كتاب الفضائل
1 - 1013 - مسألة: في رجلين تجادلا فقال أحدهما: إن تربة محمد ﷺ أفضل من السموات والأرض وقال الآخر: الكعبة أفضل فمع من الصواب؟
الجواب: الحمد لله أما نفس محمد ﷺ فما خلق الله خلقا أكرم عليه منه وأما نفس التراب فليس هو أفضل من الكعبة البيت الحرام بل الكعبة أفضل منه ولا يعرف أحد من العلماء فضل تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض ولم يسبقه أحد إليه ولا وافقه أحد عليه والله أعلم
2 - 1014 - مسألة: في الأيام والليالي مثل أن يقول: السفر يكره يوم الأربعاء أو الخميس أو السبت أو يكره التفصيل أو الخياطة أو الغزل في هذه الأيام أو يكره الجماع في ليلة من الليالي ويخاف على الولد
الجواب: الحمد لله هذا كله باطل لا أصل له بل الرجل إذا استخار الله تعالى وفعل شيئا مباحا فليفعله في أي وقت تيسر
ولا يكره التفصيل ولا الخياطة والغزل ولا نحو ذلك من الأفعال في يوم من الأيام
ولا يكره الجماع في ليلة من الليالي ولا يوم من الأيام والنبي ﷺ قد نهى عن التطير كما ثبت في الصحيح [ عن معاوية بن الحكم السلمي قال: قلت يا رسول الله إن منا قوما يأتون الكهان قال: فلا تأتوهم قلت: منا قوم يتطيرون قال: ذاك شيء يجده أحدكم من نفسه فلا يصدنكم ]
فإذا كان قد نهى عن أن يصده الطيرة عما عزم عليه فكيف بالأيام والليالي
ولكن يستحب السفر يوم الخميس ويوم السبت ويوم الاثنين من غير نهي عن سائر الأيام إلا يوم الجمعة إذا كانت الجمعة تفوته بالسفر ففيه نزاع بين العلماء
وأما الصناعات والجماع فلا يكره في شيء من الأيام والله أعلم
3 - 1015 - مسألة: هل يصح عند أهل العلم أن عليا رضي الله عنه قاتل الجن في البئر ومد يده يوم خيبر فعبر العسكر عليها وأنه حمل في الأحزاب فافترقت قدامه سبع عشرة فرقة وخلف كل فرقة رجل يضرب بالسيف يقول أنا علي وأنه كان له سيف يقال له ذو الفقار وكان يمتد ويقصر وأنه ضرب به مرصبا وكان على رأسه جرن من رخام فقصم له ولفرسه بضربة واحدة ونزلت الضربة في الأرض ومناد ينادي في الهواء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي وأنه رمى في المنجنيق إلى حصن الغراب وأنه بعث إلى كل نبي سرا وبعث مع النبي ﷺ جهرا وأنه كان يحمل في خمسين ألفا وفي عشرين ألفا وفي ثلاثين ألفا وحده وأنه لما برز إليه مرصب من خيبر ضربه ضربة واحدة فقده طولا وقد الفرس عرضا ونزل السيف في الأرض ذراعين أو ثلاثة وأنه مسك حلقة باب خيبر وهزها فاهتزت المدينة ووقع من على السور شرفات فهل صح من ذلك شيء أم لا؟
الجواب: الحمد لله هذه الأمور المذكورة كذب مختلق باتفاق أهل العلم والإيمان لم يقاتل علي ولا غيره من الصحابة الجن ولا قاتل الجن أحد من الإنس لا في بئر ذات العلم ولا غيرها والحديث المروي في قتاله للجن موضوع مكذوب باتفاق أهل المعرفة ولم يقاتل علي قط على عهد رسول الله ﷺ لعسكر كان خمسين ألفا وثلاثين ألفا فضلا عن أن يكون وحده قد حمل فيهم ومغازيه التي شهدها مع رسول الله وقاتل فيها كانت تسعة: بدرا وأحدا والخندق وخيبر وفتح مكة ويوم حنين وغيرها وأكثر ما يكون المشركون في الأحزاب وهي الخندق وكانوا محاصرين للمدينة ولم يقتتلوا هم والمسلمون كلهم وإنما كان يقتتل قليل منهم وقليل من الكفار وفيها قتل علي عمرو بن عبد رد العامري ولم يبارز علي وحده قط إلا واحدا ولم يبارز اثنين
وأما مرصب يوم خيبر فقد ثبت في الصحيح: أن النبي ﷺ قال: [ لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ] فأعطاها لعلي
وكانت أيام خيبر أياما متعددة وحصونها فتح على يد علي رضي الله عنه بعضها وقد روى أثر أنه قتل مرصبا وروى أنه قتله محمد بن سلمة ولعلهما مرصبان وقتله القتل المعتاد ولم يقده جميعه ولا قد الفرس ولا أنزل السيف إلى الأرض ولا نزل لعلي ولا لغيره سيف من السماء ولا مد يده ليعبر الجيش ولا اهتز سور خيبر لقلع الباب ولا وقع شيء من شرفاته وأن خيبر لم تكن مدينة وإنما كانت حصونا متفرقة ولهم مزارع ولكن المروي أنه ما قلع باب الحصن حتى عبره المسلمون ولا رمى في منجنيق قط
وعامة هذه المغازي التي تروى عن علي وغيره قد زادوا فيها أكاذيب كثيرة مثل ما يكذبون في سيرة عنتر والأبطال
وجميع الحروب التي حضرها علي رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله ﷺ ثلاثة حروب: الجمل والصفين وحرب أهل النهروان والله أعلم
4 - 1016 - مسألة: فيمن يعمل كل سنة ختمة في ليلة مولد النبي ﷺ هل ذلك مستحب أم لا؟
الجواب: الحمد لله جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله ﷺ للمسلمين وإعانة الفقراء بالإطعام في شهر رمضان هو من سنن الإسلام فقد قال النبي ﷺ: [ من فطر صائما فله مثل أجره وإعطاء فقراء القراء ما يستيعنون به على القرآن عمل صالح في كل وقت ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم في الأجر ]
وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال ( عيد الأبرار ) فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها والله سبحانه وتعالى أعلم
5 - 1017 - مسألة: في قول النبي ﷺ [ أنزل القرآن على سبعة أحرف ] ما المراد بهذه السبعة وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما هي الأحرف السبعة أو واحد منها وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف وهل تجوز القراءة برواية الأعمش وابن محيصن وغيرهما من القرءات الشاذة أم لا وإذا جازت القراءة بها فهل تجوز الصلاة بها أم لا؟ إفتونا مأجورين
الجواب: الحمد لله رب العالمين هذه مسألة كبيرة قد تكلم فيها أصناف العلماء من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب وغيرهم حتى صنف فيها التصنيف المفرد ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسمعيل بن إبراهيم الشافعي المعروف بأبي شامة صاحب شرح الشاطبية
فأما ذكر أقاويل الناس وأدلتهم وتقرير الحق فيها مبسوطا فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك وذكر ألفاظها وسائر الأدلة إلى ما لا يتسع له هذا المكان ولا يليق بمثل هذا الجواب ولا نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب فنقول:
لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي ﷺ أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين والعراقين والشام إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره والحديث والفقه في الأعمال الباطنة والظاهرة وسائر العلوم الدينية فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم
ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة وإما قراء البصرة في زمانه في رأس المائتين
ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده بل قد يكون معناها متفقا أو متقاربا كما قال عبد الله بن مسعود: إنما هو كقول أحدكم أقبل وهلم وتعال وقد يكون معنى أحدها ليس هو معنى الآخر لكن كلا المعنيين حق وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي ﷺ في هذا الحديث حديث: [ أنزل القرآن على سبعة أحرف: إن قلت غفورا رحميا أو قلت عزيزا حكميا فالله كذلك ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة ]
وهذا كما في القراءات المشهور إلا أن يخافا ألا يقيما وإلا أن يخافا ألا يقيما وإن كان مكرهم لتزول ولتزول منه الجبال وبل عجبت وبل عجبت ونحو ذلك
ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقا من وجه متباينا من وجه كقوله: يخدعون ويخادعون ويكذبون ويكذبون ولمستم ولامستم وحتى يطهرن ويطهرن ونحو ذلك وهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن ذلك تعارض بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من كفر بحرث منه فقد كفر به كله
وأما ما اتحد لفظه ومعناه وإنما يتنوع صفة النطق به كالهمزات والمدات والإمالات ونقل الحركة والإظهار والإدغام والإختلاس وترقيق اللامات والراآت أو تغليظها ونحو ذلك مما تسمى القراءات الأصول فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى إذا هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه أو اختلف معناه من المترادف ونحوه ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها مما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى وإن وافق رسم المصحف وهو ما يختلف فيه النقط أو الشكل
ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعين من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يقرآ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة أو قراءة يعقوب بن اسحق الحضرمي ونحوهما كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف بل أكثر العلماء الأئمة الذين أدركوا قراءة سفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشبية بن نصاح المدنيين وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحق وغيرهم على قراءة حمزة والكسائي
وللعلماء في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء ولهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب ويقرأونه في الصلاة وخارج الصلاة وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم
