المسائل التي انفرد بها شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأئمة الأربعة أو اتبع فيها بعض مذاهبهم
القول بقصر الصلاة: تقصر الصلاة في كل ما يسمى سفرا طويلا كان أو قصيرا كما هو مذهب الظاهرية وقول بعض الصحابة
والقول بأن السكر لا تستبرأ وإن كانت كبيرة كما هو قول ابن عمر واختاره البخاري صاحب الصحيح
والقول بأن سجود التلاوة لا يشترط لها وضوء كما يشترط للصلاة وهو مذهب ابن عمر واختاره البخاري أيضا
والقول بأن من أكل في شهر رمضان معتقدا أنه ليل فبان نهارا لا قضاء عليه كما هو الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإليه ذهب بعض التابعين وبعض الفقهاء
والقول بأن التمتع يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة كما في حق القارن والمفرد وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل رواها عنه ابنه عبد الله وكثير من أصحاب الإمام أحمد لا يعرفونها
والقول بجواز المسابقة بلا محلل وإن أخرج المتسابقان
والقول باستبراء المختلعة بحيضة وكذلك الموطوءة بشبهة والمطلقة آخر ثلاث تطليقات
والقول بإباحة وطء الوثنيات بملك اليمين
والقول بجواز عقد عقد الرداء في الإحرام وجواز طواف الحائض ولا شيء عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهرا
والقول بجواز بيع الأصل بالعصير كالزيتون بالزيت والسمسم بالسيرج
والقول بجواز الوضوء بكل ما يسمى ماء مطلقا كان أو مقيدا
والقول بجواز بيع ما يتخذ من الفضة للتحلي وغيره كالخاتم ونحوه بالفضة متفاضلا وجعل الزيادة في الثمن في مقابلة الصنعة
والقول بأن المائع لا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا أن يتغير قليلا كان أو كثيرا
والقول بجواز التيمم لمن خالف فوات العيد أو الجمعة باستعماله الماء
والقول بجواز التيمم في مواضع معروفة
والجمع بين الصلاتين في أماكن مشهورة
وغير ذلك من الأحكام المعروفة من أقواله
وكان يميل أخيرا إلى القول بتوريث المسلم من الكافر الذمي وله في ذلك مصنف وبحث طويل
ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الافتاء بها محن وقلاقل قوله: بالتكفير في الحلف بالطلاق وإن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة وإن الطلاق المحرم لا يقع وله في ذلك مصنفات ومؤلفات
منها قاعدة كبيرة سماها: تحقيق الفرقان بين التطليق والإيمان نحو أربعين كراسة
وقاعدة سماها: الفرق بين الطلاق واليمين بقدر نصف ذلك
وقاعدة في أن جميع أيمان المسلمين مكفرة مجلد لطيف
وقاعدة في تقرير أن الحلف بالطلاق من الأيمان حقيقة
وقاعدة سماها: التفصيل بين التكفير والتحليل
وقاعدة سماها: اللمعة
وغير ذلك من القواعد والأجوبة في ذلك لا تنحصر ولا تنضبط والله سبحانه وتعالى أعلم
1 - 779 - مسألة: في شراء الجفان لعصير الزيت أو للوقيد أو لهما؟
الجواب: بيع الزيت جائز وإن لم يعلم مقدار زيته كما يجوز بيع حب القطن والزيتون ونحوهما من المنعصرات والمبيعات مجازفة وسواء اشتراه للعصير أو للوقيد لكن لا يجوز للعاصر أن يغش صاحبه وغذا كان قد اشترط أن تكون الجفنة أجرة لرب المعصرة بحيث قد تواطأ عليه العاصر على أن يبقى فيها زيتا له كان هذا غشا حراما وحرام شراءه للزيت
2 - 780 - مسألة: في رجل اشترى مسلم من ذمي عقارا ثم رمى نفسه عليه واشترى منه قسطين والتزم يمينا شرعية الوفاء إلى شهر فهل على أحد أن يعلمه حيلة وهو قادر
الجواب: الحمد لله إذا كان الغريم قادرا على الوفاء لم يكن لأحد أن يلزم رب الدين بترك مطالبته ولا يطلب منه حيلة لا حقيقة لها لأجل ذلك مثل أن يقبض منه ثم يعيد إليه فإن ذلك غير حقيقة الاستيفاء - وإن كان معسرا وجب إنظاهر واليمين المطلقة محمولة على حال القدرة لا على حال العجز والله تعالى أعلم
3 - 781 - مسألة: في مقرئ على وظيفة ثم أنه سافر واستناب شخصا ولم يشترط عليه فلما عاد قبض الجميع ولم يخرج من المكان فهل يستحق النائب المشروط كله أم لا؟
الجواب: الحمد لله نعم النائب يستحق المشروط كله لكن إذا عاد المستنيب فهو أحق بمكانه والله أعلم
باب اللقطة وغير ذلك
4 - 782 - مسألة: في رجل وجد لقطة وعرف بها بعض الناس بينه وبينه سرا أياما ولها عنده مدة سنين فما الحكم فيها؟
الجواب: الحمد لله لا يحل له مثل هذا التعريف بل عليه أن يعرفها تعريفا ظاهرا لكن على وجه مجمل بأن يقول من ضاع له نفقة أو نحو ذلك والله أعلم
5 - 783 - مسألة: في حجاج التقوا مع عرب قد قطعوا الطريق على الناس وأخذوا قماشهم فهربوا وتركوا جمالهم والقماش فهل يحل أخذ الجمال التي للحرامية والقماش الذي سرقوه أم لا؟
الجواب: الحمد لله ما أخذوه من مال الحجاج فإنه يجب رده إليهم إن أمكن فإن هذا كاللقطة يعرف سنة فإن جاء صاحبها فذاك إلا فلآخذها أن ينفقها بشرط ضمانها ولو أيس من وجود صاحبها فإنه يتصدق به ويصرف في مصالح المسلمين وكذلك كل مال لا يعرف مالكه من المغصوب والعوادي والودائع وما أخذ من الحرامية من أموال الناس أو ما هو منبوذ من أموال الناس كان هذا كله يتصدق به ويصرف في مصالح المسلمين
6 - 784 - مسألة: في سفينة غرقت في البحر ثم أنها انحدرت وهي معلومة إلى بعض البلاد وقد كان فيها جواز زيت حار ثم أن أهل القرية تعاونوا على المركب حتى أخرجوها إلى البر وقلبوها فطفى الزيت على وجه الماء وبقي رائحا مع الماء ثم أن أهل القرية جاءوا إلى البحر فوجدوا الزيت على الماء فجمع كل واحد ما قدر عليه والمركب قريبة منهم فهذا الزيت المجموع حلال أم حرام؟
ومركب رمان غرقت وجميع ما فيها انحدر في البحر فبقي كل أحد يجمع من ذلك ولم يعرف له صاحب فهل هو مما لا يعرف صاحبه حلال أم حرام؟
