باب الصداق
ولا يجوز كتابة الصداق على الحرير وقاله ابن عقيل وكلام الإمام أحمد في رواية حنبل يقتضي أنه يستحب أن يكون الصداق أربعمائة درهم وهذا هو الصواب مع القدرة واليسار فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه
وكلام القاضي وغيره يقتضي أنه لا يستحب بل يكون بلوغه مباحا ولو قيل إنه يكره جعل الصداق دينا سواء كان مؤخر الوفاء وهو حال أو كان مؤجلا لكان متوجها لحديث الواهبة والصداق المقدم إذا كثر وهو قادر على ذلك لم يكره إلا أن يقترن بذلك ما يوجب الكراهة من معنى المباهاة ونحو ذلك
فأما إذا كان عاجزا عن ذلك كره بل يحرم إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة فأما إن كثر وهو مؤخر في ذمته فينبغي أن يكره هذا كله لما فيه من تعريض نفسه لشغل الذمة والأوجه أنه إذا تزوج بنية أن يعطيها صداق محرما أولا يوفيها الصداق أن الفرج لا يحل له فإن هذا لم يستحل الفرج بماله فلو تاب من هذه النية ينبغي أن يقال حكمه حكم ما لو تزوجها يعني بحرمة والمرأة لا تحرر محرما قال في المحرر كلما صح عوضا في بيع أو إجارة صح مهرا إلا منافع الزوج الحر المقدرة بالزمان فإنها على روايتين وأما القاضي في التعليق فأطلق الخلاق في منافع الحر من غير تقييده بزوج وكذلك ابن عقيل وأما أبو الخطاب والشيخ أبو محمد في المقنع فلفظهما إذا تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين فاعتبر صاحب المحرر القيدين الزوجية والحرية ولعل مأخذ المنع أنها ليست بمال كقول الحنيفة وسلمة القاضي ولم يمنعه في غير موضع وقال أبو محمد هذا ممنوع بل هي مال وتجوز المعاوضة عليها
قال أبو العباس: والذي يظهر في تعليل رواية المنع أنه لما فيه من كون كل من الزوجين يصير ملكا الآخر فكأنه يقضي إلى تنافي الأحكام كما لو تزوجت عبدها وعلى هذا التعليل فينبغي إذا كانت المنفعة لغيرها أن تصح وعلى هذا تخرج قصة شعيب وموجب هذا التعليل أن المرأة لا تستأجر زوجها أجارة معينة مقدرة بالزمان وأن كل واحد من الأجيرين لا يستأخر الآخر ويجوز أن يكون المنع مختصا بمنفعة المذهب أنه تجب قيمة المنفعة المشروطة إلا إذا علما أن هذه المنفعة لا تكون صداقا فيشبه ما لو أصدقها مالا مغصوبا في أن الواجب مهر المثل في أحد الوجهين وإذا تزوجها على أن يعلمها أو يعلم غرمها صنعة صح ذكره القاضي والشبه جوازه أيضا ولو كان المعلم أخاها أو ابنها أو أجنبيا وإن لم يحصل للمرأة ما أصدفها لميكن النكاح لازما ولو أعطيت بدله كالبيع وإنما يلزم ما ألزم الشارع به أو التزمه المكلف وما خالف هذا القول ضعيف مخالف للأصول فإذا لم نقل بامتناع العقد بتعذر تسليم المعقود عليه فلا أقل من أن تملك المرأة الفسخ فإذا أصدقها شيئا معينا وتلف قبل قبضه ثبت للزوجة فسخ النكاح وإن كان الشرط باطلا ولم يعلم المشترط ببطلانه لم يكن العقد لازما بل إن رضي بدون الشرط وإلا فله الفسخ وإذا تزوجها على أن يشتري لها عبد زيد فامتنع زيد من بيعه فأعطاها قيمته ثم باعه زيد العبد فهل لها رد البدل وأخذ العبد تردد فيه أبو العباس ولو أصدقها عبدا بشرط أن تعتقه
فقياس المشهور من المذهب أنه يصح كالبيع والذي ينبغي في أصناف سائر المال كالعبد والشاة والبقرة والثياب ونحوهما أنه إذا أصدقها شيئا من ذلك أن يرجع فيه إلى مسمى ذلك اللفظ في عرفها كما نقول في الدراهم والدنانير المطلقة في العقد وإن كان بعض ذلك غالبا أخذ به كالبيع أو كان من عادتها اقتناؤه أو لبسه فهو كالملفوظ ونص الإمام أحمد في رواية جعفر والنسائي: أنه إذا أصدقها عبدا من عبيده أنه يصح ولها الوسط على قدر ما يخدمها ونقلها دليل على ذلك فإنه لم يعتبر الخادم مطلقا وإنما اعتبر ما يناسبها
قال أبو العباس: في الخلع ولو خالعها على عبد مطلق لو قيل يجب ما يجزئ عتقه في الكافرة وما يجب في النذر المطلق لكان أقرب إلى القياس إلا أنه لا يعتبر فيه الإيمان
أطلق القاضي أنه إذا تزوجها على بيت أنه لا يصح واستدل بمسألة تفاوتها في الحضر ومفهومها أن البدوية ليست كذلك وهذا أشبه لأن بيوت البادية من جنس واحد كالخادم بخلاف الحضر فإن بيوتهم تختلف جنسا وقدرا وصفة اختلافا متفاوتا
