باب من النكاح
441 - / 43 - مسألة: في رجل تكلم بكلمة الكفر وحكم بكفره ثم بعد ذلك حلف بالطلاق من امرأته ثلاثا فإذا رجع إلى الإسلام هل يجوز له أن يجدد النكاح من غير تحليل أم لا؟
الجواب: الحمد لله إذا ارتد ولم يعد إلى الإسلام حتى انقضت عدة امرأته فإنها تبين منه عند الأئمة الأربعة وإذا طلقها بعد ذلك فقد طلق أجنبية فلا يقع بها الطلاق فإذا عاد إلى الإسلام فله أن يتزوجها وإن طلقها في زمن العدة قبل أن يعود إلى الإسلام فهذا فيه قولان للعلماء:
أحدهما: أن البينونة تحصل بنفس الردة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك في المشهور عنه وأحمد في إحدى الروايتين عنه فعلى هذا يكون الطلاق بعد هذا طلاق الأجنبية فلا يقع
الثاني: أن النكاح لا يزول حتى تنقضي العدة فإن أسلم قبل انقضاء المدة فهما على نكاحهما وهذا مذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه
فعلى هذا إذا كان الطلاق في العدة وعاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة تبين أنه طلق زوجته فيقع الطلاق وإن كان لم يعد إلى الإسلام حتى انقضت العدة تبين أنه طلق أجنبية فلا يقع به الطلاق والله أعلم
44 - 442 - مسألة: في رجل تزوج بامرأة فظهر مجذوما فهل لها فسخ النكاح؟
الجواب: الحمد لله إذا ظهر أن الزوج مجذوما فللمرأة فسخ النكاح بغير اختيار الزوج والله أعلم
443 - / 45 مسألة: في رجل تزوج امرأة مصافحة على صداق خمسة دنانير كل سنة نصف دينار وقد دخل عليها وأصابها فهل يصح النكاح أم لا؟ وهل إذا رزق بينهما ولد يرث أم لا؟ وهل عليهما الحد أم لا؟
الجواب: الحمد لله إذا تزوجها بلا ولي ولا شهود وكتما النكاح فهذا نكاح باطل باتفاق الأئمة بل الذي عليه العلماء أنه [ لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ] وكلا هذين اللفظين مأثور في السنن عن النبي ﷺ وقال غير واحد من السلف: لا نكاح إلا بشاهدين وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد ومالك يوجب إعلان النكاح ونكاح السر هو من جنس نكاح البغايا وقد قال الله تعالى: { محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان } فنكاح السر من جنس ذوات الأخدان
وقال تعالى: { وأنكحوا الأيامى منكم } وقال تعالى: { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن }
فخطاب الرجال بتزويج النساء ولهذا قال من قال من السلف: إن المرأة لا تنكح نفسها إن البغي هي التي تنكح نفسها لكن إن اعتقد هذا نكاحا جائزا كان الوطء فيه وطء شبهة يلحق الولد فيه ويرث أباه وأما العقوبة فإنهما يستحقان العقوبة على مثل هذا العقد
46 - 444 - مسألة: هل تصح مسألة ابن سريج أم لا؟ فإن قلنا: لا تصح فمن قلده فيها وعمل فيها فلما علم بطلانها استغفر الله من ذلك؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين هذه المسألة محدثة في الإسلام ولم يفت بها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أحد من الأئمة الأربعة وإنما أفتى بها طائفة من المتأخرين وأنكر ذلك عليهم جماعة علماء المسلمين ومن قلد فيها شخصا ثم تاب فقد عفا الله عما سلف ولا يفارق امرأته وإن كان قد تزوج فيها إذا كان متأولا والله أعلم
47 - 445 - مسألة: هل تصح مسألة العبد أم لا؟
الجواب: الحمد لله تزويج المرأة المطلقة بعبد يطأها ثم تباح الزوجة هي من صور التحليل وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: [ لعن الله المحلل والمحلل له ]
446 - / 48 - مسألة: في رجل له زوجة وأمه ما تريد الزوجة فطلق الزوجة ثم قال: كل امرأة أتزوجها من هذه المدينة التي داخل السور لامرأته ولا غيرها فإن راجع امرأته أو تزوج غيرها من المدينة يكون العقد صحيحا؟
الجواب: بل يتزوج إن شاء من المدينة وإن شاء من غيرها ويكون العقد صحيحا
447 - / 49 - مسأله: في قوم يتزوج هذا أخت هذا وهذا أخت هذا أو ابنته وكلما أنفق هذا انفق هذا وإذا كسا هذا كسا هذا وكذلك في جميع الأشياء وفي الإرضاء والغضب إذا رضي هذا رضي هذا وإذا أغضبها هذا أغضبها الآخر فهل يحل ذلك؟
الجواب: يجب على كل من الزوجين أن يمسك زوجته بمعروف أو يسرحها بإحسان ولا يحل له أن يعلق ذلك على فعل الزوج الآخر فإن المرأة لها حق على زوجها وحقها لا يسقط بظلم أبيها وأخيها قال الله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى }
فإذا كان أحدهما يظلم زوجته وجب إقامة الحق عليه ولم يحل للآخر أن يظلم زوجته لكونها بنتا للأول وإذا كان كل منهما يظلم زوجته لأجل ظلم الآخر فيستحق كل منهما العقوبة وكان لزوجة كل منهما أن تطلب حقها من زوجها ولو شرط هذا في النكاح لكان هذا شرطا باطلا من جنس نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل أخته أو ابنته على أن يزوجه الآخر بنته أو أخته فكيف إذا زوجه على أنه إن أنصفها أنصف الآخر وإن ظلمها ظلم الآخر زوجته فإن هذا يحرم بإجماع المسلمين ومن فعل ذلك إستحق العقوبة التي تزجره عن مثل ذلك
448 - / 50 - مسألة: في رجل وكل ذميا في قبول نكاح امرأة مسلمة هل يصح النكاح؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين هذه المسألة فيها نزاع فإن الوكيل في قبول النكاح لا بد أن يكون ممن يصح منه قبوله النكاح لنفسه في الجملة فلو وكل امرأة أو مجنونا أو صبيا غير مميز لم يجز ولكن إذا كان الوكيل ممن يصح منه قبول النكاح بإذن وليه ولا يصح منه القبول بدون إذن وليه فوكل في ذلك مثل أن يوكل عبدا في قبول: النكاح بلا إذن سيده أو يوكل سفيها محجورا عليه بدون إذن وليه أو يوكل صبيا مميزا بدون وليه فهذا فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره
وإن كان يصح منه قبول النكاح بغير إذن لكن في الصورة المعينة لا يجوز لمانع فيه مثل أن يوكل في نكاح الأمة من لا يجوز له تزوجها صحت الوكالة
وأما توكيل الذمي في قبول النكاح له فهو يشبه تزويج الذمي ابنته الذمية من مسلم ولو زوجها من ذمي جاز ولكن إذا زوجها من مسلم ففيها قولان في مذهب أحمد وغيره قيل: يجوز وقيل: لا يجوز بل يوكل مسلما وقيل: لا يزوجها إلا الحاكم بإذنه
وكونه وليا في تزويج المسلم مثل كونه وكيلا في تزويج المسلمة ومن قال أن ذلك كله جائز قال إن الملك في النكاح يحصل للزوج لا للوكيل باتفاق العلماء بخلاف الملك في غيره فإن الفقهاء تنازعوا في ذلك فمذهب الشافعي وأحمد وغيرهما أن حقوق العقد تتعلق بالموكل والملك يحصل له فلو وكل مسلم ذميا في شراء خمر لم يجز وأبو حنيفة يخالف في ذلك وإذا كان الملك يحصل للزوج وهو الموكل للمسلم فتوكيل الذمي بمنزلة توكيله في تزويج المرأة بعض محارمها كخالها فإنه يجوز توكيله في قبول نكاحها للموكل وإن كان لا يجوز له تزوجها
كذلك الذمي إذا توكل في نكاح مسلم وإن كان لا يجوز له تزويج المسلمة لكن الأحوط أن لا يفعل ذلك لما فيه من النزاع ولأن النكاح فيه شوب العبادات ويستحب عقده في المساجد وقد جاء في الآثار: [ من شهد إملاك مسلم فكأنما شهد فتحا في سبيل الله ]
ولهذا وجب في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره أن يعقد بالعربية كالأذكار المشروعة وإذا كان كذلك لم يتبع أن يكون الكافر متوليا لنكاح مسلم ولكن لا يظهر مع ذلك أن العقد باطل فإنه ليس على بطلانه دليل شرعي والكافر يصح منه النكاح وليس هو من أهل العبادات والله أعلم
449 - / 51 - مسألة: في امرأة تزوجت برجل فهرب وتركها من مدة ست سنين ولم يترك عندها نفقة ثم بعد ذلك تزوجت رجلا ودخل بها فلما أطلع الحاكم عليها فسخ العقد بينهما فهل يلزم الزوج الصداق أم لا؟
الجواب: ان كان نكاح الأول فسخ لتعذر النفقه من جهة الزوج وانقضت عدتها ثم تزوجت الثاني فنكاحه صحيح وإن كانت تزوجت الثاني قبل فسخ نكاح الأول فنكاحه باطل وإن كان الزوج والزوجة علما أن نكاح الأول باق وأنه يحرم عليهما النكاح فهما يجب إقامة الحد عليهما وإن جهل الزوج نكاح الأول أو نفاه أو جهل تحريم نكاحه قبل الفسخ فنكاحه نكاح شبهة يجب عليه فيه الصداق ويلحق فيه النسب ولا حد فيه وإن كانت غرته المرأة أو وليها فأخبره أنها خلية عن الأزواج فله أن يرجع بالصداق الذي أداه على من غره في أصح قولي العلماء
450 - 52 - مسألة: في رجل تزوج وشرطوا عليه في العقد أن كل امرأة يتزوج بها تكون طالقا وكل جارية يتسرى بها تعتق عليه ثم أنه تزوج وتسرى فما الحكم في المذاهب الأربعة؟
الجواب: هذا الشرط غير لازم في مذهب الإمام الشافعي ولازم له في مذهب أبي حنيفة متى تزوج وقع به الطلاق ومتى تسرى عتقت عليه الأمة وكذلك مذهب مالك
وأما مذهب أحمد: فلا يقع به الطلاق ولا العتاق لكن إذا تزوج وتسرى كان الأمر بيدها إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته لقوله ﷺ: [ إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج ] ولأن رجلا زوج امرأة بشرط أن لا يتزوج عليها فرفع ذلك إلى عمر فقال: مقاطع الحقوق عند الشروط
فالأقوال في هذه المسألة ثلاث: أحدها: يقع به الطلاق والعتاق
والثاني: لا يقع به ولا تملك امرأته فراقه
