إسلام الزوجين في العدة.
قال وإذا أسلم وعنده أربع منهن أختان وامرأة وعمتها قيل له أمسك أي الأختين شئت وإحدى المرأتين بنت الأخ أو العمة وفارق اثنتين.
[قال الشافعي]: وإن كان معه أربع نسوة سواهن قيل له أمسك أربعا ليس لك أن يكون فيهن أختان معا أو المرأة وعمتها معا.
قال ولو أسلم وعنده حرائر يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل كن كالحرائر المسلمات لأنه يصلح له أن يبتدئ نكاحهن كلهن، ولو كن يهوديات أو نصرانيات من غير بني إسرائيل من العرب أو العجم انفسخ نكاحهن كلهن وكن كالمشركات الوثنيات إلا أن يسلمن في العدة ولو كن من بني إسرائيل يدن غير دين اليهود والنصارى من عبادة وثن أو حجر أو مجوسية لم يكن له إمساك واحدة منهن لأنه لا يكون له ابتداء نكاحهن قال وكذلك لو كن إماء يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل انفسخ نكاحهن لأنه لا يصلح له أن يبتدئ نكاحهن في الإسلام.
قال ولو أسلم وعنده حرائر يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل كن كالحرائر المسلمات لأنه يصلح له أن يبتدئ نكاحهن كلهن، ولو كن يهوديات أو نصرانيات من غير بني إسرائيل من العرب أو العجم انفسخ نكاحهن كلهن وكن كالمشركات الوثنيات إلا أن يسلمن في العدة ولو كن من بني إسرائيل يدن غير دين اليهود والنصارى من عبادة وثن أو حجر أو مجوسية لم يكن له إمساك واحدة منهن لأنه لا يكون له ابتداء نكاحهن قال وكذلك لو كن إماء يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل انفسخ نكاحهن لأنه لا يصلح له أن يبتدئ نكاحهن في الإسلام.
[قال الشافعي]: ولو أسلم رجل وعنده أكثر من أربع نسوة قد أصاب منهن أربعا ولم يصب أربعا وأسلمن قبله أو بعده غير أن إسلام اللاتي لم يدخل بهن كلهن كان قبله أو بعده فالعصمة بينه وبين اللاتي لم يدخل بهن منقطعة ونكاح اللاتي دخل بهن ثابت وهو كرجل أسلم وعنده أربع نسوة ليس عنده غيرهن.
[قال الشافعي]: ولو كانت المسألة بحالها فأسلمن قبله أو أسلم قبلهن ثم أصاب واحدة من اللاتي لم يدخل بهن كانت إصابته إياها محرمة وعليه لها مهر مثلها للشبهة وذلك أنها بعد انقطاع العصمة بينهما ولم يكن له أن يمسكها وكان له أن يبتدئ نكاحها إذا لم يكن عنده أربع سواها ولا من يحرم أن يجمع بينها وبينه ولها عليه صداق مثلها بالإصابة وعليها العدة والولد لاحق إن كان ولد ولا حد على واحد منهما للشبهة.