ولو علم السورة أو القصيدة غير الزوج ينوي بالتعليم أنه عن الزوج من غير أن يعلم الزوجة فهل يقع عن الزوج فيتوجه أن يقال إن قلنا لا يجبر الغريم على استيفاء الدين من غير المدين لم يلتفت إلى نيته إذ لم يظهرها لأن هذا الاستيفاء شرط بالرضا والغريم المستحق لم يرض أنه يستوفي دينه من غير المدين وإنقلنا يجبر المستحق على الإستيفاء من غير الغريم فيوجه أن يؤثر مجرد دينه الموفى ويقبل قوله فيما بعد
ولو تزوجها على مائة مقدمة ومائة مؤجلة صح ولا تستحق المطالبة بالمؤجلة إلا بموت أو فوقة
ونص عليه الإمام أحمد في رواية جماعة واختاره شيوخ المذهب كالقاضي وغيره جاء عن ابن سيرين عن شريح أنه تزوج امرأة على عاجل وآجل إلى الميسرة فقدمته إلى شريح فقال دلتنا على ميسرة فأخذه لك وقياس المذهب أن هذا شرط صحيح لأن الجهالة فيه أقل من جهالة الفرقة وكان في الحقيقة هذا الشرط مقتضى العقد ولو قيل بصحته في جميع الآجال لكان متجها صرح الإمام أحمد والقاضي وأبو محمد وغيرهم بأنه إذا اطلق الصداق كان حالا
قال أبو العباس: إن كان الفرق جاريا بين أهل الأرض أن المطلق يكون مؤجلا فينبغي أن يحمل كلامهم على ما يعرفونه ولو كانوا يفرقون بين لفظ المهر والصداق فالمهر عندهم ما يعجل والصداق ما يؤجل كان حكمهم على مقتضى عرفهم ولو امرأة اتفق معها على صداق عشرة دنانير وأنه يظهر عشرين دينار أو أشهد عليها بقبض عشرة فلا يحل لها أن تغدر به بل يجب عليها الوفاء بالشرط ولا يجوز تحليف الرجل على وجود القبض في مثل هذه الصورة لأن الأشهاد بالقبض في مثل هذا يتضمن الإبراء ولو تزوجها على أن يعطيها في كل سنة تبقى معه مائة درهم فقد يؤخذ من كلام كثير من أصحابنا أن هذه تسمية فاسدة لجهالة المسمى وتتوجه صحته بل هو الأشبه بأصولنا كما لو باعه الصبرة كل قفيز بدرهم أو أكراه الدار كل شهر بدرهم ولأن تقدير المهر بمدة النكاح بمنزلة تأجيله بمدة النكاح إذ لا فرق بين جهالة القدر وجهالة الأجل
وعلى هذا لو تزوجها على أن يخيط لها كل شهر ثوبا صح أيضا إذ لا فرق بين الأعيان والمنافع وإن تزوجها على منفعة داره أو عبده ما دامت زوجته وفيها قد تبطل المنفعة قبل زوال النكاح فإن شرط لها مثلا إذا تلفت فهنا ينبغي أن يصح وإن لم يشترط ففيه نظر ولو قيل في كل موضع تبرعت المرأة بالصداق ثم وقع الطلاق وهو باق بعينه أنه يرجع بالنصف على من هو في يده
وكذلك في جميع الفسوخ لم يبعد بخلاف ما لو خرج بمعاوضة ولو ادعى الزوج أن الصداق في عقد واحد تكرر وقالت بل هو عقدان بينهما فرقة فالقول قولها ولها المهران هذا قول أبي الخطاب والجد وينبغي أن يكون القول قوله لأنه الأصل عدم الفرقة بينهما والأصل براءة ذمته مما زاد على المهر الثاني ولا يستحق إلا نصفه لأن الأصل عدم الدخول ولم يثبت بينة ولا إقرار وقال أبو محمد إن أنكر الدخول فالقول قوله وإن لم ينكره ولم يعترف به فالقول قولها في وجود الدخول
قال أبو العباس: وهكذا يحق في كل صورة ادعت عليه صداقا في نكاح فأنكر الزوج وقامت به البينة وقع منه الطلاق هل يحكم عليه بجميع المسمى أو بنصفه أو يفرق بين ادعائه المسقط وعدمه على الأوجه ومأخذ المسألة أن الصداق إذا تبين بالعقد وحصلت الفرقة فهل يحكم به عليه ما لم يدع عدم الدخول ولو صالحت عن صداقها المسمى بأقل جاز لأنه إسقاط لبعض حقها ولو صالحته على أكثر من ذلك بطل الفضل لأن في ذلك ربا لأنه زيادة على حقها وقياس المذهب جوازه لأنه زيادة على المهر بعد العقد وذلك جائز وصححنا أنه يصح أن يصطلحا على مهر المثل بأقل منه وأكثر مع أنه واجب بالعقد والزيادة في المهر هل يفتقر لزومها إلى قبول الزوجة ينبغي أن يكون كإتيانه الفرض بعد الفرض فلو فرض لها أكثر من مهر المثل فهل يلزم بمجرد فرضه كلام أحمد زادها في مهرها مطلق لم يفصل بين أن تكون قبلتها أم لا
ولو أراد أن يغير المهر مثل تبديل نقد بنقد أو تأجيل الحال أو إحلال المؤجل ونحو ذلك فموجب تعليل أصحابنا في الفرق بين النكاح والبيع والإجارة أن هذا لا يصح لأن هذا ليس تبديل فرض وإنما هو تغيير لذلك الفرض وقد يحتمل كلامهم صحته أيضا لأن هذه الحالة بمنزلة ابتداء العقد وهو أشبه بكلامهم
