→ اللعان | كتاب الأم - كتاب النكاح المؤلف: الشافعي |
الخلاف في الطلاق ثلاثا ← |
الخلاف في اللعان |
[قال الشافعي]: رحمه الله: خالفنا بعض الناس في جملة اللعان وفي بعض فروعه فحكيت ما في جملته لأنه موجود في الكتاب والسنة وتركت ما في فروعه لأن فروعه في كتاب اللعان وهو موضوع فيه وإنما كتبنا في كتابنا {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} كما قلنا في قول الله عز وجل وأن حكم الكتاب والسنة فيه فقال بعض من خالفنا لا يلاعن بين الزوجين أبدا حتى يكونا حرين مسلمين ليسا بمحدودين في قذف ولا واحد منهما فقلت له ذكر الله عز وجل اللعان بين الأزواج لم يخص واحدا منهم دون غيره، وما كان عاما في كتاب الله تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على العموم كما قلنا في قول الله عز وجل: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} فزعمنا نحن وأنتم أنها على الأزواج عامة كانوا مماليك أو أحرارا عندهم مملوكة أو حرة أو ذمية فكيف زعمتم أن اللعان على بعض الأزواج دون بعض؟ قالوا روينا في ذلك حديثا فاتبعناه، قلنا: وما الحديث؟ قالوا روى عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال (أربع لا لعان بينهن وبين أزواجهن اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحرة تحت العبد والأمة عند الحر والنصرانية عند النصراني) قلنا له رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط، وعمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو منقطع، واللذان روياه يقول أحدهما عن النبي ﷺ والآخر يقفه على عبد الله بن عمرو موقوفا مجهولا فهو لا يثبت عن عمرو بن شعيب ولا عبد الله بن عمرو ولا يبلغ به النبي ﷺ إلا رجل غلط وفيه أن عمرو بن شعيب قد روى لنا عن النبي ﷺ أحكاما توافق أقاويلنا وتخالف أقاويلكم يرويها عنه الثقات فنسندها إلى النبي ﷺ فرددتموها علينا ورددتم روايته ونسبتموه إلى الغلط فأنتم محجوجون إن كان ممن ثبت حديثه بأحاديثه التي بها وافقناها وخالفتموها في نحو من ثلاثين حكما عن النبي ﷺ خالفتم أكثرها فأنتم غير منصفين إن احتججتم بروايته وهو ممن لا نثبت روايته ثم احتججتم منها بما لو كان ثابتا عنه وهو ممن يثبت حديثه لم يثبت لأنه منقطع بينه وبين عبد الله بن عمرو وقلت لهم لو كان كما أردتم كنتم محجوجين به قال وكيف؟ قلت أليس ذكر الله عز وجل الأزواج والزوجات في اللعان عاما؟ قال بلى قلت ثم زعمت أن حديثا جاء أخرج من الجملة العامة أزواجا وزوجات مسمين؟ قال نعم قلت أو كان ينبغي أن يخرج من جملة القرآن زوجا أو زوجة بالحديث إلا من أخرج الحديث خاصة كما ذكر الله عز وجل الوضوء فمسح النبي ﷺ على الخفين فلم يخرج من الوضوء إلا الخفين خاصة ولم يجعل غيرهما من القفازين والبرقع والعمامة قياسا عليهما؟ قال هكذا هو قلت فكيف قلت في حديثك أليس اليهودية والنصرانية عند المسلم والنصرانية عند النصراني والحرة تحت العبد والأمة تحت الحر لا يلاعنون؟ قال هو هكذا قلت فكان ينبغي أن تقولا لا لعان بين هؤلاء وما كان من زوج سواهن لاعن.
