127 - / 43 - مسألة: في الحديث: [ أن النبي ﷺ صلى على سجادة ] فقد أورد شخص عن عبد الله بن عمر عن عائشة عن النبي ﷺ [ أنه توضأ وقال: يا عائشة ! ائتيني بالخمرة فأتت به فصلى عليه ]
فأجاب: لفظ الحديث أنه طلب الخمرة والخمرة: شيء يصنع من الخوص فسجد عليه يتقي به حر الأرض وأذاها فإن حديث الخمرة صحيح وأما اتخاذها كبيرة يصلي عليها يتقي بها النجاسة ونحوها فلم يكن النبي ﷺ يتخذ سجادة يصلي عليها ولا الصحابة بل كانوا يصلون حفاة ومنتعلين ويصلون على التراب والحصير وغير ذلك من غير حائل
وقد ثبت عنه في الصحيحين: [ أنه كان يصلي في نعليه ] وقال: [ إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم ] [ وصلى مرة في نعليه وأصحابه في نعالهم فخلعهما في الصلاة فخلعوا فقال: مالكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذى فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن كان فيهما أذى فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور ]
فإذا كان النبي ﷺ وأصحابه يصلون في نعالهم ولا يخلعونها بل يطأون بها على الأرض ويصلون فيها فكيف يظن أنه كان يتخذ سجادة يفرشها على حصير أو غيره ثم يصلي عليها؟ فهذا لم يكن أحد يفعله من الصحابة وينقل عن مالك أنه لما قدم بعض العلماء وفرش في مسجد النبي ﷺ شيئا من ذلك أمر بحبسه وقال: أما علمت أن هذا في مسجدنا بدعة؟ ! والله أعلم
128 - / 44 - مسألة: سئل عمن تحجر موضعا من المسجد بسجادة أو بساط أو غير ذلك هل هو حرام؟ وإذا صلى إنسان على شيء من ذلك بغير إذن مالكه هل يكره؟ أم لا؟
أجاب: ليس لأحد أن يتحجر من المسجد شيئا لا سجادة يفرشها قبل حضوره ولا بساطا ولا غير ذلك وليس لغيره أن يصلي عليها بغير إذنه لكن يرفعها ويصلي مكانها في أصح قولي العلماء والله أعلم
129 - / 45 - مسألة: سئل: عن دخول النصراني أو اليهودي في المسجد بإذن المسلم أو بغير إذنه أو يتخذه طريقا فهل يجوز؟
أجاب: ليس للمسلم أن يتخذ المسجد طريقا فكيف إذا اتخذه الكافر طريقا فإن هذا يمنع بلا ريب
وأما إذا كان دخله ذمي لمصلحة فهذا فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد:
أحدهما: لا يجوز وهو مذهب مالك لأن ذلك هو الذي استقر عليه عمل الصحابة
والثاني: يجوز وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وفي اشتراط إذن المسلم وجهان في مذهب أحمد وغيره
130 - / 46 - مسألة: هل تصح الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا؟ وهل يمهد القبر أو يعمل عليه حاجز أو حائط؟
الجواب: الحمد لله اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر لأن النبي ﷺ قال: [ إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ]
وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غير: إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدا
وإن كان المسجد بني بعد القبر: فإما أن يزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل فإنه منهى عنه
131 - / 47 - مسألة: في عن جماعة نازلين في الجامع مقيمين ليلا ونهارا وأكلهم وشربهم ونومهم وقماشهم وأثاثهم الجميع في الجامع ويمنعون من ينزل عندهم من غير جنسهم وحكروا الجامع ثم إن جماعة دخلوا بعض المقاصير يقرأون القرآن احتسابا فمنعهم بعض المجاورين وقال هذا موضعنا فهل يجوز ذلك؟ أفتونا مأجورين
الجواب: الحمد لله ليس لأحد من الناس أن يختص بشيء من المسجد بحيث يمنع غيره منه دائما بل قد [ نهى النبي ﷺ عن إيطان كإيطأن البعير ]