الجواب: الذين جمعوا الزيت على وجه الماء قد خلصوا مال المعصوم من التلف ولهم أجرة المثل والزيت لصاحبه وأما كون الزيت لصاحبه فلا أعلم فيه نزاعا إلا نزاعا قليلا فإنه يروى عن الحسن بأنه قال: هو لمن خلصه وأما وجوب أجرة المثل لمن خلصه فهذا فيه قولان للعلماء: أصحهما: وجوب الأجرة وهو منصوص أحمد وغيره لأن هذا المخلص متبرع وأصحاب القول يقولون: إن خلصوه لله تعالى فأجرهم على الله تعالى وإن خصلوه لأجل العوض فلهم العوض لأن ذلك لو لم يفعل لأفضى إلى هلاك الأموال لأن الناس لا يخلصوها من المهالك إذا عرفوا أنهم لا فائدة لهم في ذلك
والصحابة قد قالوا فيمن اشترى أموال المسلمين من الكفار: أنه يأخذه ممن اشتراه بالثمن لأنه هو الذي خلصه بذلك الثمن ولأن هذا المال كان مستهلكا لولا أخذ هذا وتخليصه عمل مباح ليس هو عاصيا فيه فيكون المال إذا حصل بعمل هذا والأصل لهذا فيكون مشتركا بينهما لكن لا تجب الشركة على البين فيجب أجرة المثل ولأن مثل هذا مأذون فيه من جهة العرف فإن عادة الناس أنهم يطلبون من يخلص لهم هذا بالأجرة والإجارة تثبت بالعرف والعادة كما دخل إلى حمام أو ركب سفينة بغير مشارطة وكمن دفع طعاما إلى طباخ وغسال بغير مشارطة ونظائر ذلك متعددة ولو كان المال حيوانا فخلصه من مهلكة ملكه كما ورد به الأثر لأن الحيوان له حرمة في نفسه بخلاف المتاع فإن حرمته لحرمة صاحبه فهناك تخليصه لحق الحيوان وهو بالمهلكة قد ييأس صاحبه بخلاف المتاع فإن صاحبه يقول للمخلص كان يجوز لك من حين أن أدعه أو الحق فيه لي فإذا لم تعطي حقي لم آذن لك في تخليصه
وأما الرمان إذا لم يعرف صاحبه فهو كاللقطة واللقطة إن رجي وجود صاحبها عرفت حولا وإن كانوا لا يرجون وجود صاحبه ففي تعريفه قولان لكن على القولين: لهم أن يأكلوا الرمان أو يبيعوه ويحفظوا ثمنه ثم يعرفوه بعد ذلك والله أعلم
7 - 785 - مسألة: في حكم من وجد لقطة
الجواب: يعرف سنة قريبا من المكان الذي وجدها فيه فإن لم يجد صاحبها بعد سنة فله أن يتصرف فيها وله أن يتصدق بها
8 - 786 - مسألة: في رجل لقي لقية في وسط فلاة وقد أنشد عليها إلى حيث دخل إلى بلده فهل هي حلال أم لا؟
الجواب: يعرفها سنة قريبا من المكان الذي وجدها فيه فإن لم يجد بعد سنة صاحبها فله أن يتصرف فيها وله أن يتصدق بها والله أعلم
9 - 787 - مسألة: جاء التتار وجفل الناس من بين أيديهم وخلفوا دوابا وإنائا من النحاس وغيره وضمه مسلم وطالت مدته ولم يظهر له صاحب ولا منشد وهو يستعمل الدواب والمتاع فما يصنع؟
الجواب: يجوز له أن يستعمله ويجوز له أن يتصدق به على من يتنفع به والله أعلم
10 - 788 - مسألة: فيمن وجد طفلا ومعه شيء من المال ثم رباه حتى بلغ من العمر شهرين فجاء رجل آخر لترضعه امرأته لله فلما كبر الطفل ادعت المرأة أنه ابنها وأنها ربته في حض أبيه فهل يقبل قولها؟ وهل يجب عليها أن تعطي الثاني ما أنفقته عليه ويلزم الرجل الأول ما وجد مع ابنه؟
الجواب: إذا كان الطفل مجهول النسب وادعت أنه ابنها قبل قولها في ذلك ويصرف من المال الذي وجد معه في نفقته مدة مقامه عند الملتقط والله أعلم
11 - 789 - مسألة: في رجل وجد فرسا لرجل من المسلمين مع أناس من العرب فأخذ الفرس منهم ثم أن الفرس مرض بحيث أنه لم يقدر على المشي فهل للآخذ بيع الفرس لصاحبها أم لا؟
الجواب: الحمد لله نعم يجوز بل يجب في هذه الحال أن يبيعه الذي استنقذه لصاحبه وإن لم يكن وكله في البيع وقد نص الأئمة على هذه المسألة ونظائرها ويحفظ الثمن والله أعلم
باب الهبة والصدقات والعطايا والهدايا وغيره
12 - 790 - مسألة: في رجل أقطع فدان طين وتركه بديوان الأحباس فزرعه ثم مات الجندي فترك عليه غيره فمنع من ذلك فأخذ توقيع السلطان المطلق له بأن يجري على عادته فمنعه وقد زرعه فهل له أجرة الأرض أم الزرع؟
الجواب: الحمد لله إذا كان المقطع أعطاه إياه من إقطاعه وخرج من ديوان الاقطاع إلى ديوان الأحباس الذي لا يقطع وأمضى ذلك فليس للمقطع الثاني انتزاعه
وأما إن كان المقطع الأول تبرع له من إقطاعه وللمقطع الثاني أن يتبرع وأن لا يتبرغ فالأمر موكول للثاني والزرع لمن زرعه ولصاحب الأرض أجرة المثل من حين أقطع إلى حين كمال الانتفاع وأما قبل اقطاعه فالمنفعة كانت للأول المتبرع لا للثاني والله أعلم
13 - 791 - مسألة: في الرجل يهب الرجل شيئا أما ابتداء أو أن يكون دينا عليه ثم يحصل بينهما شنآن فيرجع في هبته فهل له ذلك وإذا أنكر الهبة وحلف الموهوب إليه لا يستحق الواهب في ذمته شيئا هل يحنث أم لا؟
الجواب: الحمد لله ليس لواهب أن يرجع في هبته غير الوالد إلا أن تكون الهبة على جهة المعاوضة لفظا أو عرفا فإذا كانت لأجل عوض ولم يحصل فللواهب الرجوع فيه والله أعلم
14 - 792 - مسألة: في رجل توفت زوجته وخلفت أولا موجودات تحت يده وليس له قدرة أن يتزوج فهل له أن يشتري من موجود الأولاد جارية تخدمهم ويطأها أو يتزوج من مالهم؟
الجواب: الحمد لله إذا لم يكن ذلك مضرا بأولاده فله أن يتملك من مالهم ما يشتري به أمة يطأها وتخدمهم والله أعلم
15 - 793 - مسألة: في امرأة وهبت لزوجها كتابها ولم يكن لها أب سوى أخوة فهل لهم أن يمنعوها من ذلك؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين ليس لأخوتها عليها ولاية ولا حجر فإن كانت ممن يجوز تبرعها في مالها صحت هبتها سواء رضوا أو لم يرضوا والله أعلم
16 - 794 - مسألة: في رجل أعطى أولاده الكبار شيئا ثم أعطى لأولاده الصغار نظيره أنه قال: اشتروا بالريع ملكا وأوقفوه على الجميع بعد أن قبضوا ما أعطاهم فهل يكون هذا رجوعا أم لا؟
