237 - / 153 - مسألة: فيمن يجد الصلاة قد أقيمت فأيما أفضل صلاة الفريضة؟ أو يأتي بالسنة ويلحق الإمام ولو في التشهد؟ وهل ركعتا الفجر سنة للصبح أم لا؟
الجواب: قد صح عن النبي ﷺ أنه قال: [ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ] وفي رواية [ فلا صلاة إلا التي أقيمت ] فإذا أقيمت الصلاة فلا يشتغل بتحية المسجد ولا بسنة الفجر وقد اتفق العلماء على أنه لا يشتغل عنها بتحية المسجد
ولكن تنازعوا في سنة الفجر: والصواب أنه إذا سمع الإقامة فلا يصلي السنة لا في بيته ولا في غير بيته بل يقضيها إن شاء بعد الفرض والسنة أن يصلي بعد طلوع الفجر ركعتين سنة والفريضة ركعتان وليس بين طلوع الفجر والفريضة سنة إلا ركعتان والفريضة تسمى صلاة الفجر وصلاة الغداة وكذلك السنة تسمى سنة الفجر وسنة الصبح وركعتي الفجر ونحو ذلك والله أعلم
238 - 154 - مسألة: في القراءة خلف الإمام؟
الجواب: الحمد لله للعلماء فيه نزاع واضطراب مع عموم الحاجة إليه وأصول الأقوال ثلاثة: طرفان ووسط
فأحد الطرفين أنه لا يقرأ خلف الإمام بحال
والثاني: أنه يقرأ خلف الإمام بكل حال
والثالث: وهو قول أكثر السلف أنه إذا سمع قراءة الإمام أنصت ولم يقرأ فإن استماعه لقراءة الإمام خير من قراءته وإذا لم يسمع قراءته قرأ لنفسه فإن قراءته خير من سكوته فالاستماع لقراءة الإمام أفضل من القراءة والقراءة أفضل من السكوت هذا قول جمهور العلماء كمالك وأحمد بن حنبل وجمهور أصحابهما وطائفة من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة وهو القول القديم للشافعي وقول محمد بن الحسن
وعلى هذا القول فهل القراءة حال مخافتة الإمام بالفاتحة واجبة على المأموم؟ أو مستحبة؟ على قولين في مذهب أحمد
أشهرهما أنها مستحبة وهو قول الشافعي في القديم والاستماع حال جهر الإمام هل هو واجب أو مستحب؟ والقراءة إذا سمع قراءة الإمام هل هي محرمة أو مكروهة؟ وهل تبطل الصلاة إذا قرأ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: إن القراءة حينئذ محرمة وإذا قرأ بطلت صلاته وهذا أحد الوجهين اللذين حكاهما أبوعبد الله بن حامد في مذهب أحمد
والثاني: إن الصلاة لا تبطل بذلك وهو قول الأكثرين وهو المشهور من مذهب أحمد ونظير هذا إذا قرأ حال ركوعه وسجوده: هل تبطل الصلاة؟ على وجهين في مذهب أحمد لأن النبي ﷺ نهى أن يقرأ القرآن راكعا أو ساجدا
والذين قالوا: يقرأ حال الجهر والمخافتة إنما يأمرونه أن يقرأ حال الجهر بالفاتحة خاصة وما زاد على الفاتحة فإن المشروع أن يكون فيه مستمعا لا قارئا
وهل قراءته للفاتحة مع الجهر واجبة أو مستحبة؟ على قولين:
أحدهما: إنها واجبة وهو قول الشافعي في الجديد وقول ابن حزم
والثاني: إنها مستحبة وهو قول الأوزاعي والليث بن سعد واختيار جدي أبي البركات ولا سبيل إلى الاحتياط في الخروج من الخلاف في هذه المسألة كما لا سبيل إلى الخورج من الخلاف في وقت العصر وفي فسخ الحج ونحو ذلك من المسائل
يتعين في مثل ذلك النظر فيما يوجبه الدليل الشرعي وذلك أن كثيرا من العلماء يقول صلاة العصر يخرج وقتها إذا صار ظل كل شيء مثليه كالمشهور من مذهب مالك والشافعي وهو إحدى الروايتين عن أحمد
