باب العدد
595 - / 58 - مسألة: في رجل تزوج امرأة ولها عنده أربع سنين لم تحض وذكرت أن لها أربع سنين قبل زواجها لم تحض فحصل من زوجها الطلاق الثلاث: فكيف يكون تزويجها بالزوج الآخر؟ وكيف تكون العدة وعمرها خمسون سنة؟
الجواب: الحمد لله هذه تعتد عادة الآيسات ثلاثة أشهر في أظهر قولي العلماء فإنها قد عرفت أن حيضها قد انقطع وقد عرفت أنه قد انقطع انقطاعا مستمرا بخلاف المستريبة التي لا تدري ما رفع حيضها: هل هو ارتفاع أياس؟ أو ارتفاع لعارض ثم يعود: كالمرض والرضاع؟ فهذه ثلاثة أنواع
فما ارتفع لعارض: كالمرض والرضاع فإنها تنتظر زوال العارض بلا ريب ومتى ارتفع لا تدري ما رفعه فمذهب مالك وأحمد في النصوص عنه وقول للشافعي: أنها تعتد عدة الآيسات بعد أن تمكث مدة الحمل كما قضى بذلك عمر ومذهب أبي حنيفة والشافعي في الجديد أنها تمكث حتى تطعن في سن الإياس فتعتد عدة الآيسات وفي هذا ضرر عظيم عليها فإنها تمكث عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة لا تتزوج ومثل هذا الحرج مرفوع عن الأمة وإنما { واللائي يئسن من المحيض } فإنهن يعتددن ثلاثة أشهر بنص القرآن وإجماع الأمة
لكن العلماء مختلفون: هل للإياس سن لا يكون الدم بعده إلا دم إياس؟ وهل ذلك السن خمسون أو ستون؟ أو فيه تفصيل؟ ومتنازعون: هل يعلم الإياس بدون السن؟
وهذه المرأة قد طعنت في سن الإياس على أحد القولين وهو الخمسون ولها مدة طويلة لم تحض وقد ذكرت أنها شربت ما يقطع الدم والدم يأتي بدواء: فهذه لا ترجو عود الدم إليها فهي من الآيسات تعتد عدة الآيسات والله أعلم
59 - 596 - مسألة: في امرأة فسخ الحاكم نكاحها عقب الولادة لما ثبت عنده من تضررها بانقطاع نفقة زوجها وعدم تصرفه الشرعي عليها المدة التي يسوغ فيها فسخ النكاح لمثلها وبعد ثلاثة شهور من فسخ النكاح رغب فيها من يتزوجها: فهل يجوز أن تعتد بالشهور إذ أكثر النساء لا يحضن مع الرضاعة أو يستمر بها الضرر إلى حيث ينقضي الرضاع ويعود إليها حيضها أم لا؟ الجواب: الحمد لله بل تبقى في العدة حتى تحيض ثلاث حيض وإن تأخر ذلك إلى انقضاء مدة الرضاع وهذا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم وبذلك قضى عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب بين المهاجرين والأنصار ولم يخالفهما أحد فإن أحبت المرأة أن تسترضع لابنها من يرضعه لتحيض أو تشرب ما تحيض به فلها ذلك والله أعلم
597 - 60 - مسألة: في امرأة فارقت زوجها وخطبها رجل في عدتها وهو ينفق عليها فهل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: الحمد لله لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ولو كانت في عدة وفاة باتفاق المسلمين فكيف إذا كانت في عدة الطلاق ومن فعل ذلك يستحق العقوبة التي تردعه وأمثاله عن ذلك فيعاقب الخاطب والمخطوبة جميعا ويزجر عن التزويج بها معاقبة له بنقيض قصده والله أعلم
598 - 61 - مسألة: في رجل طلق امرأته وهي مرضعة لولده فلبثت مطلقة ثمانية أشهر ثم تزوجت برجل آخر فلبثت معه دون شهر ثم طلقها فلبثت مطلقة ثلاثة أشهر ولم تحض لا في الثمانية الأولى ولا في مدة عصمتها مع الرجل الثاني ولا في الثلاثة أشهر الأخيرة ثم تزوج بها المطلق الأول أبو الولد فهل يصح هذان العقدان أو أحدهما؟