الجواب: الحمد لله لا يزول ملك الولدين المملكين بما ذكر إذ ليس ذلك رجوعا في الهبة ولو كان رجوعا في الهبة لم يجز له الرجوع في مثل هذه الهبة فإنه إذا أعطى الوالدين الآخرين ما عدل به بينهما وبين الباقين فليس له أن يرجع عن العدل الذي أمره الله به ورسوله كيف وقد قال النبي ﷺ: [ اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ]
وقال: [ إني لا أشهد على الجور ]
وقال في التفضيل: [ اردده ] وقال على سبيل التهديد للمفضل: [ أشهد على هذا غيري ] والله أعلم
17 - 795 - مسألة: في رجل قدم لأمير مملوكا على سبيل التعويض المعروف بين الناس من غير مبايعة فمكث الغلام عند الأمير مدة سنة يخدمه ثم مات الأمير فهل لصاحب المملوك التعلق على ورثة الأمير بوجه بثمن أو أجرة خدمة أو بحال من الأحوال
الجواب: نعم إذا وهبه بشرط الثواب لفظا أو عرفا فله أن يرجع في الموهوب ما لم يحصل له الثواب الذي استحقه إذا كان الموهوب باقيا وإن كان تالفا فله قيمته أو الثواب والثواب هنا هو العوض المشروط على الموهوب
18 - 796 - مسألة: في امرأة تملك زيادة عن نحو ألف درهم ونوت أن تهب ثيابها لبنتها فهل الأفضل أن تبقي قماشها لبنتها أو تحج بها؟
الجواب: الحمد لله نعم تحج بهذا المال وهو ألف درهم ونحوهما وتزوج البنت بالباقي إن شاءت فإن الحج فريضة مفروضة عليها إذا كانت تستطيع إليه سبيلا ومن لها هذا المال تستطيع السبيل
19 - 797 - مسألة: في رجل له جارية فأذن لولده أن يستمتع بالجارية المذكورة ويطأها ولم يصدر منه تمليك له بالجارية ولا هبة ولا غير ذلك وأن الجارية حصل لها ولد من ولد مالك الجارية المذكورة فهل يكون الإذن في الاستمتاع والوطئ تمليكا للولد وهل يكون الولد حرا وتكون الجارية أم ولد لولد مالك الجارية فيحرم بيعها للمالك والد الصبي الآذن لولده في استمتاعها ووطئها؟
الجواب: الحمد لله هذه المسألة تنبني على أصلين:
أحدهما: صفة العقود ومذهب مالك وأحمد في المشهور من مذهبه وغيرهما أن البيع والهبة والإجارة لا تفتقر إلى صيغة بل يثبت ذلك بالمعاطاة فما عده الناس بيعا أو هبة أو إجارة فهو كذلك ومذهب الشافعي المشهور: اعتبار الصيغة إلا في مواضع مستثناة وحيث كان ذلك بالصيغة لذلك عند الجمهور صيغة محدودة في الشرع بل المرجع في الصيغة المقيدة لذلك إلى عرف الخطاب وهذا مذهب الجمهور
ولذلك صححوا الهبة بمثل قوله: اعمرتك هذا الدار واطعمتك هذا الطعام وحملتك على هذه الدابة ونحو ذلك مما يفهم منه أهل الخطاب به الهبة وتجهيز المرأة بجهازها إلى بيت زوجها تمليك كما أفتى به أصحاب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما وذلك أن الله ذكر البيع والإجارة والعطية مطلقا في كتابه ليس لها حد في اللغة ولا الشرع فيرجع فيها إلى العرف والمقصود بالخطاب إفهام المعاني فأي لفظ دل عليه مقصود العقد انعقد به وعلى هذا قاعدة الناس إذا اشترى أحدهم لابنه أمة وقال: خذها لك استمتع بها ونحو ذلك كان هذا تمليكا عندهم
وأيضا فمن كان يعلم أن الأمة لا توطأ إلا بملك إذ أذن لابنه في الاستمتاع بها لا يكون مقصوده إلا تمليكها فإن كان قد حصل ما يدل على التمليك على قول جمهور العلماء وهو أصح قوليهم كان الابن واطئا في ملكه وولده حر لاحق النسب والأمة أم ولد له لا تباع ولا توهب ولا تورث وأما إن كان قدر أن الأب لم يصدر منه تمليك بحال واعتقد الابن أنه قد ملكها كان ولده أيضا حر أو نسبه لاحق ولا حد عليه وإن اعتقد الابن أيضا أنه لم يملكها ولكن وطئها بالإذن فهذا ينبني على الأصل الثاني
فإن العلماء اختلفوا فيمن وطئ أمة غيره بإذنه قال مالك: يملكها بالقيمة حبلت أو لم تحمل وقال الثلاثة: لا يملكها بذلك فعلى قول مالك هي أيضا ملك للولد وأم ولد له وولده حر وعلى قول الثلاثة: الأمة لا تصير أم ولد ولكن الولد هل يصير حرا مثل أن يطأ جارية امرأته بإذنها فيه عن أحمد روايتان:
إحداهما: لا يكون حرا وهذا مذهب أبي حنيفة وإن ظن أنها حلال له
والثاني: أن الولد يكون حرا وهذا هو الصحيح إذا ظن الواطئ أنها حلال فهو المنصوص عن الشافعي وأحمد في المرتهن فإذا وطئ الأمة المرهونة بإذن الراهن وظن أن ذلك جائز فإن ولده ينعقد حرا لأجل الشبهة فإن شبه الاعتقاد أو الملك يسقط الملك باتفاق الأئمة فكذلك يؤثر في حرية الولد ونسبه كما لو وطئها في نكاح فاسد أو ملك فاسد فإن الولد يكون حرا باتفاق الأئمة وأبو حنيفة يخالفهما في هذا ويقول: الولد مملوك وأما مالك فعنده أن الواطئ قد ملك الجارية بالوطء المأذون فيه وهل على هذا الوطئ بالإذن قيمة الولد فيه قولان للشافعي
أحدهما: وهو المنصوص عن أحمد: أنه لا تلزمه قيمته لأنه وطئ بإذن المالك فهو كما لو أتلف ماله بإذنه
والثاني: تلزمه قيمته وهو قول بعض أصحاب أحمد والشافعي من زعم أن هذا مذهبه قولا واحدا وأما المهر فلا يلزمه في مذهب أحمد ومالك وغيرهما وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يلزمه كما هو مذهب أبي حنيفة وكل موضع لا تصير الأمة ولد فإنه يجوز بيعها
20 - 798 - مسألة: في رجل وهب لأولاده مماليك ثم قصد عتقهم فهل الأفضل استرجاعهم منهم وعتقهم أو إبقاؤهم في يد الأولاد
الجواب: الحمد لله إن كان أولاده محتاجين إلى المماليك فتركهم لأولاده أفضل من استرجاعهم وعتقهم بل صلة ذي الرحم المحتاج أفضل من العتق كما ثبت في الصحيح: أن ميمونة زوج النبي ﷺ اعتقت جارية لها فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: [ لو أعطيتها أخوالك كان خيرا لك ] فإذا كان النبي ﷺ قد فضل إعطاء الخال على العتق فكيف الأولاد المحتاجون؟
وأما إن كن الأولاد مستغنين عن بعضهم ففقه حسن وله أن يرجع في هذه الهبة عند الشافعي وأحمد وغيرهما ولا يرجع فيها عند أبي حنيفة والله أعلم
