→ إنكاح الوليين والوكالة في النكاح | كتاب الأم - كتاب النكاح المؤلف: الشافعي |
الأب ينكح ابنته البكر غير الكفء ← |
ما جاء في نكاح الآباء |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه (عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت نكحني النبي ﷺ وأنا ابنة ست أو سبع وبنى بي وأنا ابنة تسع) الشك من الشافعي.
[قال الشافعي]: فلما كان من رسول الله ﷺ أن الجهاد يكون على ابن خمس عشرة سنة وأخذ المسلمون بذلك في الحدود وحكم الله بذلك في اليتامى فقال {حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا} ولم يكن له الأمر في نفسه إلا ابن خمس عشرة سنة أو ابنة خمس عشرة إلا أن يبلغ الحلم أو الجارية المحيض قبل ذلك فيكون لهما أمر في أنفسهما دل إنكاح أبي بكر عائشة النبي ﷺ ابنة ست وبناؤه بها ابنة تسع على أن الأب أحق بالبكر من نفسها ولو كانت إذا بلغت بكرا كانت أحق بنفسها منه أشبه أن لا يجوز له عليها حتى تبلغ فيكون ذلك بإذنها أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني زيد بن جارية (عن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها وهي ثيب وهي كارهة فأتت النبي ﷺ فرد نكاحها).
[قال الشافعي]: فأي ولي امرأة ثيب أو بكر زوجها بغير إذنها فالنكاح باطل إلا الآباء في الأبكار والسادة في المماليك لأن النبي ﷺ رد نكاح خنساء بنت خدام حين زوجها أبوها كارهة ولم يقل إلا أن تشائي أن تبري أباك فتجيزي إنكاحه لو كانت إجازته إنكاحها تجيزه أشبه أن يأمرها أن تجيز إنكاح أبيها ولا يرد بقوته عليها.
[قال الشافعي]: ويشبه في دلالة سنة رسول الله ﷺ إذا فرق بين البكر والثيب فجعل الثيب أحق بنفسها من وليها وجعل البكر تستأذن في نفسها أن الولي الذي عنى والله تعالى أعلم الأب خاصة فجعل الأيم أحق بنفسها منه فدل ذلك على أن أمره أن تستأذن البكر في نفسها أمر اختيار لا فرض لأنها لو كانت إذا كرهت لم يكن له تزويجها كانت كالثيب وكان يشبه أن يكون الكلام فيها أن كل امرأة أحق بنفسها من وليها وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمت ولم أعلم أهل العلم اختلفوا في أنه ليس لأحد من الأولياء غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا إلا بإذنها فإذا كانوا لم يفرقوا بين البكر والثيب البالغين لم يجز إلا ما وصفت في الفرق بين البكر والثيب في الأب الولي وغير الولي ولو كان لا يجوز للأب إنكاح البكر إلا بإذنها في نفسها ما كان له أن يزوجها صغيرة لأنه لا أمر لها في نفسها في حالها تلك وما كان بين الأب وسائر الولاة فرق في البكر كما لا يكون بينهم فرق في الثيب فإن قال قائل فقد أمر النبي ﷺ أن تستأمر البكر في نفسها؟ قيل يشبه أمره أن يكون على استطابة نفسها وأن يكون بها داء لا يعلمه غيرها فتذكره إذا استؤمرت أو تكره الخاطب لعلة فيكون استئمارها أحسن في الاحتياط وأطيب لنفسها وأجمل في الأخلاق وكذلك نأمر أباها ونأمره أيضا أن يكون المؤامر لها فيه أقرب نساء أهلها وأن يكون تفضي إليها بذات نفسها أما كانت أو غير أم ولا يعجل في إنكاحها إلا بعد إخبارها بزوج بعينه ثم يكره لأبيها أن يزوجها إن علم منها كراهة لمن يزوجها وإن فعل فزوجها من كرهت جاز ذلك عليها وإذا كان يجوز تزويجه عليها من كرهت فكذلك لو زوجها بغير استئمارها فإن قال قائل وما يدل على أنه قد يؤمر بمشاورة البكر ولا أمر لها مع أبيها الذي أمر بمشاورتها؟ قيل قال الله تعالى لنبيه ﷺ {وشاورهم في الأمر} ولم يجعل الله لهم معه أمرا إنما فرض عليهم طاعته ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم وأن يستن بها من ليس له على الناس ما لرسول الله ﷺ والاستدلال بأن يأتي من بعض المشاورين بالخير قد غاب عن المستشير وما أشبه هذا. قال والجد أبو الأب وأبوه وأبو أبيه يقومون مقام الأب في تزويج البكر وولاية الثيب ما لم يكن دون واحد منهم أب أقرب منه ولو زوجت البكر أزواجا ماتوا عنها أو فارقوها وأخذت مهورا ومواريث دخل بها أزواجها أو لم يدخلوا إلا أنها لم تجامع زوجت تزويج البكر لأنه لا يفارقها اسم بكر إلا بأن تكون ثيبا وسواء بلغت سنا وخرجت الأسواق وسافرت وكانت قيم أهلها أو لم يكن من هذا شيء لأنها بكر في هذه الأحوال كلها.
[قال]: وإذا جومعت بنكاح صحيح أو فاسد أو زنا صغيرة كانت بالغا أو غير بالغ كانت ثيبا لا يكون للأب تزويجها إلا بإذنها ولا يكون له تزويجها إذا كانت ثيبا وإن كانت لم تبلغ إنما يزوج الصغيرة إذا كانت بكرا لأنه لا أمر لها في نفسها إذا كانت صغيرة ولا بالغا مع أبيها قال وليس لأحد غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا صغيرة لا بإذنها ولا بغير إذنها ولا يزوج واحدة منهما حتى تبلغ فتأذن في نفسها. وإن زوجها أحد غير الآباء صغيرة فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان ولا يقع عليها طلاق وحكمه حكم النكاح الفاسد في جميع أمره لا يقع به طلاق ولا ميراث والآباء وغيرهم من الأولياء في الثيب سواء لا يزوج أحد الثيب إلا بإذنها، وإذنها الكلام، وإذن البكر الصمت. وإذا زوج الأب الثيب بغير علمها فالنكاح مفسوخ رضيت بعد أو لم ترض وكذلك سائر الأولياء في البكر والثيب.