في العيب بالمنكوحة |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الأربع التي سمينا فيها الخيار فلا خيار له. وقد ظلم من شرط هذا نفسه. وسواء في ذلك الحرة والأمة إذا كانتا متزوجتين، وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا من أربع أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال وهذا مانع للجماع الذي له عامة ما نكحها. فإن كانت رتقاء فكان يقدر على جماعها بحال فلا خيار له لو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن يوصل إليها فلا خيار للزوج وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال. وإن سأل أن يشقها هو بحديدة أو ما شابهها ويجبرها على ذلك لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار وإن فعلته هي فوصل إلى جماعها قبل أن أخيره لم أجعل له خيارا، ولا يلزمها الخيار إلا عند حاكم إلا أن يتراضيا هما بشيء يجوز فأجيز تراضيهما، ولو تزوجها فوجدها مفضاة لم أجعل له خيارا لأنه يقدر على الجماع، وكذلك لو كان بها قرن يقدر معه على الجماع لم أجعل له خيارا ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا فأما الزعر في الحاجب، أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما لأنه قد لا يكون وله الخيار في البرص لأنه ظاهر وسواء قليل البرص وكثيره فإن كان بياضا فقالت ليس هذا برصا وقال هو برص أريه أهل العلم به فإن قالوا هو برص فله الخيار وإن قالوا هو مرار لا برص فلا خيار له فإن شاء أمسك وإن شاء طلق.
[قال الشافعي]: والجنون ضربان خنق وله الخيار بقليله وكثيره وضرب غلبة على عقله من غير حادث مرض فله الخيار في الحالين معا وهذا أكثر من الذي يخنق ويفيق.
[قال الشافعي]: فأما الغلبة على العقل بالمرض فلا خيار لها فيه ما كان مريضا فإذا أفاق من المرض وثبتت الغلبة على العقل فلها الخيار فإن قال قائل ما الحجة في أن جعلت للزوج الخيار في أربع دون سائر العيوب؟ فالحجة عن غير واحد في الرتقاء ما قلت، وإنه إذا يوصل إلى الجماع بحال فالمرأة في غير معاني النساء فإن قال فقد قال أبو الشعثاء لا ترد من قرن فقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح إلا أن يسمى فإن سمي جاز الجنون والجذام والبرص والقرن.
[قال الشافعي]: فإن قال قائل فنقول بهذا؟ قيل إن كان القرن مانعا للجماع بكل حال كما وصفت كان كالرتق وبه أقول، وإن كان غير مانع للجماع فإنما هو عيب ينقصها فلا أجعل له خيارا، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها.
[قال الشافعي]: فإذا علم قبل المسيس فله الخيار فإن اختار فراقها فلا مهر لها ولا نصف ولا متعة وإن اختار حبسها بعد علمه أو نكحها وهو يعلمه فلا خيار له وإن اختار الحبس بعد المسيس فصدقته أنه لم يعلم خيرته فإن اختار فراقها فلها مهر مثلها بالمسيس ولا نفقة عليه في عدتها ولا سكنى إلا أن يشاء ولا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها فإن قال قائل فقد قيل يرجع بالمهر على وليها.
[قال الشافعي]: إنما تركت أن أرده بالمهر أن النبي ﷺ قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها) فإذا جعل رسول الله ﷺ الصداق للمرأة بالمسيس في النكاح الفاسد بكل حال ولم يرده به عليها وهي التي غرته لا غيرها لأن غيرها لو زوجه إياها لم يتم النكاح إلا بها إلا في البكر للأب فإذا كان في النكاح الفاسد الذي عقد لها لم يرجع به عليها وقد جعله النبي ﷺ لها كان في النكاح الصحيح الذي للزوج فيه الخيار أولى أن يكون للمرأة فإذا كان للمرأة لم يجز أن تكون هي الآخذة له ويغرمه وليها لأن أكثر أمره أن يكون غر بها وهي غرت بنفسها فهي كانت أحق أن يرجع به عليها ولو رجع به عليها لم تعطه أولا.