وأما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة وجرت له قضية مشهورة فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه: ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة ولكن من لم يكن عالما بها أو لم تثبت عنده كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره ولم يتصل به بعض هذه القراءات فليس له أن يقرأ إلا بعلمه فإن القراءة كما قال زيد بن ثابت سنة يأخذها الآخر عن الأول كما أن ما ثبت عن النبي ﷺ من أنواع الاستفتاحات في الصلاة ومن أنواع صفة الأذان والإقامة وصفة صلاة الخوف وغير ذلك كله حسن يشرع العمل به لمن علمه وأما من علم نوعا لم يعلم غيره فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلم وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك ولا أن يخالفه كما قال النبي ﷺ: [ لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا ]
وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما { والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى } كما قد ثبت ذلك في الصحيحين ومثل قراءة عبد الله: فصيام ثلثة أيام متتابعات وكقراءته: إن كانت الأزقية واحدة ونحو ذلك، فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ على قولين للعلماء: هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد وروايتان عن مالك
إحداهما: يجوز ذلك لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرأون بهذه الحروف في الصلاة
والثانية: لا يجوز ذلك وهو قول أكثر العلماء لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي ﷺ وإن ثبت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي ﷺ في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه بن مرتين والعرضة الأخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره وهي التي أمر الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحب وإرسالها إلى الأمصار وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة علي وغيره
وهذا النزاع لا بد أن يبني على الأصل الذي سأل عنه السائل وهو أن القراءات السبعة هل هي حرف من الحروف السبعة أم لا فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة بل يقولون أن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي ﷺ على جبريل والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول
وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة وقد اتفقوا على نقل هذا المحصف الإمام العثماني وترك ما سواه حيث أمر عثمان بنقل القرآن من المصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها ثم أرسل عثمان بمشاورة الصحابة إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف وأمر بترك ما سوى ذلك
قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهي عن القراءة ببعض الأحرف السبعة
ومن نصر قول الأولين يجيب تارة بما ذكر محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة وإنما كان جائزا لهم مرخصا لهم فيه وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه كما أن ترتيب السور لم يكن واجبا عليهم منصوصا بل مفوضا إلى اجتهادهم ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد وكذلك مصحف غيره
وأما ترتيب آيات السور فهو منزل منصوص عليه فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم كما قدموا سورة على سورة لأن ترتيب الآيات مأمور به نصا وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتماعهم
قالوا: فكذلك الأحرف السبعة فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد اجتمعوا على ذلك اجتماعا سائغا وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور
ومن هؤلاء من يقول بأن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو أوفق لهم أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة ويقولون إن نسخ ما سوى ذلك وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول أن حروف أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهما مما يخالف رسم هذا المصحف منسوخة
وأما من قال عن ابن مسعود أنه يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه وإنما قال: قد نظرت إلى القراء فرأيت قراءتهم متقاربة وإنما هو كقول أحدكم أقبل وهلم وتعال فاقرأوا كما علمتم أو كما قال فمن جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال يجوز ذلك لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها ومن لم يجوزه فله ثلاثة مآخذ: تارة يقول ليس هو من الحروف المنسوخة وتارة يقول هو من الحروف المنسوخة وتارة يقول هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه وتارة يقول لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين
ولهذا كان في المسألة: قول ثالث وهو اختيار جدي أبي البركات أنه إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة وهي الفاتحة عند القدرة عليها لم تصح صلاته لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة لعدم ثبوت القرآن بذلك وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها
