كتاب الزكاة
لا تجب في دين مؤجل أو على معسر أو مماطل أو جاحد ومغصوب ومسروق وضال وما دفنه ونسيه أو جهل عند من هو ولو حصل في يده وهو رواية عن أحمد واختارها وصححها طائفة من الصحابة وقول أبي حنيفة
الدين الذي له على أبيه قال أبو العباس الأشبه عندي أن يكون بمنزلة المال الضال فيخرج على الروايتين ووجهه ظاهر فإن الابن غير ممكن من المطالبة به فقد حيل بينه وبينه ولو قيل لا تلزمه زكاته بمنزلة دين الكتابة لكان متوجها ودين الولد هل يمنع الزكاة عن الأب لثبوته في الذمة أم لا لتمكنه من إسقاطه خرجه أبو العباس على وجهين وجعل أصلهما الخلاف على أن قدرة المريض على استرجاع ملكه المنتقل عنه عينا أو غيره هل ينزل منزلة تبرعه في المرض أم لا؟
وتجب الزكاة في جميع أجناس الأجرة المقبوضة ولا يعتبر لها مضى حول وهو رواية عن أحمد ومنقول عن ابن عباس ويصح أن يشترط رب المال زكاة رأس المال أو بعضه من الربح ولا يقال بعدم الصحة ونقله المروزي عن أحمد لأنه قد تحيط الزكاة بالربح فيختص رب المال بعمله لأنا نقول لا يمتنع ذلك كما يختص ينفعه في المساقاة إذا لم يثمر الشجر وبركوب الفرس للجهاد إذا لم يغنموا وهل يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء فيه روايتان
ولو تلف النصاب بغير تفريط من المالك لم يضمن الزكاة على ذلك من الروايتين واختاره طائفة من أصحاب أحمد ولو كان المانع من الزكاة ديون لم يقم يوم القيامة بالزكاة لأن عقوبتها أعظم ولا يحل الاحتيال لإسقاط الزكاة ولا غيرها من حقوق الله تعالى وإذا كانت الماشة سائمة اكثر الحول وجبت الزكاة فيها على الصحيح وإذا نقل الزكاة إلى المستحقين بالمصر الجامع مثل أن يعطي من بالقاهرة من العشور التي بأرض مصر فالصحيح جواز ذلك فإن سكان المصر إنما يعانون من مزارعهم بخلاف النقل من إقليم مع حاجة أهل المنقول عنها وإنما قال السلف جيران المال أحق بزكاته وكرهوا نقل الزكاة إلى بلد السلطان وغيره ليكتفي كل ناحية بما عندهم من الزكاة ولهذا في كتاب معاذ بن جبل من انتقل من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف جيرانه والمخلاف عندهم كما يقال المعاملة وهو ما يكون فيه الوالي والقاضي وهو الذي يستحلف فيه ولي الأمر جابيا0 بأخذ الزكاة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم ولم يقيد ذلك بمسير يومين وتحديد المنع من نقل الزكاة بمسافة القصر ليس عليه دليل شرعي ويجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصحلة شرعية وإذا أخذ الساعي من أحد الشريكين رجع المأخوذ منه على شريكه بحصته ولو اختلفا في قيمة المدفوع
قال أبو العباس: يتوجه قبول قول المعطي لأنه كالأمين وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب ظلما بلا تأويل من أحد الشريكين ففي رجوعه على شريكه قولان أظهرهما الرجوع وكذلك في المظالم المشتركة التي يطلبها الولاة من الشركاء أو الظلمة من البلدان أو التجارة أو الحجيج أو غيرهم
والكلف السلطانية على الأنفس والدواب والأموال يلزمهم التزام العدل في ذلك كما يلزم فيما يؤخذ بحق فمن تغيب أو امتنع فأخذ من غيره حصته رجع المأخوذ منه على من أدى عنه في الأظهر إن لم يتبرع ولمن له الولاية على المال أن يصرف مما يخصه من الكلف كناظر الوقف والوصي والمضارب والوكيل ومن قام فيها بنية تقليل الظلم كالمجاهد في سبيل الله ومن صودر على أداء مال واكره أقاربه أو جيرانه أو أصدقاؤه أو شركاؤه على أن يؤدوه عنه فلهم الرجوع عليه لأنهم ظلموا من أجله ولأجل ماله والطالب مقصوده ماله لا مالهم ومن لم يخلص مال غيره من التلف إلا بما أدى عنه رجع في أظهر قولي العلماء ولو أخذ الساعي فوق الواجب بتأويل أو أخذ القيمة فالصواب الأجزاء ولو اعتقد المأخوذ منه عدمه وجعله أبو العباس في موضع آخر كالصلاة خلف التارك ركنا أو شرطا
فصل