الجواب: الحمد لله لا يصح العقد الأول ولا الثاني بل عليها أن تكمل عدة الأول ثم تقضي عدة الثاني ثم بعد انقضاء العدتين تتزوج من شاءت منهما والله أعلم
62 - 599 - مسألة: في رجل تزوج امرأة وأقامت في صحبته خمسة عشر يوما ثم طلقها الطلاق البائن وتزوجت بعده بزوج آخر بعد إخبارها بانقضاء العدة من الأول ثم طلقها الزوج الثاني بعد مدة ست سنين وجاءت بابنة وادعت أنها من الزوج الأول فهل يصح دعواها ويلزم الزوج الأول ولم يثبت أنها ولدت البنت وهذا الزوج والمرأة مقيمان ببلد واحد وليس لها مانع من دعوى النساء ولا طالبته بنفقة ولا فرض؟
الجواب: الحمد لله لا يلحق هذا الولد الذي هو البنت بمجرد دعواها والحال هذه باتفاق الأئمة بل لو ادعت أنها ولدته في حال يلحق به نسبه إذا ولدته وكانت مطلقة وأنكر هو أن تكون ولدته لم تقبل في دعوى الولادة بلا نزاع حتى تقيم بذلك بينة ويكفي امرأة واحدة عند أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وعند مالك وأحمد في الرواية الأخرى لا بد من امرأتين وأما الشافعي فيحتاج عنده إلى أربع نسوة ويكفي يمينه أنه لا يعلم أنها ولدته وأما إن كانت الزوجية قائمة ففيها قولان في مذهب أحمد أحدهما لا يقبل قولها كمذهب الشافعي والثاني يقبل كمذهب مالك
وأما إذا انقضت عدتها ومضى لها أكثر الحمل ثم ادعت وجود حمل من الزوج المطلق فهذه لا يقبل قولها بلا نزاع بل لو اخبرت بإنقضاء عدتها ثم أتت بولد لستة أشهر فصاعدا ولدون مدة الحمل فهل يلحقه على قولين مشهورين لأهل العلم ومذهب أبي حنيفة وأحمد أنه لا يلحقه وهذا النزاع إذا لم تتزوج فأما إذا تزوجت بعد اخبارها بانقضاء عدتها ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر فإن هذا لا يلحق نسبه بالأول قولا واحدا فإذا عرفت مذهب الأئمة في هذين الأصلين فكيف يلحقه نسبه بدعواها بعد ست سنين ولو قالت ولدته ذلك الزمن قبل أن يطلقني لم يقبل قولها أيضا بل القول قوله مع يمينه أنها لم تلدها على فراشه ولو قالت هي وضعت هذا الحمل قبل أن أتزوج بالثاني وأنكر الزوج الأول ذلك فالقول قوله أيضا أنها لم تضعها قبل تزوجها بالثاني لا سيما مع تأخر دعواها إلى أن تزوجت الثاني فإن هذا مما يدل على كذبها في دعواها لا سيما على أصل مالك في تأخر الدعوى الممكنة بغير عذر في مسائل الحور ونحوها
63 - 600 - مسألة: في رجل ادعت عليه مطلقته بعد ست سنين ببنت وبعد أن تزوجت بزوج آخر فألزمه بعض الحكام باليمين فقال الرجل: احلف أن هذه ما هي بنتي؟ فقال الحاكم: ما تحلف إلا أنها ما هي بنتها فامتنع أن يحلف إلا أنها ما هي بنتي وكان معه إنسان فقال للحاكم: هذا ما يحل له أن يحلف أنها ما هي بنت هذه المرأة فضربه الحاكم بالدرة وأحرق به فخاف الرجل فكتب عليه فرض البنت فهل يصح هذا الفرض؟
الجواب: الحمد لله عليه اليمين أنها لم تلدها في العدة أو أنها لم تلدها على فراشه أو أنها لم تلدها في بيته بحيث أمكن لحوق النسب به فأما إذا تزوجت بغيره وأمكن أنها ولدتها من الثاني فليس عليه اليمين أنها لم تلدها وإذا حلفت أنها لم تلدها قبل نكاح الثاني آخرا وإذا أكره على الاقرار لم يصح إقراره
601 - 64 - مسألة: في امرأة بانت فتزوجت بعد شهر ونصف بحيضة واحدة؟
الجواب: تفارق هذا الثاني وتتم عدة الأول بحيضتين ثم بعد ذلك تعتد من وطء الثاني بثلاث حيضات ثم بعد ذلك يتزوجها بعقد جديد
