334 - 4 - وسئل رحمه الله تعالى عن المسافر في رمضان ومن يصوم ينكر عليه وينسب إلى الجهل ويقال له الفطر أفضل وما هو مسافة القصر: وهل إذا أنشأ السفر من يومه يفطر؟؟ وهل يفطر السفار من المكارية والتجار والجمال والملاح وراكب البحر؟ وما الفرق بين سفر الطاعة وسفر المعصية؟
فأجاب: الحمد لله: الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين سواء كان سفر حج أو جهاد أو تجارة أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله ورسوله
وتنازعوا في سفر المعصية كالذي يسافر ليقطع الطريق ونحو ذلك على قولين مشهورين كما تنازعوا في قصر الصلاة
فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة سواء كان قادرا على الصيام أو عاجزا وسواء شق عليه الصوم أو لم يشق بحيث لو كان مسافرا في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر
ومن قال: إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وكذلك من أنكر على المفطر فإنه يستتاب من ذلك
ومن قال: إن المفطر عليه إثم فإنه يستتاب من ذلك فإن هذه الأحوال خلاف كتاب الله وخلاف سنة رسول الله ﷺ وخلاف إجماع الأمة
وهكذا السنة للمسافر أنه يصلي الرباعية ركعتين والقصر أفضل له من التربيع عند الأئمة الأربعة: كمذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي في أصح قوليه
ولم تتنازع الأمة في جواز الفطر للمسافر بل تنازعوا في جواز الصيام للمسافر فذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وأنه إذا صام لم يجزه بل عليه أن يقضي ويروى هذا عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهما من السلف وهو مذهب أهل الظاهر
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: [ ليس من البر الصوم في السفر ] لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز للمسافر أن يصوم وأن يفطر كما في الصحيحين عن أنس قال: [ كنا نسافر مع النبي ﷺ في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ]
وقد قال الله تعالى: { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }
وفي المسند عن النبي ﷺ أنه قال: [ إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتي معصيته ] وفي الصحيح أن رجلا قال للنبي ﷺ: إني رجل أكثر الصوم أفأصوم في السفر؟ فقال: [ إن أفطرت فحسن وإن صمت فلا بأس ] وفي حديث آخر: [ خياركم الذين في السفر يقصرون ويفطرون ]
وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه ويفطر: فمذهب مالك والشافعي وأحمد أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام وهو ستة عشر فرسخا كما بين مكة وعسفان ومكة وجدة وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين وهذا قول قوي فإنه قد ثبت أن النبي ﷺ يصلي بعرفة ومزدلفة ومنى يقصر الصلاة وخلفه أهل مكة وغيرهم يصلون بصلاته لم يأمر أحدا منهم بإتمام الصلاة
وإذا سافر في أثناء يوم فهل يجوز له الفطر؟ على قولين مشهورين للعلماء هما روايتان عن أحمد
أظهرهما: أنه يجوز ذلك كما ثبت في السنن أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج من يومه ويذكر أن ذلك سنة النبي ﷺ وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه نوى الصوم في السفر ثم إنه دعا بماء فأفطر والناس ينظرون إليه
وأما اليوم الثاني: فيفطر فيه بلا ريب وإن كان مقدار سفره يومين في مذهب جمهور الأئمة والأمة
وأما إذا قدم المسافر في أثناء يوم ففي وجوب الامساك عليه نزاع مشهور بين العلماء لكن عليه القضاء سواء أمسك أو لم يمسك
ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام وغيره من السلع وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب وغيرهم وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه
فأما من كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافرا فهذا لا يقصر ولا يفطر
وأهل البادية: كأعراب العرب والاكراد والترك وغيرهم الذين يشتون في مكان ويصيفون في مكان إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى المصيف ومن المصيف إلى المشتى: فإنهم يقصرون وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم لم يفطروا ولم يقصروا وإن كانوا يتتبعون المراعي والله أعلم
335 - 5 - وسئل رحمه الله تعالى عمن يكون مسافرا في رمضان ولم يصبه جوع ولا عطش ولا تعب: فما الأفضل له الصيام؟ أم الإفطار؟