والثالث: وهو أعدل الأقوال أنه لا يقع به طلاق ولا عتاق لكن لامرأته ما شرط لها فإن شاءت أن تقيم معه وإن شاءت أن تفارقه وهذا أوسط الأقوال
451 - / 53 - مسألة: في رجل تزوج بامرأة ولم يدخل بها ولا أصابها فولدت بعد شهرين فهل يصح النكاح؟ وهل يلزمه الصداق أم لا؟
الجواب: الحمد لله لا يلحق به الولد باتفاق المسلمين وكذلك لا يستقر عليه المهر باتفاق المسلمين لكن للعلماء في العقد قولان أصحهما: أن العقد باطل كمذهب مالك وأحمد وغيرهما وحينئذ فيجب التفريق بينهما ولا مهر عليه ولا نصف مهر ولا متعة كسائر العقود الفاسدة إذا حصلت الفرقة فيها قبل الدخول لكن ينبغي أن يفرق بينهما حاكم يرى فساد العقد لقطع النزاع
والقول الثاني: أن العقد صحيح ثم لا يحل له الوطء حتى تضع كقول أبي حنيفة وقيل: يجوز له الوطء قبل الوضع كقول الشافعي
فعلى هذين القولين إذا طلقها قبل الدخول فعليه نصف المهر لكن هذا النزاع إذا كانت حاملا من وطء شبهة أو سيد أو زوج فإن النكاح باطل باتفاق المسلمين ولا مهر عليه إذا فارق قبل الدخول وأما الحامل من زنا فلا كلام في صحة نكاحها والنزاع فيما إذا كان نكحها طائعا وأما إذا نكحها مكرها فالنكاح باطل في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما
452 - / 54 - مسألة: في رجل خطب على خطبة رجل آخر فهل يجوز ذلك؟
الجواب: الحمد لله ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: [ لا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه ولا يستام على سوم أخيه ] ولهذا اتفق الأئمة الأربعة في النصوص عنهم وغيرهم من الأئمة على تحريم ذلك وإنما تنازعوا في صحة نكاح الثاني على قولين:
أحدهما: أنه باطل كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين والآخر أنه صحيح كقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى بناء على أن المحرم هو متقدم على العقد وهو الخطبة ومن أبطله قال: إن ذلك تحريم للعقد بطريق الأولى ولا نزاع بينهم في أن فاعل ذلك عاص لله ورسوله وإن نازع في ذلك بعض أصحابهم والإصرار على المعصية مع العلم بها يقدح في دين الرجل وعدالته وولايته على المسلمين
453 - 55 - مسألة: في مملوك في الرق والعبودية تزوج بامرأة من المسلمين ثم بعد ذلك ظهرت عبوديته وكان قد اعترف أنه حر وأن له خيرا في مصر وقد ادعوا عليه بالكتاب وحقوق الزوجية واقترض من زوجته شيئا فهل يلزمه شيء أو لا؟
الجواب: الحمد لله تزوج العبد بغير إذن سيده إذا لم يجزه السيد باطل باتفاق المسلمين وفي السن عن النبي ﷺ أنه قال: [ أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ]
لكن إذا أجازه السيد بعد العقد صح في مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين ولم يصح في مذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى واذا طلب النكاح فعلى السيد أن يزوجه لقول الله تعالى: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله }
وإذا غر المرأة وذكر أنه حر وتزوجها ودخل بها وجب المهر لها بلا نزاع لكن هل يجب المسمى كقول مالك في رواية أو مهر المثل كقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية أو يجب الخمسان كأحمد في رواية ثالثة هذا فيه نزاع بين العلماء وقد يتعلق هذا الواجب برقبته كقول أحمد في المشهور عنه والشافعي في قول وأظنه قول أبي حنيفة أو يتعلق ذلك بذمة العبد قد يتبع به إذا أعتق كقول الشافعي في الجديد وقول أبي يوسف ومحمد وغيرهما
والأول أظهر فإن قوله لهم أنه تلبيس عليهم وكذب عليهم ثم دخوله عليها بهذا الكذب عدوان منه عليهم والأئمة متفقون على أن المملوك لو تعدى على أحد فأتلف ماله أو جرحه أو قتله كانت جنايته متعلقة برقبته لا تجب في ذمة السيد بل يقال للسيد إن شئت أن تفك مملوكك من هذه الجناية وإن شئت أن تسلمه حتى تستوفي هذه الجناية من رقبته وإذا أراد أن يقتله فعليه أقل الأمرين من قدر الجناية أو قيمة العبد في مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه وغيرهما وعند مالك وأحمد في رواية يفديه بارش الجناية بالغا ما بلغ
فهذا العبد ظالم معتد جار على هؤلاء فتتعلق جنايته برقبته وكذلك ما اقترضه من مال الزوجة مع قوله أنه حر فهو عدوان عليهم فيتعلق برقبته في أصح قولي العلماء والله أعلم
454 - / 56 - مسألة: في رجل زوج ابنته لشخص ولم يعلم ما هو عليه فأقام في صحبة الزوجة سنين فعلم الولي والزوجة ما الزوج عليه من النجس والفساد وشرب الخمر والكذب والإيمان الخائنة فبانت الزوجة منه بالثلاث فهل يجوز للولي الإقدام على تزويجه أم لا؟ ثم إن الولي استتوب الزوج مرارا عديدة ونكث ولم يرجع فهل يحل تزويجها له؟