65 - 602 - مسألة: في امرأة معتدة عدة وفاة ولم تعقد في بيتها بل تخرج في ضرورتها الشرعية فهل يجب عليها إعادة العدة؟ وهل تأثم بذلك؟
الجواب: العدة انقضت بمعنى أربعة أشهر وعشر من حين الموت ولا تقضي العدة فإن كانت خرجت لأمر يحتاج إليه ولم تبت إلا في منزلها فلا شيء عليها وإن كانت قد خرجت لغير حاجة وباتت في غير منزلها لغير حاجة أو باتت في غير ضرورة أو تركت الاحداد فلتستغفر الله وتتوب إليه من ذلك ولا إعادة عليها
66 - 603 - مسألة: في امرأة شابت لم تبلغ سن الاياس وكانت عادتها أن تحيض فشربت دواء فانقطع عنها الدم واستمر انقطاعه ثم طلقها زوجها وهي على هذه الحالة: فهل تكون عدتها من حين الطلاق بالشهور أو تتربص حتى تبلغ سن الآيسات؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين إن كانت تعلم أن الدم يأتي فيما بعد فعدتها ثلاثة أشهر وإن كان يمكن أن يعود الدم ويمكن أن لا يعود فإنها تتربص بعد سنة ثم تتزوج كما قضى به عمر بن الخطاب في المرأة يرتفع حيضها لا تدري ما رفعه فإنها تتربص سنة وهذا مذهب الجمهور: كمالك والشافعي ومن قال: إنها تدخل في سن الآيسات: فهذا قول ضعيف جدا مع ما فيه من الضرر الذي لا تأتي الشريعة بمثله أو تمنع من النكاح وقت حاجتها إليه ويؤذن لها فيه حين لا تحتاج إليه
67 - 604 - مسألة: في رجل أقر عند عدول أنه طلق امرأته من مدة تزيد على العدة الشرعية فهل يجوز لهم تزويجها له الآن؟
الجواب: أما إن كان المقر فاسقا أو مجهولا لم يقبل قوله في إسقاط العدة التي فيها حق الله وليس هذا إقرارا محضا على نفسه حتى يقبل من الفاسق بل فيه حق لله إذ في العدة حق لله وحق للزوج
وأما إذا كان عدلا غير متهم مثلا أن يكون غائبا فلما حضر أخبرها أنه طلق من مدة كذا وكذا فهل تعتد من حين بلغها الخبر إذا لم تقم بذلك بينة أو من حين الطلاق كما لو قامت به بينة؟ فيه خلاف مشهور عن أحمد وغيره والمشهور عنه هو الثاني والله أعلم
68 - 605 - مسألة: في رجل كان له زوجة وطلقها ثلاثا وله منها بنت ترضع وقد ألزموه بنفقة العدة فكم تكون مدة العدة التي لا تحيض فيها لأجل الرضاعة؟
الجواب: الحمد لله أما جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد فعندهم لا نفقة للمعتدة البائن المطلقة ثلاثا
وأما أبو حنيفة فيوجب لها النفقة ما دامت في العدة وإذا كانت ممن تحيض فلا تزال في العدة حتى تحيض ثلاث حيض والمرضع يتأخر حيضها في الغالب
وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء كما قال تعالى: { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ولا تجب النفقة إلا على الموسر فأما المعسر فلا نفقة عليه
69 - 606 - مسألة: في رجل عقد العقد على أنها تكون بالغا ولم يدخل بها ولم يصبها ثم طلقها ثلاثا ثم عقد عليها شخص آخر ولم يدخل بها ولم يصبها ثم طلقها ثلاثا فهل يجوز للذي طلقها أولا أن يتزوج بها؟
الجواب: إذا طلقها قبل الدخول فهو كما لو طلقها بعد الدخول عند الأئمة الأربعة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويدخل بها فإذا طلقها قبل الدخول لم تحل للأول
607 - 70 - مسألة: في رجل طلق زوجته ثلاثا ولهما ولدان وهي مقيمة عند الزوج في بيته مدة سنتين ويبصرها وتبصره فهل يحل لها الأكل الذي تأكل من عنده أم لا وهل له عليها حكم؟
