التعزير
727 - 81 - مسألة: في رجل من أمراء المسلمين له مماليك وعنده غلمان: فهل له أن يقيم على أحدهم حدا إذا ارتكبه؟ وهل له أن يأمرهم بواجب إذا تركوه كالصلوات الخمس ونحوها؟ وما صفة السوط الذي يعاقبهم به؟
الجواب: الحمد لله الذي يجب عليه أن يأمرهم كلهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر والبغي وأقل ما يفعل أنه إذا استأجر أجيرا منهم يشترط عليه ما يشترطه من الأعمال ومتى خرج واحد منهم عن ذلك طرده
وإذا كان قادرا على عقوبتهم بحيث يقره السلطان على ذلك في العرف الذي اعتاده الناس وغيره لا يعاقبهم على ذلك لكونهم تحت حمايته ونحو ذلك فينبغي له أن يعزرهم على ذلك إذا لم يؤدوا الواجبات ويتركوا المحرمات إلا بالعقوبة وهو المخاطب بذلك حينئذ فإنه هو القادر عليه وغيره لا يقدر على ذلك مراعاة له فإن لم يستطع أن يقيم هو الواجب ولم يقم غيره بالواجب صار الجميع مستحقين العقوبة قال النبي ﷺ: [ إن الناس إذا رأوا منكم المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ] وقال: [ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ] لا سيما إذا كان يضربهم لما يتركونه من حقوقه فمن القبيح أن يعاقبهم على حقوقه ولا يعاقبهم على حقوق الله
والتأديب يكون بسوط معتدل وضرب معتدل ولا يضرب الوجه ولا المقاتل
82 - 728 - مسألة: في رجل يسفه على والديه: فما يجب عليه؟
الجواب: إذا شتم الرجل أباه واعتدى عليه فإنه يجب أن يعاقب عقوبة بليغة تردعه وأمثاله عن مثل ذلك بل وأبلغ من ذلك أنه قد ثبت عن النبي ﷺ في الصحيحين [ أنه قال: من الكبائر أن يسب الرجل والديه قالوا: وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ] فإذا كان النبي ﷺ قد جعل من الكبائر أن يسب الرجل أبا غيره لئلا يسب أباه فكيف إذا سب هو أباه مباشرة: فهذا يستحق العقوبة التي تمنعه عن عقوق الوالدين الذي قرن الله حقهما بحقه حيث قال: { أن اشكر لي ولوالديك } وقال تعالى: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } فكيف بسبهما؟ !
83 - 729 - مسألة: في رجل من أكابر مقدمي العسكر معروف بالخير والدين وكذب عليه بعض المكاسين حتى ضربه وعلقه وطاف به على حمار وحبسه بعد ذلك هل يجب على ولي الأمر ضرب من ظلمه؟
الجواب: من كذب عليه وظلمه حتى فعل به ذلك فإنه تجب عقوبته التي تزجره وأمثاله في مثل ذلك باتفاق المسلمين بل جمهور السلف يثبتون القصاص في مثل ذلك فمن ضرب غيره وجرحه بغير حق فإنه يفعل به كما فعل كما قال عمر بن الخطاب: أيها الناس إني لم أبعث عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ولكن ليعلموكم كتاب الله وسنة نبيكم ويقسموا بينكم فيئكم فلا يبلغني أن أحدا ضربه عامله بغير حق إلا أقدته فراجعه عمرو بن العاص في ذلك فقال لهم: إن رسول الله ﷺ أقاد ممن ظله
84 - 730 - مسألة: فيمن شتم رجلا وسبه؟