قال العلماء: معناه أن يتخذ الرجل مكانا من المسجد لا يصلي إلا فيه فإذا كان ليس له ملازمة مكان بعينه للصلاة كيف بمن يتحجر بقعة دائما هذا لو كان إنما يفعل فيها ما يبنى له المسجد من الصلاة والذكر ونحو ذلك فكيف إذا اتخذ المسجد بمنزلة البيوت فيه أكله وشربه ونومه وسائر أحواله التي تشتمل على ما لم تبن المساجد له دائما فإن هذا يمنع باتفاق المسلمين فإنما وقعت الرخصة في بعض ذلك لذوي الحاجة مثل ما كان أهل الصفة: كان الرجل يأتي مهاجرا إلى المدينة وليس له مكان يأوي إليه فيقيم بالصفة إلى أن يتيسر له أهل أو مكان يأوي إليه ثم ينتقل ومثل المسكينة التي كانت تأوي إلى المسجد وكانت تقمه ومثل ما كان ابن عمر يبيت في المسجد وهو عزب لأنه لم يكن له بيت يأوي إليه حتى تزوج
ومن هذا الباب علي بن أبي طالب: لما تقاول هو وفاطمة ذهب إلى المسجد فنام فيه فيجب الفرق بين الأمر اليسير وذوي الحاجات وبين ما يصير عادة ويكثر وما يكون لغير ذوي الحاجات ولهذا قال ابن عباس: لا تتخذوا المسجد مبيتا ومقيلا هذا ولم يفعل فيه إلا النوم فكيف ما ذكر من الأمور؟ ! والعلماء قد تنازعوا في المعتكف هل ينبغي له أن يأكل في المسجد أو في بيته مع أنه مأمور بملازمة المسجد وإن لا يخرج منه إلا لحاجة والأئمة كرهوا اتخاذ المقاصير في المسجد لما أحدثها بعض الملوك لأجل الصلاة خاصة وأولئك إنما كانوا يصلون فيها خاصة
فأما اتخاذها للسكنى والمبيت وحفظ القماش والمتاع فيها فما علمت مسلما ترخص في ذلك فإن هذا يجعل المسجد بمنزلة الفنادق التي فيها مساكن متحجرة والمسجد لا بد أن يكون مشتركا بين المسلمين لا يختص أحد بشيء منه إلا بمقدار لبثه للعمل المشروع فيه فمن سبق إلى بقعة من المسجد لصلاة أو قراءة أو ذكر أو تعلم علم أو اعتكاف ونحو ذلك فهو أحق به حتى يقضي ذلك العمل ليس لأحد إقامته منه فإن النبي ﷺ نهى أن يقام الرجل من مجلسه ولكن يوسع ويفسح وإذا انتقض وضوؤه ثم عاد فهو أحق بمكانه فإن النبي ﷺ سن ذلك قال: [ إذا قام الرجل عن مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ]
وأما أن يختص بالمقام والسكنى فيه كما يختص الناس بمساكنهم فهذا من أعظم المنكرات باتفاق المسلمين وأبلغ ما يكون من المقام في المسجد مقام المعتكف كما كان النبي ﷺ يعتكف في المسجد وكان يحتجر له حصيرا فيعتكف فيه وكان يعتكف في قبة وكذلك كان الناس يعتكفون في المساجد ويضربون لهم فيه القباب فهذا مدة الاعتكاف خاصة والاعتكاف عبادة شرعية وليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لما لا بد منه والمشروع له أن لا يشتغل إلا بقربة إلى الله والذي يتخذه سكنا ليس معتكفا بل يشتمل على فعل المحظور وعلى المنع من المشروع فإن من كان بهذه الحال منع الناس من أن يفعلوا في تلك البقعة ما بني له المسجد من صلاة وقراءة وذكر كما في الاستفتاء أن بعضهم يمنع من يقرأ القرآن في تلك البقعة كغيره من القراء والذي فعله هذا الظالم منكر من وجوه:
أحدها: اتخاذ المسجد مبيتا ومقيلا وسكنا كبيوت الخانات والفنادق
والثاني: منعه من يقرأ القرآن حيث يشرع
والثالث: منع بعض الناس دون بعض فإن احتج بأن أولئك يقرأون لأجل الوقف الموقوف عليهم وهذا ليس من أهل الوقف كان هذا العذر أقبح من المنع لأن من يقرأ القرآن محتسبا أولى بالمعاونة ممن يقرأه لأجل الوقف وليس للواقف أن يغير دين الله وليس بمجرد وقفه يصير لأهل الوقف في المسجد حق لم يكن لهم قبل ذلك ولهذا لو أراد الواقف أن يحتجر بقعة من المسجد لأجل وقفه بحيث يمنع غيره منها لم يكن له ذلك ولو عين بقة من المسجد لما أمر به من قراءة أو تعليم ونحو ذلك لم تتعين تلك البقعة وكان له أن يصلي ويعتكف في سائر بقاع المسجد عند عامة أهل العلم لكن هل عليه كفارة يمين؟ على وجهين في مذهب أحمد
