☰ جدول المحتويات
باب ما يبطل الصلاة وما يكره فيها
والنفخ إذا بان منه حرفان هل تبطل الصلاة به أم لا؟ في المسألة عن مالك وأحمد روايتان وظاهر كلام أبي العباس ترجيح عدم الإبطال
والسعال والعطاس والتثاؤب والبكاء والتأوه والأنين الذي يمكن دفعه فهذه الأشياء كالنفخ فالأولى أن لا تبطل فإن النفخ أشبه بالكلام من هذه وإلا ظهر أن الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية تنافي الخشوع الواجب في الصلاة وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض مقصود الصلاة فأبطلت لذلك لا لكونها كلاما
ويقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود والبهيم وهو مذهب أحمد رحمه الله
والمشهور عن الأئمة إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة أنها لا تبطل ويسقط الفرض بذلك وقال أبي حامد الغزالي في الأحياء وتبعه ابن الجوزي: تبطل وعلى الأول لا يثاب إلا على ما عمله بقلبه فلا يكفر من سيئاته إلا بقدره فالباقي يحتاج إلى تكفير فإذا ترك واجبا استحق العقوبة
فإذا كان له تطوع سد مسده فكمل ثوابه وهذا الكلام في المؤمن الذي يقصد العبادة لله بقلبه مع الوسواس وأما المنافق الذي لا يصلي إلا رياء وسمعة فهذا عمله حابط لا يحصل به ثواب ولا يرتفع به عقاب وابن حامد ونحوه سدد بين النوعين
فإن كليهما إنما تسقط عنه الصلاة القتل في الدنيا من غير أن تبرأ ذمته ولا ترفع عنه عقوبة الآخرة والتسوية بيت المؤمن والمنافق في الصلاة خطأ
ولا بأس بالسلام على المصلي إن كان يحسن الرد بالإشارة وقاله طائفة من العلماء ولا يثاب على عمل مشوب إجماعا ومن صلى لله ثم حسنها وأكملها للناس أثيب على ما أخلصه لله لا على ما عمله للناس ولا يظلم ربك أحدا
ولا تبطل الصلاة بكلام الناسي والجاهل وهو رواية عن أحمد ولا مما إذا أبدل ضادا بظاء وهو وجه في مذهب أحمد وقاله طائفة من العلماء
ولا بأس بالقراءة لحنا غير مخل للمعنى عجزا وقد أمر النبي ﷺ أن يذهب إلى النعل فيأخذه ويقتل به الحية أو العقرب ثم يعيده إلى مكانه وكذلك سائر ما يحتاج إليه المصلي من الأفعال وكان أبو برزة ومعه فرسه وهو يصلي كلما خطا يخطو معه خشية أن ينفلت
وقال أحمد: إن فعل كما فعل أبو برزة فلا بأس وظاهر مذهب أحمد وغيره أن هذا لا يقدر بثلاث خطوات ولا ثلاث فعلات كما مضت به السنة ومن قيدها بثلاث كما يقوله أصحاب الشافعي وأحمد فإنما ذلك إذ كانت متصلة وأما إذا كانت موقوفة فيجوز وإن زادت على ثلاث والله أعلم
باب سجود التلاوة
قال أبو العباس: والذي تبين لي أن سجود التلاوة واجب مطلقا في الصلاة وغيرها وهو رواية عن أحمد ومذهب طائفة من العلماء ولا يشرع فيه تحريم ولا تحليل هذا هو السنة المعروفة عن النبي ﷺ وعليها عامة السلف
وعلى هذا فليس هو صلاة فلا يشترط له شروط الصلاة بل يجوز على غير طهارة واختارها البخاري لكن السجود بشروط الصلاة أفضل ولا ينبغي أن يخل بذلك إلا لعذر فالسجود بلا طهارة خير من الإخلال به لكن يقال أنه لا يجب في هذا الحال
كما لا يجب على السامع إذا لم يسجد قارئ السجود وإن كان ذلك السجود جائزا عند جمهور العلماء والأفضل أن يسجد عن قيام وقاله طائفة من أصحاب أحمد والشافعي
وسجود الشكر لا يفتقر إلى طهارة: كسجود التلاوة ووافق أبو العباس على سجود السهو في اشتراط الطهارة
ولو أرد الإنسان الدعاء فعفر وجهه لله في التراب وسجد له ليدعوه فهذا سجود لأجل الدعاء ولا شيء يمنعه وابن عباس سجد سجودا مجردا لما جاء نعي بعض أزواج النبي ﷺ وقد قال ﷺ: [ إذا رأيتم آية فاسجدوا ] وهذا يدل على أن السجود يشرع عند الآيات فالمكروه هو
ومن البدع إن صلى الصبح أو غيرها من الصلوات سجد بعد فراغه منها وقبل الأرض وذكر غير واحد من العلماء أن هذا السجود من المنكرات وأما تقبيل الأرض ونحو ذلك مما فيه السجود مما يفعل قدام بعض الشيوخ وبعض الملوك فلا يجوز بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضا أما إذا أكره على ذلك بحيث أنه لو لم يفعله يحصل له ضرر فلا بأس وأما إن فعل لنيل الرياسة وإلمام فحرام
باب سجود السهو
يشرع للسهو لا للعمد عند الجمهور ومن شك في عدد الركعات بنى على غالب ظنه وهو رواية عن أحمد وهو مذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود وغيرهما وعلى هذا عامة أمور الشرع ويقال مثله في الطواف والسعي ورمي الجمار وغير ذلك وأظهر الأقوال
وهو رواية عن أحمد فرق بين الزيادة والنقص وبين الشك مع التحري واشك مع البناء على اليقين فإذا كان السجود لنقص كان قبل السلام لأنه جابر ليتم الصلاة به وإن كان لزيادة كان بعد السلام لأنه ارغام للشيطان لئلا يجمع بين زيادتين في الصلاة كذلك إذا شك وتحرى فإنه يتم صلاته وإنما السجدتان إرغام للشيطان فتكونان بعده