الجواب: إذا اعتدى عليه بالشتم والسب فله أن يعتدي عليه بمثل ما اعتدى عليه فيشتمه إذا لم يكن ذلك محرما لعينه: كالكذب وأما إن كان محرما لعينه كالقذف بغير الزنا فإنه يعزر على ذلك تعزيرا بليغا يردعه وأمثاله من السفهاء ولو عزر على النوع الأول من الشتم جاز وهو الذي يشرع إذا تكرر سفهه أوعدوانه على من هو أفضل منه والله أعلم
731 - 85 - مسألة: فيمن شتم رجلا فقال له: أنت ملعون ولد زنا؟
الجواب: يجب تعزيره على هذا الكلام ويجب عليه حد القذف إن لم يقصد بهذه الكلمة ما يقصده كثير من الناس من قصدهم بهذه الكلمة أن المشتوم فعله خبيث كفعل ولد الزنا
86 - 732 - سئل: عن سامري ضرب مسلما وشتمه؟
فأجاب: تجب عقوبته عقوبة بليغة تردعه وأمثاله والله أعلم
733 - 87 - سئل: عن الاستمناء
فأجاب: أما الاستمناء في الأصل فيه التحريم عند جمهور العلماء وعلى فاعله التعزير وليس مثل الزنا والله أعلم
88 - 734 - سئل: عن الاستمناء هل هو حرام أم لا؟
فأجاب: أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء وهو أصح القولين في مذهب أحمد وكذلك يعزر من فعله وفي القول الآخر هو مكروه غير محرم وأكثرهم لا يبيحونه لخوف العنت ولا غيره ونقل عن طائفة من الصحابة والتابعين أنهم رخصوا فيه للضرورة: مثل أن يخشى الزنا فلا يعصم منه إلا به ومثل أن يخاف إن لم يفعله أن يمرض وهذا قول أحمد وغيره وأما بدون الضرورة فما علمت أحدا رخص فيه والله أعلم
89 - 735 - سئل: عن رجل يهيج عليه بدنه فيستمني بيده وبعض الأوقات يلصق وركيه على ذكره وهو يعلم أن إزالة هذا بالصوم لكن يشق عليه؟
الجواب: أما ما نزل من الماء بغير اختياره فلا إثم عليه فيه لكن عليه الغسل إذا أنزل الماء الدافق وأما إنزاله باختياره بأن يستمني بيده: فهذا حرام عند أكثر العلماء وهو أحد الروايتين عن أحمد بل أظهرهما وفي رواية أنه مكروه لكن إن اضطر إليه مثل أن يخاف الزنا إن لم يستمن أو يخاف المرض: فهذا فيه قولان مشهوران للعلماء وقد رخص في هذه الحال طوائف من السلف والخلف ونهى عنه آخرون والله أعلم
90 - 736 - مسألة: في رجل جلد ذكره بيده حتى أمني: فما يجب عليه؟
الجواب: وأما جلد الذكر باليد حتى ينزل فهو حرام عند أكثر الفقهاء مطلقا وعند طائفة من الأئمة حرام إلا عند الضرورة مثل أن يخاف العنت أو يخاف المرض أو يخاف الزنا: فالاستمناء أصلح
91 - 737 - مسألة: في رجل له ولد صغير فاتهم وضرب بالمقارع وخسر والده أربعمائة درهم ثم وجدت السرقة فجاء صاحب السرقة وصالح المتهوم على مائتي درهم: فهل يصح منه إبراء بغير رضى والده إذا كان تحت الحجر؟ وإذا لم يصح فما يجب في دية الضرب؟ وهل لوالده بعد إبراء الصغير أن يطالبه بضرب ولده أم لا؟
أجاب: إذا كان المضروب تحت حجر أبيه لم يصح صلحه ولا إبراءه وما غرمه أبوه بسبب هذه التهمة الباطلة فله أن يرجع به على من غرمه إياه بعدوانه سواء أبرأه الابن أو لم يبرءه فالمضروب يستحق أن يضرب من طلب ضربه من المتهمين له مثل ما ضربه إذا لم يعرف بالشر قبل ذلك هكذا ذكره النعمان بن بشير أن ذلك حكم الله ورسوله رواه أبو داود وغيره فإنه قال لقوم طلبوا منه أن يضرب رجلا على تهمة: إن شئتم ضربته لكم فإن ظهر مالكم عنده وإلا ضربتكم مثل ما ضربته فقالوا هذا حكمك؟ فقال هذا حكم الله ورسوله وهذا في ضرب من لم يعرف بالشر وأما ضرب من عرف بالشر فذاك مقام آخر