قال وما بقي بعدهن؟ قلت الحرة تحت الحر المحدودين أو أحدهما في القذف والأمة تحت الحر أليس قد زعمت أن هذين لا يلاعنان؟ قال فإني قد أخذت طرح اللعان عمن طرحته عنه من معنيين أحدهما الكتاب والآخر السنة قلت أوعندك في السنة شيء غير ما ذكرت وذكرنا من الحديث الذي رويت عن عمرو بن شعيب؟ قال لا قلت: فقد طرحت اللعان عمن نطق القرآن به وحديث عمرو إن كان ثابتا أنه لا يلاعن لأنه إذا كان رسول الله ﷺ قال ما قلت ففي قوله (أربع لا لعان بينهن) ما دل على أن من سواهن من الأزواج يلاعن والقرآن يدل على أن الأزواج يلاعنون لا يخص زوجا دون زوج قال فمن أخرجت من الأزواج من اللعان بغير حديث عمرو بن شعيب فإنما أخرجته استدلالا بالقرآن قلت وأين ما استدللت به من القرآن؟ قال: قال الله عز وجل: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم} فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له لأن شرط الله عز وجل في الشهود العدول وكذلك لم يجز المسلمون في الشهادة إلا العدول فقلت له قولك هذا خطأ عند أهل العلم وعلى لسانك وجهل بلسان العرب قال فما دل على ما قلت؟ قلت الشهادة ها هنا يمين قال وما دلك على ذلك؟ قلت أرأيت العدل أيشهد لنفسه؟ قال لا قلت ولو شهد أليس شهادته مرة في أمر واحد كشهادته أربعا؟ قال بلى قلت ولو شهد لم يكن عليه أن يلتعن؟ قال بلى قلت ولو كانت شهادته في اللعان واللعان شهادة حتى تكون كل شهادة له تقوم مقام شاهد ألم يكف الأربع دون الخامسة وتحد امرأته؟ قال بلى قلت ولو كان شهادة أيجيز المسلمون في الحدود شهادة النساء؟ قال لا قلت ولو أجازوا شهادتهن انبغى أن تشهد المرأة ثمان مرات وتلتعن مرتين؟ قال بلى قلت أفتراها في معاني الشهادات؟ قال لا ولكن الله عز وجل لما سماها شهادة رأيتها شهادة قلت هي شهادة يمين يدفع بها كل واحد من الزوجين عن نفسه ويجب بها أحكام لا في معاني الشهادات التي لا يجوز فيها إلا العدول ولا يجوز في الحدود منها النساء ولا يجوز أن يكون فيها المرء شاهدا لنفسه قال ما هي من الشهادة التي يؤخذ بها لبعض الناس من بعض فإن تمسكت بأنها اسم شهادة ولا يجوز فيها إلا العدول قال قلت يدخل عليك ما وصفت وأكثر منه ثم يدخل عليك تناقض قولك قال: فأوجدني تناقضه قلت كله متناقض قال فأوجدني قلت إن سلكت بمن يلاعن من تجوز شهادته دون من لا تجوز شهادته فقد لاعنت بين من لا تجوز شهادته وأبطلت اللعان بين من تجوز شهادته قال وأين؟ قلت لاعنت بين الأعميين النخعين غير العدلين وفيهما علل مجموعة منها أنهما لا يريان الزنا فإنهما غير عدلين ولو كانا عدلين كانا ممن لا تجوز شهادته عندك أبدا وبين الفساق والمجان والسراق والقتلة وقطاع الطريق وأهل المعاصي ما لم يكونوا محدودين في قذف قال إنما منعت المحدود في القذف من اللعان لأن شهادته لا تجوز أبدا قلت وقولك لا تجوز أبدا خطأ ولو كانت كما قلت وكنت لا تلاعن بين من لا تجوز شهادته أبدا لكنت قد تركت قولك لأن الأعميين النخعين لا تجوز شهادتهما عندك أبدا وقد لاعنت بينهما فقال من حضره أما هذا فيلزمه وإلا ترك أصل قوله فيها وغيره قال أما الفساق الذين لا تجوز شهادتهم فهم إذا تابوا قبلت شهادتهم قلت أرأيت الحال الذي لاعنت بينهم فيها أهم ممن تجوز شهادتهم في تلك الحال؟ قال لا ولكنهما إن تابا قبلت شهادتهما قلت والعبد إن عتق قبلت شهادته من يومه إذا كان معروفا بالعدل والفاسق لا تقبل إلا بعد الاختبار فكيف لاعنت بين الذي هو أبعد من أن تقبل شهادته إذا انتقلت حاله وامتنعت من أن تلاعن من هو أقرب من أن تجوز شهادته إذا انتقلت حاله؟ قال فإن قلت إن حال العبد تنتقل بغيره وحال الفاسق تنتقل بنفسه؟ قلت له أولست تسوي بينهما إذا صار إلى الحرية والعدل؟ قال بلى قلت فكيف تفرق بينهما في أمر تساوي بينهما فيه؟ وقلت له ويدخل عليك ما أدخلت على نفسك في النصراني يسلم لأنه تنتقل حاله بنقل نفسه فينبغي أن تجيز شهادته لأنه إذا أسلم قبلت قال ما أفعل وكذلك المكاتب عبده ما يؤدي إن أدى عتق أفرأيت إن قذف قبل الأداء؟ قال لا يلاعن قلت وأنت لو كنت إنما تلاعن بين من تجوز شهادته لاعنت بين الذميين لأنهما ممن تجوز شهادتهما عندك قال وإنما تركت اللعان بينهما للحديث قلت فلو كان الحديث ثابتا أما يدلك على أنك أخطأت إذا قبلت شهادة النصارى إذ قلت لا يلاعن إلا بين من تجوز شهادته؟ فقال بعض من حضره فأنا أكلمك على معنى غير هذا قلت فقل قال فإني إنما ألاعن بين الزوجين إذا كانت الزوجة المقذوفة ممن يحد لها حين قذفها من قبل أني وجدت الله عز وجل حكم في قذف المحصنات بالحد ودرأ عن الزوج بالتعانه فإذا كانت المقذوفة ممن لا حد لها التعن الزوج وخرج من الحد وإلا فلا قلت فما تقول في عبد تحته حرة مسلمة فقذفها؟ قال يحد قلت فإن كان الزوج حرا فقذفها؟ قال يلاعن قلت له فقد تركت أصل قولك قال بعض من حضره أما في هذا فنعم ولكنه لا يقول به قلت فلم يزعم أنه يقول به قلت لبعض من حكيت قوله: لا أراك لاعنت بين الزوجين على الحرية لأنك لو لاعنت على الحرية لاعنت بين الذميين ولا على الحرية والإسلام لأنك لو فعلت لاعنت بين المحدودين الحرين المسلمين ولا أراك لاعنت بينهما على العدل لأنك لو لاعنت بينهما على العدل لم تلاعن بين الفاسقين ولا أراك لاعنت بينهما على ما وصف صاحبك من أن المقذوفة إذا كانت حرة مسلمة فعلى قاذفها الحد وأنت لا تلاعن بينها وبين زوجها الحر المحدود في القذف ولا زوجها العبد وما لاعنت بينهما بعموم الآية ولا بالحديث مع الآية ولا منفردا ولا قلت فيها قولا مستقيما على أصل ما ادعيت ثابتا كان أو غير ثابت قال فلم لا تأخذ أنت بحديث عمرو بن شعيب؟ قلت له لا نعرفه عن عمرو إنما رواه عنه رجل لا يثبت حديثه ولو كان من حديثه كان منقطعا عن عبد الله بن عمرو ونحن لا نقبل الحديث المنقطع عمن هو أحفظ من عمرو إذا كان منقطعا وقلنا بظاهر الآية وعمومها لم يفرق بين زوج فيها ولا زوجة إذ ذكرها الله عز وجل عامة فقال لي كيف؟ قلت إذا التعن، الزوج فأبت المرأة أن تلتعن حدت حدها رجما كان أو جلدا فقلت له بحكم الله عز وجل، قال فاذكره، قلت قول الله تبارك وتعالى، من بعد ذكره التعان الزوج {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله} الآية، فكان بينا غير مشكل، والله أعلم في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان قال: فهل توضح هذا بغيره؟ قلت ما فيه إشكال ينبغي لمن قرأ كتاب الله عز وجل وعرف من أحكامه ولسان العرب أن يبتغي معه غيره قال: فإن كنت تعلم معنى توضحه غيره فقله قلت أرأيت الزوج إذا قذف امرأته ما عليه؟ قال عليه الحد إلا أن يخرج منها بالالتعان قلت أوليس قد يحكم في القذفة بالحد إلا أن يأتوا بأربعة شهداء؟ قال بلى قلت وقال في الزوج {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} الآية. قال نعم قلت أفتجد في التنزيل سقوط الحد عنه؟ قال أما نصا فلا وأما استدلالا فنعم لأنه إذا ذكر غير الزوج يخرج من الحد بأربعة شهداء؟ ثم قال في الزوج يشهد أربعا استدلالا على أنه إنما يوجب عليه الشهادة ليخرج بها من الحد فإذا لم يشهد لم يخرج من معنى القذفة أرأيت لو قال قائل إنما شهادته للفرقة ونفي الولد دون الحد فإذا خالف الله بين الزوج في القذف وغيره، ولم أحد الزوج في القذف لأن الآية تحتمل ما قلت ولا أجد فيها دلالة على حده. قال ليس ذلك له وكل شيء إلا وهو يحتمل قلت: وأظهر معانيه أن يفرق بينه وبين القاذف غيره إذا شهد وقلت ويجمع بينه وبين القاذف غيره إذا لم يشهد؟ قال: نعم قلت وتعلم أن شهادة الزوج وإن لم يذكر في القرآن أنها تسقط الحد لا تكون إلا لمعنى أن يخرج بها من الحد وكذلك كل من أحلفته ليخرج عن شيء؟ قال نعم، قلت أفتجد الشهادة للزوج إذا كانت أخرجته وأوجبت على المرأة اللعان وفيها هذه العلل التي وصفت؟ قال نعم قلت فشهادة المرأة أخرجتها من الحد، قال هي تخرجها من الحد، قلت ولا معنى لها في الشهادة إلا الخروج من الحد؟ قال نعم قلت فإذا كانت تخرجها من الحد كيف لم تكن محدودة إن لم تشهد فتخرج بالشهادة منه كما قلت في الزوج إذا لم يشهد حد وكيف اختلف حالاهما عندك فيها فقلت في الزوج ما وصفت من أنه محدود إن لم يشهد وفي المرأة ليست بمحدودة والآية تحتمل في الزوج معاني غير الحد وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ بالشهادة حدا. وفي التنزيل أن المرأة تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك. فليس في شهادة المرأة معنى غير درء الحد لأن الحد عليها في الكتاب والمعقول والقياس أثبت فتركها الشهادة كالإقرار منها بما قال الزوج فما علمتك إلا فرقت بين حد المرأة والرجل فأسقطت حد المرأة وهو أبينهما في الكتاب وأثبت حد الرجل وقلت له أرأيت لو قالت لك المرأة المقذوفة إن كانت شهادته علي بالزنا شهادة تلزمني فحدني وإن كانت لا تلزمني فلا تحلفني وحده لي. وكذلك تصنع في أربعة لو شهدوا علي وكانوا عدولا حددتني وإن لم يثبتوا الشهادة حددتهم أو عبيدا أو مشركين حددتهم قال أقول حكمك وحكم الزوج خارج من حكم الشهود عليك غير الزوج، قلت فقالت لك فإن كانت شهادة لا توجب علي حدا فامتنعت من أن أشهد لم حبستني وأنت لا تحبس إلا بحق؟ قال أقول حبستك لتحلفي قالت وليميني معنى؟ قال نعم تخرجين بها من الحد؟ قالت فإن لم أفعل فالحبس هو الحد؟ قال ليس به قلت فقالت فلم تحبسني لغير المعنى الذي يجب علي من الحد؟ قال للحد حبستك قالت فتقيمه علي فأقمه قال لا قلت فإن قالت فالحبس ظلم لا أنت أخذت مني حدا ولا منعت عني حبسا فمن أين وجدت علي الحبس أتجده في كتاب أو سنة أو أمر أجمع عليه أهل العلم أو قياس؟ قال أما كتاب أو سنة أو إجماع فلا وأما قياس فنعم قلت أوجدنا القياس قال إني أقول في الرجل يدعى عليه الدم يحلف ويبرأ فإن لم يفعل لم أقتله وحبسته.
