→ باب الخلاف في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة | كتاب الأم - كتاب النكاح المؤلف: الشافعي |
الخلاف في نكاح الأولياء والسنة في النكاح ← |
باب نكاح الولاة والنكاح بالشهادة |
[قال الشافعي]: قال الله تبارك وتعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} وقال في الإماء {فانكحوهن بإذن أهلهن} وقال عز وجل: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}.
[قال الشافعي]: رحمه الله فهذه الآية أبين آية في كتاب الله عز وجل دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها فإن قال قائل ترى ابتداء الآية مخاطبة الأزواج لأن الله تبارك وتعالى يقول {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} فدل على أنه إنما أراد غير الأزواج من قبل أن الزوج إذا انقضت عدة المرأة ببلوغ أجلها لا سبيل له عليها فإن قال قائل فقد يحتمل قوله {فبلغن أجلهن} إذا شارفن بلوغ أجلهن لأن القول للأزواج {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} نهيا أن يرتجعها ضرارا ليعضلها فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى لأنها لا تحتمله لأن المرأة المشارفة بلوغ أجلها ولم تبلغه لا يحل لها أن تنكح وهي ممنوعة من النكاح بآخر العدة كما كانت ممنوعة منه بأولها فإن الله عز وجل يقول {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا} فلا يؤمر بأن يحل إنكاح الزوج إلا من قد حل له الزوج وقال بعض أهل العلم إن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار زوج أخته فطلقها زوجها فانقضت عدتها فأراد زوجها أو أرادت أن يتناكحا فمنعه معقل بن يسار أخوها وقال زوجتك أختي وآثرتك على غيرك ثم طلقتها فلا أزوجكها أبدا فنزلت {فلا تعضلوهن} وفي هذه الآية الدلالة على أن النكاح يتم برضا الولي والمنكحة والناكح وعلى أن على الولي أن لا يعضل فإذا كان عليه أن لا يعضل فعلى السلطان التزويج إذا عضل لأن من منع حقا فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه وإعطاؤه عليه والسنة تدل على ما دل عليه القرآن وما وصفنا من الأولياء والسلطان. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له).
[قال الشافعي]: رحمه الله ففي سنة رسول الله ﷺ دلالات منها أن للولي شركا في بضع المرأة ولا يتم النكاح إلا به ما لم يعضلها ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملكه وهو معنى فضل نظر بحياطة الموضع أن ينال المرأة من لا يساويها وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى الأكفاء والله أعلم ويحتمل أن تدعو المرأة الشهوة إلى أن تصير إلى ما لا يجوز من النكاح فيكون الولي أبرأ لها من ذلك فيها وفي قول النبي ﷺ البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير ولي فهي منفسخة لقول رسول الله ﷺ فنكاحها باطل والباطل لا يكون حقا إلا بتجديد نكاح غيره ولا يجوز لو أجازه الولي أبدا لأنه إذا انعقد النكاح باطلا لم يكن حقا إلا بأن يعقد عقدا جديدا غير باطل وفي السنة دلالة على أن الإصابة إذا كانت بالشبهة ففيها المهر ودرئ الحد لأنه لم يذكر حدا وفيها أن على الولي أن يزوج إذا رضيت المرأة وكان البعل رضا فإذا منع ما عليه زوج السلطان كما يعطي السلطان ويأخذ ما منع مما عليه.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع عن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها). قال الشافعي ففي هذا الحديث دلالة على الفرق بين البكر والثيب في أمرين أحدهما ما يكون فيه إذنهما وهو أن إذن البكر الصمت فإذا كان إذنها الصمت فإذن التي تخالفها الكلام لأنه خلاف الصمت وهي الثيب والثاني أن أمرهما في ولاية أنفسهما لأنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي والولي ههنا الأب والله أعلم دون الأولياء ومثل هذا حديث (خنساء بنت خذام حين زوجها أبوها ثيبا وهي كارهة فرد النبي ﷺ نكاحه) والبكر مخالفة لها حين اختلف في أصل لفظ النبي ﷺ فإذا خالفتها كان الأب أحق بأمرها من نفسها فإن قال قائل ما دل على ذلك قيل اللفظ بالحديث يدل على فرق بينهما إذ قال الثيب أحق بنفسها وأمر في البكر أن تستأذن ولو كانتا معا سواء كان اللفظ هما أحق بأنفسهما وإذن البكر الصمت وإذن الثيب الكلام فإن قال قائل فقد أمر باستئمارها فاستئمارها يحتمل أن لا يكون للأب تزويجها إلا بأمرها ويحتمل أن تستأمر على معنى استطابة نفسها وأن تطلع من نفسها على أمر لو أطلعته لأب كان شبيها أن ينزهها بأن لا يزوجها فإن قال قائل فلم قلت يجوز نكاحها وإن لم يستأمرها قيل له بما وصفت من الاستدلال بفرق رسول الله ﷺ بين البكر والثيب إذ قال (الأيم أحق بنفسها من وليها) ثم قال (والبكر تستأذن في نفسها) فلا يجوز عندي إلا أن يفرق حالهما في أنفسهما ولا يفرق حالهما في أنفسهما إلا بما قلت من أن للأب على البكر ما ليس له على الثيب كما استدللنا إذ قال في البكر وإذنها صماتها ولم يقل في الثيب إذنها الكلام على أن إذن الثيب خلاف البكر ولا يكون خلاف الصمت إلا النطق بالإذن قال فهل على ما وصفت من دلالة قيل نعم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن (عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله ﷺ وأنا ابنة سبع وبنى بي وأنا بنت تسع سنين).