فأجاب: أما المسافر فيفطر باتفاق المسلمين وإن لم يكن عليه مشقة والفطر له أفضل وإن صام جاز عند أكثر العلماء
ومنهم من يقول لا يجزئه
6 - 336 - وسئل رحمه الله تعالى عن إمام جماعة بمسجد مذهبه حنفي ذكر لجماعته أن عنده كتابا فيه أن الصيام في شهر رمضان إذا لم ينو بالصيام قبل عشاء الآخرة أو بعدها أو وقت السحور وإلا فما له في صيامه أجر؟ فهل هذا صحيح؟ أم لا؟
فأجاب: الحمد لله على كل مسلم يعتقد أن الصوم واجب عليه وهو يريد أن يصوم شهر رمضان النية فإذا كان يعلم أن غدا من رمضان فلا بد أن ينوي الصوم فإن النية محلها القلب وكل من علم ما يريد فلا بد أن ينويه
والتكلم بالنية ليس واجبا بإجماع المسلمين فعامة المسلمين إنما يصومون بالنية وصومهم صحيح بلا نزاع بين العلماء والله أعلم
7 - 337 - وسئل شيخ الإسلام ما يقول سيدنا في صائم رمضان هل يفتقر كل يوم إلى نية؟ أم لا؟
فأجاب: كل من علم أن غدا من رمضان وهو يريد صومه فقد نوى صومه سواء تلفظ بالنية أو لم يتلفظ وهذا فعل عامة المسلمين كلهم ينوي الصيام
8 - 338 - وسئل رحمه الله تعالى عن غروب الشمس: هل يجوز للصائم أن يفطر بمجرد غروبها؟
فأجاب: إذا غاب جميع القرص أفطر الصائم ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق
وإذا غاب جميع القرص ظهر السواد من المشرق كما قال النبي ﷺ: [ إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ]
339 - 9 - وسئل رحمه الله تعالى عما إذا أكل بعد أذان الصبح في رمضان ماذا يكون؟
فأجاب: الحمد لله أما إذا كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر كما كان بلال يؤذن قبل طلوع الفجر على عهد النبي ﷺ وكما يؤذن المؤذنون في دمشق وغيرها قبل طلوع الفجر فلا بأس بالأكل والشرب بعد ذلك بزمن يسير
وإن شك: هل طلع الفجر؟ أو لم يطلع؟ فله أن يأكل ويشرب حتى يتبين الطلوع ولوعلم بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر ففي وجوب القضاء نزاع
والأظهر أنه لا قضاء عليه وهو الثابت عن عمر وقال به طائفة من السلف والخلف والقضاء هو المشهور في مذهب الفقهاء الأربعة والله أعلم
340 - 10 - وسئل رحمه الله تعالى عن رجل كلما أراد أن يصوم أغمي عليه ويزبد ويخبط فيبقى أياما لا يفيق حتى يتهم أنه جنون ولم يتحقق ذلك منه؟
فأجاب: الحمد لله إن كان الصوم يوجب له مثل هذا المرض فإنه يفطر ويقضي فإن كان هذا يصيبه في أي وقت صام كان عاجزا عن الصيام فيطعم عن كل يوم مسكينا والله أعلم
341 - 11 - وسئل رحمه الله تعالى عن امرأة حامل رأت شيئا شبه الحيض والدم مواظبها وذكر القوابل أن المرأة تفطر لأجل منفعة الجنين ولم يكن بالمرأة ألم: فهل يجوز لها الفطر؟ أم لا؟
فأجاب: إن كانت الحامل تخاف على جنينها فإنها تفطر وتقضي عن كل يوم يوما وتطعم عن كل يوم مسكينا رطلا من خبز بأدمه والله أعلم
342 - 12 - وسئل رحمه الله تعالى عن رجل باشر زوجته وهو يسمع المتسحر يتكلم فلا يدري: أهو يتسحر؟ أم يؤذن؟ ثم غلب على ظنه أنه يتسحر فوطئها وبعد يسير أضاء الصبح فما الذي يجب عليه؟ أفتونا مأجورين
فأجاب: هذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: عليه القضاء والكفارة هذا إحدى الروايتين عن أحمد
وقال مالك: عليه القضاء لا غير وهذه الرواية الأخرى عنه وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما
والثالث: لا قضاء ولا كفارة عليه وهذا قول النبي ﷺ وهو أظهر الأقوال ولأن الله تعالى عفا عن الخطأ والنسيان وأباح سبحانه وتعالى الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود والشاك في طلوع الفجر يجوز له الأكل والشرب والجماع بالاتفاق ولا قضاء عليه إذا استمر الشك
13 - 343 - وسئل رحمه الله تعالى عن رجل أراد أن يواقع زوجته في شهر رمضان بالنهار فأفطر بالأكل قبل أن يجامع ثم جامع فهل عليه كفارة أم لا؟ وما على الذي يفطر من غير عذر؟
فأجاب: الحمد لله هذه المسألة فيها قولان للعلماء مشهوران:
أحدهما: تجب وهو قول جمهورهم كمالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم
والثاني: لا تجب وهو مذهب الشافعي وهذان القولان مبناهما: على أن الكفارة سببها الفطر من الصوم أو من الصوم الصحيح بجماع أو بجماع وغيره على اختلاف المذاهب فإن أبا حنيفة يعتبر الفطر بأعلى جنسه ومالك يعتبر الفطر مطلقا فالنزاع بينهما إذا أفطر بابتلاع حصاة أو نواة ونحو ذلك وعن أحمد رواية أنه إذا أفطر بالحجامة كفر كغيرها من المفطرات بجنس الوطء فأما الأكل والشرب ونحوهما فلا كفارة في ذلك