الجواب: إذا كان مصرا على الفسق فإنه لا ينبغي للولي تزويجها له كما قال بعض السلف: من زوج كريمته من فاجر فقد قطع رحمها لكن إن علم أنه تاب فلتزوج به إذا كان كفؤا لها وهي راضية به وأما نكاح التحليل فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: [ لعن الله المحلل والمحلل له ] ولا تجبر المرأة على نكاح التحليل باتفاق العلماء والله أعلم
455 - / 57 - مسألة: في امرأة تزوجت برجل فلما دخل رأت بجسمه برصا فهل لها أن تفسخ عليه النكاح؟
الجواب: إذا ظهرت بأحد الزوجين جنون أو جذام أو برص فللآخر فسخ النكاح لكن إذا رضي بعد ظهور العيب فلا فسخ له وإذا فسخت فليس لها أن تأخذ شيئا من جهازها وإن فسخت قبل الدخول سقط مهرها وإن فسخت بعده لم يسقط
58 - 456 - مسألة: في رجل تزوج امرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فهل له فسخ النكاح ويرجع على من غره أم لا؟
الجواب: له فسخ النكاح وله أن يطالب بارش الصداق وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب فينقض بنسبته من المسمى وإذا فسخ قبل الدخول سقط عنه المهر والله أعلم
457 - 59 - مسألة: في رجل متزوج بامرأة وسافر عنها سنة كاملة ولم يترك عندها شيئا ولا لها شيء تنفقه عليها وهلكت من الجوع فحضر من يخطبها ودخل بها وحملت منه فعلم الحاكم أن الزوج الأول موجود ففرق بينهما ووضعت الحمل من الزوج الثاني والزوج الثاني ينفق عليها إلى أن صار عمر المولود أربع سنين ولم يحضر الزوج الأول ولا عرف له مكان فهل لها أن تراجع الزوج الثاني أو تنتظر الأول
الجواب: إذا تعذرت النفقة من جهته فلها فسخ النكاح فإذا انقضت عدتها تزوجت بغيره والفسخ للحاكم فإذا فسخت هي نفسها لتعذر فسخ الحاكم أوغيره ففيه نزاع وأما إذا لم يفسخ الحاكم بل شهد لها أنه قد مات وتزوجت لأجل ذلك ولم يمت الزوج فالنكاح باطل لكن إذا اعتقد الزوج الثاني أنه صحيح لظنه موت الزوج الأول وانفساخ النكاح أو نحو ذلك فإن يلحق به النسب وعليه المهر ولا حد عليه لكن تعتد له حتى تنقضي عدتها منه ثم بعد ذلك ينفسخ نكاح الأول إن أمكن وتتزوج لمن شاءت
458 - / 60 - مسألة: في رجل تزوج بامرأة ومعها بنت وتوفيت الزوجة وبقيت البنت عنده رباها وقد تعرض بعض الجند لأخذها فهل يجوز ذلك؟
الجواب: ليس للجند عليها ولاية بمجرد ذلك فإذا لم يكن لها من يستحق الحضانة بالنسب فمن كان أصلح لها حضنها وزوج أمها محرم لها وأما الجند فليس محرما لها فإذا كان يحضنها حضانة تصلحها لم تنقل من عنده إلى أجنبي لا يحل له النظر إليها والخلوة بها
459 - 61 - مسأله: في رجل تزوج معتقة رجل وطلقها وتزوجت بآخر وطلقها ثم حضرت إلى البلد الذي فيه الزوج الأول فأراد ردها ولم يكن معها براءة فخاف أن يطلب منه براءة فحضرا عند قاضي البلد وادعى أنها جاريته وأولدها وأنه يريد عتقها ويكتب لها كتابا فهل يصح هذا العقد أم لا؟
الجواب: إذا زوجها القاضي بحكم أنه وليها وكانت خلية من الموانع الشرعية ولم يكن لها ولي أولى من الحاكم صح النكاح وإن ظن القاضي أنها عتيقة وكانت حرة الأصل فهذا الظن لا يقدح في صحة النكاح
وهذا ظاهر على أصل الشافعي فإن الزوج عنده لا يكون وليا وأما من يقول أن المعتقة يكون زوجها المعتق وليها والقاضي نائبه فهنا إذا زوج الحاكم بهذه النيابة ولم يكن قبولها من جهتها ولكن من كونها حرة الأصل فهذا فيه نظر والله أعلم
باب الولاء
460 - / 62 - مسألة: في رجل خلف ولدا ذكرا وابنتين غير مرشدين وأن البنت الواحدة تزوجت بزوج ووكلت زوجها في قبض ما تستحقه من إرث والدها والتصرف فيه فهل للأخ المذكور الولاء عليها؟ وهل يطلب الزوج بما قبضه وما صرفه لمصلحة اليتيمة؟
الجواب: للأخ الولاية من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعلت في ما لا يحل لها نهاها عن ذلك ومنعها وأما الحجر عليها إن كانت سفيهة فلوصيها إن كان لها وصي الحجر عليها وإلا فالحاكم يحجر عليها ولأخيها أن يرفع أمرها إلى الحاكم والله أعلم
461 - / 63 - مسألة: في رجل أسلم هل تبقى له ولاية على أولاده الكتابيين؟
الجواب: لا ولاية له عليهم في النكاح كما لا ولاية له عليهم في الميراث فلا يزوج المسلم الكافر سواء كانت بنته أو غيرها ولا يرث كافر مسلما ولا مسلم كافرا وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم من السلف والخلف لكن المسلم إذا كان مالكا للأمة زوجها بحكم الملك وكذلك إذا كان ولي أمر زوجها بحكم الولاية وأما بالقرابة والعتاقة فلا يزوجها إذ ليس في ذلك إلا خلاف شاذ عن بعض أصحاب مالك في النصراني يزوج ابنته كما نقل عن بعض السلف أنه يرثها وهما قولان شاذان
وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم ولا يتزوج الكافر المسلمة والله سبحانه قد قطع الولاية في كتابه بين المؤمنين والكافرين وأوجب البراءة بينهم من الطرفين وأثبت الولاية بين المؤمنين فقد قال تعالى:
{ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده }
وقال تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه }
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } إلى قوله: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } إلى قوله: { فإن حزب الله هم الغالبون }
والله تعالى إنما أثبت الولاية بين أولي الأرحام بشرط الإيمان كما قال تعالى: { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين }
وقال تعالى: { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض } إلى قوله: { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } إلى قوله: { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }
462 - / 64 - مسألة: في رجل توفي وخلف مستولدة له ثم بعد ذلك توفيت المستولدة وخلفت ولدا ذكرا وبنتين فهل للبنات ولاء مع الذكر؟ وهل يرثن معه شيئا؟
الجواب: هذا فيه روايتان عن أحمد أحدهما وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي: أن الولاء يختص بالذكور والثانية: أن الولاء مشترك بين البنين والبنات للذكر كمثل حظ الأنثيين والله أعلم
463 - 65 - مسألة: في رجل خطب امرأة ولها ولد والعاقد مالكي فطلب العاقد الولد فتعذر حضوره وجيء بغيره وأجاب العاقد في تزويجها فهل يصح العقد؟
الجواب: لا يصح هذا العقد وذلك لأن الولد وليها وإذا كان حاضرا غير ممتنع لم تزوج إلا بإذنه فأما إن غاب غيبة بعيدة انتقلت الولاية إلى الأبعد أو الحاكم ولو زوجها شافعي معتقدا أن الولد لا ولاية له كان من مسائل الاجتهاد لكن الذي زوجها مالكي يعتقد أن لا يزوجها إلا ولدها فإذا لبس عليه وزوجها من يعتقده ولدها ولم يكن ذا الحاكم قد زوجها بولايته إلا زوجت بولاية ولي من نسب أو ولاء فتكون منكوحة بدون إذن ولي أصلا وهذا النكاح باطل عند الجمهور كما وردت به النصوص
464 - / 66 - مسألة: في رجل تزوج امرأة بولاية أجنبي ووليها في مسافة دون القصر معتقدا أن الأجنبي حاكم ودخل بها واستولدها ثم طلقها ثلاثا ثم أراد ردها قبل أن تنكح زوجا غيره فهل له ذلك لبطلان النكاح الأول بغير إسقاط الحد؟ ووجوب المهر ويلحق النسب ويحصل به الإحصان؟
الجواب: لا يجب في هذا النكاح حد إذا اعتقد صحته بل يلحق به النسب ويجب فيه المهر ولا يحصل الإحصان بالنكاح الفاسد ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته واذا تبين أن المزوج ليس له ولاية بحال ففارقها الزوج حين علم فطلقها ثلاثا لم يقع طلاق والحال هذه وله أن يتزوجها من غير أن تنكح زوجا غيره
67 - 465 - مسألة: في رجل له عبد وقد حبس نصفه قصد الزواج فهل له أن يتزوج أم لا؟
الجواب: نعم له التزوج على أصل من يجبر السيد على تزويجه كمذهب أحمد والشافعي على أحد قوليه فإن تزويجه كالإنفاق عليه إذا كان محتاجا إلى ذلك وقد قال تعالى: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم }
فأمر بتزويج العبيد والإماء كما أمر بتزويج الأيامى وتزويج الأمة إذا طلبت النكاح من كفوء واجب باتفاق العلماء والذي يأذن له في النكاح مالك نصفه أو وكيله وناظر النصيب المحبس
466 - / 68 - مسألة: في رجل عازب ونفسه تتوق إلى الزواج غير أنه يخاف أن يتكلف من المرأة ما لا يقدر عليه وقد عاهد الله أن لا يسأل أحدا شيئا فيه منه لنفسه وهو كثير التطلع إلى الزواج فهل يأثم بترك الزواج أم لا؟
الجواب: قد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ]
واستطاعة النكاح هو القدرة على المؤونة ليس هو القدرة على الوطء فإن الحديث إنما هو خطاب للقادر على فعل الوطء ولهذا أمر من لم يستطع أن يصوم فإنه رجاء
ومن لا مال له هل يستحب أن يقترض ويتزوج؟ فيه نزاع في مذهب الإمام أحمد وغيره وقد قال تعالى: { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله }
وأما الرجل الصالح فهو القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده
467 - 69 - مسألة: في رجل تزوج امرأة وقعدت معه أياما وجاء أناس ادعوا أنها في المملكة وأخذوها من بيته ونهبوه ولم يكن حاضرا فهل يجوز أخذها وهي حامل؟
الجواب: الحمد لله إذا لم يبين للزوج أنها أمة بل تزوجها نكاحا مطلقا كما جرت به العادة وظن أنها حرة أو قيل له أنها حرة فهو مغرور وولده منها حر لا رقيق وأما النكاح فباطل إذا لم يجزه السيد باتفاق المسلمين وإن أجازه السيد صح في مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين ولم يصح في مذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى بل يحتاج إلى نكاح جديد
وأما إن ظهرت حاملا من غير الزوج فالنكاح باطل بلا ريب ولا صداق عليه إذا لم يدخل بها وليس لهم أن يأخذوا شيئا من ماله بل كل ما أخذ من ماله رد إليه
468 - 70 - مسألة: عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: [ لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: أن تسكت ] متفق عليه
وعن ابن عباس رضي الله عنه إن رسول الله ﷺ قال: [ الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ] وفي رواية: [ البكر يستأذنها أبوها في نفسها وصمتها اقرارها ] رواه مسلم في صحيحه
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله ﷺ عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا؟ فقال لها رسول الله ﷺ: نعم تستأمر قالت عائشة: فقلت له: فإنها تستحي فقال رسول الله ﷺ: [ فذلك إذنها إذا هي سكتت ]
وعن خنساء ابنة خدام أن أباها زوجها وهي بنت فكرهت ذلك فأتت رسول الله ﷺ فرد نكاحه رواه البخاري؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فالمرأة لا ينبغي لأحد أن يزوجها إلا بإذنها كما أمر النبي ﷺ فإن كرهت ذلك لم تجبر على النكاح إلا الصغيرة البكر فإن أباها يزوجها ولا إذن لها
وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين
وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين
فأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها واختلف العلماء في استئذانها هل هو واجب أو مستحب؟ والصحيح أنه واجب
ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به وينظر في الزوج هل هو كفوء أو غير كفوء. فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته وليس له أن يزوجها بزوج ناقص لغرض له مثك أن يتزوج مولية ذلك الزوج بدلها فيكون من جنس الشغار الذي نهى عنه النبي ﷺ أو يزوجها بأقوام يخالفهم على أغراض له فاسدة أو يزوجها لرجل لمال يبذله له وقد خطبها من هو أصلح لها من ذلك الزوج فيقدم الخاطب الذي برطله على الخاطب الكفوء الذي لم يبرطله
وأصل ذلك أن تصرف الولي في بضع وليته كتصرفه في مالها فكما لا يتصرف في مالها إلا بما هو أصلح كذلك لا يتصرف في بعضها إلا بما هو أصلح لها إلا أن الأب له من التبسط في مال ولده ما ليس لغيره كما قال النبي ﷺ: [ أنت ومالك لأبيك ] بخلاف غير الأب
469 - 71 - مسألة: في رجل تزوج بالغة من جدها أبي أبيها وما رشدها ولا معه وصية من أبيها فلما دنت وفاة جدها أوصى على البنت رجلا أجنبيا فهل للجد المذكور على الزوجة ولاية بعد أن أصابها الزوج؟ وهل له أن يوصي عليها؟
الجواب: أما إذا كانت رشيدة فلا ولاية عليها لا للجد ولا غيره باتفاق الأئمة وإن كانت ممن يستحق الحجر عليها ففيه للعلماء قولان:
أحدهما: أن الجد له ولاية وهذا مذهب أبي حنيفة والثاني: لا ولاية له وهو مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه وإذا تزوجت الجارية ومضت عليها سنة وأولدها أمكن أن تكون رشيدة باتفاق العلماء
470 - 72 - مسألة: في رجل تحت حجر والده وقد تزوج بغير إذن والده وشهد المعروفون أن والده مات وهو حي فهل يصح العقد أم لا؟ وهل يجب على الولد إذا تزوج بغير إذن والده حق أم لا؟
الجواب: إن كان سفيها محجورا عليه لا يصح نكاحه بدون إذن أبيه ويفرق بينهما وإذا فرق بينهما قبل الدخول فلا شيء عليه وإن كان رشيدا صح نكاحه وإن لم يأذن له أبوه وإذا تنازع الزوجان هل نكح وهو رشد أو وهو سفيه؟ فالقول قول مدعي صحة النكاح
471 - / 73 - مسألة: في رجل طلب منه رجل بنته لنفسه قال: ما أزوجك بنتي حتى تزوج بنتك لأخي فهل يصح هذا التزويج؟
الجواب: ليس للولي ذلك قيل: إذا طلب الكفوء بنته وجب عليه تزوجها ولا يحل منعها لحظ نفسه وعليه أن يزوجها ممن يكون أصلح لها وينظر في مصلحتها لا في مصلحة نفسه كما ينظر ولي اليتيم في ماله وإذا تشارطا أنه لا يزوجه ابنته حتى يزوجه أخته كان هذا نكاحا فاسدا ولو سمي مع ذلك صداق آخر هذا هو المأثور عن رسول الله ﷺ