وكذلك إذا سلم وقد بقي عليه بعض صلاته ثم أكملها فقد أتمها والسلام فيها زيادة والسجود في ذلك بعد السلام ترغيما للشيطان وأما إذا شك ولم يبن له الراجح فيعمل هنا على اليقين فأما أن يكون صلى خمسا أو اربعا فإن كان صلى خمسا فالسجدتان يشفعان له صلاته ليكون كأنه صلى الله ستا لا خمسا
وهذا إنما يكون قبل السلام فهذا الذي بصرناه يستعمل فيه جميع الأحاديث الواردة في ذلك وما شرع قبل السلام يجب فعله قبل السلام وما شرع بعد السلام يفعل إلا بعده وجوبا وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره وعليه يدل كلام أحمد وغيره من الأئمة وهل يتشهد ويسلم إذا سجد بعد السلام فيه ثلاثة أقوال: ثالثها المختار يسلم ولا يتشهد وهو قول ابن سيرين ووجه في مذهب أحمد والأحاديث الصحيحة تدل على ذلك
والتكبير لسجود ثابت في الصحيحين عن النبي ﷺ وهو قول عامة أهل العلم وإن نسي سجود السهو سجد ولو طال الفصل تكلم أو خرج من المسجد وهو رواية عن أحمد
باب صلاة التطوع
والتطوع يكمل به صلاة الفرض يوم القيامة إن لم يكن المصلي أتمها وفيه حديث مرفوع رواه أحمد في المسند وكذلك الزكاة وبقية الأعمال
واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله والعبادة في غيره تعدل الجهاد للأخبار الصحيحة المشهورة وقد رواها أحمد وغيره
والعمل بالقوس والرمح أفضل من الرباط في الثغر وفي غير نظيرها ومن طلب العلم أو فعل غيره مما هو آجر في نفسه لما فيه من المحبة له لا لله ولا لغيره من الشركاء فليس مذموما بل قد يثاب بأنواع من الثواب أما بزيادة فيها وفي أمثالها فتنعم بذلك وأما بغير ذلك
وتعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد وأنه من أنواع الجهاد من جهة أنه من فروض الكفايات
واشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه فذنبه من جنس ذنب اليهود
والمتأخرون من أصحابنا أطلقوا القول بأن أفضل ما تطوع به الجهاد وذذلك لمن أراد أن يفعله تطوعا باعتبار أنه ليس بفرض عين عليه بحيث أن الفرض قد سقط عنه وإذا باشره وقد سقط الفرض عنه فهل يقع فرضا أو نفلا على وجهين كالوجهين في صلاة الجنازة إذا أعادها بعد أن صلاها غيره وانبنى على الوجهين في صلاة الجنازة جواز فعلها بعد الفجر والعصر مرة ثانية والصحيح أن ذلك يقع فرضا وأنه يجوز فعلها بعد الفجر والعصر وإن كان ابتداء الدخول في ذلك تطوعا كما في التطوع الذي يلزم بالشروع فإنه كان نفلا ثم يصير إتمامه فرضا والطواف بالبيت أفضل من الصلاة فيه وهو قول العلماء والذكر بقلب أفضل من القرآن بلا قلب
وقال أبو العباس: في رده على الرافضي بعد أن ذكر تفضيل أحمد للجهاد والشافعي للصلاة وأبي حنيفة ومالك للعلم: والتحقيق أنه لا بد لكل من الآخرين وقد يكون كل واحد أفضل في حال كفعل النبي ﷺ وخلفائه بحسب المصلحة والحاجة ويوافق هذا قول إبراهيم بن جعفر لأحمد الرجل يبلغني عنه صلاح فأذهب فأصلي خلفه قال: قال لي أحمد: انظر إلى ما هو أصلح لقلبك فافعله
وقال الإمام أحمد: معرفة الحديث والفقه أعجب إلى من حفظه ويجب الوتر على من يتهجد بالليل وهو مذهب بعض من يوجبه مطلقا ويخير في الوتر بين فصله ووصله وفي دعائه بين فعله وتركه والوتر لا يقضي إذا فات لفوات المقصود منه بفوات وقته وهو إحدى الروايتين عن أحمد ولا يقنت في غير الوتر إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة فيقنت كل مصل في جميع الصلوات لكنه في الفجر والمغرب أكد بما يناسب تلك النازلة وإذا صلى قيام رمضان فإن قنت جميع الشهر أو نصفه الأخير أو لم يقنت بحال فقد أحسن والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: عشرين ركعة أو: كمذهب مالك ستا وثلاثين أو ثلاث عشرة أو إحدى عشرة فقد أحسن
كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره ومن صلاها قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة ويقرأ أول ليلة من رمضان في العشاء الآخرة سورة ( القلم ) لأنها أول ما نزل ونقله إبراهيم بن محمد الحارث عن الإمام أحمد وهو أحسن مما نقله غيره أنه يبتدئ بها التراويح
ومن السنن الراتبة قبل الظهر أربع وهو مذهب أي حنيفة رحمه الله تعالى وليس للعصر سنة راتبة وهو مذهب أحمد وما تبين فعله منفردا كقيام الليل وصلاة الضحى ونحو ذلك إن فعل جماعة في بعض الأحيان فلا بأس بذلك لكن لا يتخذ سنة راتبة
وتستحب المداومة على صلاة الضحى إن لم يقم في ليلة وهو مذهب بعض من يستحب المداومة عليها مطلقا
قلت: لكن أبو العباس له قاعدة معروفة وهي ما ليس من السنن الراتبة لا يداوم عليه حتى يلحق بالراتب كما نص الإمام أحمد على عدم سورة السجدة وهل أتى يوم الجمعة ولا يجوز التطوع مضطجعا لغير عذر وهو قول جمهور العلماء
