باب الخلاف في الصداق |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولما ذكر الله عز وجل الصداق غير موقت واختلف الصداق في زمن رسول الله ﷺ فارتفع وانخفض وأجاز رسول الله ﷺ منه ما وصفنا من خاتم الحديد وقال ما تراضى به الأهلون، ورأينا المسلمين قالوا في التي لا يفرض لها إذا أصيبت لها مهر مثلها استدللنا على أن الصداق ثمن من الأثمان والثمن ما تراضى به من يجب له ومن يجب عليه من ماله من قل أو كثر فعلمنا أن كل ما كانت له قيمة قلت أو كثرت فتراضى به الزوجان كان صداقا وخالفنا بعض الناس في هذا فقال لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وسألنا عن حجتنا بما قلنا فذكرنا له ما قلنا من هذا القول فيما كتبنا وقلنا بأي شيء خالفتنا؟ قال روينا عن بعض أصحاب النبي ﷺ لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وذلك ما تقطع فيه اليد قلت قد حدثناك عن رسول الله ﷺ حديثا ثابتا وليس في أحد مع رسول الله ﷺ حجة وحديثك عمن حدثت عنه لو كان ثابتا لم يكن فيه حجة مع رسول الله ﷺ فكيف وليس بثابت؟ قال فيقبح أن نبيح فرجا بشيء تافه؟ قلنا أرأيت رجلا لو اشترى جارية بدرهم أيحل له فرجها؟ قال نعم قلت فقد أحللت الفرج بشيء تافه وزدت مع الفرج رقبة وكذلك تبيح عشر جوار بدرهم في البيع وقلت له أرأيت شريفا ينكح امرأة دنية سيئة الحال بدرهم أدرهم أكثر لها على قدرها وقدره أو عشرة دراهم لامرأة شريفة جميلة فاضلة من رجل دنيء صغير القدر؟ قال بل عشرة لهذه لقدرها أقل قلت: فلم تجيز لها التافه في قدرها؟ وأنت لو فرضت لها مهرا فرضته الأقل ولو فرضت لأخرى لم تجاوز بها عشرة دراهم لأن ذلك كثير لها ولا يجاوز به مهر مثلها قال رضيت به قلت فلو كان أقل من مهر مثلها مائة مرة أجزته لها وعليها؟ قال نعم قلت أليس لأنها رضيت به؟ قال بلى قلت قد رضيت الدنيئة بدرهم وهو لها بقدرها أكثر فزدتها عليه تسعة دراهم قلت أرأيت لو قال لك قائل: لو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فرضيت بمائة ألحقتها بمهر مثلها، ولو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فأصدقها رجل عشرة آلاف رددتها إلى ألف حتى يكون الصداق مؤقتا على ألف قدر مهر مثلها؟ قال ليس ذلك له قلت وتجعله ههنا كالبيوع تجيز فيه التغابن لأن الناكح رضي بالزيادة والمنكوحة رضيت بالنقصان وأجزت على كل ما رضي به؟ قال نعم. قلت: فكذلك لو نكحت بغير مهر فأصابها جعلت لها مهر مثلها عشرة كان أو ألفا؟ قال نعم قلت فأسمعك تشبه المهر بالبيع في كل شيء بلغ عشرة دراهم وتجيز فيه ما تراضيا عليه ثم ترده إلى مهر مثلها إذا لم يكن بصداق وتفرق بينه وبين البيوع في أقل من عشرة دراهم فتقول إذا رضيت بأقل من عشرة دراهم رددتها حتى أبلغ بها عشرة والبيع عندك إذا رضي فيه بأقل من درهم أجزته قلت أرأيت لو قال لك قائل: لا أراك قمت من الصداق على شيء يعتدل فيه قولك فأرجع بك في الصداق إلى أن الله عز وجل قال: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا} وذكر الصداق في غير موضع من القرآن سواء فلم يجد فيه حدا فتجعل الصداق قنطارا لا أنقص منه ولا أزيد عليه. قال ليس ذلك له لأن الله عز وجل لم يفرضه على الناس وأن النبي ﷺ أصدق أقل منه وأصدق في زمانه وأجاز أقل منه فقلنا قد أوجدناك رسول الله ﷺ أجاز في الصداق أقل من عشرة دراهم فتركته وقلت بخلافه وقلت ما تقطع فيه اليد وما لليد والمهر وقلت أرأيت لو قال قائل أحد الصداق ولا أجيز أن يكون أقل من مهر النبي ﷺ خمسمائة درهم أو قال هو ثمن للمرأة لا يكون أقل من خمسمائة درهم أو قال في البكر كالجناية ففيه أرش جائفة أو قال لا يكون أقل مما تجب فيه الزكاة وهو مائتا درهم أو عشرون دينارا ما الحجة عليه؟ قال ليس المهر من هذا بسبيل قلت أجل ولا مما تقطع فيه اليد بل بعض هذا أولى أن يقاس عليه مما تقطع فيه اليد إن كان هذا منه بعيدا.