→ ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع | كتاب الأم - كتاب النكاح المؤلف: الشافعي |
باب الشك واليقين في الطلاق ← |
الحجة في البتة وما أشبهها |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد (أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة ألبتة ثم أتى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة ووالله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله ﷺ لركانة والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله ﷺ) فطلقها الثانية في زمان عمر رضي الله عنه والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنه.
[قال الشافعي]: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر عن المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته ألبتة. ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال له عمر ما حملك على ذلك؟ فقال قد قلته فتلا عمر {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا} ما حملك على ذلك؟ قال قد قلته فقال عمر رضي الله عنه أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت.
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب قال للتوأمة مثل الذي قال للمطلب.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ألبتة؟ فقال يدين فإن كان أراد ثلاثا فثلاث وإن كان أراد واحدة فواحدة.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته أنت طالق ألبتة فاستعفاه شريح فأبى أن يعفيه، فقال: أما الطلاق فسنة. وأما البتة فبدعة. فأما السنة والطلاق فأمضوه. وأما البدعة والبتة فقلدوه إياه ودينوه فيها.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو خلوت مني أو أنت برية أو برئت مني أو يقول أنت بائنة أو قد بنت مني؟ قال سواء: قال عطاء: وأما قوله أنت طالق فسنة لا يدين في ذلك هو الطلاق قال ابن جريج قال عطاء: أما قوله أنت برية أو بائنة، فذلك ما أحدثوا، سئل فإن كان أراد الطلاق فهو الطلاق وإلا فلا.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله أنت برية أو أنت بائنة أو أنت خلية أو برئت مني أو بنت مني قال يدين.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال: إن أراد الطلاق فهو الطلاق كقوله أنت علي حرام.
[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن حماد قال: سألت إبراهيم عن الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام؟ قال إن نوى طلاقا فهو طلاق وإلا فهو يمين.
[قال الشافعي]: رحمه الله: والبتة تشديد الطلاق ومحتملة لان تكون زيادة في عدد الطلاق وقد جعلها رسول الله ﷺ إذ لم يرد ركانة إلا واحدة واحدة يملك فيها الرجعة ففيه دلائل. منها: أن تشديد الطلاق لا يجعله بائنا وأن ما احتمل الزيادة في عدد الطلاق مما سوى اسم الطلاق لا يكون طلاقا إلا بإرادة المتكلم به وأنه إذا أراد الطلاق كان طلاقا ولو كان إذا أراد به زيادة في عدد الطلاق ولم يكن طلاقا لم يحلفه رسول الله ﷺ ما أراد إلا واحدة وإذا كان نوى زيادة في عدد الطلاق بما يشبه الطلاق وقع بإرادته. فإن أراد فيما يشبه الطلاق أن يطلق واحدة فواحدة وإن أراد اثنتين فاثنتين وإن أراد ثلاثا فثلاثا فإذا وقعت ثلاث بإرادته الطلاق مع ما يشبه الطلاق واثنتان وواحدة كان إذا تكلم باسم الطلاق الذي يقع به طلاق بنية طلاق أو غير نية أولى أن يقع. فإن قال أنت طالق ينوي اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى مع الواحدة من الزيادة ولا أعلم شيئا مما سوى ما سمى الله عز وجل به الطلاق أشبه في الظاهر بأن يكون طلاقا ثلاثا من البتة. فإذا كان إذا تكلم بها مع الطلاق لم يكن طلاقا إلا بإرادته كان ما هو أضعف منها في الظاهر من الكلام أولى أن لا يكون طلاقا إلا بإرادته الطلاق، ولو قال رجل لامرأته اختاري أو أمرك بيدك أو قال ملكتك أمرك أو أمرك إليك فطلقت نفسها فقال ما أردت بشيء من هذا طلاقا لم يكن طلاقا. وسواء قال ذلك في المجلس أو بعده لا يكون طلاقا إلا بأن يقر أنه أراد بتمليكها وتخييرها طلاقا قال: وهكذا لو قالت له خالعني فقال قد خالعتك أو خلعتك أو قد فعلت لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق ولم يأخذ مما أعطته شيئا إلا أن يريد به طلاقا، وذلك أن طلاق البتة يحتمل الإثبات الذي ليس بعده شيء ويحتمل تطليقة واحدة لأنه يقع عليها أنها منبتة حتى يرتجعها، والخلية والبرية والبائن منه يحتمل خلية مما يعنيني وبرية مما يعنيني وبائن من النساء ومني بالمودة، واختاري شيئا غير الطلاق من مال أو ضرب أو مقام علي حسن أو قبيح، وأمرك بيدك أنك تملكين أمرك في مالك غيره، وكذلك أمرك إليك وكذلك ملكتك أمرك، ولو قال لامرأته أنت طالق تطليقة شديدة أو غليظة أو ما أشبه هذا من تشديد الطلاق أو تطليقة بائنا كان كل هذا تطليقة تملك الرجعة، وإذا طلق الرجل امرأته في نفسه ولم يحرك به لسانه لم يكن طلاقا وكل ما لم يحرك به لسانه فهو من حديث النفس الموضوع عن بني آدم، وهكذا إن طلق ثلاثا بلسانه واستثنى في نفسه لزمه طلاق ثلاث ولم يكن له استثناء لأن الاستثناء حديث نفس لا حكم له في الدنيا.
وإن كلم امرأته بما لا يشبه الطلاق وقال أردت به الطلاق لم يكن طلاقا، وإنما تعمل النية مع ما يشبه ما نويته به وذلك أن يقول لها بارك الله فيك أو اسقيني أو أطعميني أو زوديني أو ما أشبه هذا ولكنه لو قال لها افلحي أو اذهبي أو اغربي أو أشربي يريد به طلاقا كان طلاقا، وكل هذا يقال للخارج والمفارق يقال له افلح كما يقال له اذهب ويقال له اغرب اذهب بعدا، ويقال للرجل يكلم ما يكره أو يضرب اشرب، وكذلك ذق أو اطعم قال الله عز وجل وهو يذكر بعض من عذب {ذق إنك أنت العزيز الكريم} ولو قال لها اذهبي وتزوجي أو تزوجي من شئت لم يكن طلاقا حتى يقول أردت به الطلاق، وهكذا إن قال اذهبي فاعتدي، ولو قال الرجل لامرأته أنت علي حرام لم يقع به طلاق حتى يريد الطلاق فإذا أراد به الطلاق فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق وإن أراد طلاقا ولم يرد عددا من الطلاق فهي واحدة يملك الرجعة، وإن قال أردت تحريمها بلا طلاق لم تكن حراما وكانت عليه كفارة يمين ويصيبها إن شاء قبل أن يكفر وإنما قلنا عليه كفارة يمين إذا أراد تحريمها ولم يرد طلاقها أن النبي ﷺ حرم جاريته فأمر بكفارة يمين والله تعالى أعلم. قال الله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} الآية. فلما لم يرد الزوج بتحريم امرأته طلاقا كان أوقع التحريم على فرج مباح له لم يحرم بتحريمه فلزمته كفارة فيه كما لزم من حرم أمته كفارة فيها ولم تحرم عليه بتحريمه لأنهما معا تحريم لفرجين لم يقع بواحد منهما طلاق، ولو قال كل ما أملك علي حرام يعني امرأته وجواريه وماله كفر عن المرأة والجواري كفارة كفارة إذا لم يرد طلاق المرأة ولو قال مالي علي حرام لا يريد امرأته ولا جواريه لم يكن عليه كفارة ولم يحرم عليه ماله.