وقراءة الإدارة حسنة عند أكثر العلماء ومن قراءة الإدارة قراءتهم مجتمعين بصوت واحد وللمالكية وجهان في كراهتها وكرهها مالك وأما قراءة واحد والباقون يتسمعون له فلا يكره بغير خلاف وهي مستحبة وهي التي كان الصحابة يفعلونها: كأبي موسى وغيره
وتعليم القرآن في المسجد لا بأس به إذا لم يكن فيه ضرر على المسجد وأهله بل يستحب تعليم القرآن في المساجد
وقول الإمام أحمد في الرجوع إلى قول التابعي عام في التفسير وغيره وقيام بعض الليالي كلها مما جاءت به السنة وصلاة الرغائب بدعة محدثة لم يصلها النبي ﷺ ولا أحد من السلف وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل وكان في السلف من يصلي فيها لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة وكذلك الصلاة الألفية
وتقول المرأة في سيد الاستغفار وما في معناه: وأنا أمتك بنت أمتك أو بنت عبدك ولو قالت: وأنا عبدك فله مخرج في العربية بتأويل شخص وتكفير الطهارة والصلاة وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصغائر فقط وكذا الحج لأن الصلاة ورمضان أعظم منه وكثرة الركوع والسجود وطول القيام سواء في الفضيلة وهو إحدى الروايات عن أحمد
ونص الإمام أحمد وأئمة الصحابة على كراهة صلاة التسبيح ولم يستحبها إمام واستحبها ابن المبارك عن صفة لم يرد بها الخبر فأما أبو حنيفة والشافعي ومالك: فلم يستحبوها بالكلية وقال الشيخ أبو محمد المقدسي: لا بأس بها فإن الفضائل لا يشترط لها صحة الخبر كذا قال أبو العباس: يعمل بالخبر الضعيف يعني أن النفس ترجو ذلك الثواب أو ذلك العقاب ومثله الترغيب والترهيب بالاسرائيليات والمنامات ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا الإستحباب ولا غيره لكن يجوز ذكره في الترغيب والترهيب فيما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع فإنه ينفع ولا يضر واعتقاد موجبه من قدر الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي وقال أيضا في التيمم بضربتين: يعمل بالخبر الوارد فيه ولو كان ضعيفا وكذا من يشرع في عمل قد علم أنه مشروع في الجملة فإذا رغب في بعض أنواعه بخبر ضعيف عمل به
أما إثبات سنة فلا وكل من عبد عبادة نهي عنها ولم يعلم بالنهي لكن هي من جنس المأمور به: مثل الصلاة وقت النهي وصوم العيد أثيب على ذلك
فصل
ولا نهي عند طلوع الشمس إلى زوالها يوم الجمعة وهو قول الشافعي وتقضي السنن الراتبة ويفعل ما له سبب في أوقات النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختيار جماعة من أصحابنا وغيرهم ويصلي صلاة الاستخارة وقت النهي في أمر يفوت بالتأخير إلى وقت الإباحة ويستحب أن يصلي ركعتين عقب الوضوء ولو كان وقت النهي وقاله الشافعية
باب صلاة الجماعة
في حديث أبي هريرة وأبي سعيد [ تفضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة ] وفي حديث ابن عمر: [ بسبع وعشرين درجة ] والثلاثة في الصحيح وقد جمع بينهما بأن حديث الخمس والعشرين ذكر فيه الفضل الذي بين صلاة المنفرد والصلاة في الجماعة والفضل خمس وعشرون وحديث السبع والعشرين ذكر فيه صلاته منفردا وصلاته في الجماعة فصار المجموع سبعا وعشرين ومن كانت عادته الصلاة في جماعة والصلاة قائما ثم ترك ذلك لمرض أو سفر فإنه يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم وكذلك من تطوع على الراحلة وقد كان يتطوع في الحضر فإنه يكتب له ما كان يعمل في الإقامة وأما من لم تكن عادته الصلاة في جماعة ولا الصلاة قائما إذا مرض أو سافر فصلى قاعدا أو وحده فهذا لا يكتب له مثل صلاة الصحيح المقيم
وقال أبو العباس في الصارم المسلول: خبر التفضيل في المعذور الذي تباح له الصلاة وحده لقوله ﷺ: [ صلاة الرجل قاعدا على النصف ومضطجعا على النصف ] فإن المراد به المعذور كما في الخبر أنه خرج على أصحابه وقد أصابهم وعك وهم يصلون قعودا فقال ذلك وذكر في موضع آخر أن [ من صلى قاعدا لغير عذر له أجر القائم ]
والجماعة شرط للصلاة المكتوبة هو إحدى الروايتين عن أحمد واختارها ابن أبي موسى وأبو الوفاء بن عقيل ولو لم يمكنه الذهاب إلا بمشيه في ملك غيره فعل فإذا صلى وحده لغير عذر لم تصح صلاته وفي الفتاوى المصرية: وإذا قلنا هي واجبة على الأعيان وهو المنصوص عن أحمد وغيره من أئمة السلف وفيها الحديث فهؤلاء تنازعوا فيما إذا صلى منفردا لغير عذر هل تصح صلاته؟ على قولين: أحدهما: لا تصح وهو قول طائفة من قدماء أصحاب أحمد ذكره القاضي في شرح المذهب عنهم والثاني: تصح مع إثمه بالترك وهو المأثور عن أحمد وقول أكثر أصحابه