الجواب: المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية وليس له عليها حكم أصلا ولا يجوز له أن يواطئها على أن تزوج غيره ثم تطلقه وترجع إليه ولا يجوز أن يعطيها ما تنفقه في ذلك فإنها لو تزوجت رجلا غيره بالنكاح المعروف الذي جرت به عادة المسلمين ثم مات زوجها أو طلقها ثلاثا لم يجز لهذا الأول أن يخطبها في العدة صريحا باتفاق المسلمين كما قال تعالى: { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا }
ونهاه أن يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله أي حتى تقضي العدة فإذا كان قد نهاه عن هذه المواعدة والعزم في العدة فكيف إذا كانت في عصمة زوجها فكيف إذا كان الرجل لم يتزوجها بعد تواعد على أن تتزوجه ثم تطلقه ويتزوج بها المواعد فهذا حرام باتفاق المسلمين سواء قيل أنه يصح نكاح المحلل أو قيل لا فلم يتنازعوا في أن التصريح بخطبة معتدة من غيره أو متزوجة بغيره أو بخطبة مطلقة ثلاثا أنه لا يجوز ومن فعل ذلك يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة باتفاق الأئمة
608 - 71 - مسألة: في رجل تزوج امرأة من مدة ثلاث سنين ورزق منها ولدا له من العمر سنتان وذكرت أنها لما تزوجت لم تحض إلا حيضتين وصدقها الزوج وكان قد طلقها ثانيا على هذا العقد المذكور: فهل يجوز الطلاق على هذا العقد المفسوخ؟
الجواب: إن صدقها الزوج في كونها تزوجت قبل الحيضة الثالثة فالنكاح باطل وعليه أن يفارقها وعليها أن تكمل عدة الأول ثم تعتد من وطء الثاني فإن كانت حاضت الثالثة قبل أن يطأها الثاني فقد انقضت عدة الأول ثم إذا فارقها الثاني اعتدت له ثلاث حيض ثم تزوج من شاءت بنكاح جديد وولده ولد حلال يلحقه نسبه وإن كان قد ولد بوطء في عقد فاسد لا يعلم فساده
609 - 72 - مسألة: في مرضع استبطأت الحيض فتداوت لمجيء الحيض فحاضت ثلاث حيض وكانت مطلقة: فهل تنقضي عدتها أم لا؟
الجواب: نعم إذا أتى الحيض المعروف لذلك اعتدت به كما أنها لو شربت دواء قطع الحيض أو باعد بينه: كان ذلك طهرا وكما لو جاعت أو تعبت أو أتت غير ذلك من الأسباب التي تسخن طبعها وتثير الدم فحاضت بذلك والله أعلم
73 - 610 - مسألة: في رجل طلق زوجته ثلاثا والزمها بوفاء العدة في مكانها فخرجت منه قبل أن توفي العدة وطلبها الزوج ما وجدها فهل لها نفقة العدة؟
الجواب: لا نفقة لها وليس لها أن تطالب بنفقة الماضي في مثل هذه العدة في المذاهب الأربعة والله أعلم
74 - 611 - مسألة: في امرأة طلقها زوجها في الثامن والعشرين من ربيع الأول وإن دم الحيض جاءها مرة ثم تزوجت بعد ذلك في الثالث والعشرين من جمادى الآخر من السنة وادعت أنها حاضت ثلاث حيض ولم تكن حاضت إلا مرة فلما علم الزوج الثاني طلقها طلقة واحدة ثانيا في العشر من شعبان من السنة ثم أرادت أن تزوج بالمطلق الثاني وادعت أنها آيسة: فهل يقبل قولها وهل يجوز تزويجها؟
الجواب: الإياس لا يثبت بقول المرأة لكن هذه إذا قالت إنه ارتفع لا تدري ما رفعه فإنها تؤجل سنة فإن لم تحض فيها زوجت وإذا طعنت في سن الإياس فلا تحتاج إلى تأجبل وإن علم أن حيضها ارتفع بمرض أو رضاع كانت في عدة حتى يزول العارض