21 - 799 - مسألة: في رجل مات وخلف ولدين ذكرين وبنتا وزوجة وقسم عليهم الميراث ثم أن لهم أختا بالمشرق فلما قدمت تطلب ميراثها فوجدت الولدين ماتا والزوجة أيضا ووجدت الموجود عند أختها فلما ادعت عليها وألزمت بذلك فخافت من القطيعة بينهما فأشهدت على نفسها أنها أبرأتها فلما حصل الإبراء معها حلف زوجها بالطلاق أن أختها لا تجيء إليها ولا هي تروح لها والمذكورة لم تهبها المال إلا لتحصل الصلة والمودة بينهما ولم يحصل غرضها فهل لها الرجوع في الهبة وهل يمنع الإبراء أن تدعي بذلك وتطلب أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين: إذا كانت قد قالت عند الهبة: أنا أهب أختي لتعينني على أموري ونتعاون أنا وهي في بلاد الغربة أو قالت لها أختها: هبيني هذا الميراث قالت: ما أهبك إلا لتخدميني في بلاد الغربة ثم أوهبتها أو جرى بينهما من الاتفاق ما يشبه ذلك بحيث وهبتها لأجل منفعة تحصل لها الغرض فلها أن تفسخ الهبة وترجع فيها فالعوض في مثل هذه الهبة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره: أن منفعته تكون بقدر قيمة ذلك والله أعلم
22 - 800 - مسألة: في رجل له أولاد وهب لهم ماله ووهب أحدهم نصيبه لولده وقد رجع الوالد الأول فيما وهبه لأولده فردوا عليه إلا الذي وهبه لولده امتنع فهل يلزمه أن ينتزعه من ولده ويسلمه لوالده؟
الجواب: الحمد لله إذا كان قد وهب لولده شيئا ولم يتعلق به حق الغير مثل أن يكون قد صار عليه دين أو زوجوه لأجل ذلك فله أن يرجع في ذلك والله أعلم
23 - 801 - مسألة: في امرأة أعطاها زوجها حقوقها في حال حياته ولها منه أولاد وأعطاها مبلغا عن صداقها لتنفع به نفسها وأولادها فإن ادعى عليها أحد وأراد أن يحلفها فهل يجوز لها أن تحلف لنفي الظلم عنها؟
الجواب: الحمد لله إذا وهب لأولاده منها ما وهبه وقبض ذلك ولم يكن فيه ظلم لأحد كان ذلك هبة صحيحة ولم يكن لأحد أن ينتزعه منها وإذا كان قد جعل نصيب الأولاد إليها حيا وميتا وهي أصل لم يكن لأحد أن ينزعه منها وإذا حلفت تحلف أن عندها للميت شيء والله أعلم
24 - 802 - مسألة: في دار لرجل وأنه تصدق منها بالنصف والربع على ولده لصلبه والباقي وهو الربع تصدق به على أخته شقيقته ثم بعد ذلك توفي ولده الذي كان تصدق عليه بالنصف والربع ثم أن المتصدق تصدق بجميع الدار على ابنته فهل تصح الصدقة الأخيرة ويبطل ما تصدق به أم لا؟
الجواب: إذا كان قد ملك أخته الربع تمليكا مقبوضا وملك ابنته الثلاثة أرباع فملك الأخت ينتقل إلى ورثتها لا إلى البنت وليس للمالك أن ينقله إلى ابنته والله أعلم
25 - 803 - مسألة: في رجل أهدى الأمير هدية لطلب حاجة أو التقرب أو للإشتغال بالخدمة عنده أو ما أشبه ذلك فله يجوز أخذ هذه الهدية على هذه الصورة أم لا وإن أخذ الهدية ابنعثت النفس إلى قضاء الشغل وإن لم يأخذ لم تنبعث النفس في قضاء الشغل فهل يجوز أخذها وقضاء شغله أو لا يأخذه ولا يقضي ورجل مسموع القول عند مخدومه إذا أعطوه شيئا للأكل أو هدية لغير قضاء حاجة فهل يجوز أخذها إن ردها على المهدي أنكسر خاطره فهل يحل أخذه هذه أم لا؟
الجواب: الحمد لله في سنن أبي داود وغيره: عن النبي ﷺ أنه قال: [ من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبوب الربا ]
وسئل ابن مسعود عن السحت فقال: هو أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدي لك هدية فتقبلها فقال له: أرأيت إن كانت هدية في باطل فقال: ذلك كفر ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون
ولهذا قال العلماء: إن من أهدى هدية لولي أمر ليفعل معه ما لا يجوز كان حراما على المهدي والمهدى إليه وهذه من الرشوة التي قال فيها النبي ﷺ: [ لعن الله الراشي والمرتشي ]
والرشوة تسمى البرطيل والبرطيل في اللغة هو الحجر المستطيل فاه
فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ وجاز للدافع أن يدفعها إليه كما كان النبي ﷺ يقول: [ إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا ] قيل يا رسول الله فلم تعطيهم قال: [ يأبوني إلا يسألوني ويأبى الله لي البخل ]
ومثل ذلك: إعطاء من أعتق وكتم عتقه أو أسر خبرا أو كان ظالما للناس فإعطاء هؤلاء جائز للمعطي حرام عليهم أخذه
وأما الهدية في الشفاعة مثل: أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة أو يوصل إليه حقه أو يوليه ولاية يستحقها أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القرآء أو النساك أو غيرهم وهو من أهل الاستحقاق ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب أو ترك محرم فهذه أيضا لا يجوز قبول الهدية ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر
وقد رخص بعض المتأخرين من الفقهاء في ذلك وجعل هذا من باب الجعالة وهذا مخالف للسنة وأقوال الصحابة والأئمة فهو غلط لأن مثل هذا العمل هو من المصالح العامة التي يكون القيام بها فرضا أما على الأعيان وأما على الكفاية ومتى شرع أخذ الجعل على مثل هذا لزم أن تكون الولاية وإعطاء أموال الفيء والصدقات وغيرها لمن يبذل في ذلك ولزم أن يكون كف الظلم عمن يبذل في ذلك والذي لا يبذل لا يولي ولا يعطي ولا يكف عنه الظلم وإن كان أحق وأنفع للمسلمين من هذا والمنفعة في هذا ليست لهذا الباذل حتى يؤخذ منه الجعل كالجعل على الآبق والشارد وإنما المنفعة لعموم الناس أعني المسلمين فإنه يجب أن يولي في كل مرتبة أصلح من يقدر عليها وأن يرزق من رزق المقاتلة والأئمة والمؤذنين وأهل العلم الذين هم أحق الناس وأنفعهم للمسلمين وهذا واجب على الإمام وعلى الأمة أن يعاونوه على ذلك فأخذ جعل من شخص معين على ذلك يفضي إلى أن تطلب هذه الأمور بالعوض ونفس طلبات الولايات منهي عنه فكيف بالعوض ولزم أن من كان ممكنا فيها يولي ويعطي وإن كان غيره أحق وأولى بل يلزم تولية الجاهل والفاسق والفاجر وترك العالم العادل القادر وأن يرزق في ديوان المقاتلة الفاسق والجبان العاجز عن القتال وترك العدل الشجاع النافع للمسلمين وفساد مثل هذا كثير وإذا أخذ وشفع لمن لا يستحق وغيره أولى فليس له أن يأخذ ولا يشفع وتركهما خير وإذا أخذ وشفع لمن هو الأحق الأولى وترك من لا يستحق فحينئذ ترك الشفاعة والأخذ أضر من الشفاعة لمن لا يستحق