وليس للإمام إعادة الصلاة مرتين ولو جعل الثانية فائتة أو غيرها والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة وفي الفتاوى المصرية: وإذا صلى الإمام بطائفة ثم صلى بطائفة أخرى تلك الصلاة بعينها لعذر جاز ذلك للعذر مثل: صلاة الخوف ونحوها ولا ينبغي له أن يفعل ذلك لغير عذر ولا يعيد الصلاة من بالمسجد وغيره بلا سبب وهو ظاهر كلام بعض أصحابنا وذكره بعض الحنفية وغيرهم
ومن نذر متى حفظ القرآن صلى مع كل صلاة فريضة أخرى وحفظه لا يلزمه الوفاء به فإنه منهى عنه ويكفر كفارة يمين ولا يدرك الجماعة إلا بركعة وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختارها جماعة من أصحابنا وهو مذهب مالك ووجه في مذهب الشافعي واختاره الروياني
وأصح الطريقين لأصحاب أحمد: أنه يصح ائتمام القاضي بالمؤدي وبالعكس لا يخرج عن ذلك ائتمام المفترض بالمنتفل ولو اختلفا أو كانت صلاة المأموم أقل وهو اختيار أبي البركات وغيره وحكى أبو العباس في صلاة الفريضة خلف صلاة الجنازة روايتين واختار الجواز
وقال أبو العباس: سئلت عن ما يفعله الرجل شاكا في وجوبه على طريق الاحتياط فهل يتم به المفترض؟ قال: قياس المذهب أنه يصح لأن الشاك يؤديها بنية الوجوب إذا احتاط ويجزئه عن الواجب حتى لو تبين له فيما بعد الوجوب أجزأه كما قلنا في ليلة الاغماء وإن لم نقل بوجوب الصوم وكما قلنا فيمن فاتته صلاة من خمس لا يعلم عينها وكما قلنا فيمن شك في انتقاض وضوئه فتوضأ وكذلك سائر صور الشك في وجوب طهارة أو صيام أو زكاة أو صلاة أو نسك أو كفارة أو غير ذلك بخلاف ما لو اعتقد عدم الوجوب وأداه بنية النفل وعكسه كما لو اعتقد الوجوب ثم تبين عدمه فإن هذه خرج فيها خلاف في الحقيقة نفل لكنها في اعتقاده واجبة والمشكوك فيها هي في قصده واجبة والاعتقاد متردد
والمأموم إذا لم يعلم بحدث الإمام حتى قضيت الصلاة أعاد الإمام وحده وهو مذهب أحمد وغيره
ويلزم الإمام مراعاة المأموم إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره وليس له أن يزيد على القدر المشروع وينبغي أن يفعل غالبا ما كان النبي ﷺ يفعله ويزيد وينقص للمصلحة كما كان النبي ﷺ يزي وينقص أحيانا والصلاة بالمسجد الحرام بمائة ألف وبمسجد المدينة بألف والصواب في الأقصى بخمسمائة
والجن ليسوا كالإنس في الحد والحقيقة لكنهم يشاركونهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع بين العلماء وكان أبو العباس إذا أتى بالمصروع وعظ من صرعه وأمره ونهاه فإن انتهى وأفاق المصروع أخذ عليه العهد أن لا يعود وإن لم يأتمر ولم ينته ولم يفارقه ضربه على أن يفارقه والضرب في الظاهر يقع على المصروع وإنما يقع في المصروع وإنما يقع في الحقيقة على من صرعه ولهذا لا يتألم من ضربه ويصحو
ولا يقدم في الإمامة بالنسب وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد ويجب تقديم من قدمه الله ورسوله ولو مع شرط الواقف بخلافه فلا يلتفت إلى شرط يخالف شرط الله ورسوله وإذا كان بين الإمام والمأموم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء أن المذاهب لم ينبغ أن يؤمهم بالصلاة جماعة لأنها لا تتم إلا بالائتلاف ولهذا قال ﷺ: [ لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ] وإذا كان هو لا يراه مثل: القنوت في الفجر ووصل الوتر وإذا ائتم من يرى القنوت بمن لا يراه تبعه في تركه
ولا تصح الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع والفسقة مع القدرة على الصلاة خلف غيرهم وتصح إمامة من عليه نجاسة يعجز عن إزالتها بمن ليس عليه نجاسة ولو ترك الإمام ركنا يعتقده المأموم ولا يعتقده الإمام صحت صلاته خلفه وهو إحدى الروايتين عن أحمد ومذهب ملك واختيار المقدسي
وقال أبو العباس في موضع آخر: لو فعل الإمام ما هو محرم عند المأموم دونه ما يسوغ فيه الاجتهاد صحت صلاته خلفه وهو المشهور عن أحمد وقال في موضع آخر: أن الروايات المنقولة عن أحمد لا توجب اختلافا وإنما ظواهرها أن كل موضع قطع فيه بخطأ المخالف تجب الاعادة وما لا يقطع فيه بخطأ المخالف لا تجب الإعادة وهو الذي تدل عليه السنة والاثار وقياس الأصول وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء ولم يتنازعوا في أنه لا ينبغي تولية الفاسق
ولا يجوز أن يقدم العامي على فعل لا يعلم جوازه ويفسق به إن كان مما يفسق به ذكره القاضي وتصح صلاة الجمعة ونحوها قدام الإمام لعذر وهو قول في مذهب أحمد من تأخر بلا عذر له فلما أذن جاء فصلى قدامه عزر وتصح صلاة الفذ لعذر وقاله الحنفية وإذا لم يجد إلا موقفا خلف الصف فالأفضل أن يقف وحده ولا يجذب من يصافه لما في الجذب من التصرف في المجذوب فإن كان المجذوب يطيعه قائما أفضل له وللمجذوب الاصطفاف مع بقاء فرجة أو وقوف المتأخر وحده وكذلك لو حضر اثنان وفي الصف فرجة فأيهما أفضل: وقوفهما جميعا أو سد أحدهما الفرجة وينفرد الآخر؟ رجح أبو العباس الاصطفاف مع بقاء الفرجة لأن سد الفرجة مستحب والاصطفاف واجب وإذا ركع دون الصف ثم دخل الصف بعد اعتدال الإمام كان ذلك سائغا ومن أخر الدخول في الصلاة مع إمكانه حتى قضى القيام أو كان القيام متسعا لقراءة الفاتحة ولم يقرأها فهذا تجوز صلاته عند جماهير العلماء وأما الشافعي فعليه عنده أن يقرأ وإن تخلف عن الركوع وإنما تسقط قراءتها عنده عن المسبوق خاصة فهذا الرجل كان حقه أن يركع مع الإمام ولا يتم القراءة لأنه مسبوق والمرأة إذا كان معها امرأة أخرى تصاففها كان من حقها أن تقف معها وكان حكمها إن لم تقف معها حكم الرجل المنفرد عن صف الرجال وهو أحد القولين في مذهب أحمد وحيث صحت الصلاة عن يسار الإمام كرهت إلا لعذر