وهذا القول ينبني على أصل وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيا
وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه حتى قطع بعض هؤلاء كالقاضي أبي بكر بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة من القرآن في غير سورة النمل لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه والصواب القطع بخطأ هؤلاء وأن البسملة آية من كتاب الله حيث كتبها الصحابة في المصحف إذ لم يكتبوا فيه إلا القرآن وجردوه عما ليس منه كالتخميس والتعثير وأسماء السور ولكن مع ذلك لا يقال هي من السورة التي بعدها كما ليست من السورة التي قبلها بل هي كما كتبت آية أنزلها الله في أول كل سورة وإن لم تكن من السورة وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة
وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء إن كل واحد من القولين حق وأنها آية من القرآن في بعض القراءات وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين وليست آية في بعض القراءات وهي قراءة الذين يصلون لا يفصلون بها
وأما قول السائل ما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف فهذا مرجعه إلى النقل واللغة العربية لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله إذ ليس لأحد أن يقرأ برأيه المجرد بل القراءة سنة متبعة وهم إذا اتفقوا على اتباع القرآن المكتوب في المصحف الإمامي وقد قرأ بعضهم بالياء وبعضهم بالتاء لم يكن واحد منهما خارجا عن المصحف
ومما يوضح ذلك أنهم يتفقون في بعض المواضع على ياء أو تاء ويتنوعون في بعض كان اتفقوا في قوله تعالى: { وما الله بغافل عما تعملون } في موضع وتنوعوا في موضعين وقد بينا أن القراءتين كالآيتين فزيادة القراءات لزيادة الآيات لكن إذا كان الخط واحدا واللفظ محتملا كان ذلك أخصر في الرسم
والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على حفظ المصاحف كما في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: [ إن ربي قال لي قم في قريش فأنذرهم فقلت أي رب إذا يثلغوا رأسي أي يشدخوا فقال: إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليه كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظانا فابعث جندا أبعث مثليهم وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأنفق أنفق عليك ]
فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء بل يقرآه في كل حال كما جاء في نعت أمته: أناجيلهم في صدورهم بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب ولا يقرأونه كله إلا نظرا لا عن ظهر قلب
وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي ﷺ جماعة من الصحابة كالأربعة الذين من الأنصار وكعبد الله بن عمرو
فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها وذلك باتفاق علماء السلف والخلف وكذلك ليست هذه القراءات السبعة هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها باتفاق العلماء المعتبرين بل القراءات الثابتة عن أئمة القرآن كالأعمش ويعقوب وخلف وأبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح ونحوهم هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة عند من ثبت ذلك عنده كما ثبت ذلك
وهذا أيضا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمامي الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله ﷺ والتابعون لهم بإحسان والأئمة بعدهم هل هو بما فيه من القراءات السبعة وتمام العشرة وغير ذلك هل هو حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين:
والأول: قول أئمة السلف والعلماء
والثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضا خلافا يتضاد في المعنى ويتناقض بل يصدق بعضها بعضا كما تصدق الآيات بعضها بعضا
وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع لا إلى الرأي والإبتداع
أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر وكذلك بطريق الأولى إذا قيل أن ذلك حرف من الأحرف السبعة فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرأوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف مع تنوع الأحرف في الرسم فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين كالتاء والياء والفتح والضم وهم يضبطون باللفظ كلا الأمرين ويكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيها بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المفهومين