[قال الشافعي]: زوجه إياها أبوها فدل ذلك على أن أبا البكر أحق بإنكاحها من نفسها لأن ابنة سبع سنين وتسع لا أمر لها في نفسها وليس لأحد غير الآباء أن يزوجوا بكرا حتى تبلغ ويكون لها أمر في نفسها فإن قال قائل فلم لا تقول في ولي غير الأب له أن يزوج البكر وإن لم تأذن وجعلتها فيمن بقي من الأولياء بمنزلة الثيب؟ قلت فإن الولي الأب الكامل بالولاية كالأم الوالدة وإنما تصير الولاية بعد الأب لغيره بمعنى فقده أو إخراجه نفسه من الولاية بالعضل كما تصير الأم غير الأم كالوالدة بمعنى رضاع أو نكاح أب أو ما يقع عليه اسم الأم لأنها إذا قيل أم كانت الأم التي تعرف الوالدة ألا ترى أن لا ولاية لأحد مع أب ومن كان وليا بعده فقد يشركه في الولاية غير الإخوة، وبنو العم مع المولى يكونون شركاء في الولاية ولا يشرك الأب أحدا في الولاية بانفراده بالولاية بما وجب له من اسم الأبوة مطلقا له دون غيره كما أوجب للأم الوالدة اسم الأم مطلقا لها دون غيرها فإن قال قائل فإنما يؤمر بالاستئمار من له أمر في نفسه يرد عنه إن خولف أمره وسأل عن الدلالة على ما قلنا من أنه قد يؤمر بالاستئمار من لا يحل محل أن يرد عنه خلاف ما أمر به فالدلالة عليه أن الله عز وجل يقول لنبيه ﷺ {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} فإنما افترض عليهم طاعته فما أحبوا وكرهوا وإنما أمر بمشاورتهم والله أعلم لجمع الألفة وأن يستن بالاستشارة بعده من ليس له من الأمر ما له وعلى أن أعظم لرغبتهم وسرورهم أن يشاوروا لا على أن لأحد من الآدميين مع رسول الله ﷺ أن يرده عنده إذا عزم رسول الله ﷺ على الأمر به والنهي عنه ألا ترى إلى قوله عز وجل: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}. وقال عز وجل: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} وقوله {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
[قال الشافعي]: أخبرنا مسلم عن ابن جريج (أن رسول الله ﷺ أمر نعيما أن يؤامر أم ابنته فيها) ولا يختلف الناس أن ليس لأمها فيها أمر ولكن على معنى استطابة النفس وما وصفت أولا ترى أن في حديث نعيم ما بين ما وصفت لأن ابنة نعيم لو كان لها أن ترد أمر أبيها وهي بكر أمر رسول الله ﷺ بمسألتها فإن أذنت جاز عليها وإن لم تأذن رد عنها كما رد عن خنساء بنت خدام ولو كان نعيم استأذن ابنته وكان شبيها أن لا يخالف أمها ولو خالفها أو تفوت عليها فكان نكاحها بإذنها كانت أمها شبيها أن لا تعارض نعيما في كراهية إنكاحها من رضيت ولا أحسب أمها تكلمت إلا وقد سخطت ابنتها أو لم تعلمها رضيت، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن حارثة (عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي ﷺ فرد نكاحها).
[قال الشافعي]: رحمه الله وهذا موافق قول النبي ﷺ (الأيم أحق بنفسها من وليها) والدليل على ما قلنا من أن ليس للمرأة أن تنكح إلا بإذن ولي ولا للولي أن يزوجها إلا بإذنها ولا يتم نكاح إلا برضاهما معا ورضا الزوج.
[قال الشافعي]: وروي عن الحسن بن أبي الحسن أن رسول الله ﷺ قال (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وهذا وإن كان منقطعا دون النبي ﷺ فإن أكثر أهل العلم يقول به ويقول الفرق بين النكاح والسفاح الشهود.
[قال الشافعي]: وهو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أصحاب رسول الله ﷺ فالنكاح يثبت بأربعة أشياء الولي ورضا المنكوحة ورضا الناكح وشاهدي عدل إلا ما وصفنا من البكر يزوجها الأب والأمة يزوجها السيد بغير رضاهما فإنهما مخالفان ما سواهما وقد تأول فيها بعض أهل العلم قول الله عز وجل: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} وقال الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وقد خالفه غيره فيما تأول وقال هو الزوج يعفو فيدع ماله من أخذ نصف المهر وفي الآية كالدلالة على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج والله سبحانه أعلم وهذا مكتوب في كتاب الطلاق فإذا كان يتم بأشياء فنقص منها واحد فهو غير تام ولا جائز فأي هذه الأربعة نقص لم يجز معه النكاح ويجب خامسة أن يسمي المهر وإن لم يفعل كان النكاح جائزا فيما ذكرنا من حكم الله تعالى في المهور.