وقال أبو العباس: وقد كتبت عن الإمام أحمد فيما إذا أهدى لها هدية بعد العقد فإنها ترد ذلك إليه إذا زال العقد الفاسد فهذا يقتضي أن ما وهبه لها سببه النكاح فإنه يبطل إذا زال النكاح وهو خلاف ما ذكره أبو محمد وغيره
وهذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة وهو أن كل من أهدى أو وهب له شيء بسبب يثبت بثبوته ويزول بزواله ويحرم بحرمته ويحل بحله حيث جاز في تولي الهدية مثل من أهدى له للفرض فإنه يثبت فيه حكم بدل الفرض
وكذلك من أهدى له لولاية مشتركة بينه وبين غيره كالإمام وأمير الجيش وساعي الصدقات فإنه يثبت في الهدية حكم ذلك الاشتراك ولو كانت الهدية قبل العقد وقد وعدوه بالنكاح فزوجوا غيره رجع بها والنقد المقدم محسوب من الصداق وإن لم يكتب في الصداق إذا تواطأوا عليه ويطالب بنصفه عند الفرقة قبل الدخول لأنه كالشرط المقدم إلا أن يفتوا بخلاف ذلك وإذا أعتق أمته على أن تزوجه نفسها ويكون عتقها صادقها قال القاضي هي بالخيار إن شاءت تزوجته وإن شاء لم تتزوجه وتابعه أبو محمد وأبو الخطاب وغيرهما لأنه سلف في النكاح فلا يلزم الوفاء به ويتوجه صحة السلف في العقود كلها كما يصح في العتق ويصير العتق مستحقا على المسلف إن فعله وإلا قام الحاكم مقامه في توفية العقد المستحق كما يقوم مقامه في توفية الأعيان والمنافع لأن العقد منفعة من النافع فجاز السلم فيه كالصناعات وهذا بمنزلة الهبة المشروط فيها الثواب
والمنصوص عن الإمام أحمد في اشتراط التزويج على الأمة إذا أعتقها لزوم هذا الشرط قبلت أم لم تقبل كاشتراط الهدية قال أحمد بن القاسم سئل أحمد عن الرجل يعتق الجارية على أن يتزوجها يقول: قد أعتقتك وجعلت عتقك صداقك أو يقول: قد أعتقتك على أن أتزوجك: قال: هو جائز وهو سواء أعتقتك وتزوجتك وعلى أن أتزوجك إذا كان كلاما واحدا إذا تكلم به وهو جائز هذا نص من الإمام أحمد على أن قوله أن أتزوجك بمنزلة قوله وتزوجتك
وكلامه يقتضي أنها تصير زوجة بنفس هذا الكلام وعلى قول الأولين إذا لم يتزوجها ذكروا أنه يلزمها قيمة نفسها سواء كان الامتناع منه أو منها وهذا فيه نظر إذا كان الامتناع منه ويتخرج على قولهم أنها تعتق مجانا ويتخرج أنه يرجع إلى بدل العوض لا إلى بدل العتق وهو قياس المذهب وأقرب إلى العدل إذ الرجل طابت نفسه بالعتق إذا أخذ هذا العوض وأخذ بدله قائم مقامه ومن ‘تقت عبدها على أن يتزوج بها أو بسواها أو بدونه عتق ولم يلزمه شيء ذكره أصحابنا وعلله ابن عقيل بأنها اشترطت عليه تمليك البضع وهو لا قيمة له وعلله القاضي بأنه سلف في النكاح والحظ في النكاح للزوج وهذا الكلام فيه نظر فإن الحظ في النكاح للمرأة ولهذا ملك الأولياء أن يجبروها عليه دون الرجل وملك الولي في الجملة أن يطلق على الصغير والمجنون ولم يملك ذلك من الصغيرة ولو أراد أن يفسخ نكاحها
ومعلوم أنها اشترطت نفقة ومهرا أو استمتاعا وهذا مقصود كما أنه إذا أعتقها على أن يتزوجها شرط عليها استمتاعا تجب عليه النفقة وأما إذا خير بين الزواج وعدمه فيتوجه أن عليه قيمة نفسه وإذا بدل التزويج فليس عليه إلا مهر المثل فإنه مقتضى النكاح المطلق وإنما أوجبنا عليه بالمقارنة قيمة نفسه لأن العوض المشروط في العقد هو تزوجه بها ولا قيمة له في الشرع فيكون كمن أعتق على عوض لم يسم لها ويتوجه أنه إذا يم يتزوجها يعطيها مهر المثل أو نصفه لأنه هو الذي تستحقه عليه إذا تزوجها فإنه يملك الطلاق بعد ذلك وإنما يجب لها بالعقد مهر المثل وهذا البحث يجري فيما إذا أعتق عبده على أن يزوجه أخته أو يعتقها وإذا لم نصحح الطلاق مهرا
فذكر القاضي في الجامع وأبو الخطاب وغيرهما أنها تستحق مهرا بضده وقاله ابن عقيل وهو أجود فإن الصداق وإن كان له بدل عنه تعذره فله بدل عنه فساد تسميته هذا قياس المذهب ولو قيل ببطلان النكاح لم يبعد لأن المسمى فاسد لا بدل له فهو كالخمر وكنكاح السفاح وإذا صححنا أصداق الطلاق فماتت الضرة قبل الطلاق فقد يقال حصل مقصودها من الفرقة بأبلغ الطرق فيكون كما لو وفى عنه المهر أجنبي وفيه نظر والذي ينبغي في الطلاق أنه إذا كان السائل له ليخلص المرأة جاز له بدل عوضه سواء كان نكاحا أو مالا كأن كانت له امرأة يضربها ويؤذيها فقال طلق امرأتك على أن أزوجك بنتي فهذا سلف في النكاح أو قال: زوجتك بنتي على طلاق امرأتك فهذه مسألة أصداق الطلاق والأشبه أن يقال في مثل هذا أن الطلاق يصير مستحقا عليه كما لو قال خذ هذا الألف على أن تطلق امرأتك وهذا سلف في الطلاق وليس يمتنع كما تقدم