فإن أصحاب رسول الله ﷺ تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعا كما قال أبو عبد الرحمن السلمي وهو الذي روى عن عثمان رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] كما رواه البخاري في صحيحه وكان يقرئ القرآن أربعين سنة قال: حدثنا الذين كانوا يقرأوننا عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا
ولهذا دخل في معنى قوله [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] تعليم حروفه ومعانية جميعا بل تعلم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه وذلك هو الذي يزيد الإيمان كما قال جندب بن عبد الله وعبد الله بن عمر وغيرهما: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا وإنكم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان
وفي الصحيحين: عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله ﷺ حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ونزول القرآن وذكر الحديث بطوله ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك
وإنما المقصود التنبيه على أن ذلك كله مما بلغه رسول الله ﷺ إلى الناس وتلقاه أصحابه عنه الإيمان والقرآن حروفه ومعانيه وذلك مما أوحاه الله إليه كما قال تعالى: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف كما ثبتت هذه القراءات وليست شاذة حينئذ والله أعلم
6 - 1018 مسألة: في قول أهل التقاويم في أن الرابع عشر من هذا الشهر يخسف القمر وفي التاسع والعشرين تكسف الشمس فهل يصدقون في ذلك وإذا خسفا هل يصلي لهما أم يسبح وإذا صلى كيف صفة الصلاة ويذكر لنا أقوال العلماء في ذلك
الجواب: الحمد لله الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة كما لطلوع الهلال وقت مقدر وذلك مما أجرى الله عادته بالليل والنهار والشتاء والصيف وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر وذلك من آيات الله تعالى كما قال تعالى: { وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون }
وقال تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق }
وقال تعالى: { الشمس والقمر بحسبان }
وقال تعالى: { فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم }
وقال تعالى: { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }
وقال تعالى: { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم }
وقال تعالى: { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون * والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون }
وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر أو ليلة إحدى وثلاثين وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين أو تسعة وعشرين فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل فهو غالط فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار ووقت إبداره هي الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها: ليلة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي والهلال يستسر آخر الشهر إما ليلة وإما ليلتين كما يستسر ليلة تسع وعشرين وثلاثين والشمس لا تكسف إلا وقتها استسراره
وللشمس والقمر ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف كما أن من علم كم مضى من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها لكن العلم بالعادة في الهلال علم عام يشترك فيه جميع الناس وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب ولا من باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه فإن ذلك قول بلا علم ثابت وبناء على غير أصل صحيح
وفي سنن أبي دواد: عن النبي ﷺ أنه قال: [ من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد من زاد ]
وفي صحيح مسلم: عن النبي ﷺ أنه قال: [ من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل الله صلاته أربعين يوما ]
والكهان أعلم بما يقولونه من المنجمين في الأحكام ومع هذا صح عن النبي ﷺ أنه نهى عن إتيانهم ومسألتهم فكيف بالمنجم !؟ وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع عن هذا الجواب
وأما ما يعلم بالحساب فهو مثل العلم بأوقات الفصول: كأول الربيع والصيف والخريف والشتاء لمحاذات الشمس أوائل البروج التي يقولون فيها أن الشمس نزلت في برج كذا؟ أي حاذته
ومن قال من الفقهاء ان الشمس تكسف في غير وقت الاستسرار فقد غلط وقال ما ليس له به علم
وما يروي عن الواقدي من ذكره أن إبراهيم ابن النبي ﷺ مات يوم العاشر من الشهر وهو اليوم الذي صلى فيه النبي ﷺ صلاة الكسوف غلط
والواقدي لا يحتج بمسانيده فكيف بما أرسله من غير أن يسنده إلى أحد وهذا فيما لم يعلم أنه خطأ فأما هذا فيعلم أنه خطأ ومن جوز هذا فقد قفا ما ليس له به علم ومن حاج في ذلك فقد حاج فيما ليس له به علم