ثم تنازعوا هل يشترط الفطر من الصوم الصحيح؟ فالشافعي وغيره يشترط ذلك فلو أكل ثم جامع أو أصبح غير ناو للصوم ثم جامع أو جامع وكفر ثم جامع: لم يكن عليه كفارة؟ لأنه لم يطأ في صوم صحيح
وأحمد في ظاهر مذهبه وغيره يقول: بل عليه كفارة في هذه الصور ونحوها لأنه وجب عليه الإمساك في شهر رمضان فهو صوم فاسد فأشبه الإحرام الفاسد
وكما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه بالإمساك عن محظوراته فإذا أتى منها شيئا كان عليه ما عليه من الإحرام الصحيح وكذلك من وجب عليه صوم شهر رمضان إذا وجب عليه الإمساك فيه وصومه فاسد لأكل أو جماع أو عدم نية فقد لزمه الإمساك عن محظورات الصيام فإذا تناول شيئا منها كان عليه ما عليه في الصوم الصحيح وفي كلا الموضعين عليه القضاء
وذلك لأن هتك حرمة الشهر حاصلة في الموضعين بل هي في هذا الموضع أشد لأنه عاص بفطره أولا فصار عاصيا مرتين فكانت الكفارة عليه أوكد ولأنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا لصار ذريعة إلى أن لا يكفر أحد فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل ثم يجامع بل ذلك أعون له على مقصوده فيكون قبل الغداء عليه كفارة وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها فلا كفارة عليه وهذا شنيع في الشريعة لا ترد بمثله
فإنه قد استقر في العقول والأديان أنه كلما عظم الذنب كانت العقوبة أبلغ وكلما قوي الشبه قويت والكفارة فيها شوب العبادة وشوب العقوبة وشرعت زاجرة وماحية فبكل حال قوة السبب يقتضي قوة المسبب
ثم الفطر بالأكل لم يكن سببا مستقلا موجبا للكفارة كما يقوله أبو حنيفة ومالك فلا أقل أن يكون معينا للسبب المستقل بل يكون مانعا من حكمه وهذا بعيد عن أصول الشريعة
ثم المجامع كثيرا ما يفطر قبل الإيلاج فتسقط الكفارة عنه بذلك على هذا القول وهذا ظاهر البطلان والله أعلم
344 - 14 - وسئل رحمه الله تعالى عن رجل أفطر نهار رمضان متعمدا ثم جامع: فهل يلزمه القضاء والكفارة؟ أم القضاء بلا كفارة؟
فأجاب: عليه القضاء وأما الكفارة فتجب في مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة ولا تجب عند الشافعي
15 - 345 - وسئل رحمه الله تعالى عن رجل وطئ امرأته وقت طلوع الفجر معتقدا بقاء الليل ثم تبين أن الفجر قد طلع فما يجب عليه؟
فأجاب: الحمد لله هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:
أحدها: أن عليه القضاء والكفارة وهو المشهور من مذهب أحمد
والثاني: أن عليه القضاء وهو قول ثان في مذهب أحمد وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك
والثالث: لا قضاء عليه ولا كفارة وهذا قول طوائف من السلف: كسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وإسحاق وداود وأصحابه والخلف وهؤلاء يقولون: من أكل معتقدا طلوع الفجر ثم تبين له أنه لم يطلع فلا قضاء عليه
وهذا القول أصح الأقوال وأشبهها بأصول الشريعة ودلالة الكتاب والسنة وهو قياس أصول أحمد وغيره فإن الله رفع المؤاخذة عن الناسي والمخطئ وهذا مخطئ وقد أباح الله الأكل والوطء حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر واستحب تأخير السحور ومن فعل ما ندب إليه وأبيح له لم يفرط فهذا أولى بالعذر من الناسي والله أعلم
346 - 16 - وسئل رحمه الله تعالى عما إذا قبل زوجته أو ضمها فأمذى هل يفسد ذلك صومه؟ أم لا؟
فأجاب: يفسد الصوم بذلك عند أكثر العلماء
17 - 347 - وسئل عمن أفطر في رمضان؟
فأجاب: إذا أفطر في رمضان مستحلا لذلك وهو عالم بتحريمه استحلالا له وجب قتله وإن كان فاسقا عوقب عن فطره في رمضان بحسب ما يراه الإمام وأخذ منه حد الزنا وإن كان جاهلا عرف بذلك وأخذ منه حد الزنا ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام والله أعلم
18 - 348 - وسئل رحمه الله تعالى عن المضمضة والاستنشاق والسواك وذوق الطعام والقيء وخروج الدم والادهان والإكتحال؟
فأجاب: أما المضمضة والاستنشاق فمشروعان للصائم باتفاق العلماء وكان النبي ﷺ والصحابة يتمضمضون ويستنشقون مع الصوم لكن قال للقيط بن صبرة: [ وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ] فنهاه عن المبالغة لا عن الاستنشاق
وأما السواك فجائز بلا نزاع لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك وقياسه على دم الشهيد ونحوه ضعيف من وجوه كما هو مبسوط في موضعه