وقد ثبت القصاص في الضرب واللطم ونحو ذلك عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين وجاءت به سنة رسول الله ﷺ ونص عليه غير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره وإن كان كثير من الفقهاء لا يرى القصاص في مثل هذا بل يرى فيه التعزير فالأول هو الصحيح ولكن هل للأب أن يستوفي حق القصاص الذي لابنه؟ أم يتركه حتى يبلغ؟ هذا فيه نزاع معروف بين العلماء وأما إن كان الابن بالغا فله العقوبات البدنية واستبقاؤها
2 - 738 9 - مسألة: في مسلم بدت منه معصية في حال صباه توجب مهاجرته ومجانبته فقالت طائفة منهم يستغفر الله ويصفح عنه ويتجاوز عن كل ما كان منه وقالت طائفة أخرى لا تجوز أخوته ولا مصاحبته فأي الطائفتين أحق بالحق؟
الجواب: لا ريب أن من تاب إلى الله توبة نصوحا تاب الله عليه كما قال تعالى: { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون } وقال تعالى: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } أي لمن تاب وإذا كان كذلك وتاب الرجل فإن عمل عملا صالحا سنة من الزمان ولم ينقض التوبة فإنه يقبل منه ذلك ويجالس ويكلم وأما إذا تاب ولم تمض عليه سنة فللعلماء فيه قولان مشهوران ومنهم من يقول في الحال يجالس وتقبل شهادته ومنهم من يقول لا بد من مضي سنة كما فعل عمر بن الخطاب بصبغ بن عسل وهذه من مسائل الاجتهاد فمن رأى أن تقبل توبة هذا التائب ويجالس في الحال قبل إختباره فقد أخذ بقول سائغ ومن رأى أنه يؤخر مدة حتى يعمل صالحا ويظهر صدق توبته فقد أخذ بقول سائغ وكلا القولين ليس من المنكرات
93 - 739 - مسألة: هل يجوز بيع الكرم لمن يعصره خمرا إذا اضطر صاحبه إلى ذلك؟
الجواب: لا يحوز بيع العنب لمن يعصره خمرا بل قد لعن رسول الله ﷺ من يعصر العنب لمن يتخذه خمرا فكيف بالبائع له الذي هو أعظم معاونه ولا ضرورة إلى ذلك فإنه إذا لم يمكن بيعه رطبا ولا تزبيبه فإنه يتخذ خلا أو دبسا ونحو ذلك
94 - 740 - مسألة: عن يهودي قال هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب يتعصبون علينا وكان قد خاصمه بعض المسلمين
وعن رجل أراد أن يشتكي على رجل فشفع فيه جماعة فقال لو جاءني محمد بن عبد الله فيه ما قبلت فقالوا كفرت استغفر الله من قولك فقال ما أقول
وأما اليهودي: إذا كان أراد بشتمه طائفة معينة من المسلمين فإنه يعاقب ذلك عقوبة تزجره وأمثاله عن مثل ذلك - وأما إن ظهر منه قصد العموم فإنه ينتقض عهده بذلك ويجب قتله
وأما قول الرجل: لو جاءني محمد بن عبد الله إذا ثبت عليه هذا الكلام فإنه يقتل على ذلك ولو تاب بعد رفعه إلى الإمام لم يسقط عنه القتل في أظهر قولي العلماء لكن إن تاب قبل رفعه إلى الإمام سقط عنه القتل في أظهر القولين وإن عزر بعد التوبة كان سائغا