وأما الأئمة الثلاثة فلا يوجبون عليه كفارة وهذا لأنه لا يجب بالنذر إلا ما كان طاعة بدون النذر وإلا فالنذر لا يجعل ما ليس بعبادة عبادة والناذر ليس عليه أن يوقف إلا ما كان طاعة لله كما قال النبي ﷺ: [ من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ]
ولهذا لو نذر حراما أو مكروها أو مباحا مستوي الطرفين لم يكن عليه الوفاء به
وفي الكفارة قولان أوجبها في المشهور أحمد ولم يوجبها الثلاثة
وكذلك شرط الواقف والبائع وغيرهما
كما قال النبي ﷺ: [ ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ] وهذا كله لأنه ليس لأحد أن يغير شريعته التي بعث بها رسوله ولا يبتدع في دين الله ما لم يأذن به الله ولا يغير أحكام المساجد عن حكمها الذي شرع الله ورسوله والله أعلم
132 - / 48 - مسألة: في النوم في المسجد والكلام والمشي بالنعال في أماكن الصلاة هل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: أما النوم أحيانا للمحتاج مثل الغريب والفقير الذي لا مسكن له فجائز وأما اتخاذه مبيتا ومقيلا فينهون عنه
وأما الكلام الذي يحبه الله ورسوله في المسجد فحسن وأما المحرم فهو في المسجد أشد تحريما وكذلك المكروه ويكره فيه فضول المباح
وأما المشي بالنعال فجائز كما كان الصحابة يمشون بنعالهم في مسجد النبي ﷺ لكن ينبغي للرجل إذا أتى المسجد أن يفعل ما أمره به رسول الله ﷺ فينظر في نعليه فإن كان بهما أذى فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور والله أعلم
133 - / 49 - مسألة: في السواك وتسريح اللحية في المسجد: هل هو جائز أم لا؟
الجواب: أما السواك في المسجد فما علمت أحدا من العلماء كرهه بل الآثار تدل على أن السلف كانوا يستاكون في المسجد ويجوز أن يبصق الرجل في ثيابه في المسجد ويمتخط في ثيابه باتفاق الأئمة وبسنة رسول الله ﷺ الثابتة عنه بل يجوز التوضؤ في المسجد بلا كراهة عند جمهور العلماء فإذا جاز الوضوء فيه مع أن الوضوء يكون فيه السواك وتجوز الصلاة فيه والصلاة يستاك عندها فكيف يكره السواك؟ ! وإذا جاز البصاق والامتخاط فيه فكيف يكره السواك
وأما التسريح: فإنما كرهه بعض الناس بناء على أن شعر الإنسان المنفصل نجس ويمنع أن يكون في المسجد شيء نجس أو بناء على أنه كالقذاة وجمهور العلماء على أن شعر الإنسان المنفصل عنه طاهر كمذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وهو الصحيح فإن النبي ﷺ حلق رأسه وأعطى نصفه لأبي طلحة ونصفه قسمه بين الناس
وباب الطهارة والنجاسة يشارك النبي ﷺ فيه أمته بل الأصل أنه أسوة لهم في جميع الأحكام إلا ما قام فيه دليل يوجب اختصاصه به
وأيضا الصحيح الذي عليه الجمهور أن شعور الميتة طاهرة بل في أحد قولي العلماء وهو ظاهر مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين أن جميع الشعور طاهرة حتى شعر الخنزير وعلى القولين إذا سرح شعره وجمع الشعر فلم يترك في المسجد فلا بأس بذلك
وأما ترك شعره في المسجد فهذا يكره وإن لم يكن نجسا فإن المسجد يصان حتى عن القذاة التي تقع في العين والله أعلم
134 - / 50 - مسألة: في الضحايا: هل يجوز ذبحها في المسجد؟ وهل تغسل الموتى وتدفن الأجنة فيها؟ وهل يجوز تغيير وقفها من غير منفعة تعود عليها؟ وهل يجوز الاستنجاء في المسجد والغسل؟ وإذا لم يجز فما جزاء من يفعله ولا يأتمر بأمر الله؟ ولا ينتهي عما نهى عنه؟ وإن أفتاه عالم سبه وهل يجب على ولي الأمر زجره ومنعه وإعادة الوقف إلى ما كان عليه؟
الجواب: لا يجوز أن يذبح في المسجد: لا ضحايا ولا غيرها كيف والمجزرة المعدة للذبح قد كره الصلاة فيها إما كراهية تحريم وإما كراهية تنزيه فكيف يجعل المسجد مشابها للمجزرة وفي ذلك من تلويث الدم للمسجد مشابها للمجزرة وفي ذلك من تلويث الدم للمسجد ما يجب تنزيهه