والمأموم إذا كان بينه وبين الإمام ما يمنع الرؤية والاستطراق صحت صلاته إذا كانت لعذر وهو قول مذهب أحمد بل نص أحمد وغيره
وينشأ مسجد إلى جنب آخر إذا كان محتاجا إليه ولم يقصد الضرر فإن قصد الضرر أو لا حاجة فلا ينشأ وهو إحدى الروايتين عن أحمد نقلها عنه محمد ابن موسى ويجب هدمه وقاله أبو العباس فيما بنى بجوار جامع بني أمية
ولا ينبغي أن يترك حضور المسجد إلا لعذر كما دلت عليه السنن والآثار ونهى عن اتخاذه بيتا مقيلا قاله أحمد في رواية حارث وقد سئل عن النساء يخرجن في العيد في زماننا قال: لا يعجبني هذا انتهى
وبهذا يعلم سائر الصلوات والله سبحانه وتعالى أعلم
باب صلاة أهل الاعذار
متى عجز المريض عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة ولا يلزمه الإيماء بطرفه وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد ويكره إتمام الصلاة في السفر قال أحمد: لا يعجبني ونقل عن أحمد إذا صلى أربعا أنه توقف في الإجزاء وتوقفه عن القول بالإجزاء يقتضي أنه يخرج على قولين في مذهبه ولم يثبت أن أحد من الصحابة كان يتم على عهد النبي ﷺ في السفر وحديث عائشة في مخالفة ذلك لا تقوم به الحجة ويجوز قصر الصلاة في كل ما يسمى سفرا سواء قل أو كثر ولا يتقدر عده وهو مذهب الظاهرية ونصره صاحب المغني فيه وسواء كان مباحا أو محرما ونصره ابن عقيل في موضع وقاله بعض المتأخرين من أصحاب أحمد والشافعي وسواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو لا وروى هذا عن جماعة من الصحابة
وقرر أبو العباس قاعدة نافعة وهي: أن ما أطلقه الشارع بعمل يطلق مسماه ووجوده ولم يجز تقديره وتحديده بمدة فلهذا كان الماء قسمين طاهرا طهورا أو نجسا ولا حد لأقل الحيض وأكثره ما لم تضر مستحاضة ولا لأقل سنة وأكثره ولا لأقل السفر أما خروجه إلى بعض علم أرضه وخروجه ﷺ إلى قباء فلا يسمى سفرا ولو كان بريدا ولهذا لا يتزود ولا يتأهب له أهبة السفر هذا مع قصره المدة فالمسافة القريبة في المدة الطويلة سفر لا البعيدة في المدة القليلة ولا حد للدرهم والدينار فلو كان أربعة دوانق أو ثمانية خالصا أو مغشوشا قل غشه أو كثر لا درهما أسود عمل به في الزكاة والسرقة وغيرهما ولا تأجيل في الدية وأنه نص أحمد فيها لأن النبي ﷺ لم يؤجلها وإن رأى الإمام تأجيلها فعل لأن عمر أجلها فأيهما رأى الإمام فعل وإلا فإيجاب أحد الأمرين لا يسوغ
والخلع فسخ مطلقا والكفارة في كل أيمان المسلمين وفروع هذه القاعدة مذكورة في هذا المختصر في مظانها
ويوتر المسافر ويركع سنة الفجر ويسن تركه غيرهما والأفضل له التطوع في غير السنن الراتبة ونقله بعضهم إجماعا
والجمع بين الصلاتين في السفر يختص بمحل الحاجة لأنه من رخص السفر من تقديم وتأخير وهو ظاهر مذهب أحمد المنصوص عليه
ويجمع لتحصيل الجماعة وللصلاة في الحمام مع جوازها فيه خوف فوات الوقت ولخوف يحرج في تركه وفي الصحيحين: من حديث ابن عباس أنه سئل لما فعل ذلك قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره وأوسع المذاهب في الجمع مذهب أحمد فإنه جوز الجمع إذا كان له شغل كما روى النسائي ذلك مرفوعا إلى النبي ﷺ وأول القاضي وغيره نص أحمد على أن المرأة بالشغل الذي يبيح ترك الجمعة والجماعة
ولا موالاة في الجمع في وقت الأولى وهو مأخوذ من نص الإمام أحمد في جمع المضطر إذا صلى إحدى الصلاتين في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس ومن نصه في رواية أبي طالب والمروزي: للمسافر أن يصلي العشاء قبل أن يغيب الشفق وعلله أحمد بأنه يجوز له الجمع ويجمع ويقصر يمزدلفة وعرفة مطلقا وهو مذهب مالك وغيره من السلف وقول طائفة من أصحاب الشافعي واختاره أبو الخطاب في عباداته
ويجوز الجمع للمرضع إذا كان يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة ونص عليه ويجوز الجمع أيضا للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله وقال غيره بترك الجمع ولا يشترط للقصر والجمع نية واختاره أبو بكر عبد العزيز بن جعفر وغيره وتصح صلاة الفرض على الراحلة خشية الإنقطاع عن الرفقة أو حصول ضرر بالمشي أو تبرز للخفر ويصلي صلاة الخوف في الطريق إذا فات الوقوف بعرفة وهو أحد الوجوه الثلاثة في مذهب أحمد