ورجح أبو العباس أن المعتبر لوجوب زكاة الخارج من الأرض الإدخار لا غير لوجود المعنى المناسب لإيجاب الزكاة فيه بخلاف الكيل فإنه تقدير محض فالوزن في معناه قال وكذلك العد كالجوز والزرع كالجوز المستنبت في دمشق ونحوها ولهذا تجب الزكاة عندنا في العسل وهو رطب ولا يوسق لكونه يبقى ويدخر ونص أبو العباس على وجوب الزكاة في التين للادخار وإنما اعتبر الكيل والوزن في الربويات لأجل التمائل المعتبر فيها وهو غير معتبر ههنا
وتسقط فيما خرج من مؤنة الزرع والثمر منه وهو قول عطاء بن أبي رباح لأن الشارع اسقط في الحرص زكاة الثلث أو الربع لأجل ما يخرج من الثمرة بالاعراء والضيافة وإطعام ابن السبيل وهو تبرع فيما يخرج عنه لمصلحته التي لا تحصل إلا بها أولا بإسقاط الزكاة عنه وما يديره الماء من النواعير ونحوها مما يصنع من العام إلى العام أو إثناء العام ولا يحتاج إلى دولاب تديره الدواب يجب فيه العشر لأن مؤنته خفيفة فهي كحرث الأرض وإصلاح طرق الماء وكلام أبي العباس في اقتضاء الصراط المستقيم يعطي أن أهل الذمة منعوا من شراء الأرض العشرية ولا يصح البيع وجزم الأصحاب بالصحة ولكن حكى الإمام أحمد عن عمر بن عبد العزيز والحسن أنهم يمنعون من الشراء فإن اشتروا لم تصح وتعطيل الأرض العشرية باستئجار الذمي لها أو مزارعته فيها كتعطيله بالشراء وكلام أحمد يوافقه فإنه قال لا يؤجر منه أي الأرض من الذمي ولا يجوز بقاء أرض بلا عشر ولا خراج اتفاقا فيخرج من أقطع أرضا بأرض مصر أو غيرها العشر قلت والمراد ما عدا أرض الذمي فإنه لو جعل داره بستانا أو مزرعة أو رضخ الإمام له من الغنيمة فإنه لا يبني فيها نقله الجماعة عن الإمام أحمد والله أعلم ويلحق بالمدفون حكما الموجود ظاهرا في مكان جاهلي أو طريق غير مسلوك
فصل
ويجوز إخراج زكاة العروض عرضا ويقوى على قول من يقول تجب الزكاة في عين المال
فصل
ويجزئه في الفطرة من قوت بلده مثل الأرز وغيره ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث وهو رواية عن أحمد وقول أكثر العلماء ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة وهو من يأخذ لحاجته لا في الرقاب والمؤلفة وغير ذلك ويجوز دفعها إلى فقير واحد وهو مذهب أحمد ولا يعتبر في زكاة الفطر ملك نصاب بل تجب على من ملك صاعا فاضلا عن قوته يوم العيد وليلته وهو قول الجمهور وإذا كان عليه دين وصاحب لا يطالبه به أدى صدقة الفطر كما يطعم عياله يوم العيد وهو مذهب أحمد ومن عجز عن صدقة الفطر وقت وجوبها عليه ثم أيسر فأداها فقد أحسن وقدر الفطر صاع من التمر والشعير وأما من البر فنصف وهو قول أبي حنيفة وقياس قول أحمد في بقية الكفارات
فصل
وما سماه الناس درهما وتعاملوا به تكون أحكامه أحكام الدرهم من وجوب الزكاة فيما يبلغ مائتين منه والقطع بسرقة ثلاثة دراهم منه إلى غير ذلك من الأحكام قل ما فيه الفضة أو كثر وكذلك ما سمي دينارا ونقل عن غير واحد من الصحابة أنه قال زكاة الحلي عاريته ولهذا تنازع أهل هذا القول هل أن تعيره لمن يستعيره إذا لم يكن في ذلك ضرر عليها على وجهين في مذهب أحمد وغيره والذي ينبغي إذا لم تخرج الزكاة عنه أن تعيره وأما إن كانت تكريه ففيه الزكاة عند جمهور العلماء
وكتابة القرآن على الحياضة والدرهم والدينار مكروهة ويجوز إخراج القيمة في الزكاة لعدم العدول عن الحاجة والمصلحة مثل أن يبيع ثمرة بستانه أو زرعه فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري تمرا أو حنطة فإنه قد ساوى الفقير بنفسه وقد نص أحمد على جواز ذلك ومثل أن تجب عليه شاة في الإبل وليس عنده شاة فإخراج القيمة كاف ولا يكلف السفر لشراء شاة أو أن يكون المستحقون طلبوا القيمة لكونهم أنفع لهم فهذا جائز أما الفلوس فلا يجزئ إخراجهم عن النقدين على الصحيح لأنها ولو كانت نافقة فليست في المعاملة كالدراهم في العادة لأنها قد تكسد ويحرم المعاملة بها ولأنها أنقص سعرا
ولهذا يكون البيع بالفلوس دون البيع بقيمتها من الدراهم وغايتها أن تكون بمنزلة المنكسرة مع الصحاح والبهرجة مع الخالصة فإن تلك إلى النحاس أقرب وعلى هذا إذا أخرج الفلوس وأخرج التفاوت جاز على المنصوص في جواز أخرج التفاوت فيما بين الصحيح والمنكسر بناء على أن جبران الصفات كجبران المقدار لكن يقال المنكسرة من الجنس والفلوس من غير الجنس فينتفي فيها المأخذ ولا ينبغي أن يكون إلا وجهان إلا إذا خرجت بقيمتها فضة لا بسعرها في العوض