وكذلك لا يجوز أن يدفن في المسجد ميت: لا صغير ولا كبير ولا جنين ولا غيره فإن المساجد لا يجوز تشبيهها بالمقابر
وأما تغيير الوقف لغير مصلحة فلا يجوز ولا يجوز الاستنجاء فيها
وأما الوضوء ففي كراهته في المسجد نزاع بين العلماء والأرجح أنه لا يكره إلا أن يحصل معه امتخاط أو بصاق في المسجد فإن البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها فكيف بالمخاط
ومن لم يأتمر بما أمره الله به وينته عما نهى الله عنه بل يرد على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر فإنه يعاقب العقوبة الشرعية التي توجب له ولأمثاله أداء الواجبات وترك المحرمات
ولا تغسل الموتى في المسجد وإذا أحدث في المسجد ما يضر بالمصلين أزيل ما يضرهم وعمل بما يصلحهم أما إعادته إلى الصفة الأولى أو أصلح والله أعلم
135 - / 51 - مسألة: فيمن يعلم الصبيان في المسجد: هل يجوز له البيات في المسجد؟
فأجاب: الحمد لله يصان المسجد عما يؤذيه ويؤذي المصلين فيه حتى رفع الصبيان أصواتهم فيه وكذلك توسيخهم لحصره ونحو ذلك لا سيما إن كان وقت الصلاة فإن ذلك من عظيم المنكرات
وأما المبيت فيه: فإن كان لحاجة كالغريب الذي لا أهل له والغريب الفقير الذي لا بيت له ونحو ذلك إذا كان يبيت فيه بقدر الحاجة ثم ينتقل فلا بأس وأما من اتخذه مبيتا ومقيلا فلا يجوز ذلك
136 - / 52 - سئل: عن مسجد يقرأ فيه القرآن والتلقين بكرة وعشية ثم على باب المسجد شهود يكثرون الكلام ويقع التشويش على القراء فهل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: الحمد لله ليس لأحد أن يؤذي أهل المسجد: أهل الصلاة أو القراءة أو الذكر أو الدعاء ونحو ذلك مما بنيت المساجد له فليس لأحد أن يفعل في المسجد ولا على بابه أو قريبا منه ما يشوش على هؤلاء بل قد خرج النبي ﷺ على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال: [ أيها الناس ! كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة ] فإذا كان قد نهى المصلي أن يجهر على المصلي فكيف بغيره؟ ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع من ذلك والله أعلم
137 - / 53 - مسألة: في السؤال في الجامع: هل هو حلال؟ أم حرام؟ أو مكروه؟ وأن تركه أوجب من فعله؟
الجواب: الحمد لله أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدا بتخطيه رقاب الناس ولا غير تخطيه ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز والله أعلم
138 - / 54 - سئل: عن النية في الطهارة والصلاة والصيام والحج وغير ذلك فهل محل ذلك القلب؟ أم اللسان؟ وهل يجب أن نجهر بالنية؟ أو يستحب ذلك؟ أو قال أحد من المسلمين إن لم يفعل ذلك بطلت صلاته أو غيرها؟ أو قال: إن صلاة الجاهر أفضل من صلاة الخافت إماما كان أو مأموما أو منفردا وهل التلفظ بها واجب أم لا؟ أو قال أحد من الأئمة الأربعة أو غيرهم من أئمة المسلمين: إن لم يتلفظ بالنية بطلت صلاته؟
وإذا كانت غير واجبة فهل يستحب التلفظ بها؟ وما السنة التي كان عليها رسول الله ﷺ والخلفاء الراشدون؟ وإذا أصر على الجهر بها معتقدا أن ذلك مشروع: فهل هو مبتدع مخالف لشريعة الإسلام؟ أم لا؟ وهل يستحق التغرير على ذلك إذا لم ينته؟ وابسطوا لنا الجواب
أجاب: الحمد لله محل النية القلب دون اللسان باتفاق أئمة المسلمين في جميع العبادات: الصلاة والطهارة والزكاة والحج والصيام والعتق والجهاد وغير ذلك ولم تكلم بلسانه بخلاف ما نوى في قلبه كان الاعتبار بما نوى بقلبه لا باللفظ ولو تكلم بلسانه ولم تحصل النية في قلبه لم يجزئ ذلك باتفاق أئمة المسلمين