وأما إن كان باذل العوض لغرض ضرر المرأة فههنا لا يجوز للحديث فصلى هذا فلو خالعت الضرة عن ضرتها بمال أو خالع أبوها فهنا ينبغي أن لا يجوز هذا كما لا يجوز أن يخالع الرجل أو كان مقصوده التزويج بالمرأة فالأجنبي ينظر في مسألة الطلاق إن كانت محرمة فله حكم وإن كانت مباحة أو مستحقة فله حكم وإذا كان الأجنبي قد حرم عليه أن يسأل الطلاق فهل يحل للزوج أن يجيبه ويأخذ العوض وهذا نظير بيعه إياه على بيع أخيه ولو زوج موليته بدون مهر مثلها ولم يكن أبا لزم الزوج المسمى والتمام على الولي وهو رواية عن الإمام كالوكيل في البيع ويتحرر لأصحابنا فيما إذا زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أزيد روايات
إحداهن: أنه على الابن مطلقا إلا أن يضمنه الأب فيكون عليهما
الثانية: أن يضمنه فيكون عليه وحده
الثالثة: أنه على الأب ضمانا
الرابعة: أنه عليه أصالة
الخامسة: أنه إذا كان الابن مقرا فهو على الأب أصالة
السادسة: الفرق بين رضا الابن وعدم رضاه وضمان الأب المهر والنفقة على الابن قد يكون بلفظ الضمان وقد يكون بلفظ آخر مثل أن يقول الذي لي لابني أو أنا وابني شيء واحد وهل يترك والد ولده ونحو ذلك من الألفاظ التي تغرهم حتى يزوجوا ابنه وقد يكون بدلالة الكلام وقد يذكر الأب ما يقتضي أنه قد ملك ابنه مالا أو يخبرهم بذلك فيزوجوه على ذلك مثل أن يقول أنا أعطيته عشرة آلاف درهم أو له عشرة آلاف درهم ونحو ذلك فهذا ينبغي أن يتعلق حقهم بهذا القدر من مال الأب ونفقة الزوجة قبل بلوغ الزوج أو قبل رضاه ينبغي أن تكون كالمهر قال القاضي في الجامع إذا مات الب الذي عليه مهر ابنه فأخذ من تركته فإنه يرجع به على الابن نص عليه في رواية ابن منصور والبرزالي قال القاضي: يحتمل أن يكون أثبت له ذلك بناء على الرواية الأخرى وأنه تطوع بذلك لكن لم يحصل القبض منه وعلى هذا حمله أبو حفص
قال أبو العباس: ولا يتم الجواب إلا بالمأخذين جميعا وذلك أن الأب قائم مقام ابنه فلو ضمنه أجنبي بإذنه صح فإذا ضمنه هو فأولى أن يكون ضمانا لازما للابن وإذا كان له أن يثبت المال في ذمته بدون ضمانه فضمانه وقضاؤه أولى قال القاضي في الجامع إذا ضمنه الأب لزمه كما لو ضمنه أجنبي وإذا أقبضها إياه فهل يملك الرجوع به على الأب على روايتين أصلهما ضمان الأجنبي عن غيره بغير إذنه
قال أبو العباس: بل يرجع قولا واحدا لأنه قائم مقام ابنه في الأذن لنفسه كما لو ضمن أجنبي بإذن نفسه وإذا وفى الإنسان عن غيره دينا من صداق أو غيره كان للمستوفي أخذه له وفاء عن دينه وبدلا عنه وأما الموفى عنه إذا لم يرجع به عليه فهو متبرع عليه ثم هل يقال لو انفسخ يثبت الاستحقاق أو بضعه كالطلاق قبل الدخول وفسخ البيوع للموفى عنه أو لم يملك فيعود إلى الموفى الراجح أن لا يجب انتقاله ويتقرر المهر بالخلوة وإن منعته الوطء وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حرب وقيل له فإن أخذها وعندها نسوة وقبض عليها ونحو ذلك من غير أن يخلو بها قال: إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره فعليه المهر وإن قلنا لا مهر بالخلوة في النكاح الفاسد على قولنا بوجوب العدة فيه والفسخ لاعتبار الزوج بالمهر أو النفقة نظير الفسخ لعنة بالزوج فيتخرج منه التنصيف على الرواية المنصوص عنه فيه فإن لها نصف المهر لكونها معذورة في الفسخ ويتخرج ذلك ويلزم من قال إن خروج البضع من ملك الزوج يتقوم وتجب المتعة لكل مطلقة وهو رواية عن الإمام أحمد نقلها حنبل وهو ظاهر دلالة القرآن