باب اللباس
ولبس الحرير حيث يكون سدى بحيث يكون القطن والكتان إلى قيمة منه وفي تحريمه إضرار بهم لأنه أرخص عليهم يخرج على وجهين لتعارض لفظ النص ومعناه كالروايتين في إخراج غير الأصناف الخمسة إذا لم يكن قوتا لذلك البلد ولو كان الظهور للحرير وهو أقل من غيره ففيه ثلاثة أوجه التحريم: والكراهة والإباحة وحديث السيراء والقسي يستدل به على تحريم ما ظهر فيه خيوط حرير أو سيور لا بد أن ينسج مع غيرها من الكتان الحرير لأن ما فيه أو القطن فالنبي ﷺ حرمها لظهور الحرير فيها ولم يسأل هل وزن ذلك الموضع من القطن والكتان أكثر أم لا مع أن العادة أنه أقل فإن استويا فالأشبه بكلام أحمد التحريم والثياب القسية: ثياب مخطوطة بحرير
قال البخاري في صحيحه: قال عاصم: عن أبي بردة قلنا لعلي: ما القسية؟ قال: ثياب أتتنا من الشام أو من مصر مضلعة فيها حرير كأمثال الأترج
وقال أبو عبيد: هي ثياب يؤتى بها من مصر فيها حرير
فقد اتفقوا كلهم على أنها ثياب فيها حرير وليست حريرا مصمتا وهذا هو الملحم والخز أخف من وجهين:
أحدهما: أن سداه من حرير والسدي أيسر من اللحمة وهو الذي بين ابن عباس جوازه بقوله: فأما العلم والحرير والسدي لثوب فلا بأس به
والثاني: أن الخز ثخين والحرير مستور بالوبر فيه فيصير بمنزلة الحشو والخز اسم لثلاثة أشياء: للوبر الذي ينسج مع الحرير وهو وبر الأرنب واسم لمجموع الحرير والوبر واسم لرديء الحرير
فالأول والثاني: حلال والثالث: حرام وجعل بعض أصحابنا المتأخرين الملحم والقسي والخز على الوجهين وجعل التحريم قول أبي بكر لأنه حرم الملحم والقسي والإباحة قول ابن البناء لأنه أباح الخز وهذا لا يصلح لأن أبا بكر قال: ويلبس الخز ولا يلبس الملحم ولا الديباج وأما المنصوص عن أحمد وقدماء الأصحاب فإباحة الخز دون الملحم وغيره فمن زعم أن في الخز خلافا فقد غلط
وأما لبس الرجال الحرير: كالكلوبة والقبا: فحرام على الرجال بالاتفاق على الأجناد وغيرهم لكن تنازع العلماء في لبسه عند القتال لغير ضرورة على قولين: أظهرهما الإباحة وأما إن احتاج إلى الحرير في السلاح ولم يقم غيره مقامه فهذا يجوز بلا نزاع وأما إلباسه الصبيان الذي دون البلوغ ففيه روايتان أظهرهما: التحريم
ولبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه فإذا جاءت السنة بإباحة خاتم الفضة كان ذلك دليلا على إباحة ذلك وما هو في معناه وما هو أولى منه بالإباحة وما لم يكن كذلك يحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه وتباح المنطقة الفضة في أظهر قولي العلماء وكذلك التركاشي وغشاء القوس والنشاب والجوشن والقرقل والخودة وكذلك حلية المهماز الذي يحتاج إليه لركوب الخيل والكلاليب التي يحتاج إليها أولى بالإباحة من الخاتم فإن الخاتم يتخذ للزينة وهذه للحاجة وهي متصلة بالسير ليست مفردة: كالخاتم ولا حد للمباح من ذلك وذلك أن النبي ﷺ لم يحرم لباس الفضة على الرجال وعلى النساء وإنما حرم على الرجال لبس الذهب والحرير وحرم آنية الذهب والفضة والرخصة في اللباس أوسع من الآنية لأن حاجتهم إلى اللباس أشد وتنازع العلماء في يسير الذهب في اللباس والسلاح على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: لا تباح والثاني: تباح في السيف خاصة والثالث: تباح في السلاح وكان عثمان بن حنيف في سيفه مسمار من ذهب والرابع: وهو الأظهر أنه يباح يسير الذهب في اللباس والسلاح فيباح طراز الذهب إذا كان أربعة أصابع فما دونها وخز القبان وحيلة القوس كالسرج والبردين ونحو ذلك وحديث: [ لا يباح من الذهب ولو خز بصيصة ] وخز بصيصة: عين الجرادة محمول على الذهب المفرد: كالخاتم ونحوه والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده
وجعل القاضي وابن عقيل تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال من قسم المكروه والصحيح: أنه محرم وحكى بعض أصحابنا التحريم رواية وما كان من لبس الرجال مثل: العمامة والخف والقبا الذي للرجال والثياب التي تبدي مقاطع خلقها والثوب الرقيق الذي لا يستر البشرة وغير ذلك فإن المرأة تنهى عنه وعلى وليها كأبيها وزوجها أن ينهاها عن ذلك
وهذه العمائم التي تلبسها النساء على رؤوسهن حرام بلا ريب قال أبو العباس: وقد سئل عن لبس القبا والنظري ليس له التشبيه في لباسه بلباس أعداء المسلمين
واللباس والزي الذي يتخذه بعض النساك من الفقراء والصوفية والفقهاء وغيرهم بحيث يصير شعارا فارقا كما أمر أهل الذمة بالتمييز عن المسلمين في شعورهم وملابسهم فيه مسألتان: المسألة الأولى: هل يشرع ذلك استحبابا لتميز الفقير والفقيه من غيره فإن طائفة من المتأخرين استحبوا ذلك وأكثر الأئمة لا يستحبون ذلك بل قد كانوا يكرهونه لما فيه من التمييز عن الأمة وبثوب الشهرة