فإن النية هي من جنس القصد ولهذا تقول العرب نواك الله بخير: أي قصدك بخير وقول النبي ﷺ: [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ] مراده ﷺ بالنية النية التي في القلب دون اللسان باتفاق أئمة المسلمين: الأئمة الأربعة وغيرهم
وسبب الحديث يدل على ذلك فإن سببه أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس فسمي مهاجر أم قيس فخطب النبي ﷺ على المنبر وذكر هذا الحديث وهذا كان نيته في قلبه
والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق المسلمين بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشريعة إذا فعل ذلك معتقدا أنه من الشرع: فهو جاهل ضال يستحق التعزير وإلا العقوبة على ذلك إذا أصر على ذلك بعد تعريفه والبيان له لا سيما إذا آذى من إلى جانبه برفع صوته أو كرر ذلك مرة بعد مرة فإنه يستحق التعزير البليغ على ذلك ولم يقل أحد من المسلمين إن صلاة الجاهر بالنية أفضل من صلاة الخافت بها سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا
وأما التلفظ بها سرا فلا يجب أيضا عند الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين ولم يقل أحد من الأئمة إن التلفظ بالنية واجب لا في طهارة ولا في صلاة ولا صيام ولا حج
ولا يجب على المصلي أن يقول بلسانه: أصلى الصبح ولا أصلي الظهر ولا العصر ولا إماما ولا مأموما ولا يقول بلسانه: فرضا ولا نفلا ولا غير ذلك بل يكفي أن تكون نيته في قلبه والله يعلم ما في القلوب
وكذلك نية الغسل من الجنابة والوضوء يكفي فيه نية القلب وكذلك نية الصيام في رمضان لا يجب على أحد أن يقول أنا صائم غدا باتفاق الأئمة، بل يكفيه نية قلبه
والنية تتبع العلم فمن علم ما يريد أن يفعله فلا بد أن ينويه فإذا علم المسلم أن غدا من رمضان وهو ممن يصوم رمضان فلا بد أن ينوي الصيام فإذا علم أن غدا العيد لم ينو الصيام تلك الليلة
وكذلك الصلاة: فإذا علم أن الصلاة القائمة صلاة الفجر أو الظهر وهو يعلم أنه يريد أن يصلي صلاة الفجر أو الظهر فإنه إنما ينوي تلك الصلاة لا يمكنه أن يعلم أنها الفجر وينوي الظهر
وكذلك إذا علم أنه يصلي إماما أو مأموما فإنه لا بد أن ينوي ذلك والنية تتبع العلم والاعتقاد اتباعا ضروريا إذا كان يعلم ما يريد [ أن ] يفعله فلا بد أن ينويه فإذا كان يعلم أنه يريد أن يصلي الظهر وقد علم أن تلك الصلاة صلاة الظهر امتنع أن يقصد غيرها ولو اعتقد أن الوقت قد خرج أجزأته صلاته باتفاق الأئمة
ولو اعتقد أنه خرج فنوى الصلاة بعد الوقت فتبين أنها في الوقت أجزأته الصلاة باتفاق الأئمة
وإذا كان قصده أن يصلي على الجنازة - أي جنازة كانت - فظنها رجلا وكانت امرأة صحت صلاته بخلاف ما نوى وإذا كان مقصوده أن لا يصلي إلا على من يعتقده فلانا وصلى على من يعتقد أنه فلان فتبين غيره فإنه هنا لم يقصد الصلاة على ذلك الحاضر
والمقصود هنا: أن التلفظ بالنية لا يجب عند أحد من الأئمة: ولكن بعض المتأخرين خرج وجها في مذهب الشافعي بوجوب ذلك وغلطه جماهير أصحاب الشافعي وكان غلطه أن الشافعي قال: لا بد من النطق في أولها فظن هذا الغالط أن الشافعي أراد النطق بالنية فغلطه أصحاب الشافعي جميعهم وقالوا: إنما أراد النطق بالتكبير لا بالنية ولكن التلفظ بها هل هو مستحب؟ أم لا؟ هذا فيه قولان معروفان للفقهاء
منهم من استحب التلفظ بها كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وقالوا: التلفظ بها أوكد واستحبوا التلفظ بها في الصلاة والصيام والحج وغير ذلك
ومنهم من لم يستحب التلفظ بها كما قال ذلك من قاله من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما وهذا هو المنصوص عن مالك وأحمد سئل تقول قبل التكبير شيئا؟ قال: لا