واختار أبو العباس في الاعتصام بالكتاب والسنة: أن لكل مطلقة متعة إلا التي لم يدخل بها وقد فرض لها وهو رواية عن الإمام أحمد وقاله عمر وإذا أوجبنا المتعة للمدخول بها وكان الطلاق بائنا أو رجعيا فينبغي أن تجب لها أيضا مع نفقة العقد حيث أوجبناها وتكون نفقة الرجعية متعينة عن متاع آخر بحيث لا تجب لها كسوتان ولا بد من اعتبار العصر في مهر المثل فإن الزمان إن كان زمان رخص رخص وإن زادت المهور وإن كان زمن غلاء وخوف نقص وقد تعتبر عادة البلد والقبيلة في زيادة المهر ونقصه ينبغي أيضا اعتبار الصفات المعتبرة في الكفاءة فإذا كان أبوها موسرا ثم افتقر أو ذا صنعة ثم تحول إلى دونها أو كانت له رئاسة أو ملك ثم زالت عنه تلك الرئاسة والملك فيجب اعتبار مثل هذا وكذلك لو كان أهلهما لهم عز في أوطانهم ورئاسة فانقلبوا إلى بلد ليس لهم عز فيه ولا رئاسة فإن المهر يختلف بمثل ذلك في العادة وإن كانت عادتهم يسمون مهرا ولكن لا يستوفونه قط مثل عادة أهل الجفاء مثل الأكراد وغيرهم فوجوده كعدمه والشرط المتقدم كالمقارن والاطراد العرفي كالمقتضى
وقال أبو العباس: وقد سئلت عن مسألة من هذا وقيل لي ما مهر مثل هذه فقلت ما جرت العادة بأنه يؤخذ من الزوج فقالوا إنما يؤخذ المنحل قبل الدخول فقلت هو مهر مثلها
والأب هو الذي بيده عقدة النكاح وهو رواية عن الإمام أحمد وقاله طائفة من العلماء وليس في كلام الإمام أحمد أن عفوه صحيح لأن بيده عقدة النكاح بل لأن له أن يأخذ من مالها ما شاء وتعليل الإمام أحمد بالأخذ من مالها ما شاء يقتضي جواز العفو بعد الدخول عن الصداق كله وكذلك سائر الديون والأشبه في مسألة الزوجة الصغيرة أنه يستحق وليها المطالبة لها بنصف الصداق والنصف الآخر لا يطالب به إلا إذا مكنت من نفسها لأن النصف مستحق بإزاء الحبس وهو حاصل بالعقد والنصف الآخر بإزاء الدخول فلا يستحق إلا ببذله وإذا اختلفا في قبض المهر فالمتوجه إن كانت العادة الغالبة جارية بحصول القبض في هذه الديون أو الأعيان فالقول قول من يوافق العادة وهو جار على أصولنا وأصول مالك في تعارض الأصل والعادة والظاهر أنه يرجح وفرق بين دلالة الحال المطلقة العامة وبين دلالة الحال المقيدة المخصوصة فأما إن كانت الزوجة وقت العقد فقيرة ثم وجد معها الف درهم فقال هذا هو الصداق وقالت أخذته من غيره ولم تعين ولم يحدث لها قبض مثله فهو نظير تعليم السورة المشروطة وفيها وجهان ونظيره الاتفاق عليها والكسوة وفي هذه المواضع كلها إذا أبدت جهة القبض الممكن منها كالممكن من الزوج فينبغي أن القول قولها وإلا فلا قال أصحابنا وغيرهم يجب مهر المثل للموطوءة بشبهة وينبغي أنه إن أمكن أن يكون في وطء الشبهة مسمى فيكون هو الواجب فإن الشبهة ثلاثة أقسام: شهبة عقد وشبهة اعتقاد وشبهة ملك
فأما عقد النكاح فلا ريب فيه وأما عقد البيع فإنه إذا وطئ المرأة المشتراة شراء فاسدا فالأشبه أن لا مهر ولا أجرة لمنافعها وأما شبهة الاعتقاد فإن كان الاشتباه عليه فقط فينبغي أن لا يجب لها مهر وإن كان عليها فقط فإن اعتقدت أنه زوجها فلا يبعد أن يجب المهر المسمى
وأما شبهة الملك مثل مكاتبته وأمة مكاتبته والأمة المشتركة فإن كان قد اتفق مع مستحق المهر على شيء فينبغي أن لا يجب سواه وهذا قياس ضمان الأعيان والمنافع فإنها تضمن بالقيمة إلا أن يكون المالك قد اتفق مع المتلف على غير ذلك سواء كان الاتلاف حلالا أو حراما وإذا تكرر الوطء في نكاح الشبهة فلا ريب أن الواجب مهر واحد كما تجب عدة واحدة ولا يجب المهر للمكرهة على الزنا وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة واختيار أبي البركات
وذكر أبو العباس في موضع آخر: عن أبي بكر التفرقة فأوجبه البكر دون الثيب ورواه ابن منصور عن الإمام أحمد لكن الأمة البكر إذا وطئت مكرهة أو شبهة أو مطاوعة فلا ينبغي أن يختلف في وجوب أرش البكارة وهو ما نقص قيمتها بالثيوبة وقد يكون بعض القيمة أضعاف مهر مثل الأمة ومتى خرجت منه زوجته بغير اختياره بإفسادها أو بإفساد غيرها أو بيمينه لا يفعل شيئا ففعله فله مهرها وهو رواية عن الإمام أحمد كالمفقود بناء على الصحيح أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم وهو رواية عن الإمام أحمد والفرقة إذا كانت من وجهتها فهي كإتلاف البائع فيخير على المشهور بين مطالبتها بمهر المثل وضمان المسمى لها وبين إسقاط المسمى
باب الوليمة