وأبو حنيفة يقول: حينئذ يدخل وقتها ولم يتفقوا على وقت تجوز فيه صلاة العصر بخلاف غيرها فإنه إذا صلى الظهر بعد الزوال بعد مصير ظل كل شيء مثله سوى ظل الزوال صحت صلاته والمغرب أيضا تجزئ باتفاقهم إذا صلى بعد الغروب والعشاء تجزئ باتفاقهم إذا صلى بعد مغيب الشفق الأبيض إلى ثلث الليل والفجر تجزئ باتفاقهم إذا صلاها بعد طلوع الفجر إلى الأسفار الشديد وأما العصر فهذا يقول: تصلى إلى المثلين وهذا يقول لا تصلى إلا بعد المثلين والصحيح أنها تصلى من حين يصير ظل كل شيء مثله إلى اصفرار الثسمس فوقتها أوسع كما قاله هؤلاء وهؤلاء وعلى هذا تدل الأحاديث الصحيحة المدنية وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن وهو الرواية الأخرى عن أحمد
والمقصود هنا أن من المسائل مسائل لا يمكن أن يعمل فيها بقول يجمع لكن ولله الحمد القول الصحيح عليه دلائل شرعية تبين الحق
ومن ذلك فسخ الحج إلى العمرة فإن الحج الذي اتفق الأمة على جوازه أن يهل متمتعا يحرم بعمرة ابتداء ويهل قارنا وقد ساق الهدي فأما إن أفرد أو قرن ولم يسق الهدي ففي حجه نزاع بين السلف والخلف
والقصود هنا القراءة خلف الإمام فنقول: إذا جهر الإمام استمع لقراءته فإن كان لا يسمع لبعده فإنه يقرأ في أصح القولين وهو قول أحمد وغيره وإن كان لا يسمع لصممه أو كان يسمع همهمة الإمام ولا يفقه ما يقول: ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره
والأظهر أنه يقرأ لأن الأفضل أن يكون إما مستمعا وإما قارئا وهذا ليس بمستمع ولا يحصل له مقصود السماع فقراءته أفضل من سكوته فنذكر الدليل على الفصلين على أنه في حال الجهر يستمع وأنه في حال المخافتة يقرأ
فالدليل على الأول الكتاب والسنة والاعتبار:
أما الأول: فإنه تعالى قال: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة وقال بعضهم في الخطبة وذكر أحمد بن حنبل الاجماع على أنها نزلت في ذلك وذكر الإجماع على أنه لا تجب القراءة على المأموم حال الجهر
ثم يقول: قوله تعالى: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } لفظ عام فأما أن يختص القراءة في الصلاة أو في القراءة في غير الصلاة أو يعمهما والثاني باطل قطعا لأنه لم يقل أحد من المسلمين أنه يجب الاستماع خارج الصلاة ولا يجب في الصلاة ولأن استماع المستمع إلى قراءة الإمام الذي يأتم به ويجب عليه متابعته أولى من استماعه إلى قراءة من يقرأ خارج الصلاة داخلة في الآية إما على سبيل الخصوص وإما على سبيل العموم وعلى التقديرين فالآية دالة على أمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام وسواء كان أمر إيجاب أو استحباب
فالمقصود حاصل فإن المراد أن الاستماع أولى من القراءة وهذا صريح في دلالة الآية على كل تقدير والمنازع يسلم أن الاستماع مأمور به دون القراءة فيما زاد على الفاتحة والآية أمرت بالإنصات إذا قرئ القرآن والفاتحة أم القرآن وهي التي لا بد من قراءتها في كل صلاة والفاتحة أفضل سور القرآن وهي التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها فيمتنع أن يكون المراد بالآية الاستماع إلى غيرها دونها مع إطلاق لفظ الآية وعمومها مع أن قراءتها أكثر وأشهر وهي أفضل من غيرها فإن قوله: { إذا قرئ القرآن } يتناولها كما يتناول غيرها وشموله لها أظهر لفظا ومعنى والعادل عن استماعها إلى قراءتها إنما يعدل لأن قراءتها عنده أفضل من الاستماع وهذا غلط يخالف النص والاجماع فإن الكتاب والسنة أمرت المؤتم بالاستماع دون القراءة والأمة متفقة على أن استماعه لما زاد على الفاتحة أفضل من قراءته لما زاد عليها
فلو كانت القراءة لما يقرأه الإمام أفضل من الاستماع لقراءته لكان قراءة المأموم أفضل من قراءته لما زاد على الفاتحة وهذا لم يقل به أحد وإنما نازع من نازع في الفاتحة لظنه أنها واجبة على المأموم مع الجهر أو مستحبة له حينئذ