وهذا هو الصواب فإن النبي ﷺ لم يكن يقول قبل التكبير شيئا ولم يكن يتلفظ بالنية لا في الطهارة ولا في الصلاة ولا في الصيام ولا في الحج ولا في غيرها من العبادات ولا خلفاؤه ولا أمر أحدا أن يتلفظ بالنية بل قال لمن علمه الصلاة:
كبر كما في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: [ كان رسول الله ﷺ يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ] ولم يتلفظ قبل التكبير بنية ولا غيرها ولا علم ذلك أحدا من المسلمين ولو كان ذلك مستحبا لفعله النبي ﷺ ولعظمه المسلمون
وكذلك في الحج إنما كان يستفتح الاحرام بالتلبية وشرع للمسلمين أن يلبوا في أول الحج وقال - ﷺ - لضباعة بنت الزبير: [ حجي واشترطي فقولي: لبيك اللهم لبيك ومحلي حيث حبستني ] فأمرها أن تشترط بعد التلبية
ولم يشرع لأحد أن يقول قبل التلبية شيئا لا يقول: اللهم إني أريد العمرة والحج ولا الحج والعمرة ولا يقول: فيسره لي وتقبله مني ولا يقول: نويتهما جميعا ولا يقول: أحرمت لله ولا غير ذلك من العبادات كلها ولا يقول قبل التلبية شيئا بل جعل التلبية في الحج كالتكبير في الصلاة
وكان هو وأصحابه يقولون: فلان أهل بالحج أهل بالعمرة أو أهل بهما جميعا كما يقال كبر للصلاة والإهلال رفع الصوت بالتلبية وكان يقول في تلبيته: [ لبيك حجا وعمرة ] ينوي ما يريد [ ان ] يفعله بعد التلبية لا قبلها
وجميع ما أحدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير وقبل التلبية وفي الطهارة وسائر العبادات فهي من البدع التي لم يشرعها رسول الله ﷺ وكل ما يحدث في العبادات المشروعة من الزيادات التي لم يشرعها رسول الله ﷺ فهي بدعة بل كان ﷺ يداوم في العبادات على تركها ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة من وجهين: من حيث اعتقاد المعتقد أن ذلك مشروع مستحب أي يكون فعله خير من تركه مع أن النبي ﷺ لم يكن يفعله البتة فيبقى حقيقة هذا القول إنما فعلناه أكمل وأفضل مما فعله رسول الله ﷺ
وقد سأل رجل مالك بن أنس عن الإحرام قبل الميقات فقال: أخاف عليك الفتنة فقال له السائل: أي فتنة في ذلك؟ وإنما زيادة أميال في طاعة الله عز وجل قال: وأي فتنة أعظم من أن تظن في نفسك أنك خصصت بفضل لم يفعله رسول الله ﷺ
وقد ثبت في الصحيحين أنه قال: [ من رغب عن سنتي فليس مني ] فأي من ظن أن سنة أفضل من سنتي فرغب عما سنيته معتقدا أنما رغب فيه أفضل مما رغب عنه فليس مني لأن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد ﷺ كما في الصحيح عن النبي ﷺ أنه كان يخطب بذلك يوم الجمعة
فمن قال: إن هدى غير محمد ﷺ أفضل من هدى محمد فهو مفتون بل ضال قال الله تعالى - إجلالا له وتثبيت حجته على الناس كافة - { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } أي: وجيع
وهو ﷺ قد أمر المسلمين باتباعه وأن يعتقدوا وجوب ما أوجبه واستحباب ما أحبه وأنه لا أفضل من ذلك فمن لم يعتقد هذا فقد عصى أمره وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال: [ هلك المتنطعون - قالها ثلاثا - ] أي: المشددون في غير موضع التشديد وقال أبي بن كعب وابن مسعود اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة
ولا يحتج محتج بجمع التراويح ويقول: نعمت البدعة هذه فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله ﷺ مثل هذه وهي سنة من الشريعة وهكذا إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب ومصر الأمصار كالكوفة والبصرة وجمع القرآن في مصحف واحد وفرض الديوان وغير ذلك فقيام رمضان سنة رسول الله ﷺ لأمته وصلى بهم جماعه عدة ليال وكانوا على عهد رسول الله ﷺ يصلون جماعة وفرادى لكن لم يداوم على جماعة واحدة لئلا يفترض عليهم فلما مات ﷺ استقرت الشريعة