أقول هذا فيه تفصيل في كراهته وإباحته واستحبابه فإن يجمع من وجه ويفرق من وجه
المسألة الثانية: إن لبس المرقعات والمصبغات والصوف من العباءة وغير ذلك: فالناس فيه على ثلاثة طرق: منهم من يكره ذلك مطلقا: إما لكونه بدعة وإما لما فيه من إظهار الدين ومنهم من استحبه بحيث يلزمه ويمتنع من تركه وهو حال كثير ممن ينسب إلى الخرقة واللبسة وكلا القولين والفعلين خطأ والصواب: أنه جائز: كلبس غير ذلك وأنه يستحب أن يرقع الرجل ثوبه للحاجة كما رقع عمر بن الخطاب ثوبه وعائشة وغيرهما من السلف وكما لبس قوم الصوف للحاجة ويلبس أيضا للتواضع والمسكنة مع القدرة على غيره كما جاء في الحديث: [ من ترك جيد اللباس وهو يقدر كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة ] فأما تقطيع الثوب الصحيح وترقيعه فهذا فساد وشهرة وكذلك تعمد صبغ الثوب لغير فائدة أو حك الثوب ليظهر التحتاني أو المغالاة في الصوف الرفيع ونحو ذلك مما فيه إفساد المال ونقص قيمته أو فيه إظهار التشبه بلباس أهل التواضع والمسكنة مع ارتفاع قيمته وسعره فإن هذا من النفاق والتلبيس فهذان النوعان فيهما إرادة العلو في الأرض أو الفساد والدار الآخرة للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا مع ما في ذلك من النفاق وأيضا فالتقييد بهذه اللبسة بحيث يكره اللابس غيرها أو يكره أصحابه أن لا يلبسوا غيرها هو أيضا منهى عنه وليس للإنسان أن يطول القميص والسراويل وسائر اللباس أسفل من الكعبين
باب صلاة الجمعة
وتجب الجمعة على من أقام في غير بناء كالخيام وبيوت الشعر ونحوها وهو أخذ في قول الشافعي وحكى الأزجي رواية عن أحمد ليس على أهل البادية جمعة لأنهم ينتقلون فأسقطها عنهم وعلل بأنهم غير مستوطنين
وقال أبو العباس في موضع آخر: يشترط مع إقامتهم في الخيام ونحوها أن يكونوا يزرعون كما يزرع أهل القرية ويحتمل أن تلزم الجمعة مسافرا له القصر تبعا للمقيمين وتنعقد الجمعة بثلاثة: واحد يخطب واثنان يستمعان وهو إحدى الرواياتعن أحمد وقول طائفة من العلماء وقد يقال بوجوبها على الأربعين لأنه لم يثبت وجوبها على من دونهم وتصح ممن دونهم لأنه انتقال إلى أعلى الفرضين: كالمريض بخلاف المسافر فإن فرضه ركعتان ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود ويجب في الخطبة أن يشهد أن محمدا عبده ورسوله وأوجب أبو العباس في موضع آخر الشهادتين وتردد في وجوب الصلاة على النبي ﷺ في الخطبة
وقال في موضع آخر: ويحتمل وهو الأشبه أن تجب الصلاة عليه ﷺ فيها ولا تجب مفردة لقول عمر وعلي: الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك ﷺ وتقدم الصلاة عليه ﷺ على الدعاء لوجوب تقديمه على النفس وأما الأمر بتقوى الله فالواجب أما معنى ذلك وهو الأشبه من أن يقال الواجب لفظ التقوى ومن أوجب لفظ التقوى فقد يحتج بأنها جاءت بهذا اللفظ في قوله تعالى: { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } وليست كلمة أجمع لما أمر الله من كلمة التقوى قال الإمام أحمد في قوله تعالى: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون }: أجمع الناس أنها نزلت في الصلاة
وقد قيل في الخطبة: والصحيح أنها نزلت في ذلك كله وظاهر كلام أبي العباس أنها تدل على وجوب الاستماع وصرح بأنها تدل على وجوب القراءة في الخطبة لأن كلمة إذا إنما تقولها العرب فيما لا بد من وقوعه لا فيما يحتمل الوقوع وعدمه لأن إذا ظرف لما يستقبل من الزمان يتضمن معنى الشرط غالبا والظرف للفعل لابد أن يشتمل على الفعل وإلا لم يكن ظرفا والسنة في الصلاة على النبي ﷺ أن يصلي عليه سرا كالدعاء أما رفع الصوت بها فدام بعض الخطباء فمكروه أو محرم اتفاقا لكن منهم من يقول: يصلي عليه سرا ومنهم من يقول: يسكت ودعاء الإمام بعد صعوده لا أصل له ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة وهو أصح الوجهين لأصحابنا لأن النبي ﷺ إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استشفى على المنبر
ويقرأ في أولى فجر الجمعة آلم السجدة وفي الثانية { هل أتى على الإنسان } ويكره مداومته عليهما وهو منصوص أحمد وغيره ويكره تحري سجدة غيرها والسنة إكمال السجدة و{ هل أتى }
وصلاة الركعتين قبل الجمعة حسنة مشروعة ولا يداوم عليها إلا لمصلحة ويحرم تخطي رقاب الناس
وقال أبو العباس في موضع آخر: ليس لأحد أن يتخطى الناس ليدخل في الصف إذا لم يكن بين يديه فرجة لا يوم الجمعة ولا غيره لأن هذا من الظلم والتعدي لحدود الله تعالى وإذا فرش مصلى ولم يجلس عليه ليس له ذلك ولغيره رفعه في أظهر قولي العلماء وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزي بالعيد وصلى ظهرا جاز إلا للإمام وهو مذهب أحمد
