→ ما جاء في أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه | كتاب الأم - كتاب النكاح المؤلف: الشافعي |
ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء وما تحل به الفروج ← |
ما جاء في أمر النكاح |
قال الله تبارك وتعالى {وأنكحوا الأيامى منكم} إلى قوله {يغنهم الله من فضله}.
[قال الشافعي]: رحمه الله والأمر في الكتاب والسنة، وكلام الناس يحتمل معاني أحدها أن يكون الله عز وجل حرم شيئا ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم كقول الله عز وجل: {وإذا حللتم فاصطادوا} وكقوله {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} الآية.
[قال الشافعي]: رحمه الله وذلك أنه حرم الصيد على المحرم ونهى عن البيع عند النداء ثم أباحهما في وقت غير الذي حرمهما فيه كقوله {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} إلى {مريئا} وقوله {فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا}.
[قال الشافعي]: وأشباه لهذا كثير في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ﷺ ليس أن حتما أن يصطادوا إذا حلوا ولا ينتشروا لطلب التجارة إذا صلوا ولا يأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفسا ولا يأكل من بدنته إذا نحرها [قال]: ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح لقوله عز وجل: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} يدل على ما فيه سبب الغنى والعفاف كقول النبي ﷺ (سافروا تصحوا وترزقوا) فإنما هذا دلالة لا حتم أن يسافر لطلب صحة ورزق.
[قال الشافعي]: ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتما وفي كل الحتم من الرشد فيجتمع الحتم والرشد وقال بعض أهل العلم الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد حتى توجد الدلالة من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أنه إنما أريد بالأمر الحتم فيكون فرضا لا يحل تركه كقول الله عز وجل: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فدل على أنهما حتم وكقوله {خذ من أموالهم صدقة} وقوله {وأتموا الحج والعمرة لله} وقوله {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} فذكر الحج والعمرة معا في الأمر وأفرد الحج في الفرض فلم يقل أكثر أهل العلم العمرة على الحتم وإن كنا نحب أن لا يدعها مسلم وأشباه هذا في كتاب الله عز وجل كثير.
[قال الشافعي]: وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة عليه بأن النهي عنه على غير التحريم وأنه إنما أريد به الإرشاد أو تنزها أو أدبا للمنهي عنه وما نهى عنه رسول الله ﷺ كذلك أيضا.
[قال الشافعي]: رحمه الله ومن قال الأمر على غير الحتم حتى تأتي دلالة على أنه حتم انبغى أن تكون الدلالة على ما وصفت من الفرق بين الأمر والنهي وما وصفنا في مبتدأ كتاب الله القرآن والسنة وأشباه لذلك سكتنا عنه اكتفاء بما ذكرنا عما لم نذكر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال (ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما أمرتكم به من أمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ مثل معناه.
[قال الشافعي]: رحمه الله وقد يحتمل أن يكون الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين إلا بدلالة أنهما غير لازمين ويكون قول النبي ﷺ " فائتوا منه ما استطعتم " أن يقول عليهم إتيان الأمر فيما استطعتم لأن الناس إنما كلفوا ما استطاعوا في الفعل استطاعة شيء لأنه شيء متكلف وأما النهي فالترك لكل ما أراد تركه يستطيع لأنه ليس بتكلف شيء يحدث إنما هو شيء يكف عنه.
[قال الشافعي]: رحمه الله وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنة طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم والمباح والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معا.
[قال]: فحتم لازم لأولياء الأيامى والحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعوا إلى رضا من الأزواج أن يزوجوهن لقول الله تعالى {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}.
[قال الشافعي]: رحمه الله فإن شبه على أحد أن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج ففي الآية دلالة على أنه إنما نهى عن العضل الأولياء لأن الزوج إذا طلق فبلغت المرأة الأجل فهو أبعد الناس منها فكيف يعضلها من لا سبيل ولا شرك له في أن يعضلها في بعضها؟ فإن قال قائل قد تحتمل إذا قاربن بلوغ أجلهن لأن الله عز وجل يقول للأزواج {إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى وأنها لا تحتمله لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها أو لم تبلغه فقد حظر الله تعالى عليها أن تنكح لقول الله عز وجل: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} فلا يأمر بأن لا يمنع من النكاح من قد منعها منه إنما يأمر بأن لا يمتنع مما أباح لها من هو بسبب من منعها.