وأما ما ذكره طائفة من الفقهاء من اجتماع صلاة العيد والكسوف فهذا ذكروه في ضمن كلامهم فيما إذا اجتمع صلاة الكسوف وغيرها من الصلوات فقد رأوا اجتماعها مع الوتر والظهر وذكروا صلاة العيد مع عدم استحضارهم هل يمكن ذلك في العادة أو لا يمكن فلا يوجد في تقديرهم ذلك العلم بوجود ذلك في الخارج لكن ليستفيد من ذلك العلم: علم ذلك على تقدير وجوده كما يقدرون مسائل يعلم أنها لا تقع لتحرير القواعد وتمارين الأذهان على ضبطها
وأما تصديق المخبر بذلك وتكذيبه فلا يجوز أن يصدق إلا أن يعلم صدقه ولا يكذب إلا أن يعلم كذبه كما قال النبي ﷺ: [ إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوهم وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوهم ]
والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنا لكن هذا المخبر المعين قد يكون عالما بذلك وقد لا يكون وقد يكون ثقة في خبره وقد لا يكون وخبر المجهول الذي لا يوثق بعلمه وصدقه ولا يعرف كذبه موقوف ولو أخبر مخبر بوقت الصلاة وهو مجهول لم يقبل خبره ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون
ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تصلى إلا إذا شاهدنا ذلك وإذا جوز الإنسان صدق المخبر بذلك أو غلب على ظنه فنوى أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك كان هذا حثا من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته فإن الصلاة عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين وقد تواترت بها السنن عن النبي ﷺ ورواها أهل الصحيح والسنن والمسانيد من وجوه كثيرة
واستفاض عنه أنه صلى بالمسلمين صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم وكان بعض الناس ظن أن كسوفها كان لأن إبراهيم مات فخطبهم النبي ﷺ وقال: [ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة ]
وفي رواية في الصحيح: [ ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده ]
وهذا بيان منه ﷺ أنهما سبب لنزول عذاب بالناس فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسله وإنما يخاف الناس مما يضرهم فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفا قال تعالى: { وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }
وأمر النبي ﷺ بما يزيل الخوف: أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق حتى يكشف ما بالناس وصلى بالمسلمين في الكسوف صلاة طويلة
وقد روي في صفة صلاة الكسوف أنواع لكن الذي استفاض عند أهل العلم بسنة رسول الله ﷺ ورواه البخاري ومسلم من غير وجه وهو الذي استحبه أكثر أهل العلم: كمالك والشافعي وأحمد وأنه صلى بهم ركعتين في كل ركعة ركوعان يقرأ قراءة طويلة ثم يركع ركوعا طويلا دون القراءة ثم يقوم فيقرأ قراءة طويلة دون القراءة الأولى ثم يركع ركوعا دون الركوع الأول ثم يسجد سجدتين طويلتين وثبت عنه في الصحيح أنه جهز بالقراءة فيها
والمقصود أن تكون الصلاة وقف الكسوف إلى أن يتجلى فإن فرغ من الصلاة قبل التجلي ذكر الله ودعاه إلى أن يتجلى والكسوف يطول زمانه تارة ويقصر أخرى بحسب ما يكسف منها فقد يكسف كلها وقد يكسف نصفها أو ثلثها فإذا عظم الكسوف طول الصلاة حتى يقرأ بالبقرة ونحوها في أول ركعة وبعد الركوع الثاني يقرأ بدون ذلك
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ بما ذكرناه كله مثل ما في الصحيحين: عن أبي مسعود الأنصاري قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي ﷺ فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقال رسول الله ﷺ [ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة ]
وفي الصحيح عن أبي موسى أنه ﷺ قال: [ هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يخوف بها عباده فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ]
وفي الصحيحين: من حديث جابر أنه ﷺ قال: [ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وأنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى ينجلي ]
وفي رواية عن ابن مسعود: [ فإذا رأيتم شيئا منها فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم ]
وفي رواية لعائشة [ فصلوا حتى يفرج الله ما بكم ]
وفي الصحيحين: [ عن عائشة أن الشمس خسفت على عهد رسول الله ﷺ فخرج رسول الله ﷺ إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه فاقترأ رسول الله ﷺ قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلست الشمس قبل أن ينصرف ]
وقد جاء إطالته للسجود في حديث صحيح وكذلك الجهر بالقراءة لكن روى في القراءة المخافتة والجهر أصح وأما تطويل السجود فلم يختلف فيه الحديث لكن في كل حديث زيادة ليست في الآخر والأحاديث الصحيحة كلها متفقة لا تختلف