ويقال لهذا الشافع الذي له الحاجة التي تقبل بها الشفاعة: يجب عليك أن تكون ناصحا لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ولو لم يكن لك هذا الجاه والمال فكيف إذا كان لك هذا الجاه والمال فأنت عليك أن تنصح المشفوع إليه فتبين له من يستحق الولاية والاستخدام والعطاء ومن لا يستحق ذلك وتنصح للمسلمين بفعل مثل ذلك وتنصح لله ولرسوله بطاعته فإن هذا من أعظم طاعته وتنفع هذا المستحق بمعاونته على ذلك كما عليك أن تصلي وتصوم وتجاهد في سبيل الله
وأما الرجل المسموع الكلام فإذا أكل قدرا زائدا عن الضيافة الشرعية فلا بد له أن يكاف المطعم بمثل ذلك أو لا يأكل القدر الزائد وإلا فقبوله الضيافة الزائدة مثل قبوله للهدية وهو من جنس الشاهد والشافع إذا أدى الشهادة وأقام بالشفاعة لضيافة أو جعل فإن هذا من أسباب الفساد والله أعلم
- 26 / 804 مسألة: في رجل تبرع وقرض لأمه على نفسه وهي صحيحة عاقلة في كل يوم درهمين وأذن لها أن تستدين وتنق عليها وترجع عليه وبقيت مقيمة عنده مدة ولم تستدن لها نفقة ثم توفيت ولم تترك عليها دينا وخلفت من الورثة ابنها هذا وبنتين ثم توفي ابنها بعدها فهل يصير ما فرض على نفسه دينا في ذمته يؤخذ من تركته وبقسم على ورثتها أم لا؟
وهل إذا حكم حاكم مع قولكم النفقة تسقط بمضي المدة هل ينفذ حكمه أم لا؟
وهل يجب استرجاع ما أخذ ورثتها من تركة ولدها بهذا الوجه أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين ليس ذاك دينا في ذمته ولا يقضي من تركته والمستحقة ورثتها وما علمت أن أحدا من العلماء قال أن نفقة القريب تثبت في الذمة لما مضى من الزمان إلا إذا كان قد استدان عليه النفقة بإذن حاكم أو أنفق بغير إذن حاكم غير متبرع وطلب الرجوع بما أنفق فهذا في رجوعه خلاف
فأما استقرارها في الذمة بمجرد الفرض أما بانفاق متبرع أو بكسبه كما يقال مثله في نفقة الزوجة فما علمت له قائلا فإذا كان الحكم مخالفا للإجماع لم يلزم بحكم حاكم ولمن أخذ منه المال بغير حق أن يرجع بما أخذه ومذهب أبي حنيفة: تسقط بمضي الزمان وإن قضى بها القاضي إلا أن يأذن القاضي في الإستدانة لأن للقاضي ولاية عامة فصار كإذن الغائب وذكر بعضهم في قضاء القاضي هل يصير به دينا روايتين: لكن حملوا رواية الوجوب على ما إذا أمر بالاستدانة والانفاق عليهم ويرجع بذلك وكذا إذا كان الزوج موسرا وتمرد وامتنع عن الإنفاق فطلبت المرأة أن يأمرها بالاستدانة فأمرها القاضي بذلك وترجع عليه لأن أمر القاضي كأمره ولو قضى القاضي لها بالنفقة فأمرها بالاستدانة على الزوج لئلا يبطل حقها في النفقة بموت أحدهما لأن النفقة تسقط بموت أحدهما فكانت فائدة الأمر بالإستدانة لتأكيدها حقها في النفقة لأن القاضي مأمور بإيصال الحق إلى المستحق وهذه طريقة لكن لو أمر القريب بالاستدانة ولم يستدن بل استغنى بنفقة متبرع أو بكسب له فقد فهم القاضي شمس الدين أن النفقة تستقر في الذمة بهذه الصورة لإطلاقهم الأمر بالاستدانة من غير اشتراط وجود الاستدانة وغيره إنما فهم أن الاستدانة لأجل وجود الاستدانة وأما الإذن من غير وجودها لا يصير المأذون فيه دينا حتى يستدان
27 - 805 - مسألة: في رجل اشترى عبدا ووهبه شيئا حتى أثرى العبد ثم ظهر أن العبد كان حرا فهل يأخذ منه ما وهبه ظنا منه أنه عبده؟
الجواب: نعم له أخذه
28 - 806 - مسألة: في امرأة أعتقت جارية دون البيوع وكتبت لها أموالها ولم تزل تحت يدها إلى حال وفاتها أي السيدة المعتقة وخلفت ورثة فهل يصح تمليكها للجارية أم للورثة انتزاعها أو بعضها؟
الجواب: الحمد لله أما مجرد التمليك بدون القبض الشرعي فلا يلزم به عقد الهبة بل للوارث أن ينتزع ذلك وكذلك إن كانت هبة تلجئة بحيث توهب في الظاهر وتقبض مع اتفاق الواهب والموهوب له على أنه ينتزعه منه إذا شاء ونحو ذلك من الحيل التي تجعل طريقا إلى منع الوارث أو الغريم حقوقهم فإذا كان الأمر كذلك كانت أيضا هبة باطلة والله أعلم
29 - 807 - مسألة: في رجل وهب لإنسان فرسا ثم بعد ذلك بمدة طلب الواهب منه أجرتها فقال له: ما أقدر على شيء إلا فرسك خذها قال الواهب: ما آخذها إلا أن تعطيني أجرتها فهل يجوز ذلك؟ وتجوز له أجرة أم لا؟
الجواب: إذا أعاد إليه العين الموهوبة فلا شيء له غير ذلك وليس له المطالبة بأجرتها ولا مطالبته بالضمان فإنه كان ضامنا لها وكان يطعمها بانتفاعه بها مقابلة لذلك
30 - 808 - مسألة: في رجل تصدق على ولده بصدقة ونزلها في كتاب زوجته وقد ضعف حال الولد وجفاه ولده فهل له الرجوع في هبته أم لا؟
الجواب: إذا كان قد أعطاه للمرأة في صداق زوجته لم يكن للإنسان أن يرجع فيه باتفاق العلماء
31 - 809 - مسألة: في رجل أعطاه أخ له شيئا من الدنيا أيقبله أم يرده؟ وقد ورد من جاءه شيء بغير سؤال فرده فكأنما رده على الله هل هو صحيح أم لا؟
الجواب: قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لعمر: [ ما أتاك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك ]
وثبت أيضا في الصحيح [ أن حكيم بن حزام سأله فأعطاه ثم سأله فأعطاه ثم سأله فأعطاه ثم قال: يا حكيم ما أكثر مسألتك إن هذه المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه فكان كالذي يأكل ولا يشبع فقال له حكيم: والذي بعثك بالحق لا أرزق بعدك من أحد شيئا ] فكان أبو بكر وعمر يعطيانه فلا يأخذ