وذوق الطعام يكره لغير حاجة لكن لا يفطره وأما للحاجة فهو كالمضمضة
وأما القيء: فإذا استقاء: أفطر وإن غلبه القيء لم يفطر
والادهان: لا يفطر بلا ريب
وأما خروج الدم الذي لا يمكن الاحتراز منه كدم المستحاضة والجروح والذي يرعف ونحوه فلا يفطر وخروج دم الحيض والنفاس يفطر باتفاق العلماء
وأما الاحتجام: ففيه قولان مشهوران ومذهب أحمد وكثير من السلف أنه يفطر والفصاد ونحوه فيه قولان في مذهبه أحدهما أن ذلك كالاحتجام
ومذهبه في الكحل الذي يصل إلى الدماغ أنه يفطر كالطيب والحاجة ومذهب مالك نحو ذلك وأما أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله فلا يريان الفطر بذلك والله أعلم
349 - 19 - وسئل رحمه الله تعالى عن رجل افتصد بسبب وجع رأسه وهو صائم هل يفطر ويجب عليه قضاء ذلك اليوم؟ أم لا؟ وهل إذا أعلم أنه يفطر إذا افتصد يأثم أم لا؟
فأجاب: الحمد لله هذه المسألة فيها نزاع في مذهب أحمد وغيره والأحوط أنه يقضي ذلك اليوم والله أعلم
350 - 20 - وسئل رحمه الله تعالى عن الفصاد في شهر رمضان هل يفسد الصوم؟ أم لا؟
فأجاب: إن أمكنه تأخير الفصاد أخره وإن احتاج إليه لمرض افتصد وعليه القضاء في أحد قولي العلماء والله أعلم
351 - 21 - وسئل رحمه الله تعالى عن الميت في أيام مرضه أدركه شهر رمضان ولم يكن يقدر على الصيام وتوفي وعليه صيام شهر رمضان وكذلك الصلاة مدة مرضه ووالديه بالحياة فهل تسقط الصلاة والصيام عنه إذا صاما عنه وصليا؟ إذا وصى أو لم يوص؟
فأجاب: إذا اتصل به المرض ولم يمكنه القضاء فليس على ورثته إلا الإطعام عنه وأما الصلاة المكتوبة فلا يصلي أحد عن أحد ولكن إذا صلى عن الميت واحد منهما تطوعا وأهداه له أو صام عنه تطوعا وأهداه له نفعه ذلك والله أعلم
352 - 22 - وسئل رحمه الله تعالى رضي الله وأرضاه - عن ليلة القدر وهو معتقل بالقلعة قلعة الجبل سنة ست وسبعمائة
فأجاب: الحمد لله ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي ﷺ أنه قال: [ هي في العشر الأواخر من رمضان ] وتكون في الوتر منها
لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين
ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي ﷺ: [ لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى ] فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليال الإشفاع وتكون الاثنين وعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح وهكذا أقام النبي ﷺ في الشهر
وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ الماضي
وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي ﷺ: [ تحروها في العشر الأواخر ] وتكون في السبع الأواخر أكثر وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين كما كان أبي بن كعب يحلف أنها ليلة سبع وعشرين فقيل له: بأي شيء علمت ذلك؟ فقال بالآية التي أخبرنا رسول الله [ أخبرنا أن الشمس تطلع صبحة صبيحتها كالطشت لا شعاع لها ]
فهذه العلامة التي رواها أبي بن كعب عن النبي ﷺ من أشهر العلامات في الحديث وقد روي في علاماتها: [ أنها ليلة بلجة منيرة ] وهي ساكنة لا قوية الحر ولا قوية البرد وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة فيرى أنوارها أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر والله تعالى أعلم
23 - 353 - وسئل رحمه الله تعالى عن ليلة القدر وليلة إلإسراء بالنبي ﷺ أيهما أفضل؟
فأجاب: بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبى ﷺ وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة فحظ النبي ﷺ الذي اختص به ليلة المعراج منها أكمل من حظه من ليلة القدر
وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج وإن كان لهم فيها أعظم حظ لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسرى به ﷺ
354 - 24 - وسئل رحمه الله تعالى عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟
فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة
قال ابن القيم: وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة وفيها: يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية
وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الاحياء التي كان رسول الله ﷺ يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر
فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة
355 - 25 - وسئل رحمه الله تعالى عن يوم الجمعة ويوم النحر أيهما أفضل؟ فأجاب: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم النحر أفضل أيام العام
356 - / 26 - وسئل رحمه الله تعالى عن رجل نذر أنه يصوم الاثنين والخميس ثم بدا له أن يصوم يوما ويفطر يوما ولم يرتب ذلك إلا بأن يصوم أربعة أيام ويفطر ثلاثة أو يفطر أربعة ويصوم ثلاثة: فأيهما أفضل؟ أفتونا يرحمكم الله؟
فأجاب: الحمد لله إذا انتقل من صوم الاثنين والخميس إلى صوم يوم وفطر يوم فقد انتقل إلى ما هو أفضل وفيه نزاع والأظهر أن ذلك جائز كما لو نذر الصلاة في المسجد المفضول وصلى في الأفضل مثل أن ينذر الصلاة في المسجد الأقصى فيصلي في مسجد أحد الحرمين والله أعلم
27 - 357 وسئل رحمه الله تعالى عما ورد في ثواب صيام الثلاثة أشهر وما تقول في الاعتكاف فيها والصمت هل هو من الأعمال الصالحات؟ أم لا؟
فأجاب: أما تخصيص رجب وشعبان جميعا بالصوم أو الاعتكاف فلم يرد فيه عن النبي ﷺ شيء ولا عن أصحابه ولا أئمة المسلمين بل قد ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ كان يصوم إلى شعبان ولم يكن يصوم من السنة أكثر مما يصوم من شعبان من أجل شهر رمضان
وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة لا يعتمد أهل العلم على شيء منها وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل بل عامتها من الموضوعات المكذوبات وأكثر ما روي في ذلك أن النبي ﷺ كان إذا دخل رجب يقول: [ اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ]
وقد روى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه نهى عن صوم رجب وفي إسناده نظر لكن صح أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الناس ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب ويقول لا تشبهوه برمضان
ودخل أبو بكر فرأى أهله قد اشتروا كيزانا للماء واستعدوا للصوم فقال: ما هذا؟ ! فقالوا: رجب فقال: أتريدون أن تشبهوه برمضان؟ وكسر تلك الكيزان فمتى أفطر بعضا لم يكره صوم البعض
وفي المسند وغيره: حديث عن النبي ﷺ أنه أمر بصوم الأشهر الحرم وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم فهذا في صوم الأربعة جميعا لا من يخصص رجب
وأما تخصيصها بالاعتكاف فلا أعلم فيه أمرا بل كل من صام صوما مشروعا وأراد أن يعتكف من صيامه كان ذلك جائزا بلا ريب وإن اعتكف بدون الصيام ففيه قولان مشهوران وهما روايتان عن أحمد:
أحدهما: أنه لا اعتكاف إلا بصوم كمذهب أبي حنيفة ومالك
والثاني: يصح الاعتكاف بدون الصوم كمذهب الشافعي
وأما الصمت عن الكلام مطلقا في الصوم أو الاعتكاف أو غيرهما فبدعة مكرهة باتفاق أهل العلم لكن هل ذلك محرم أو مكروه؟ فيه قولان في مذهبه وغيره
وفي صحيح البخاري أن أبا بكر الصديق دخل على امرأة من أحمس فوجدها مصمتة لا تتكلم فقال لها أبو بكر: إن هذا لا يحل إن هذا من عمل الجاهلية وفي صحيح البخاري عن ابن عباس: [ أن النبي ﷺ رأى رجلا قائما في الشمس فقال: من هذا؟ فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال: مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صيامه ]
فأمره ﷺ مع نذره للصمت أن يتكلم كما أمره مع نذره للقيام أن يجلس ومع نذره أن لا يستظل أن يستظل وإنما أمره بأن يوفي بالصوم فقط وهذا صريح في أن هذه الأعمال ليست من القرب التي يؤمر بها الناذر
وقد قال ﷺ في الحديث الصحيح: [ من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ]
كذلك لا يؤمر الناذر أن يفعلها فمن فعلها على وجه التعبد بها والتقرب واتخاذ ذلك دينا وطريقا إلى الله تعالى فهو ضال جاهل مخالف لأمر الله ورسوله ومعلوم أن من يفعل ذلك من نذر اعتكافا ونحو ذلك إنما يفعله تدينا ولا ريب أن فعله على وجه التدين حرام فإنه يعتقد ما ليس بقربة قربة ويتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه الله وهذا حرام لكن من فعل ذلك قبل بلوغ العلم إليه فقد يكون معذورا بجهله إذا لم تقم عليه الحجة فإذا بلغه العلم فعليه التوبة
وجماع الأمر في الكلام قوله ﷺ: [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ]
فقول الخير وهو الواجب أو المستحب خير من السكوت عنه وما ليس بواجب ولا مستحب فالسكوت عنه خير من قوله
ولهذا قال بعض السلف لصاحبه: السكوت عن الشر خير من التكلم به فقال له الآخر: التكلم بالخير خير من السكوت عنه وقد قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى }
وقال تعالى: { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما }
وفي السنن عن النبي ﷺ أنه قال: [ كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله تعالى ]
والأحاديث في فضائل الصمت كثيرة وكذلك في فضائل التكلم بالخير والصمت عما يجب من الكلام حرام سواء اتخذه دينا أو لم يتخذه كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيحب أن تحب ما أحبه الله ورسوله وتبغض ما يبغضه الله ورسوله وتبيح ما أباحه الله ورسوله وتحرم ما حرمه الله ورسوله
28 - 358 - وسئل رحمه الله عما في الخميس ونحوه من البدع:
فأجاب: أما بعد حمد الله والصلاة والسلام على محمد وصحبه وسلم فإن الشيطان قد سول لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى وهو الخميس الحقير من الهدايا والأفراح والنفقات وكسوة الأولاد وغير ذلك مما يصير به مثل عيد المسلمين
وهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصارى: فجميع ما يحدثه الإنسان فيه من المنكرات فمن ذلك خروج النساء وتبخير القبور ووضع الثياب على السطح وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب واتخاذه موسما لبيع الخمور وشرائها ورقي البخور مطلقا فى ذلك الوقت أو غيره أو قصد شراء البخور المرقي فإن رقي البخور واتخاذه قربانا هو دين النصارى والصابئين وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه كما يتطيب بسائر الطيب وكذلك تخصيصه بطبخ الأطعمة وغير ذلك من صبغ البيض
وأما القمار بالبيض وبيعه لمن يقامر به أو شراؤه من المقامرين فحكمه ظاهر
ومن ذلك ما يفعله النساء من أخذ ورق الزيتون أو الاغتسال بمائه فإن أصل ذلك ماء المعمودية ومن ذلك أيضا ترك الوظائف الراتبة مع الصنائع والتجارات أو حلق العلم في أيام عيدهم واتخاذه يوم راحة وفرحة وغير ذلك فإن النبي ﷺ نهاهم عن اليومين اللذين كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية ونهى النبي ﷺ عن الذبح بالمكان إذا كان المشركون يعبدون فيه ويفعلون أمورا يقشعر منها قلب المؤمن الذي لم يمت قلبه - بل يعرف المعروف وينكر المنكر - كما لا يتشبه بهم فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك
فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات لم تقبل هديته خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان به على التشبه بهم مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد وإهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم وهو الخميس الحقير ولا يبايع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس والبخور لأن في ذلك إعانة على المنكر
وقال الشيخ رضي الله عنه: ونذكر أشياء من منكرات دين النصارى لما رأيت طوائف من المسلمين قد ابتلى ببعضها وجهل كثير منهم أنها من دين النصارى الملعون هو وأهله وقد بلغني أنهم يخرجون في الخميس الحقير الذي قبل ذلك أو السبت أو غير ذلك إلى القبور وكذلك يبخرون في هذه الأوقات وهم يعتقدون أن في البخور بركة ودفع مضرة ويعدونه من القرابين مثل الذبائح ويرقونه بنحاس يضربونه كأنه ناقوس صغير وبكلام مصنف ويصلبون على أبواب بيوتهم إلى غير ذلك من الأمور المنكرة حتى أن الأسواق تبقى مملوءة أصوات النواقيس الصغار وكلام الرقابين من المنجمين وغيرهم بكلام أكثره باطل وفيه ما هو محرم أو كفر
وقد ألقى إلى جماهير العامة أو جميعهم إلا من شاء الله وأعني بالعامة هنا: كل من لم يعلم حقيقة الإسلام فإن كثيرا ممن ينسب إلى فقه ودين قد شاركهم في ذلك ألقى إليهم أن هذا البخور المرقي ينفع ببركته من العين والسحر والادواء والهوام ويصورون صور الحيات والعقارب ويلصقونها في بيوتهم زعما أن تلك الصور الملعون فاعلها التي لا تدخل الملائكة بيتا هي فيه تمنع الهواء وهو ضرب من طلاسم الصابئة ثم كثير منهم على ما بلغني يصلب باب البيت ويخرج خلق عظيم في الخميس الحقير المتقدم وعلى هذا يبخرون القبور ويسمون هذا المتأخر الخميس الكبير وهو عند الله الخميس المهين الحقير هو وأهله ومن يعظمه فإن كل ما عظم بالباطل من مكان أو زمان أو حجر أو شجر أو بنية يجب قصد إهانته كما تهان الأوثان المعبودة وإن كانت لولا عبادتها لكانت كسائر الأحجار