وتختص بطعام العرس في مقتضى كلام أحمد في رواية المروزي وقيل تطلق على كل طعام لسرور حادث وقاله في الجامع: وقيل: تطلق على ذلك إلا أنه في العرس أطهر ووقت الوليمة في حديث زينب وصفته تدل على أنه عقب الدخول والأشبه جواز الإجابة لا وجوبها إذا كان في مجلس الوليمة من يهجر وأعدل الأقوال أنه إذا حضر الوليمة وهو صائم إن كان ينكسر قلب الداعي بترك الأكل فالأكل أفضل وإن لم ينكسر قلبه فإتمام الصوم أفضل ولا ينبغي لصاحب الدعوة الإلحاح في الطعام للمدعو إذا امتنع فإن كلا الأمرين جائز فإذا الزمه بما لا يلزمه كان من نوع المسألة المنهى عنها ولا ينبغي للمدعو إذا رأى أنه يترتب على امتناعه مفاسد أن يمتنع فإن فطرة جائز فإن كان ترك الجائز مستلزما لأمور محذورة ينبغي أن يفعل ذلك الجائز وربما يصير واجبا وإن كان في إجابة الداعي مصلحة الإجابة فقط وفيها مفسدة الشبهة فالمنع أرجح
قال أبو العباس: هذا فيه خلاف فيما أظنه والدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل والدخول قاله في المغني وقال في المحرر لا يباح الأكل إلا بصريح إذن أو عرف وكلام الشيخ عبد القادر يوافقه وما قالاه مخالف قاله عامة الأصحاب والحضور مع الإنكار المزيل على قول عبد القادر هو حرام وعلى قول القاضي والشيخ أبي محمد هو واجب وإلا قيس بكلام الإمام أحمد في التخيير عند المنكر المعلوم غير المحسوس أن يتخيرهما أيضا وإن كان الترك أشبه بكلامه لزوال المفاسد بالحضور والانكار لكن لا يجب لما فيه من تكليف الإنكار ولأن الداعي أسقط حرمته باتخاذه المنكر ونظير هذا إذا مر بمتلبس بمعصية هل يسلم عليه أو يترك التسليم وإن خافوا أن يأتوا بالمحرم ولم يغلب على ظنهم أحد الطرفين فقد تعارض الموجب وهو الدعوة والمبيح وهو خوف شهود الخطيئة فينبغي أن لا يجب لأن الموجب لم يسلم عن المعارض المساوي ولا يحرم لأن المحرم كذلك فينتفي الوجوب والتحريم وينبغي الجواز
ونصوص الإمام أحمد كلها تدل على المنع من اللبث في المكان المضر وقاله القاضي وهو لازم للشيخ أبي محمد حيث جزم بمنع اللبث في مكان فيه الخمر وآنية الذهب والفضة ولذلك مأخذان أحدهما أن إقرار ذلك في المنزل منكر فلا يدخل إلى مكان فيه ذلك وعلى هذا فيجوز الدخول إلى دور أهل الذمة وكنائسهم وإن كانت فيها صور لأنهم يقرون على ذلك فإنهم لا ينهون عن ذلك كم ينهون عن إظهار الخمر وبهذا يخرج الجواب عن جميع ما احتج به أبو محمد ويكون منع الملائكة سببا لمنع كونها في المنزل وعلى هذا فلو كان في الدعوة كلب لا يجوز اقتناؤه لم تدخل الملائكة أيضا بخلاف الجنب فإن الجنب لا يطول بقاؤه جنبا فلا تمتنع الملائكة عن الدخول إذا كان هناك زمنا يسيرا والثاني أن يكون نفس اللبث محرما أو مكروها ويستثنى من ذلك أوقات الحاجة كما في حديث عمر وغيره وتكون العلة ما يكتسبه المنزل من الصورة المحرمة حتى أنه لا يدخل منازل أهل الذمة
ورجح أبو العباس: في موضع آخر عدم الدخول إلى بيعة فيها صور وأنها كالمسجد على القبر والكنائس ليست ملكا لأحد وأهل الذمة ليس لهم منع من يعبد الله فيها لأنا لحناهم عليه والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرا ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى ونقله مهنا عن أحمد وبيعه لهم فيه ويخرج من رواية منصوصة عن الإمام أحمد في منع التجارة إلى دار الحرب إذا لم يلزموه بفعل محرم أو ترك واجب وينكر ما يشاهده من المنكر بحسبه ويحرم بيعهم ما يعلمونه كنيسة أو مثالا ونحو وكل ما فيه تخصيص لعيدهم أو ما هو بمنزلة
قال أبو العباس: لا أعلم خلافا أنه من التشبه بهم والتشبه بهم منهى عنه إجماعا وتجب عقوة فاعله ولا ينبغي إجابة هذه الدعوة
ولما صارت العمامة الصفراء أو الزرقاء من شعارهم حرم لبسها ويحرم الأكل والذبح الزائد على المعتاد في بقية الأيام ولو العادة فعله أو لتفريح أهله ويعزر إن عاد ويكره موسم خاص: كالرغائب وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وهو بدعة وأما ما يروى في الكحل يوم عاشوراء أو الخضاب أو الإغتسال أو المصافحة أو مسح رأس اليتيم أو أكل الحبوب أو الذبح ونحو ذلك: فكل ذلك كذب على النبي ﷺ ومثل ذلك بدعة لا يستحب منه شيء عند ائمة الدين وما يفعله أهل البدع فيه من النياحة والندب والمأتم