فهذه المرأة كان عليها عدتان: عدة للأول وعدة من وطء الثاني ونكاحه فاسد لا يحتاج إلى طلاق فإذا لم تحض إلا مرة واستمر انقطاع الدم فإنها تعتد العدتين بالشهور ستة أشهر بعد فراق الثاني إذا كانت آيسة وإذا كانت مستريبة كان سنة وثلاثة أشهر وهذا على قول من يقول: أن العدتين لا تتداخلان: كمالك والشافعي وأحمد وعند أبي حنيفة تتداخل العدتان من رجلين لكن عنده الإياس حد بالسن وهذا الذي ذكرناه هو أحسن قولي الفقهاء وأسهلهما وبه قضى عمر وغيره وأما على القول الآخر فهذه المستريبة تبقى في عدة حتى تطعن في سن الإياس فتبقى على قولهم تمام خمسين أو ستين سنة لا تتزوج ولكن في هذا عسر وحرج في الدين وتضييع مصالح المسلمين
75 - 612 - مسألة: في امرأة كانت تحيض وهي بكر فلما تزوجت ولدت ستة أولاد ولم تحض بعد ذلك ووقعت الفرقة من زوجها وهي مرضع وأقامت عند أهلها نصف سنة ولم تحض وجاء رجل يتزوجها غير الزوج الأول فحضروا عند قاض من القضاة فسألها عن الحيض؟ فقالت: لي مدة سنين ما حضت فقال القاضي: ما يحل لك عندي زواج فزوجها حاكم آخر ولم يسألها عن الحيض فبلغ خبرها إلى قاض آخر فاستحضر الزوج والزوجة فضرب الرجل مائة جلدة وقال: زنيت وطلق عليه ولم يذكر الزوج الطلاق فهل يقع به طلاق؟
الجواب: إن كان قد ارتفع حيضها بمرض أو رضاع فإنها تتربص حتى يزول العارض وتحيض باتفاق العلماء وإن كان ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فهذه في أصح قولي العلماء على ما قال عمر: تمكث سنة ثم تزوج وهو مذهب أحمد المعروف في مذهبه وقول للشافعي: وإن كانت في القسم الأول فنكاحها باطل والذي فرق بينهما أصاب في ذلك وأصاب في تأديب من فعل ذلك وإن كانت من القسم الثاني قد زوجها حاكم لم يكن لغيره من الحكام أن يفرق بينهما ولم يقع بها طلاق فإن فعل الحاكم لمثل ذلك يجوز في أصح الوجهين
76 - 613 - مسألة: في رجل طلق زوجته ثلاثا وأوفت العدة عنده وخرجت بعد وفاء العدة تزوجت وطلقت في يومها ولم يعلم مطلقها إلا ثاني يوم فهل يجوز له أن يتفق معها إذا أوفت عدتها أن يراجعها؟
الجواب: ليس له في زمن العدة من غيره أن يخطبها ولا ينفق عليها ليتزوجها وإذا كان الطلاق رجيعا لم يجز له التعريض أيضا وإن كان بائنا ففي جواز التعريض نزاع هذا إذا كانت قد تزوجت بنكاح رغبة وأما إن كانت قد تزوجت بنكاح محلل فقد لعن رسول الله ﷺ المحلل والمحلل له
77 - 614 - مسألة: في رجل تزوج ببنت بكر ثم طلقها ثلاثا ولم يصبها فهل يجوز أن يعقد عليها عقدا ثانيا أم لا؟
الجواب: طلاق البكر ثلاثا كطلاق المدخول بها ثلاثا عند أكثر الأئمة
78 - 615 - مسألة: في رجل طلق زوجته ثلاثا وانقضت عدتها فمنعها أن تتزوج إلا بمن يختار هو وتوعدها على مخالفته فما يجب عليه؟
الجواب: ليس له ذلك بل هو بذلك عاص آثم معتد ظالم والمرأة إذا تزوجت بكفء لم يكن لوليها الاعتراض عليها بقول أو فعل بل يزوجها به فيكف مطلقها وإن اعتدى عليها بقول أو عمل عوقب على ذلك عقوبة تردعه وأمثاله من المعتدين عن مثل هذا
79 - 616 - مسألة: في رجل طلق زوجته ثلاثا ثم أوفت العدة ثم تزوجت بزوج ثان وهو المستحل فهل الاستحلال يجوز بحكم ما جرى لرفاعة مع زوجته في أيام النبي ﷺ أم لا؟ ثم إنها أتت لبيت الزوج الأول طالبة لبعض حقها فغلبها على نفسها ثم أنها قعدت أياما وخافت فادعت أنها حاضت لكي يردها الزوج الأول فراجعها إلى عصمته بعقد شرعي وأقام معها أيام فظهر عليها الحمل وعلم أنها كانت كاذبة في الحيض فاعتزلها إلى أن تهتدي بحكم الشرع الشريف؟