فتبين بهذه الحديثين أن الإنسان إذا كان سائلا بلسانه أو مشرفا إلى ما يعطاه فلا ينبغي أن يقبله إلا حيث تباح له المسألة والاستشراف وأما إذا أتاه من غير مسألة ولا إشراف فله أخذه إن كان الذي أعطاه أعطاه حقه كما أعطى النبي ﷺ عمر من بيت المال فإنه قد عمل له فأعطاه عمالته وله أن لا يقبله كما فعل حكيم بن حزام وقد تنازع العلماء في وجوب القبول والنزاع مشهور في مذهب أحمد وغيره وإن كان أعطاه ما لا يستحقه عليه فإن قبله وكان من غير إشراف له عليه فقد أحسن وأما الغني فينبغي له أن يكافئ بالمال من أسداه إليه لخبر [ من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا له ما تكافئوه فادعوا له حتى يعلم أن قد كافأتموه ]
32 - 810 - مسألة: في رجل وهب لزوجته ألف درهم وكتب عليه بها حجة يقبضها شيئا وماتت وقد طالبه ورثتها بالمبلغ فهل له أن يرجع في الهبة؟
الجواب: الحمد لله إذا لم يكن لها في ذمته شيء قبل ذلك لا هذا المبلغ أو ما يصلح أن يكون هذا المبلغ عوضا عنه مثل: أن يكون قد أخذ بعض صالحها عن قيمته بهذا المبلغ ونحو ذلك فإنه لا يستحق ورثتها شيئا من هذا الدين في نفس الأمر فإن كان إقراره فله أن يحلفهم أنهم لا يعلمون أن دين هذا الأقرار يخالف ظاهره وإذا قامت بينة على المقر والمقر له بأن هذا إقرار تلجئه فلا حقيقة له ولو كان قيمة ما أقربه من مالها أقل من هذا المبلغ فصالحها على أكثر من قيمته ففي لزوم هذه الزيادة نزاع بين العلماء تبطله طوائف من أصحاب الشافعي وأحمد ويصححه أبو حنيفة وهو قياس قول أحمد وغيره وهو الصحيح والله أعلم
33 - 811 - مسألة: في رجل له أولاد ذكور وإناث فنحل البنات دون الذكور قبل وفاته فهل يبقى في ذمته شيء أم لا؟
الجواب: لا يحل له أن ينحل بعض أولاده دون بعض بل عليه أن يعدل بينهم كما أمر النبي ﷺ حيث قال: [ اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ]
وكان رجل قد نحل بعض أولاده وطلب أن يشهده فقال: [ إني لا أشهد على جور ]
وأمره برد ذلك فإن كان ذلك بالكلام ولم يسلم إلى البنات ما أعطاهم حتى مات أو مرض مرض الموت فهذا مردود باتفاق الأئمة وإن كان فيه خلاف شاذ وإن كان قد أقبضهم في الصحة ففي رده قولان للعلماء والله أعلم
34 - 812 - مسألة: في الصدقة والهدية أيهما أفضل؟
الجواب: الحمد لله الصدقة ما يعطى لوجه الله عبادة محضة من غير قصد في شخص معين ولا طلب غرض من جهته لكن يوضع في مواضع الصدقة كأهل الحاجات وأما الهدية فيقصد بها إكرام شخص معين إما لمحبة وإما لصداقة وإما لطلب حاجة ولهذا كان النبي ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها فلا يكون لأحد عليه منة ولا يأكل أوساخ الناس التي يتطهرون بها من ذنوبهم وهي الصدقات ولم يكن يأكل الصدقة لذلك وغيره وإذا تبين ذلك فالصدقة أفضل إلا أن يكون في الهدية معنى تكون به أفضل من الصدقة مثل الإهداء لرسول الله ﷺ محبة له ومثل الإهداء لقريب يصل به رحمه وأخ له في الله فهذا قد يكون أفضل من الصدقة
35 - 813 - مسألة: في رجل وهب لابنته مصاغا ولم يتعلق به حق لأحد وحلف بالطلاق أن لا يأخذ منها شيئا منه واحتاج أن يأخذ منها شيئا فهل له أن يرجع في هبته أم لا؟ وإن أعطته شيئا من طيب نفسها هل يحنث أم لا؟
الجواب: الحمد لله له أن يرجع فيما وهبه لها لكنه إن فعل المحلوف عليه حنث فإن كان قصده أن لا يأخذ شيئا بغير طيب قلبها أو بغير إذنها فإذا طابت نفسها أو أذنت لم يحنث
36 - 814 - مسألة: في رجل أهدى إلى ملك عبدا ثم أن المهدي إليه مات وولي مكانه ملك آخر فهل يجوز له عتق ذلك؟
الجواب: الأرقاء الذين يشترون بمال المسلمين: كالخيل والسلاح الذي يشترى بمال المسلمين أو يهدى لملوك المسلمين وذلك من أموال بيت المال فإذا تصرف فيهم الملك الثاني بعتق أو إعطاء فهو بمنزلة تصرف الأول له وهل بالاعتاق والإعطاء ينفذ تصرف الثاني كما ينفذ تصرف الأول نعم وهذا مذهب الأئمة كلهم والله أعلم
37 - 815 - مسألة: في امرأة لها أولاد غير اشقاء فخصصت أحد الأولاد وتصدقت عليه بحصة من ملك دون بقية أخوته ثم توفيت المذكورة وهي مقيمة بالمكان المتصدق به فهل تصح الصدقة أم لا؟
الجواب: الحمد لله إذا لم يقبضها حتى مات بطلت الهبة في المشهور من مذهب الأئمة الأربعة وإن أقبضه إياه لم يجز على الصحيح أن يختص به الموهوب له بل يكون مشتركا بينه وبين إخوته والله أعلم
38 - 816 - مسألة: في امرأة تصدقت على ولدها في حال صحتها وسلامتها بحصة من كل ما يحتمل القسمة من مدة تزيد على عشر سنين وماتت المتصدقة ثم تصدق المتصدق عليه بجميع ما تصدقت به والدته عليه على ولده في حياته وثبت ذلك جميعه بعد وفاة المتصدقة الأولى عند بعض القضاء وحكم به فهل لبقية الورثة أن تبطل ذلك بحكم استمراره بالسكنى بعد تسليمه لولدها المتصدق عليه أم لا؟
الجواب: الحمد لله إذا كانت هذه الصدقة لم تخرج عن يد المتصدق حتى مات بطلت باتفاق الأئمة في أقوالهم المشهورة وإذا أثبت الحاكم ذلك لم يكن إثباته لذلك العقد موجبا لصحته وأم الحكم بصحته وله ورثة والحالة هذه فلا يفعل ذلك حاكم عالم إلا أن تكون القضية ليست على هذه الصفة فلا يكون حينئذ حاكما
وأما أن تكون الصدقة قد أخرجها المتصدق عن يده إلى من تصدق عليه وسلمها التسليم الشرعي فهذه مسألة معروفة عند العلماء فإن لم يكن المعطي أعطى بقية الأولاد مثل ذلك وإلا وجب عليه أن يرد ذلك أو يعطي الباقين مثل ذلك لما ثبت في الصحيح عن النعمان بن بشير قال نحلني أبي غلاما قالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ فأتيت النبي ﷺ وقلت: إني نحلت ابني غلاما وأن أمه قالت لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ قال: لك ولد غيره قلت: نعم قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قلت: لا قال: [ أشهد على هذا غيري ]
