باب الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: دل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسوله ﷺ على أن على الرجل أن يعول امرأته.
[قال الشافعي]: فلما كان من حقها عليه أن يعولها ومن حقه أن يستمتع منها ويكون لكل على كل ما للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج احتمل أن لا يكون للرجل أن يمسك المرأة يستمتع بها ويمنعها غيره تستغني به ويمنعها أن تضطرب في البلد وهو لا يجد ما يعولها به فاحتمل إذا لم يجد ما ينفق عليها أن تخير المرأة بين المقام معه وفراقه فإن اختارت فراقه فهي فرقة بلا طلاق لأنها ليست شيئا أوقعه الزوج ولا جعل إلى أحد إيقاعه. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوهم أن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا.
[قال الشافعي]: وهذا يشبه ما وصفت قبله وإليه يذهب أكثر أصحابنا وأحسب عمر والله تعالى أعلم لم يجد بحضرته لهم أموالا يأخذ منها نفقة نسائهم فكتب إلى أمراء الأجناد أن يأخذوهم بالنفقة إن وجدوها والطلاق إن لم يجدوها وإن طلقوا فوجد لهم أموال أخذوهم بالبعثة بنفقة ما حبسوا.
قال وإذا وجد نفقة امرأته يوما بيوم لم يفرق بينهما وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث ولا يمنع المرأة في الثلاث من أن تخرج فتعمل أو تسأل فإن لم يجد نفقتها خيرت كما وصفت في هذا القول فإن كان يجد نفقتها بعد ثلاث يوما ويعوز يوما خيرت إذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت للنفقة على المقتر خيرت في هذا القول فإذا بلغ هذا ووجد نفقتها ولم يجد نفقة خادمها لم تخير لأنها تماسك بنفقتها وكانت نفقة خادمها دينا عليه متى أيسر أخذته به قال وإذا فرق بينهما ثم أيسر لم ترد عليه ولا يملك رجعتها في العدة إلا أن تشاء هي بنكاح جديد قال ومن قال هذا فيمن لا يجد ما ينفق على امرأته فلم يجد صداقها لزمه عندي إذا لم يجد صداقها أن يخيرها وإن وجد نفقتها بعد ثلاث ليال وما أشبهها لأن صداقها شبيه بنفقتها.
[قال الشافعي]: وإن نكحته وهي تعرف عسرته فحكمها وحكمه في عسرته كحكم المرأة تنكح الرجل موسرا فيعسر لأنه قد يوسر بعد العسر ويعسر بعد اليسر وقد تعلمه معسرا وهي ترى له حرفة تغنيها أو لا تغنيه وتغنيها أو من يتطوع فيعطيه ما يغنيها.
[قال الشافعي]: وإذا أعسر بنفقة المرأة فأجل ثلاثا ثم خيرت فاختارت المقام معه فمتى شاءت أجل أيضا ثم كان لها فراقه لأن اختيارها المقام معه عفو عما مضى فعفوها فيه جائز وعفوها غير جائز عما استقبل فلا يجوز عفوها عما لم يجب لها وهي كالمرأة تنكح الرجل تراه معسرا لأنها قد تعفو ذلك ثم يوسر بعد عسرته فينفق عليها.
قال وإذا أعسر بالصداق ولم يعسر بالنفقة فخيرت فاختارت المقام معه لم يكن لها فراقه لأنه لا ضرر على بدنها ما أنفق عليها في استئجار صداقها وقد عفت فرقته كما يخير صاحب المفلس في عين ماله وذمة صاحبه فيختار ذمة صاحبه فلا يكون له أن يأخذ بعد عين ماله، وصداقها دين عليه إلا أن يعفو.
[قال الشافعي]: وإذا نكحها فأعسر بالصداق فلها أن لا تدخل عليه حتى يعطيها الصداق ولها النفقة إن قالت إذا جئت بالصداق خليت بيني وبينك.
[قال الشافعي]: وإن دخلت فأعسر بالصداق لم يكن لها أن تخير لأنها قد رضيت بالدخول بلا صداق ولا يمتنع منه ما كان ينفق عليه ودخولها عليه بلا صداق رضا بذمته كما يكون رضا الرجل من عين ماله يجده بذمة غريمه أو تفوت عند غريمه فلا يكون له إلا ذمة غريمه.
قال وسواء في العسرة بالصداق والنفقة كل زوج وزوجة، الحر تحته الأمة والعبد تحته الحرة والأمة كلهم سواء والخيار للأمة تحت الحر في العسرة بالنفقة فإن شاء سيدها أن يتطوع عن الزوج بالنفقة فلا خيار للأمة لأنه واجد للنفقة وإذا امتنع فالخيار للأمة لا لسيدها قال وكذلك الخيار للحرة لا لوليها فإن كانت الأمة أو الحرة مغلوبة على عقلها أو صبية لم تبلغ لم يكن لولي واحدة منهما أن يفرق بينها وبين زوجها بعسره بصداق ولا نفقة.
وإذا أعسر زوج الأمة بالصداق فالصداق لسيد الأمة والخيار لسيد الأمة لا للأمة فإن اختارت الأمة فراقه واختار السيد أن لا تفارقه لم يكن عليه أن يفرق بينهما لأن ذلك لسيدها ولا ضرر فيه عليها والمسلم تحته الكتابية والكتابي تحته الكتابية إذا طلبت المرأة حقها قبله في نفقة وصداق كما وصفت من مثله للأزواج الحرائر.
[قال الشافعي]: وقد قيل لا خيار للمرأة في عسرة الزوج بالنفقة وتخلى تطلب على نفسها ولا خيار في عسره بالصداق ولها الامتناع منه ما لم تدخل عليه فإذا دخلت عليه لم يكن لها الامتناع منه وهي غريم من الغرماء قال وعلى السيد نفقات أمهات أولاده ومدبره ورقيقه كلهم ذكرهم وأنثاهم مسلمهم وكافرهم وليس عليه نفقة مكاتبيه حتى يعجزوا فإذا عجزوا فعليه نفقتهم.