فلما كان عمر - رضي الله عنه - جمعهم على إمام واحد والذي جمعهم أبي بن كعب جمع الناس عليها بأمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعمر هو من الخلفاء الراشدين حيت يقول ﷺ: [ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ] يعني الأضراس لأنها أعظم في القوة
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر أنه قال [ صلاة السفر ركعتان فمن خالف السنة كفر ] فأي من اعتقد أن الركعتين في السفر لا تجزئ المسافر كفر
والوجه الثاني: من حيث المداومة على خلاف ما داوم عليه رسول الله ﷺ في العبادات فإن هذا بدعة باتفاق الأئمة وإن ظن الظان أن في زيادته خيرا كما أحدثه بعض المتقدمين من الأذان والإقامة في العيدين فنهوا عن ذلك وكرهه أئمة المسلمين كما لو صلى عقيب السعي ركعتين قياسا على ركعتي الطواف وقد استحب ذلك بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي واستحب بعض المتأخرين من أصحاب أحمد في الحاج إذا دخل المسجد الحرام أن يستفتح بتحية المسجد فخالفوا الأئمة والسنة وإنما السنة أن يستفتح المحرم بالطواف كما فعل النبي ﷺ لما دخل المسجد بخلاف المقيم الذي يريد الصلاة فيه دون الطواف فهذا إذا صلى تحية المسجد فحسن
وفي الجملة: فإن النبي ﷺ قد أكمل الله له ولأمته الدين وأتم به ﷺ عليهم النعمة فمن جعل عملا واجبا ما لم يوجبه الله ورسوله أو لم يكرهه الله ورسوله فهو غالط
فجماع أئمة الدين أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله ومن خرج عن هذا وهذا فقد دخل في حرب من الله فمن شرع من الدين ما لم يأذن به الله وحرم ما لم يحرم الله ورسوله فهو من دين أهل الجاهلية المخالفين لرسوله الذين ذمهم الله في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما من السور حيث شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله فحرموا ما لم يحرمه الله وأحلوا ما حرمه الله فذمهم الله وعابهم على ذلك
فلهذا كان دين المؤمنين بالله ورسوله أن الأحكام الخمسة: الإيجاب والاستحباب والتحليل والكراهية والتحريم لا يؤخذ إلا عن رسول الله ﷺ فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولا حلال إلا ما أحله الله ورسوله
فمن ذلك ما اتفق عليه أئمة الدين ومنه ما تنازعوا فيه فردوه إلى الله ورسوله كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
فمن تكلم بجهل وبما يخالف الأئمة فإنه ينهى عن ذلك ويؤدب على الاصرار كما يفعل بأمثاله من الجهال ولا يقتدي في خلاف الشريعة بأحد من أئمة الضلالة وإن كان مشهورا عنه العلم كما قال بعض السلف: لا تنظر إلى عمل الفقيه ولكن سله يصدقك والله أعلم والحمد لله
139 - / 55 - سئل: عمن يخرج من بيته ناويا الطهارة أو الصلاة هل يحتاج إلى تجديد نية غير هذه عند فعل الطهارة أو الصلاة؟ أولا؟ وهل التلفظ بالنية سنة أم لا؟
أجاب: الحمد لله رب العالمين سئل الإمام أحمد عن رجل يخرج من بيته للصلاة هل ينوي حين الصلاة؟ فقال: قد نوى حين خرج ولهذا قال أكابر أصحابه - كالخرقي وغيره - يجزئه تقديم النية على التكبير من حين يدخل وقت الصلاة وإذا كان مستحضرا للنية إلى حين الصلاة أجزأ ذلك باتفاق العلماء فإن النية لا يجب التلفظ بها باتفاق العلماء
ومعلوم في العادة أن من كبر في الصلاة لا بد أن يقصد الصلاة وإذا علم أنه يصلي الظهر نوى الظهر فمتى علم ما يريد فعله نواه بالضرورة ولكن إذا لم يعلم أو نسي شذت عنه النية وهذا نادر والتلفظ بالنية فى استحابه قولان في مذهب أحمد وغيره والمنصوص عنه أنه لا يستحب التلفظ بالنية قال أبو داود قلت لأحمد: يقول المصلي قبل التكبير شيئا؟ قال: لا