[قال الشافعي]: رحمه الله وقد حفظ بعض أهل العلم أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار وذلك أنه زوج أخته رجلا فطلقها وانقضت عدتها ثم طلب نكاحها وطلبته فقال زوجتك دون غيرك أختي ثم طلقتها لا أنكحك أبدا فنزلت {إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} إلى {أزواجهن} قال وفي هذه الآية دلالة على أن النكاح يتم برضا الولي مع الزوج والزوجة وهذا موضوع في ذكر الأولياء والسنة تدل على ما يدل عليه القرآن من أن على ولي الحرة أن ينكحها.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) وقال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له).
[قال الشافعي]: رحمه الله وإذا كانت أحق بنفسها وكان النكاح يتم به لم يكن له منعها النكاح وقول النبي ﷺ (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) يدل على أن السلطان ينكح المرأة لا ولي لها والمرأة لها ولي يمتنع من إنكاحها إذا أخرج الولي نفسه من الولاية بمعصيته بالعضل وهذان الحديثان مثبتان في كتاب الأولياء.
[قال الشافعي]: رحمه الله والرجل يدخل في بعض أمره في معنى الأيامى الذين على الأولياء أن ينكحوهن إذا كان مولى بالغا يحتاج إلى النكاح ويقدر بالمال فعلى وليه إنكاحه فلو كانت الآية والسنة في المرأة خاصة لزم ذلك عندي الرجل لأن معنى الذي أريد به نكاح المرأة العفاف لما خلق فيها من الشهوة وخوف الفتنة وذلك في الرجل مذكور في الكتاب لقول الله عز وجل: {زين للناس حب الشهوات من النساء}.
[قال الشافعي]: رحمه الله إذا كان الرجل ولي نفسه والمرأة أحببت لكل واحد منهما النكاح إذا كان ممن تتوق نفسه إليه لأن الله عز وجل أمر به ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب منافع قال {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} وقال الله عز وجل: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} وقيل إن الحفدة الأصهار وقال عز وجل: {فجعله نسبا وصهرا} فبلغنا أن النبي ﷺ قال (تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط) وبلغنا أن النبي ﷺ قال (من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح) وبلغنا أن النبي ﷺ قال (من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار) ويقال إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده [قال]: وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه الآية {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أن ابن عمر أراد أن لا ينكح فقالت له حفصة تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك دعوا لك.
[قال الشافعي]: رحمه الله ومن لم تتق نفسه ولم يحتج إلى النكاح من الرجال والنساء بأن لم تخلق فيه الشهوة التي جعلت في أكثر الخلق فإن الله عز وجل يقول {زين للناس حب الشهوات من النساء} أو بعارض أذهب الشهوة من كبر أو غيره فلا أرى بأسا أن يدع النكاح بل أحب ذلك وأن يتخلى لعبادة الله وقد ذكر الله عز وجل القواعد من النساء فلم ينههن عن القعود ولم يندبهن إلى نكاح فقال {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} الآية. وذكر عبدا أكرمه قال {وسيدا وحصورا} والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبه إلى نكاح فدل ذلك والله أعلم على أن المندوب إليه من يحتاج إليه ممن يكون محصنا له عن المحارم والمعاني التي في النكاح فإن الله عز وجل يقول: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}.
[قال الشافعي]: رحمه الله والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غر المرأة ولها الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سنة أجلها من يوم يضرب له السلطان.
[قال الشافعي]: أحب النكاح للعبيد والإماء اللاتي لا يطؤهن ساداتهن احتياطا للعفاف وطلب فضل وغنى فإن كان إنكاحهن واجبا كان قد أدى فرضا وإن لم يكن واجبا كان مأجورا إذا احتسب نيته على التماس الفضل بالاحتياط والتطوع.
[قال الشافعي]: ولا أوجبه إيجاب نكاح الأحرار لأني وجدت الدلالة في نكاح الأحرار ولا أجدها في نكاح المماليك.