وسب الصحابة رضي الله عنهم هو أيضا من أعظم البدع والمنكرات وكل بدعة ضلالة هذا وهذا وإن كان بعض البدع والمنكرات أغلظ من بعض والخلاف في كسوة الحيطان إذا لم تكن حريرا أو ذهبا فأما الحرير والذهب فيحرم كما تحرم سيور الحرير والذهب على الرجال والحيطان والأثواب التي تختص بالمرأة ففي كون ستورها وكسوتها كفرشها نظر إذ ليس هو من اللباس ولا ريب في تحريم فرش الثياب تحت دابة الأمير لا سيما إن كانت خزا أو مغصوبة ورخص أو محمد ستر الحيطان لحاجة من وقاية حر أو برد ومقتضى كلام القاضي المنع لإطلاقه على مقتضى كلام الإمام أحمد ويكره تعليق الستور على الأبواب من غير حاجة لوجود إغلاق غيرها من أبواب ونحوها
وكذلك الستور في الدهليز لغير حاجة فإن ما زاد على الحاجة فهو سرف وهل يرتقي إلى التحريم فيه نظر قال المروزي: سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال يعطون أو يقسم عليهم وقال في رواية إسحاق بن هانئ لا يعجبني انتهاب الجوز وإن يوكل السكر كذلك قال القاضي يكره لأكل التقاطا من النثار سواء أخذه أو أخذه ممن أخذه وقول الإمام أحمد هذه نهبة تقتضي التحريم وهو قوي وأما الرخصة المحضة فتبعد جدا ويكره الأكل والشرب قائما لغير حاجة ويكره القرآن فيما جرت العادة بتناوله إفرادا واختلف كلام أبي العباس في أكل الإنسان حتى يتخم هل يكره أو يحرم
وجزم أبو العباس: في موضع آخر بتحريم الاسراف وفسر بمجاوزة الحد وإذا قال عند الأكل بسم الله الرحمن الرحيم كان حسنا فإنه أكمل بخلاف الذبح فإنه قد قيل إن ذلك لا يناسب ويلم الإنسان من بيت صديقه وقريبه بغير إذنه إذا لم يحزه عنه
باب عشرة النساء
ولو شرط الزوج أن يتسلم الزوجة وهي صغيرة ليحصنها فقياس المذهب على إحدى الروايتين اللتين خرجهما أبو بكر أنها إذا استثنت بعض منفعتها المستحقة بمطلق العقد أنه يصح هذا الشرط كما لو اشترط في الأمة التسليم ليلا أو نهارا وإذا اشترط في الأمة أن تكون نهارا عند السيد وقلنا أن ذلك موجب العقد المطلق أو لم نقل فأحد الوجهين أن هذا الشرط للسيد لا عليه كاشتراطها دارها وهو شرط له وعليه ولو خرج هذا على اشتراط دارها وهو أنه إذا اشترطت دارها لم يكن عليه أجرة تلك الدار لكان متوجها وإذا كان موجب العقد من التقابض مرده إلى العرف فليس العرف أن المرأة تسلم إليه صغيرة ولا تستحق ذلك لعدم التمكن من الانتفاع
ولا تجب عليه النفقة فإنه إذا لم يكن له حق في بدنها لعدم تمكنه فلا نفقة لها إذ النفقة تتبع الانتفاع وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة وقاله الجوزجاني من أصحابنا وأبو بكر بن أبي شيبة ويتخرج من نص الإمام أحمد على أنه يتزوج الأمة لحاجتها إلى الخدمة لا إلى الاستمتاع وكلام الإمام أحمد يدل على أنه ينهي عن الاذن للذمية بالخروج إلى الكنيسة والبيعة بخلاف الأذن للمسلمة إلى المسجد فإنه مأمور بذلك وكذا قال في المغني إن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة وللزوج منع الزوجة من الخروج من منزله فإذا نهاها لم تخرج لعيادة مريض محرم لها أو شهود جنازته فأما عند الإطلاق فهل لها أن تخرج لذلك إذا لم يأذن ولم يمنع كعمل الصناعة أو لا تفعل إلا بإذن كالصيام تردد فيه أبو العباس وكلام القاضي في التعليق يقتضي أن التمكين من القبلة ليس بواجب على الزوجة
قال أبو العباس: وما أراه صحيحا بل تجبر على تمكينه من جميع أنواع الاستمتاع المباحة ولو تطاوع الزوجان على الوطء في الدبر فرق بينهما وقاله أصحابنا وعلى قياسه المطاوعة على الوطء في الحيض
وتهجر المرأة زوجها في المضجع لحق الله بدليل قصة الذين خلفوا وينبغي أن تملك النفقة في هذه الحال أن المنع منه كما لو امتنع عن أداء الصداق ويجب على الزوج وطء امرأته بقدر كفايتها ما لم ينهك بدنه أو تشغله عن معيشته غير مقدر بأربعة أشهر كالأمة فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة وكوطئه إذا زاد ويتوجه أن لا يتقدر قسم الابتداء الواجب كما لا يتقدر الوطء بل يكون بحسب الحاجة فإنه قد يقال جواز التزويج بأربع لا يقتضي أنه إذا تزوج بواحدة يكون لها حال الانفراد مالها حال الاجتماع وعلى هذا فتحمل قصة كعب بن سور على أنه تقدير شخص لا يراعى كما لو فرض النفقة وقول أصحابنا يجب على الرجل المبيت عند امرأته ليلة من أربع وهذا المبيت يتضمن سنتين إحداهما المجامعة في المنزل والثانية في المضجع وقوله تعالى { واهجروهن في المضاجع } مع قوله ﷺ [ ولا يهجر إلا في المضجع ] دليل على وجوب المبيت في المضجع ودليل على أنه لا يهجر المنزل