فصل
ولا ينبغي أن يعطي الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته كمن يحتاج إليها من المؤمنين كالفقراء والغارمين أو لمن يعاون المؤمنين فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطي شيئا حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة ويجب صرف الزكاة إلى الأصناف الثمانية إن كانوا موجودين وإلا صرفت إلى الموجود منهم إلى حيث يوجدون وبنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا وقاله أبو يوسف والأصطخري من الشافعية لأنه محل حاجة وضرورة ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشميين وهو محكي عن طائفة من أهل البيت ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا وإلى الوالد وإن سفل إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم لوجود المقتضى السالم عن المعارض العادم وهو أحد القولين في مذهب أحمد وكذا إن كانوا غارمين أو مكاتبين أو أبناء السبيل وهو أحد القولين أيضا وإذا كانت الأم فقيرة ولها أولاد صغار لهم مال ونفقتها تضر بهم أعطيت من زكاتهم والذي يخدمه إذا لم تكفه أجرته أعطاه من زكاته إذا لم يستعمله بدل خدمته
ومن كان في عياله قوم لا تجب عليه نفقتهم فله أن يعطيهم من الزكاة ما يحتاجون إليه مما لم تجر عادته بإنفاقه من ماله واليتيم المميز يقبض الزكاة لنفسه وإن لم يكن مميزا قبضها كافلة كائنا من كان وأما إسقاط الدين عن المعسر فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع لكن إذا كان له دين على من يستحق الزكاة فأعطاه منها وشارطه أن يعيدها إليه لم يجز وكذا إن لم يشرط لكن قصده المعطي في الأظهر وهل يجوز أن يسقط عنه قدر ذلك الدين ويكون ذلك زكاة ذلك الدين فيه قولان في مذهب أحمد وغيره أظهرهما الجواز لأن الزكاة مواساة ومن ليس معه ما يشتري به كثيبا مشتغل فيها يجوز له الأخذ من الزكاة ما يشتري له به ما يحتاج إليه في إقامة مؤنته وإن لم ينفقه بعينه في المؤنة وقيل الرجل يكون له الزرع القائم وليس عنده ما يحصده أيأخذ من الزكاة قال نعم يأخذ ويأخذ الفقير من الزكاة ما يصير به غنيا وإن كثر وهو أحد القولين في مذهب أحمد والشافعي
ويجوز إعتاق الرقيق من الزكاة وافتكاك أسرى المسلمين وهو مذهب أحمد ويجوز للإمام أن يعتق من مال الفيء والمصالح إذا كان في الاعتاق مصلحة أما لمنفعة المسلمين أو لمنفعة المعتق أو تأليفا لقلوب من يحاج إلى تأليفه وقد ينفذ العتق حيث لا يجوز إذا كان في الرد فساد كما في الولايات مثل أن يكون قد أسلموا وهم لكافر ذمي أو معاهد حربي ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أعطي ما يحج به وهو إحدى الروايتين عن أحمد ويبرأ بدفع الزكاة إلى ولي الأمر العادل وإن كان ظالما لا يصرف الزكاة في المصارف الشرعية فينبغي لصاحبها أن لا يدفعها إليه فإن حصل له ضرر بعد دفعها إليه فإنه يجزئ عنه إذا أخذت منه في هذه الحالة عند أكثر العلماء وهم في هذه الحال ظلموا مستحقها كولي اليتيم وناظر الوقف إذا قبضا المال وصرفاه في غير مصارفه الشرعية ولا تسقط الزكاة والحج والديون ومظالم العباد عمن مات شهيدا وإذا قبض من ليس من أهل الزكاة مالا من الزكاة وصرفه في شراء عقار أو نحوه فالنماء الذي حصل بعمله وسعيه يجعل مضاربة بينه وبين أهل الزكاة
وإعطاء السؤال فرض كفاية أن صدقوا ومن سأل غيره الدعاء لنفع ذلك الغير أو نفعهما أثيب وإن قصد نفع نفسه فقط نهى عنه كسؤال المال وإن كان قد لا يأثم قال أبو العباس في الفتاوى المصرية لا بأس بطلب الناس الدعاء بعضهم من بعض لكن أهل الفضل يفوزون بذلك إذ الذي يطلبون منه الدعاء إذا دعا لهم كان له من الأجر على دعائه أعظم من أجره لو دعا لنفسه وحده ويلزم عامل الزكاة رفع حساب ما تولاه إذا طلب منه الخراج وصلة الرحم المحتاج أفضل من العتق