[قال الشافعي]: وقضى عمر بن الخطاب في التي نكحت في عدتها إن أصيبت فلها المهر فإذا جعل لها المهر فهو لو رده به عليها لم يقض لها به ولم يرده على وليها بمهره إنما فسد النكاح من قبل العقد لأنه لو كان بغير ولي أفسده وإن لم يكن في عدة قال وما جعلت له فيه الخيار إذا عقدت عقدة النكاح وهو بها جعلت له الخيار إذا حدث بها عقدة النكاح لأن ذلك المعنى قائم فيها وإني لم أجعل له الخيار بأن النكاح فاسد ولكني جعلت له بحقه فيه وحق الولد. قال وما جعلت له فيه الخيار إذا كان بها جعلت لها فيه الخيار إذا كان به أو حدث به فإن اختارت فراقه قبل المسيس لم يكن له أن يمسها ولم يكن من المهر شيء ولا متعة وإن لم تعلم حتى أصابها فاختارت فراقه فلها المهر ولها فراقه والذي يكون به مثل الرتق أن يكون مجبوبا فأخيرها مكانها فإن كانت بخصلة واحدة مما لها فيه الخيار فلم تختر فراقه وثبتت معه عليها فحدث به أخرى فلها منه الخيار وكذلك إن علمت باثنين أو ثلاث فاختارت المقام معه جعلت لها فيما سواها الخيار وهكذا هو فيما كان بها وإن علمت به فتركته وهي تعلم الخيار لها فذلك كالرضا بالمقام معه ولا خيار لها وإن علم شيئا بها فأصابها فلها الصداق الذي سمى لها ولا خيار له إن شاء طلق وإن شاء أمسك فإن قال قائل فهل فيه من علة جعلت لها الخيار غير الأثر؟ قيل نعم الجذام والبرص فيما يزعم أهل العلم بالطب والتجارب تعدى الزوج كثيرا وهو داء مانع للجماع لا تكاد نفس أحد أن تطيب بأن يجامع من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به فأما الولد فبين والله تعالى أعلم أنه إذا ولده أجذم أو أبرص أو جذماء أو برصاء قلما يسلم وإن سلم أدرك نسله ونسأل الله العافية فأما الجنون والخبل فتطرح الحدود عن المجنون والمخبول منهما ولا يكون منه تأدية حق لزوج ولا زوجة بعقل ولا امتناع من محرم بعقل ولا طاعة لزوج بعقل وقد يقتل أيهما كان به زوجه وولده ويتعطل الحكم عليه في كثير ما يجب لكل واحد منهما على صاحبه حتى يطلقها فلا يلزمه الطلاق ويرد خلعه فلا يجوز خلعه وهي لو دعت إلى مجنون في الابتداء كان للولاة منعها منه كما يكون لهم منعها من غير الكفء وإذا جعل لها الخيار بأن يكون مجبوبا أو له بأن تكون رتقاء كان الخبل والجنون أولى بجماع ما وصفت أن يكون لها وله الخيار وأولى أن يكون لها فيه الخيار من أن لا يأتيها فيؤجل فإن لم يأتها خيرت.
[قال الشافعي]: فإن قال فهل من حكم الله تعالى أو سنة رسول الله ﷺ يقع فيه الخيار أو الفرقة بغير طلاق ولا اختلاف دينين؟ قيل نعم جعل الله للمولي تربص أربعة أشهر أوجب عليه بمضيها أن يفيء أو يطلق وذلك أنه امتنع من الجماع بيمين لو كانت على غير مأتم كانت طاعة الله أن لا يحنث فلما كانت على معصية أرخص له في الحنث وفرض الكفارة في الإيمان في غير ذكر المولي فكانت عليه الكفارة بالحنث فإن لم يحنث أوجبت عليه الطلاق والعلم يحيط أن الضرر بمعاشرة الأجذم والأبرص والمجنون والمخبول أكثر منه بمعاشرة المولي ما لم يحنث وإن كان قد يفترقان في غير هذا المعنى فكل موضع من النكاح لم أفسخه بحال فعقده غير محرم وإنما جعلنا الخيار فيه بالعلة التي فيه فالجماع فيه مباح وأي الزوجين كان له الخيار فمات أو مات الآخر قبل الخيار توارثا ويقع الطلاق ما لم يختر له، الخيار فسخ العقدة فإذا اختارها لم يقع طلاق ولا إيلاء ولا ظهار ولا لعان ولا ميراث.