ونص الإمام أحمد في الذي يصوم النهار ويقوم الليل يدل على وجوب المبيت في المضجع وكذا ما ذكره في النشوز إذا نشزت هجرها في المضجع دليل على أنه لا يفعله بدون ذلك وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة وأولى للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعا وعلى هذا فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود بالإجماع كما قاله أبو محمد المقدسي قال أصحابنا ويجب على الزوج أن يبيت عند زوجته الحرة ليلة من أربع وعند الأمة ليلة من سبع لأن التنصيف إنما هو في قسم الابتداء فلا يملك الزوج بأكثر من أربع وذلك أنه إذا تزوج بأربع إماء فهن في غاية عدده فتكون الأمة كالحرة في قسم الابتداء وأما قسم التسوية فيختلفان إذا جوزنا للحر أن يجمع بين ثلاث حرائر وأمة في رواية وأما على الرواية الأخرى فلا يتصور ذلك
وأما العبد فقياس قولهم أنه يقسم للحرة ليلة من ليلتين والأمة ليلة من ثلاث وأربع ولا يتصور أن يجمع عنده أربعا على قولنا وقول الجمهور وعلى قول مالك يتصور قال أصحابنا ويجب للمعيبة كالبرصاء والجذماء إذا لم يجز الفسخ وكذللك عليهما تمكين الأبرص والأجذم والقياس وجوب ذلك وفيه نظر إذ من الممكن أن يقال عليها وعليه في ذلك ضرر لكن إذا لم تمكنه فلا نفقة لها وإذا لم يستمتع بها فلها الفسخ ويكون المثبت للفسخ هنا عدم وطئه فهذا يقود إلى وجوبه وينفق على المجنون المأمون وليه والأشبه أنه من يملك الولاية على بدنه لأنه يملك الحضانة فالذي يملك تعليمه وتأديبه الأب ثم الوصي
قال أصحابنا ويأثم إن طلق إحدى زوجتيه وقت قسمها وتعليلهم يقتضي أنه إذا طلقها قبل مجيء نوبتها كان له ذلك ويتوجه أن له الطلاق مطلقا لأن القسم إنما يجب ما دامت زوجة كالنفقة وليس هو شيء هو مستقر في الذمة قبل مضي وقته حتى يقال هو دين نعم لو لم يقسم لها حتى خرجت الليلة التي لها وجب عليه القضاء فلو طلقها قبله كان عاصيا ولو أراد أن يقضيها عن ليلة من ليالي الشتاء ليلة من ليالي الصيف كان لها الإمتناع لأجل تفاوت بين الزمانين ويجب على الزوج التسوية بين الزوجات في النفقة وكلام القاضي في التعليق يدل عليه وكذا الكسوة قال أصحابنا ولا يجوز أن تأخذ الزوجة عوضا عن حقها من المبيت وكذا الوطء ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه
قال أبو العباس: وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره لأنه إذا جاز للزوج أن يأخذ العوض عن حقه منها جاز لها أن تأخذ العوض عن حقها منه لأن كلا منهما منفعة بدنية
وقد نص الإمام أحمد في غير موضع على أنه يجوز أن تبذل المرأة العوض ليصير أمرها بيدها ولأنها تستحق حبس الزوج كما يستحق الزوج حبسها وهو نوع من الرق فيجوز أخذ العوض عنه وقد تشبه هذه المسألة الصلح عن الشفعة وحد القذف ولو سافر بإحداهن بغير قرعة قال أصحابنا يأثم ويقضي والأقوى أنه لا يقضي وهو قول الحنفية والمالكية
وإذا ادعت الزوجة أو وليها أن الزوج يظلمها وكان الحاكم وليها وخاف ذلك نصب الحاكم مشرفا وفيه نظر ومسألة نصب المشرف لم يذكر الخرقي والقدماء ومقتضى كلامه إذا وقعت العداوة وخيف الشقاق بعث الحكمان من غير احتياج إلى نصب مشرف قال أصحابنا ويجوز أن يكون الحكمان أجنبيين ويستحق أن يكونا من أهلهما ووجوب كونهما من أهلهما هو مقتضى قول الخرقي فإنه اشترطه كما اشترط الأمانة وهذا أصح فإنه نص القرآن ولأن الأقارب أخبر بالعلل الباطنة وأقرب إلى الأمانة والنظر في المصلحة وأيضا فإنه نظر في الجمع والتفريق وهو أولى من ولاية عقد النكاح لا سيما إن جعلناهما حاكمين كما هو الصواب ونص عليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين وهو قول علي وابن عباس وغيرهما ومذهب مالك وهل للحكمين إذا قلناهما حاكمان لا وكيلان أن يطلقا ثلاثا أو يفسخا كما في المولى قالوا هناك لما قام مقام الزوج في الطلاق ملك ما يملكه من واحدة وثلاث فيتوجه هنا كذلك إذا قلنا هما حاكمان وإن قلنا وكيلان لم يملكا إلا ما وكلا فيه وأما الفسخ هنا فلا يتوجه لأنه ليس حاكما أصليا