وفي رواية: [ لا تشهدني فإني لا أشهد على جور واتقوا الله واعدلوا بين أولادكم أردده فرده ] والله أعلم
39 - 817 - مسألة: في رجل ملك بنته ملكا ثم ماتت وخلفت والدها وولدها فهل يجوز للرجل أن يرجع فيما كتبه لبنته أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين ما ملكته البنت ملكا تاما مقبوضا ماتت انتقل إلى ورثتها فلأبيها السدس والباقي لإبنها إذا لم يكن لها وارث وليس له الرجوع بعد موت البنت فيما ملكها بالاتفاق
40 - 818 - مسألة: فيمن وهب لابنه هبة ثم تصرف فيها وادعى أنها ملكه فهل يتضمن هذا الرجوع في الهبة أم لا؟
الجواب: نعم يتضمن ذلك الرجوع والله أعلم
41 - 819 - مسألة: في رجل قدم لبعض الأكابر غلاما والعادة جارية إذا قدم يعطى ثمنه أو نظير الثمن فلم يعط شيئا وتزوج وجاءه أولاد وتوفي فهل أولاده أحرار أم لا وهل يرث الأولاد المالك الأصل صاحب العهدة أم لا؟
الجواب: الحمد لله إذا كانت العادة الجارية بالتعويض وأعطاه على هذا الشرط فإنه يستحق أحد الأمرين إما التعويض وإما الرجوع في الموهوب وأما المملوك فإنه إذا لم يعتقه الموهوب له فإنه يكون باقيا على ملكه وأما أولاده فيتبعون أمهم فإن كانت حرة فهم أحرار وإن كانت مملوكة فهم ملك لمالكها لا لمالك الأب إذ الأولاد في المذاهب الأربعة وغيرها يتبعون أمهم في الحرية والرق ويتبعون أباهم في النسب والولاء وإذا لم يرجع الواهب حتى فات الرجوع فله أن يطلب الموهوب له بالتعويض إن كان حيا وفي تركته إن كان ميتا كسائر الديون وإن كان قد عتق وله أولاد من حرة فهم أحرار
42 - 820 - مسألة: في رجل عليه دين وله مال يستغرق الدين ويفضل عليه من الدين وأوهب في مرض موته لمملوك معتوق من ذلك المال فهل لأهل الدين استرجاعه أم لا؟
الجواب: الحمد لله نعم إذا كان عليه دين مستغرق لماله فليس له في مرض الموت أن يتبرع لأحد بهبة ولا محاباة ولا إبراء من دين إلا بإجازة الغرماء بل ليس للورثة حق إلا بعد وفاء الدين وهذا باتفاق المسلمين كما أن النبي ﷺ قضى بالدين قبل الوصية والتبرع في مرض الموت كالوصية باتفاق الأئمة الأربعة
43 - 821 - مسألة: في رجل له بنتان ومطلقة حامل وكتب لابنتيه ألفي دينار وأربع أملاك ثم بعد ذلك ولد للمطلقة ولد ذكر ولم يكتب له شيئا ثم بعد ذلك توفي الوالد وخلف موجودا خارج عما كتبه لبنتيه وقسم الموجود بينهم على حكم الفريضة الشرعية فهل يفسخ ما كتب للبنات أم لا؟
الجواب: هذه المسألة فيها نزاع بين أهل العلم إن كان قد ملك البنات تمليكا تاما مقبوضا فأما أن يكون كتب لهن في ذمته ألفي دينار من غير إقباض أو أعطاهن شيئا ولم يقبضه لهن فهذا العقد مفسوخ ويقسم الجميع بين الذكر والأنثيين وأما مع حصول القبض ففيه نزع وقد روى أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده فلما مات ولد له حمل فأمر أبو بكر وعمر أن يعطي الحمل نصيبه من الميراث فلهذا ينبغي أن يفعل بهذا كذلك فإن النبي ﷺ قال: [ اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ]
وقال: [ إني لا أشهد على جور ] لمن أراد تخصيص بعض أولاده بالعطية
وعلى البنات أن يتقين الله ويعطين الابن حقه وقول النبي ﷺ الذي خصص بعض أولاده: [ أشهد على هذا غيري ] تهديدا له فإنه قال: [ أردده ] وقد رده ذلك الرجل
وأما إذا أوصي لهن بعد موته فهي غير لامة باتفاق العلماء والصحيح من قولي العلماء أن هذا والذي خص بناته بالعطية دون حمله يجب عليه أن يرد ذلك في حياته كما أمر النبي ﷺ وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضا طاعة لله ولرسوله واتباعا للعدل الذي أمر به واقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به والله سبحانه وتعالى أعلم
44 - 822 - مسألة: في صداق المرأة على زوجها تمر عليه السنون المتوالية لا يمكنها مطالبته به لئلا يقع بينهما فرقة ثم أنها تتعوض عن صداقها بعقار أو يدفع إليها الصداق بعد مدة من السنين فهل تجب زكاة السنين الماضية أم إلى أن يحول الحول من حين قبضت الصداق
الجواب: الحمد لله هذه المسألة فيها للعلماء أقوال: قيل: يجب تزكية السنين الماضية سواء كان الزوج موسرا أو معسرا كأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وقد نصره طائفة من أصحابهما
وقيل: تجب مع يساره وتمكنها من قبضها دون ما إذا لم يمكن تمكينه من القبض كالقول الآخر في مذهبهما
وقيل: تجب لسنة واحدة: كقول مالك وقول في مذهب أحمد
وقيل: لا تجب بحال كقول أبي حنيفة وقول في مذهب أحمد
وأضعف الأقوال قول من يوجبها للسنين الماضية حتى مع العجز عن قبضه فإن هذا القول باطل فأما أن يجب لهم ما يأخذونه مع أنه لم يحصل له شيء فهذا ممتنع في الشريعة ثم إذا طال الزمان كانت الزكاة أكثر من المال ثم إذا نقص النصاب وقيل إن الزكاة تجب في عين النصاب لم يعلم الواجب إلا بحساب طويل يمتنع إتيان الشريعة به
وأقرب الأقوال قول من لا يجوب فيه شيئا بحال حتى يحول عليه الحول أو يوجب فيه زكاة واحدة عن القبض فهذا القول له وجه وهذا وجه وهذا قول أبي حنيفة وهذا قول مالك وكلاهما قيل به في مذهب أحمد والله أعلم
45 - 823 - مسألة: فيمن دفع مال يتيم إلى عامل يشتري به ثمرة مضاربة ومعه آخر أمينا عليه وله النصف ولك منهما الربع فخسر المال وانفرد العامل بالعمل لتعذر الآخر وكانت الشركة بعد تأبير الثمرة وأفتى بعضهم بفسادها وأن على العامل وولي اليتيم ضمان ما صرف من ماله