الجواب: أما إذا تزوجها زوج ليحلها لزوجها المطلق فهذا المحلل وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: [ لعن الله المحلل والمحلل له ] وأما حديث رفاعة فذاك كان قد تزوجها نكاحا ثابتا لم يكن قد تزوجها ليحلها للمطلق وإذا تزوجت بالمحلل ثم طلقها فعليها العدة باتفاق العلماء إذ غايتها أن تكون موطوءة في نكاح فاسد فعليها العدة منه وما كان يحل للأول وطؤها وإذا وطئها فهو زان عاهر ونكاحها بالأول قبل أن تحيض ثلاثا باطل باتفاق الأئمة وعليه أن يعتزلها فإذا جاءت بولد الحق بالمحلل فإنه هو الذي وطئها في نكاح فاسد ولا يلحق الولد بالواطئ في النكاح الأول لأن عدته انقضت وتزوجت بعد ذلك لمن وطئها
وهذا يقطع حكم الفراش بلا نزاع بين الأئمة ولا يلحق بوطئه زنا لأن النبي ﷺ قال: [ الولد للفراش وللعاهر الحجر ] لكن إن علم المحلل أن الولد ليس منه بل من هذا العاهر فعليه أن ينفيه باللعان فيلاعنها لعانا ينقطع فيه نسب الولد ويلحق نسب الولد بأمه ولا يلحق بالعاهر بحال
617 - 80 - مسألة: في أمة متزوجة وسافر زوجها وباعها سيدها وشرط أن لها زوجا فقعدت عند الذي اشتراها أياما فادركه الموت فأعتقها فتزوجت ولم يعلم أن لها زوجا فلما جاء زوجها الأول من السفر أعطى سيدها الذي باعها الكتاب لزوجها الذي جاء من السفر الكتاب بعقد صحيح شرعي فهل يصح العقد بكتاب الأول أو الثاني؟
الجواب: إن كان تزوجها نكاحا شرعيا إما على قولي أبي حنيفة بصحة نكاح الحر بالأمة وإما على قول مالك والشافعي وأحمد بأن يكون عادما الطول خائفا من العنت نكاحه لا يبطل بعتقها بل هي زوجته بعد العتق لكن عند أبي حنيفة في رواية
لها الفسخ فلها أن تفسخ النكاح فإذا قضت عدته تزوجت بغيره إن شاءت وعند مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه لا خيار لها بل هي زوجته ومتى تزوجت قبل أن ينفسخ النكاح فنكاحها باطل باتفاق الأئمة وأما إن كان نكاحها الأول فاسد فإنه يفرق بينهما وتتزوج من شاءت بعد انقضاء العدة
618 - 81 - مسألة: في امرأة أبرأت زوجها من جميع صداقها ثم بعد ذلك أشهد الزوج على نفسه أنه طلق زوجته المذكورة على البراءة وكانت البراءة تقدمت على ذلك فهل يصح الطلاق؟ وإذا وقع يقع رجعيا أم لا؟
الجواب: إن كانا قد تواطئا على أن توهبه الصداق وتبريه على أن يطلقها فابرأته ثم طلقها كان ذلك طلاقا بائنا وكذلك لو قال لها: أبرئيني وأنا أطلقك أو إن ابرأتني طلقتك ونحو ذلك من عبارات الخاصة والعامة التي يفهم منها أنه سأل الأبراء على أن
يطلقها أو أنها أبرأته على أن يطلقها وأما إن كانت ابرأته براءة لا تتعلق بالطلاق ثم طلقها بعد ذلك فالطلاق رجعي ولكن هل لها أن ترجع في الابراء إذا كان يمكن لكون مثل هذا الابراء لا يصدر في العادة إلا لأن يمسكها أو خوفا من أن يطلقها أو
يتزوج عليها أو نحو ذلك فيه قولان هما روايتان عن أحمد وأما إذا كانت قد طابت نفسها بالابراء مطلقا وهو أن يكون ابتداء منها لا بسبب منه ولا عوض فهنا لا ترجع فيه بلا ريب والله أعلم
82 - 619 - مسألة: فيمن قال من تبع هذه الفتيا وعمل بها فولده بعد ذلك ولد زنا
فإنه في غاية الجهل والضلال والمشاقة لله ولرسوله فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين سواء كان الناكح كافرا أو مسلما واليهودي إذا تزوج بنت أخيه كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا باتفاق المسلمين ومن استحله كان كافرا تجب استتابته
وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها كما يفعل جهال الأعراب ووطئها يعتقدها زوجة كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين ومثل هذا كثير فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر بل الولد للفراش كما قال النبي ﷺ [ الولد للفراش وللعاهر الحجر ] فمن طلق امرأته ثلاثا ووطئها يعتقد أنه لم يقع بها الطلاق إما لجهله وإما لمفت مخطئ قلده الزوج وإما لغير ذلك فإنه يلحقه النسب ويتوارثان بالاتفاق بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطأها فإنه كان يطؤها معتقدا أنها زوجته فهي فراش له فلا تعتد له حتى يزول الفراش
ومتى نكح امرأة نكاحا فاسدا متفقا على فساده أو مختلفا في فساده لو ملكها ملكا فاسدا متفقا على فساده أو مختلفا في فساده ووطئها يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة فإن ولده منها يلحقه نسبه ويتوارثات باتفاق المسلمين والولد يكون
أيضا حرا وإن كانت الموطوءة مملوكة للغير في نفس الأمر ووطئت بدون إذن سيدها لكن لما كان الواطئ مغرورا زوج بها وقيل هي حرة أو بيعت فاشتراها يعتقدها ملكا للبائع فإنما وطئ من يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة فولده منها حر لأجل اعتقاده وإن كان اعتقاده مخطئا
وبهذا قضى الخلفاء الراشدون واتفق عليه أئمة المسلمين
فهؤلاء الذين وطئوا أو جاءهم أولاد لو كانوا قد وطئوا في نكاح فاسد متفق على فساده وكان الطلاق وقع بهم باتفاق المسلمين وهم وطئوا يعتقدون أن النكاح باق لأجل فتيا من أفتاهم أو لغير ذلك كان نسب الأولاد بهم لاحقا ولم يكونوا أولاد زنا بل يتوارثون باتفاق المسلمين
هذا في المجمع على فساده فكيف في المختلف في فساده وإن كان القول الذي وطئ به ضعيفا كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا ولي ولا شهود فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحا لحقه فيه النسب فكيف بنكاح مختلف فيه وقد ظهرت حجة القول بصحته بالكتاب والسنة والقياس وظهر ضعف القول الذي يناقضه وعجز أهله عن نصرته بعد البحث التام لانتفاء الحجة الشرعية
فمن قال أن هذا النكاح أو مثله يكون الولد فيه ولد زنا لا يلحقه نسبه ولا يتوارث هو وأبوه الواطئ فإنه مخالف لإجماع المسلمين منسلخ من ربقة الدين فإن كان جاهلا عرف وبين له أن رسول الله ﷺ وخلفاءه الراشدين وسائر أئمة الدين ألحقوا أولاد الجاهلية بآبائهم وإن كانت محرمة بالإجماع ولم يشترطوا في لحوق النسب أن يكون النكاح جائزا في شرع المسلمين فإن أصر على مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتباع غير سبيل المؤمنين فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل
فقد ظهر أن من أنكر الفتيا بأنه لا يقع الطلاق وادعى الاجماع على وقوعه وقال إن الولد ولد زنا هو مخالف لاجماع المسلمين مخالف لكتاب الله ورسول رب العالمين وأن المفتي بذلك أو القاضي به فعل ما يسوغ بإجماع المسلمين وليس لأحد المنع من الفتيا بقوله أو القضاء بذلك ولا الحكم بالمنع من ذلك باتفاق المسلمين والأحكام المخالفة للاجماع باطلة باجماع المسلمين والله أعلم