وأما القصاص الذين يقومون على رؤوس الناس ثم يسألون فهؤلاء منعهم من أهم الأمور فإنهم يكذبون ويتخطون الناس ويشغلون الناس ويشغلون عما يشرع في الصلاة والقراءة والدعاء لا سيما أن قصوا أو سألوا والإمام يخطب فإن هذا من المنكرات الشنيعة التي ينبغي إزالتها باتفاق الأئمة ينبغي لولاة الأمور أن يمنعوا من هذه المنكرات كلها فإنهم متصدون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
باب صلاة العيدين
وهي فرض عملي وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد وقد يقال بوجوبها على النساء ومن شرطها الاستيطان وعدد الجمعة ويفعلها المسافر والعبد والمرأة تبعا ولا يستحب قضاؤها لمن فاتته منهم وهو قول أبي حنيفة ويستفتح خطبتها بالحمد لله لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ أنه افتتح خطبة بغيرها
والتكبير في عيد الأضحى مشروع باتفاق وكذا مشروع في عيد الفطر عند مالك والشافعي وأحمد وذكر الطحاوي ذلك مذهبا لأبي حنيفة وأصحابه والمشهور عنهم خلافه والتكبير فيه هو المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم والتكبير فيه آكد من جهة أمر الله به والتكبير أوله من رؤية الهلال وآخره انقضاء العيد وهو فراغ الإمام من الخطبة على الصحيح والتكبير في عيد النحر آكد من جهة أنه يشرع أدبار الصلاة وأنه متفق عليه وعيد النحر أفضل من عيد الفطر ومن سائر الأيام
والاستغفار المأثور عقيب الصلوات وقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام هل يقدم على التكبير والتلبية أم يقدمان عليه كما يقدم عليه سجود السهو؟ وبيض لذلك أبو العباس والذي يدل عليه كلام أحمد في أكثر المواضع وهو الذي تدل عليه السنة وآثار السلف أن الاجتماع على الصلاة أو القراءة وسماعها أو ذكر الله تعالى أو دعائه أو تعليم العلم أو غير ذلك نوعان: نوع شرع اجتماع له على وجه المداومة وهو قسمان: قسم يدور بدوران الأوقات: كالجمعة والعيدين والحج والصلوات الخمس أو يتكرر بتكرر الأسباب: كصلاة الاستسقاء والكسوف والآيات والقنوت في النوازل
والمؤقت فرضه ونفله إما أن يعود بعود اليوم وهو الذي يسمى عمل يوم وليلة: كالصلوات الخمس وسننها: الرواتب والوتر والأذكار والأدعية المشروعة طرفي النهار وزلفا من الليل وإما أن يعود بعود الأسبوع: كالجمعة وصوم الاثنين والخميس وإما أن يعود بعود الشهر: كصيام أيام البيض أو ثلاثة أيام من كل شهر والذكر المأثور عند رؤية الهلال وإما أن يعود بعود الحلول: كصيام شهر رمضان والعيدين والحج
والمتسبب ماله سبب وليس له وقت محدود: كصلاة الاستسقاء والكسوف وقنوت النوازل
وما لم يشرع فيه الجماعة: كصلاة الاستخارة وصلاة التوبة وصلاة الوضوء وتحية المسجد ونحو ذلك مما لم يذكر نوعه في باب صلاة التطوع والأوقات المنهى عن الصلاة فيها
والنوع الثاني: ما لم يسن له الاجتماع المعتاد الدائم: كالتعريف في الأمصار والدعاء المجتمع عليه عقب الفجر والعصر والصلاة والتطوع المطلق في جماعة والاجتماع لسماع القرآن وتلاوته أو سماع العلم والحديث ونحو ذلك فهذه الأمور لا يكره الاجتماع لها مطلقا ولم يسن نطلقا بل المداومة عليها بدعة فيستحب أحيانا ويباح أحيانا وتكره المداومة عليها وهذا هو الذي نص عليه أحمد في الاجتماع على الدعاء والقراءة والذكر ونحو ذلك والتفريق بين السنة والبدعة في المداومة أمر عظيم ينبغي التفظن له
باب صلاة الكسوف
ويجهر بالقراءة في صلاة الكسوف ولو نهارا وهو مذهب أحمد وغيره وتصلى صلاة الكسوف لكل آية كالزلزلة وغيرها وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد وقول محققي أصحابنا وغيرهم ولا كسوف إلا في ثامن وعشرين أو تاسع وعشرين ولا خسوف إلا في إبدار القمر والتوسل بالنبي ﷺ كمسألة اليمين به والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته والصلاة والسلام عليه ﷺ وبدعائه وشفاعته مما هو فعله أو أفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع إجماعا وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله: [ اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ] وقصد القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة بدعة لا قربة باتفاق الأئمة وقول القائل أنا في بركة فلان وتحت نظره إن أراد بذلك أن نظره وبركته مستقلة بتحصيل المصالح ودفع المضار فكذب وإن أراد أن فلانا دعا لي فانتفعت بدعائه أو أنه علمني وأدبني فأنا في بركة ما انتفعت به من تعليمه وتأديبه فصحيح وإن أراد بذلك أنه بعد موته يجلب المنافع ويدفع المضار أو مجرد صلاحه ودينه وقربه من الله ينفعني من غير أن يطيع الله فكذب