باب الشهادة والإقرار بالرضاع |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: لم أعلم أحدا ممن ينسبه العامة إلى العلم مخالفا في أن شهادة النساء تجوز فيما لا يحل للرجال غير ذوي المحارم أن يتعمدوا أن يروه لغير شهادة وقالوا ذلك في ولادة المرأة وعيبها الذي تحت ثيابها والرضاعة عندي مثله لا يحل لغير محرم أو زوج أن يعمد أن ينظر إلى ثديها ولا يمكنه أن يشهد على رضاعها بغير رؤية ثديها لأنه لو رأى صبيا يرضع وثديها مغطى أمكن أن يكون يرضع من وطب عمل كخلقة الثدي وله طرف كطرف الثدي ثم أدخل في كمها فتجوز شهادة النساء في الرضاع كما تجوز شهادتهن في الولادة، ولو رأى ذلك رجلان عدلان أو رجل وامرأتان جازت شهادتهم في ذلك ولا تجوز شهادة النساء في الموضع الذي ينفردن فيه إلا بأن يكن حرائر عدولا بوالغ ويكن أربعا لأن الله عز وجل إذا أجاز شهادتهن في الدين جعل امرأتين تقومان مقام رجل بعينه، وقول أكثر من لقيت من أهل الفتيا إن شهادة الرجلين تامة في كل شيء ما عدا الزنا فامرأتان أبدا تقومان مقام رجل إذا جازتا.
[قال الشافعي]: أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال لا يجوز من النساء أقل من أربع.
[قال الشافعي]: فإذا شهد أربع نسوة أن امرأة أرضعت امرأة خمس رضعات وأرضعت زوجها خمسا أو أقر زوجها بأنها أرضعته خمسا فرق بينه وبين امرأته، فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها فلا نصف مهر لها ولا متعة.
[قال الشافعي]: وكذلك إن كان في النسوة أخوات المرأة وعماتها وخالاتها لأنها لا يرد لها إلا شهادة ولد أو والد.
[قال الشافعي]: وإن كانت المرأة تنكر الرضاع فكانت فيهن ابنتها وأمها جزن عليها أنكره الزوج أو ادعاه وإن كانت المرأة تنكر الرضاع والزوج ينكر أو لا ينكر فلا يجوز فيه أمها ولا أمهاتها ولا ابنتها ولا بناتها وسواء هذا قبل عقدة النكاح وبعد عقدته قبل الدخول وبعده لا يختلف لا يفرق فيه بين المرأة والزوج إلا بشهادة أربع ممن تجوز شهادته عليه ليس فيهن عدو للمشهود عليه أو غير عدل.
[قال الشافعي]: ويجوز في ذلك شهادة التي أرضعت لأنه ليس لها في ذلك ولا عليها شيء ترد به شهادتها وكذلك تجوز شهادة ولدها وأمهاتها ويوقفن حتى يشهدن أن قد أرضع المولود خمس رضعات تخلص كلهن إلى جوفه أو يخلص من كل واحدة منهن شيء إلى جوفه وتسعهن الشهادة على هذه لأنه لا يستدرك في الشهادة فيه أبدا أكثر من رؤيتهن الرضاع وعلمهن وصوله بما يرين من ظاهر الرضاع.
[قال الشافعي]: وإذا أرضع الصبي ثم قاء فهو كرضاعه واستمساكه.
[قال الشافعي]: وإذا لم تكمل في الرضاع شهادة أربع نسوة أحببت له فراقها إن كان نكحها وترك نكاحها، إن لم يكن نكحها للورع فإنه إن يدع ما له نكاحه خير من أن ينكح ما يحرم عليه.
[قال الشافعي]: ولو نكحها لم أفرق بينهما إلا بما أقطع به الشهادة على الرضاع، فإن قال قائل فهل في هذا من خبر عن النبي ﷺ؟ قيل: نعم أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة (أن عقبة بن الحارث أخبره أنه نكح أم يحيى بنت أبي أهاب فقالت أمة سوداء قد أرضعتكما قال فجئت إلى النبي ﷺ فذكرت ذلك له فأعرض فتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما).
[قال الشافعي]: إعراضه عليه الصلاة والسلام يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه، وقوله " وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ " يشبه أن يكون كره له أن يقيم معها وقد قيل إنها أخته من الرضاعة وهذا معنى ما قلنا من أن يتركها ورعا لا حكما.