472 - 74 - مسألة: فيمن برطل ولي امرأة ليزوجها إياه فزوجها ثم صالح صاحب المال عنه فهل على المرأة من ذلك درك؟ الجواب: آثم فيما فعل وأما النكاح فصحيح ولا شيء على المرأة من ذلك
473 - 75 - مسألة: ما قولكم في العمل السريجية وهي أن يقول الرجل لامرأته: إذا طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا وهذه المسألة تسمى مسألة ابن سريج؟
الجواب: هذه المسألة السريجية لم يفت بها أحد من سلف الأمة ولا أئمتها لا من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المذاهب المتبوعين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ولا أصحابهم الذين أدركوهم كأبي يوسف ومحمد والمزني والبويطي وابن القاسم وابن وهب وإبراهيم الحربي وأبي بكر الأثرم وأبي داود وغيرهم لم يفت أحد منهم بهذه المسألة وإنما أفتى بها طائفة من الفقهاء بعد هؤلاء وأنكر ذلك عليهم جمهور الأمة كأصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد وكثير من أصحاب الشافعي وكان الغزالي يقول بها ثم رجع عنها وبين فسادها
وقد علم من دين المسلمين أن نكاح المسلمين لا يكون كنكاح النصارى والدور الذي توهموه فيها باطل فإنهم ظنوا أنه إذا وقع المنجز وقع المعلق وهو إنما يقع لو كان التعليق صحيحا والتعليق باطل لأنه اشتمل على محال في الشريعة وهو وقوع طلقة مسبوقة بثلاث فإن ذلك محال في الشريعة والتسريج يتضمن لهذا المحال في الشريعة فيكون باطلا
وإذا كان قد حلف بالطلاق معتقدا أنه لا يحنث ثم تبين له فيما بعد أنه لا يجوز فليمسك امرأته ولا طلاق عليه فيما مضى ويتوب في المستقبل
والحاصل أنه لو قال الرجل لامرأته إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها وقع المنجز على الراجح ولا يقع معه المعلق لأنه لو وقع المعلق وهو الطلاق الثلاث لم يقع المنجز لأنه زائد على عدد الطلاق وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق وقيل: لا يقع شيء لأن وقوع المنجز يقتضي وقوع المعلق ووقوع المعلق يقتضي عدم وقوع المنجز وهذا القول لا يجوز تقليده وابن سريج بريء مما نسب إليه فيما قاله الشيخ عز الدين
474 - 76 - مسألة: في رجل تجوز عتيقة بعض بنات الملوك الذين يشترون الرقيق من مالهم ومال المسلمين بغير إذن معتقها فهل يكون العقد صحيحا أم لا؟
الجواب: أما إذا أعتقتها من مالها عتقا شرعيا فالولاية لها باتفاق العلماء وهي التي ترثها ثم أقرب عصباتها من بعدها
وأما تزويج هذه العتيقة بدون إذن المعتقة فهذا فيه قولان مشهوران للعلماء فإن من لا يشترط إذن الولي كأبي حنيفة ومالك في إحدى الروايتين يقول: بأن هذا النكاح يصح عنده لكن من يشترط إذن الولي كالشافعي وأحمد لهم قولان في هذه المسألة وهي روايتان عن أحمد
أحداهما: أنها لا تزوج إلا بإذن المعتقة فإنها عصبتها وعلى هذا فهل للمرأة نفسها أن تزوجها؟ على قولين هما روايتان عن أحمد
والثاني: أن تزويجها لا يفتقر إلى إذن المعتقة لأنها لا تكون ولية لنفسها فلا تكون ولية لغيرها ولأنه لا يجوز تزويجها عندهم فلا يفتقر إلى إذنها فعلى هذا يزوج هذه المعتقة من يزوج معتقها بإذن العتيقة مثل أخ المعتقة ونحوه إن كان من أهل ولاية النكاح وإن لم يكن أهلا وزوجها الحاكم جاز وإلا فلا وإن كان أهلا عند أبي حنيفة فالولاء لهم والحاكم يزوجها
77 - 475 مسألة: في رجل خطب امرأة فاتفقوا على النكاح من غير عقد وأعطى أباها لأجل ذلك شيئا فماتت قبل العقد هل له أن يرجع بما أعطى؟
الجواب: إذا كانوا قد وفوا له بما اتفقوا عليه ولم يمنعوه من نكاحها حتى ماتت فلا شيء عليهم وليس له أن يسترجع ما أعطاهم كما أنه لو كان قد تزوجها استحقت جميع الصداق وذلك لأنه إنما بذل لهم ذلك ليمكنوه من نكاحها وقد فعلوا ذلك وهذا غاية الممكن
476 - / 78 - مسألة: في هذا التحليل الذي يفعله الناس اليوم إذا وقع على هذا الوجه الذي يفعلونه من الاستحقاق والإشهاد وغير ذلك من سائر الحيل المعروفة هل هو صحيح أم لا؟ وإذا قلد من قال به هل يفرق بين اعتقاد واعتقاد؟ وهل الأولى إمساك المرأة أم لا؟
الجواب: التحليل الذي يتواطؤون فيه مع الزوج لفظا أو عرفا على أن يطلق المرأة أو ينوي الزوج ذلك محرم لعن النبي ﷺ فاعله في أحاديث متعددة وسماه التيس المستعار وقال: [ لعن الله المحلل والمحلل له ]
وكذلك مثل عمر وعثمان وعلي وابن عمر وغيرهم لهم بذلك آثار مشهورة يصرحون فيها بأن من قصد التحليل بقلبه فهو محلل وإن لم يشترطه في العقد وسموه سفاحا ولا تحل لمطلقها الأول بمثل هذا العقد ولا يحل للزوج المحلل إمساكها بهذا التحليل بل يجب عليه فراقها