الجواب: هذه الشركة في صحتها خلاف والأظهر صحتها وسواء كانت صحيحة أو فاسدة فإن كان ولي اليتيم فرط فيما فعله ضمن وأما إذا فعل ما ظهره المصلحة فلا ضمان عليه لجناية من عامله وأما العامل فإن خان أو فرط فعليه الضمان وإلا فلا ضمان عليه ولو كان العقد فاسدا كان ما يضمن بالعقد الصحيح يضمن بالفاسد وما لا يضمن بالعقد الصحيح لا يضمن بالعقد الفاسد وعلى كل منهما اليمين في نفي الجناية والتفريط
46 - 824 - مسألة: في مضارب رفعه صاحب المال إلى الحاكم وطلب منه لجميع المال وحكم عليه الحاكم بذلك فدفع إليه البعض وطلب منه الإنظار بالباقي فانظره وضمن على وجهه فسافر المضارب عن البلد مدة فهل تبطل الشركة برفعه إلى الحاكم وحكم الحاكم عليه بدفع المبلغ وإنظاره وهل يضمن في ذمته؟
الجواب: نعم تنفسخ الشركة بمطالبته المذكورة ويضمن المال في ذمته بالسفر المذكور بتأخير التسليم مع الإمكان عن وقت وجوبه
47 - 825 - مسألة: في ضمان بساتين بدمشق وأن الجيش المنصور لما كسر العدو وقدم إلى دمشق ونزل في البساتين رعى زرعهم وغلالهم فاستهلكت الغلال بسبب ذلك فهل لهم الإجابة في ذلك؟
الجواب: إتلاف الجيش الذي لا يمكن تضمينه هو من الآفات السماوية كالجراد وإذا تلف الزرع بآفة سماوية قبل تمكن الآخر من حصاده فهل توضع فيه الجائحة كما توضع في التمر المشتري على قولين للعلماء أصحهما وأشبههما بالكتاب والسنة والعدل: وضع الجائحة
48 - 826 - مسألة: في ضمان بساتين وأنهم لما سمعوا بقدوم العدو المخذول دخلوا إلى المدينة وغلقت أبواب المدينة ولم يبق لهم سبيل إلى البساتين ونهب زرعهم وغلتهم أستهلكت فهل لهم الاجاحة في ذلك؟
الجواب: الخوف العام الذي يمنع من الانتفاع هو من الآفات السماوية وإذا تلفت الزروع بآفة سماوية فهل توضع الجائحة فيه كما توضع في الثمرة كما نص النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم حيث قال النبي ﷺ: [ إذا بعت أخاك ثمرة فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئا بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ]
اختلفوا في الزرع إذا تلف قبل تمكن المستأجر من حصاده هل توضع فيه الجائحة على قولين أشبههما بالمنصوص والأصول أنها توضع والله أعلم
49 - 827 - وسئل: عن امرأة أعتقت جارية دون البلوغ وكتبت لها أموالها ولم تزل تحت يدها إلى حال وفاتها أي السيدة المعتقة وخلفت ورثة فهل يصح تمليكها للجارية؟ أم للورثة انتزاعها؟ أو بعضها؟
فأجاب: الحمد لله أما مجرد التمليك بدون القبض الشرعي فلا يلزم به عقد الهبة بل للوارث أن ينتزع ذلك وكذلك إن كانت هبة تلجئه بحيث توهب في الظاهر وتقبض مع اتفاق الواهب والموهوب له على أنه ينتزعه منه إذا شاء ونحو ذلك من الحيل التي تجعل طريقا إلى منع الوارث أو الغريم حقوقهم فإذا كان الأمر كذلك: كانت أيضا هبة باطلة والله أعلم
50 - 828 - وسئل: عمن أشهد على أبيه أن عنده ثلاثمائة [ في ] حجة عن فلانة فقال ورثتها: لا يخرج إلا بثلثها فقال المشهود عليه: أمي تبرع بها فما الحكم؟
فأجاب: مجرد هذا الإشهاد لا يوجب أن يكون هذا المال تركة مخلفة يستحق الورثة ثلثيها لاحتمال أن لا يكون من مال المرأة ولاحتمال أن يكون حجة الإسلام الخارجة من صلب التركة والله أعلم
51 - 829 - مسألة: في الصدقة على المحتاجين من الأهل وغيره
فإن كان مال الإنسان لا يتسع للأقارب والأباعد فإن نفقة القريب واجبة عليه فلا يعطي البعيد ما يضر بالقريب وأما الزكاة والكفارة فيجوز أن يعطي منها القريب الذي لا ينفق عليه والقريب أولى إذا استوت الحاجة
52 - 830 - مسألة: في تاجر هل يجوز أن يخرج من زكاته الواجبة عليه صنفا يحتاج إليه؟ وهل إذا مات إنسان وعليه دين له فهل يجوز أن يعطي أحدا من أقارب الميت إن كان مستحقا للزكاة ثم يستوفيه منه؟ وهل إذا أخرج زكاته على أهل بلد آخر مسافة القصر هل يجزئه أم لا؟
الجواب: الحمد لله إذا أعطاه دراهم أجزأ بلا ريب وأما إذا أعطاه القيمة ففيه نزاع هل يجوز مطلقا أو لا يجوز مطلقا أو يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره وهذا القول هو أعدل الأقوال فإن كان آخذ الزكاة يريد أن يشتري بها كسوة فاشترى رب المال له بها كسوة وأعطاه فقد أحسن إليه وأما إذا قوم هو الثياب التي عنده وأعطاها فقد يقومها بأكثر من السعر وقد يأخذ الثياب من لا يحتاج إليها بل يبيعها فيغرم أجرة المنادي وربما خسرت فيكون في ذلك ضرر على الفقراء
والأصناف التي يتجر فيها يجوز أن يخرج عنها جميعا دراهم بالقيمة فإن لم يكن عنده دراهم فأعطى ثمنها بالقيمة فالأظهر أنه لا يجوز لأنه واسى الفقراء فأعطاهم من جنس ماله وأما الدين الذي على الميت فيجوز أن يوفي من الزكاة في أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن الله تعالى قال: { والغارمين } ولم يقل: وللغارمين فالغارم لا يشترط تمليكه على هذا وعلى هذا يجوز الوفاء عنه وإن يملك لوارثه ولغيره ولكن الذي عليه الدين لا يعطي ليستوفي دينه والله أعلم
53 - 831 - مسألة: وما يقول سيدنا في النساجين إذا لبسوا نساجتهم بعجين أو لباب وبين ذلك للمشتري هل يجوز له ذلك أم لا وإذا لم يبين للمشتري ذلك فهل يحرم على المدلس ثمن ذلك أم لا أفتونا مأجورين رضي الله عنهاكم
فأجاب: وبيع المغشوش الذي يعرف قدر غشه: إذا عرف المشتري بذلك ولم يدلسه على غيره جائز: كالمعاملة بدراهمنا المغشوشة وأما إذا كان قدره مجهولا كاللبن الذي يخلط بالماء ولا يقدر قدر الماء فهذا منهى عنه وإن علم المشتري أنه مغشوش ومن باع مغشوشا لم يحرم عليه من الثمن إلا مقدار ثمن الغش فعليه أن يعطيه لصاحبه أو يتصدق به عنه إن تعذر رده مثل أن يبيع معيبا مغشوشا بعشرة وقيمته لو كان سالما عشرة وبالعيب قيمته ثمانية فعليه أن عرف اشترى أن يدفع إليه الدرهمين إن اختار وإلا رد إليه المبيع وإن لم يعرفه تصدق عنه بالدرهمين والله أعلم