[قال الشافعي]: رحمه الله فقلت له أويقبل منك القياس على غير كتاب ولا سنة ولا أمر مجمع عليه ولا أثر؟ قال لا قلت فمن قال لك من ادعي عليه دم حبس حتى يحلف فيبرأ أم يقر فيقتل؟ قال أستحسنه، قلت له أفعلى الناس أن يقبلوا منك ما استحسنت إن خالفت القياس؟ فإن كان ذلك عليهم قبلوا من غيرك مثل ما قبلوا منك لأن أجهل الناس لو اعترض فسأل عن شيء فخرص فيه فقال لم يعد قوله أن يكون خيرا لازما من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على واحد من هذا أو خارجا منه فيكون استحسنه كما استحسنته أنت قال ما ذلك لأحد قلت فقد قلته في هذا الموضع وغيره وخالفت فيه الكتاب وقياس قولك قال وأين خالفت قياس قولي؟ قلت ما تقول فيمن ادعى على رجل درهما فأكثر إلى أي غاية شاء من الدعوى أو غصب دار أو عبد أو غيره؟ قال يحلف فإن حلف برئ وإن نكل لزمه ما نكل عنه وكذلك لو ادعى عليه جرحا في موضحة عمدا فصاعدا من الجراح دون النفس إن حلف برئ وإن نكل اقتص منه قال نعم قلت فكل من جعلت عليه اليمين فيما دون النفس إن حلف برئ وإن نكل قام النكول في الحكم مقام الإقرار فأعطيت به القود والمال؟ قال نعم، قلت ولم لم يكن هذا في النفس هكذا؟ قال لي استعظاما للنفس قلت فأنت تقطع اليدين والرجلين وتفقأ العينين وتشق الرأس قصاصا وهذا يكون منه التلف بالنكول وتزعم أنه يقوم مقام الإقرار فلا تأخذ به النفس قال أما في القياس فيلزمنا أن نأخذ به النفس وقد تفرق فيه صاحباي فقال أحدهما أحبسه كما قلت وقال الآخر لا أحبسه وآخذ منه دية وحبسه ظلم قلت وأخذ الدية منه في أصل قول صاحبك ظلم لأن الدية عنده لا تؤخذ في العمد إلا بصلح وهذا لم يصالح فإن كان صاحباك أخطآ في دعوى القتل فأقررت عليهما معا بترك القياس فتقيس على أصل خطأ ثم تقيس عليه ما لا يشبهه ما قد حكم الله عز وجل فيه نصا يدرأ به العذاب والدرء لا يكون إلا لما قد وجب. وإن قلت العذاب السجن فذاك أخطأ لك أما السجن حد هو؟ فإن كان حدا فكم تحبسها؟ أمائة يوم أو إلى أن تموت إن كانت ثيبا؟ قال ما السجن بحد وما السجن إلا لتبيين الحد قلت وقد قال الله تبارك وتعالى في الزانيين {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} أفتراه عنى بعذابهما الحد أو الحبس؟ قال بل الحد وليس السجن بحد والعذاب في الزنا الحدود ولكن السجن قد يلزمه اسم عذاب قلت والسفر اسم عذاب والدهق والتعليق وغيره مما يعذب به الناس عذابا فإن قال لك قائل أعذبها إن لم تحلف ببعض هذا؟ قال ليس له وإنما العذاب الحد، قلت أجل وأجدك تروحت إلى ما لا حجة فيه ولو كانت لك بهذه حجة كانت عليك لغيرك بمثلها وأبين فيها.