لكن إذا كان قد تبين باجتهاد أو تقليد جواز ذلك فتحللت وتزوجها بعد ذلك ثم تبين له تحريم ذلك فالأقوى أنه لا يجب عليه فراقها بل يمتنع من ذلك في المستقبل وقد عفا الله في الماضي عما سلف
477 - 79 - مسألة: في رجل خطب ابنة رجل من العدول واتفق معه على المهر منه عاجل ومنه آجل وأوصل إلى والدها المعجل من مدة أربع سنين وهو يواصلهم بالنفقة ولم يكن بينهم مكاتبة ثم بعد هذا جاء رجل فخطبها وزاد عليه في المهر ومنع الزوج الأول؟
الجواب: لا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه إذا أجيب إلى النكاح وركنوا إليه باتفاق الأئمة كما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: [ لا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه ] وتجب عقوبة من فعل ذلك وأعان عليه عقوبة تمنعهم وأمثالهم على ذلك
وهل يكون نكاح الثاني صحيحا أو فاسدا؟ فيه قولان للعلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما
478 - 80 - مسألة: في الرافضي ومن يقول: لا تلزمه الصلوات الخمس هل يصح نكاحه من الرجال والنساء؟ فإن تاب من الرفض ولزم الصلاة حينا ثم عاد لما كان عليه هل يقر على ما كان عليه من النكاح؟
الجواب: لا يجوز لأحد أن ينكح موليته رافضيا ولا يترك الصلاة ومتى زوجوه على أنه صلى فصلى الخمس ثم ظهر أنه رافضي لا يصلي أو عاد إلى الرفض وترك الصلاة فإنهم يفسخون النكاح
479 - 81 - مسألة: في رجل زوج ابنته لرجل وأراد الزوج السفر إلى بلاده فقال له وكيل الأب في قبول النكاح: لا تسافر أما أن تعطي الحال من الصداق وتنتقل بالزوجة أو ترضي الأب فسافر ولم يجب إلى ذلك وهو غائب عن الزوجة المذكورة مدة سنة ولم يصل منه نفقة فهل لوالد الزوجة أن يطلب فسخ النكاح؟
الجواب: نعم إذا عرضت المرأة عليه فبذل له تسليمها وهي ممن يوطأ مثلها وجب عليه النفقة بذلك فإذا تعذرت النفقة من جهته كان للزوجة المطالبة بالفسخ وإذا كانت محجورا عليها على وجهين
480 - 82 - مسألة: في رجل متزوج بخالة إنسان وله بنت فتزوج بها فجمع بين خالته وابنته فهل يصح؟
الجواب: لا يجوز أن يتزوج خالة رجل وبنته بأن يجمع بينهما فإن النبي ﷺ: [ نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ] وهذا متفق عليه بين الأئمة الأربعة وهم متفقون على أن هذا الحديث يتناول خالة الأب وخالة الأم والجدة ويتناول عمة كل من الأبوين أيضا فليس له أن يجمع بين المرأة وخالة أبيها ولا خالة أمها عند الأئمة الأربعة
481 - / 83 - مسألة: في امرأة لها أخوان أطفال دون البلوغ ولها خال فجاء رجل يتزوج بها فادعى خالها أنه أخوها ووكل في عقدها على الزوج فهل يكون العقد باطلا أو صحيحا؟
الجواب: الخال لا يكون شقيقا فإذا كان كاذبا فيما ادعاه من الأخوة لم يصح نكاحه بل يزوجها وليها فإن لم يكن لها ولي من النسب زوجها الحاكم
482 - / 84 - مسألة: في بنت زالت بكارتها بمكروه ولم يعقد عليها عقد قط وطلبها من يتزوجها فذكر له ذلك فرضي فهل يصح العقد بما ذكر إذا شهدت المعروفون انها بنت لتسهيل الأمر في ذلك؟
الجواب: إذا شهدوا أنها ما زوجت كانوا صادقين ولم يكن في ذلك تلبيس على الزوج لعلمه بالحال وينبغي استنطاقها بالأدب فإن العلماء متنازعون هل أذنها إذا زالت بكارتها بالزنا الصمت أو النطق والأول مذهب الشافعي وأحمد كصاحبي أبي حنيفة وعند أبي حنيفة ومالك إذنها الصمات كالتي لم تزل عذرتها
483 - / 85 - مسألة: في رجل أملك على بنت وله مدة سنين ينفق عليها ودفع لهم وعزم على الدخول فوجد والدها قد زوجها غيره؟
الجواب: قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: [ المسلم أخو المسلم لا يحل للمسلم أن يخطب على خطبة أخيه ولا يستام على سوم أخيه ولا يبيع على بيع أخيه ]
فالرجل إذا خطب امرأة وركن إليه من إليه نكاحها كالأب المجبر فإنه لا يحل لغيره أن يخطبها فكيف إذا كانوا قد ركنوا إليه وأشهدوا بالإملاك المتقدم للعقد وقبضوا منه الهدايا وطالت المدة فإن هؤلاء فعلوا محرما يستحقون العقوبة عليه بلا ريب
لكن العقد الثاني هل يقع صحيحا أو باطلا؟ فيه قولان للعلماء
أحدهما: وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد أن عقد الثاني باطل فينزع معه ويرد إلى الأول
والثاني: أن النكاح صحيح وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي فيعاقب من فعل المحرم ويرد إلى الأول جميع ما أخذ منه والقول الأول أشبه بما في الكتاب والسنة