140 - / 56 - سئل: هل يجب أن تكون النية مقارنة للتكبير؟ والمسؤول أن يوضح لنا كيفية مقارنتها للتكبير كما ذكر الشافعي أنه لا تصح الصلاة إلا بمقارنتها التكبير وهذا يعسر
فأجاب: أما مقارنتها التكبير فللعلماء فيه قولان مشهوران:
أحدهما: لا يجب
والمقارنة المشروطة: قد تفسر بوقوع التكبير عقيب النية وهذا ممكن لا صعوبة فيه بل عامة الناس إنما يصلون هكذا وهذا أمر ضروري لو كلفوا تركه لعجزوا عنه
وقد تفسير بانبساط آخر النية على آخر التكبير بحيث يكون أولها مع أوله وآخرها مع آخره وهذا لا يصح لأنه يقتضي عزوب كمال النية في أول الصلاة وخلو أول الصلاة عن النية الواجبة
وقد تفسير بحضور جميع النية مع جميع آخر التكبير وهذا تنازعوا في إمكانه
فمن العلماء من قال: إن هذا غير ممكن ولا مقدور للبشر عليه فضلا عن وجوبه ولو قيل بإمكانه فهو متعسر فيسقط بالحرج
وأيضا فمما يبطل هذا والذي قبله أن المكبر ينبغي له أن يتدبر التكبير ويتصوره فيكون قلبه مشغولا بمعنى التكبير لا بما يشغله عن ذلك من استحضار النية ولأن النية من الشروط والشروط تتقدم العبادات ويستمر حكمها إلى آخرها كالطهارة والله أعلم
141 - / 57 - سئل: عن النية في الدخول في العبادات من الصلاة وغيرها هل تفتقر إلى نطق اللسان مثل قول القائل: نويت أصوم نويت أصلي هل هو واجب أم لا؟
أجاب: الحمد لله نية الطهارة من وضوء أو غسل أو تيمم والصلاة والصيام والحج والزكاة والكفارات وغير ذلك من العبادات لا تفتقر إلى نطق اللسان باتفاق أئمة الإسلام بل النية محلها القلب دون اللسان باتفاقهم فلو لفظ بلسانه غلطا بخلاف ما نوى في قلبه كان الاعتبار بما نوى لا بما لفظ ولم يذكر أحد في ذلك خلافا إلا أن بعض متأخري أصحاب الشافعي - رحمه الله - خرج وجها في ذلك وغلطه فيه أئمة أصحابه
وكان سبب غلطه أن الشافعي قال: إن الصلاة لا بد من النطق في أولها وأراد الشافعي بذلك: التكبير الواجب في أولها فظن هذا الغالط أن الشافعي أراد النطق بالنية فغلطه أصحاب الشافعي جميعهم
ولكن تنازع العلماء: هل يستحب التلفظ بالنية سرا أم لا؟ هذا فيه قولان معروفان للفقهاء
فقال طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: يستحب التلفظ بها لكونه أوكد وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما: لا يستحب التلفظ بها لأن ذلك بدعة لم تنقل عن رسول الله ﷺ ولا عن أصحابه ولا أمر النبي ﷺ أحدا من أمته أن يتلفظ بالنية ولا علم ذلك أحدا من المسلمين ولو كان هذا مشهورا مشروعا لم يهمله النبي ﷺ وأصحابه مع أن الأمة مبتلاة به كل يوم وليلة
وهذا القول أصح الأقوال بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين أما في الدين فلأنه بدعة وأما في العقل فلأنه بمنزلة من يريد يأكل طعاما فيقول: نويت بوضع يدي في هذا الإناء أني أريد آخذ منه لقمة فأضعها في فمي فأمضغها ثم أبلعها لأشبع مثل القائل الذي يقول: نويت أصلي فريضة هذه الصلاة المفروضة علي حاضر الوقت أربع ركعات في جماعة أداء لله تعالى فهذا كله حمق وجهل وذلك أن النية بليغ العلم فمتى علم العبد ما يفعله كان قد نواه ضرورة فلا يتصور مع وجود العلم بالعقل أن يفعل بلا نية: ولا يمكن مع عدم العلم أن تحصل نية
وقد اتفق الأئمة على أن الجهر بالنية وتكريرها ليس بمشروع بل من اعتاد ذلك فإنه ينبغي له أن يؤدب تأديبا يمنعه عن ذلك التعبد بالبدع وأذاء الناس برفع صوته لأنه قد جاء الحديث: [ أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهرن بعضكم على بعض بالقراءة ] فكيف حال من يشوش على الناس بكلامه بغير قراءة؟ بل يقول: نويت أصلي أصلي فريضة كذا وكذا في وقت كذا وكذا من الأفعال التي لم يشرعها رسول الله ﷺ