ومما يفعله الناس من المنكرات: أنهم يوظفون على الفلاحين وظائف أكثرها كرها من الغنم والدجاج واللبن والبيض يجتمع فيها تحريمان: أكل مال المسلم والمعاهد بغير حق وإقامة شعار النصارى ويجعلونه ميقاتا لإخراج الوكلاء على المزارع ويطبخون منه وبصطبغون فيه البيض وينفقون فيه النفقات الواسعة ويزينون أولادهم إلى غير ذلك من الأمور التي يقشعر منها قلب المؤمن الذي لم يمت قلبه بل يعرف المعروف وينكر المنكر وخلق كثير منهم يضعون ثيابهم تحت السماء رجاء لبركة نزول مريم عليها فهل يستريب من في قلبه أدنى حبة من الإيمان أن شريعة جاءت بما قدمنا بعضه من مخالفة اليهود والنصارى لا يرضى من شرعها ببعض هذه القبائح
وأصل ذلك كله إنما هو إختصاص أعياد الكفار بأمر جديد أو شابهتهم في بعض أمورهم فيوم الخميس هو عيدهم يوم عيد المائدة ويوم الأحد يسمونه عيد الفصح وعيد النور والعيد الكبير ولما كان عيدا صاروا يصنعون لأولادهم فيه البيض المصبوغ ونحوه لأنهم فيه يأكلون ما يخرج من الحيوان من لحم ولبن وبيض إذ صومهم هو عن الحيوان وما يخرج منه وعامة هذه الأعمال المحكية عن النصارى وغيرها مما لم يحك قد زينها الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام وجعل لها في قلوبهم مكانة وحسن ظن وزادوا في بعض ذلك ونقصوا وقدموا وأخروا وكل ما خصت به هذه الأيام من أفعالهم وغيرها فليس للمسلم أن يشابههم في أصله ولا في وصفه ومن ذلك أيضا أنهم يكسون بالحمرة دوابهم ويصبغون الأطعمة التي لا تكاد تفعل في عيد الله ورسوله ويتهادون الهدايا التي تكون في مثل مواسم الحج وعامتهم قد نسوا أصل ذلك وبقي عادة مطردة
وهذا كله تصديق قول النبي ﷺ: [ لتتبعن سنن من كان قبلكم ] وإذا كانت المتابعة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح كانت محرمة فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله من التبرك بالصليب والتعمد في المعمودية
وقول القائل: المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن: إما كون الشريعة النصرانية أو اليهودية المبدلين المنسوخين موصلة إلى الله وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله أو التدين بذلك أو غير ذلك مما هو كفر بالله ورسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة وأصل ذلك المشابهة والمشاركة
وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية وبعض حكم ما شرع الله لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة الأمور لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس فينبغي للمسلم إذا طلب منه أهله وأولاده شيئا من ذلك أن يحيلهم على مما عند الله ورسوله ويقضي لهم في عيد الله من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا بالله ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم
فليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله ﷺ: [ ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ]
وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء ففي صحيح البخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله ﷺ: [ لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] وروي أيضا: [ هلكت الرجال حين أطاعت النساء ] وقد قال ﷺ لأمهات المؤمنين لما راجعنه في تقديم أبي بكر: [ إنكن صواحب يوسف ] يريد أن النساء من شأنهن مراجعة ذي اللب
كما قال في الحديث الآخر: [ ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب ذي اللب من إحداكن ] ولما أنشده الأعشى - أعشى باهلة - أبياته التي يقول فيها:
( وهن شر غالب لمن غلب ) جعل النبي ﷺ يرددها ويقول: ( وهن شر غالب لمن غلب )
ولذلك امتن الله سبحانه على زكريا حيث قال: { وأصلحنا له زوجه }
قال بعض العلماء ينبغي للرجل أن يجتهد إلى الله في إصلاح زوجته وقد قال ﷺ: [ من تشبه بقوم فهو منهم ]
وقد روى البيهقي بإسناد صحيح في ( باب كراهية الدخول على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم ) - عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخط ينزل عليهم
فهذا عمر قد نهى عن تعلم لسانهم وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم فكيف من يفعل بعض أفعالهم؟ أو قصد ما هو من مقتضيات دينهم؟ أليست موافقتهم في العمل أعظم من موافقتهم في اللغة؟ أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟ ! ! وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟ !
ثم قوله: [ اجتنبوا أعداء الله في عيدهم ] أليس نهيا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه؟ فكيف بمن عمل عيدهم؟ ! وقال ابن عمر في كلام له: من صنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم وقال عمر: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم ونص الإمام أحمد على أنه لا يجوز شهود أعياد اليهود والنصارى واحتج بقول الله تعالى: { والذين لا يشهدون الزور } قال: الشعانين وأعيادهم
وقال عبد الملك بن حبيب من أصحاب مالك في كلام له قال: فلا يعاونون على شيء من عيدهم لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم - وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره: لم أعلم أنه اختلف فيه
وأكل ذبائح أعيادهم داخل في هذا الذي اجتمع على كراهيته بل هو عندي أشد: وقد سئل أبو القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه
وقد قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم } فيوافقهم ويعينهم [ فإنه منهم ]
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى قال: قلت لعمر: إن لي كاتبا نصرانيا قال: ما لك قاتلك الله أما سمعت الله تعالى يقول: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض }
ألا اتخذت حنيفيا؟ ! قال: قلت: يا أمير المؤمنين، لي كتابته وله دينه قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله
وقال الله تعالى: { والذين لا يشهدون الزور } قال مجاهد: أعياد المشركين وكذلك قال الربيع بن أنس
وقال القاضي أبو يعلى: مسألة في النهي عن حضور أعياد المشركين وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده في شروط أهل الذمة عن الضحاك في قوله: { والذين لا يشهدون الزور } قال: عيد المشركين وبإسناده عن سنان عن الضحاك { والذين لا يشهدون الزور } كلام المشركين
وروى بإسناده عن ابن سلام عن عمرو بن مرة { والذين لا يشهدون الزور } لا يماكثون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم
وقد دل الكتاب وجاءت سنة رسول الله ﷺ وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع أهل العلم عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم إيقاد النار والفرح بها؟ من شعار المجوس عباد النيران والمسلم يجتهد في إحياء السنن وإماتة البدع
ففي الصحيحين: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: [ ان اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ] وقال النبي ﷺ: [ اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ]
وقد أمرنا الله تعالى أن نقول في صلاتنا { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } والله سبحانه وتعالى أعلم
359 - 29 - وسئل رحمه الله تعالى عمن يفعل من المسلمين: مثل طعام النصارى في النيروز ويفعل سائر المواسم مثل الغطاس والميلاد وخميس العدس وسبت النور ومن يبيعهم شيئا يستعينون به على أعيادهم أيجوز للمسلمين أن يفعلوا شيئا من ذلك؟ أم لا؟
فأجاب: الحمد لله لا يحل للمسلمين أن يتشهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة وغير ذلك ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة
وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم
وأما إذا أصابه المسلمون قصدا فقد كره ذلك طوائف من السلف والخلف وأما تخصيصه بما تقدم ذكره فلا نزاع فيه بين العلماء بل قد ذهب طائفة من العلماء إلى كفر من يفعل هذه الأمور لما فيها من تعظيم شعائر الكفر وقال طائفة منهم: من ذبح نطيحة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيرا
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: من تأسى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة
وفي سنن أبي داود: عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله ﷺ أن ينحر إبلا ببوانة فأتى رسول الله ﷺ فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة فقال النبي ﷺ: هل كان فيها من وثن يعبد من دون الله من أوثان الجاهلية؟
قال: لا قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال: لا قال رسول الله ﷺ: [ أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما يملك ابن آدم ]
فلم يأذن النبي ﷺ لهذا الرجل أن يوفي بنذره مع أن الأصل في الوفاء أن يكون واجبا حتى أخبره أنه لم يكن بها عيد من أعياد الكفار
وقال: [ لا وفاء لنذرفي معصية الله ]
فإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية فكيف بمشاركتهم في نفس العيد؟ بل قد شرط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين وإنما يعملونها سرا في مساكنهم فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم؟ حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تتعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخط ينزل عليهم
وإذا كان الداخل لفرجة أو غيرها منهيا عن ذلك لأن السخط ينزل عليهم فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم مما هي من شعائر دينهم؟ وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى: { والذين لا يشهدون الزور } قالوا أعياد الكفار فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها
وقد روي عن النبي ﷺ في المسند والسنن: أنه قال: [ من تشبه بقوم فهو منهم ] وفي لفظ: [ ليس منا من تشبه بغيرنا ] وهو حديث جيد فإذا كان هذا في التشبه بهم وإن كان من العادات فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك؟ !
وقد كره جمهور الأئمة - إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه - أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالا له فيما أهل به لغير الله وما ذبح على النصب وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة وقالوا: إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئا من مصلحة عيدهم لا لحما ولا دما ولا ثوبا ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك لأن الله تعالى يقول: { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }
ثم إن المسلم لا يحل له أن يعينهم على شرب الخمور بعصرها أو نحو ذلك فكيف على ما هو من شعائر الكفر؟ وإذا كان لا يحل له أن يعينهم هو فكيف إذا كان هو الفاعل لذلك؟ ! والله أعلم