وجوابه أن المصلحة الحاصلة له بالقراءة يحصل بالاستماع ما هو أفضل منها بدليل استماعه لما زاد على الفاتحة فلولا أنه يحصل له بالاستماع ما هو أفضل من القراءة لكان الأولى أن يفعل أفضل الأمرين وهو القراءة فلما دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الاستماع أفضل له من القراءة علم أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ وهذا المعنى موجود في الفاتحة وغيرها فالمستمع لقراءة الإمام يحصل له أفضل مما يحصل بالقراءة وحينئذ فلا يجوز أن يؤمر بالأدنى وينهى عن الأعلى
وثبت أنه في هذه الحال قراءة الإمام له قراءة كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وفي ذلك الحديث المعروف عن النبي ﷺ أنه قال: [ من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ]
وهذا الحديث روي مرسلا ومسندا لكن أكثر الأئمة الثقاة رووه مرسلا عن عبد الله بن شداد عن النبي ﷺ وأسنده بعضهم ورواه ابن ماجه مسندا وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومرسله من أكابر التابعين ومثل هذا المرسل يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم وقد نص الشافعي على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل
فتبين أن الاستماع إلى قراءة الإمام أمر دل عليه القرآن دلالة قاطعة لأن هذا من الأمور الظاهرة التي يحتاج إليها جميع الأمة فكان بيانها في القرآن ممن يحصل به مقصود البيان وجاءت السنة موافقة للقرآن ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: [ إن رسول الله ﷺ خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: أقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا ] وهذا من حديث أبي موسى الطويل المشهور لكن بعض الرواة زاد فيه على بعض فمنهم من لم يذكر قوله: وإذا قرأ فانصتوا ومنهم من ذكرها وهي زيادة من الثقة لا تخالف المزيد بل توافق معناه ولهذا رواه مسلم في صحيحه
فإن الانصات إلى قراءة القارئ من تمام الائتمام به فإن من قرأ على قوم لا يستعمون لقراءته لم يكونوا مؤتمين به وهذا مما يبين حكمة سقوط القراءة على المأموم فإن متابعته لإمامه مقدمة على غيرها حتى في الأفعال فإذا أدركه ساجدا سجد معه وإذا أدركه في وتر من صلاته تشهد عقب الوتر وهذا لو فعله منفردا لم يجز وإنما فعله لأجل الائتمام فيدل على أن الائتمام يجب به ما لا يجب على المنفرد ويسقط به ما يجب على المنفرد
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا ] رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه قيل لمسلم بن الحجاج: حديث أبي هريرة صحيح يعني وإذا قرأ فأنصتوا قال هو عندي صحيح فقيل له: لما لا تضعه ههنا؟ يعني في كتابه فقال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه
وروى الزهري عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ انصرف من صلاة جهر فيها فقال: هلا قرأ معي أحد منكم آنفا؟ فقال الرجل: نعم يا رسول الله ! قال: إني أقول مالي أنازع القرآن قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ﷺ فيما جهر فيه النبي ﷺ بالقراءة في الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله ﷺ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس يقول: قوله فانتهى الناس من كلام الزهري وروى عن البخاري نحو ذلك فقال: في الكنى من التاريخ وقال أبو صالح حدثني الليث حدثني يوسف عن ابن شهاب سمعت ابن أكيمة الليثي يحدث أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة يقول: صلى لنا النبي ﷺ صلاة جهر فيها بالقراءة ثم قال: هل قرأ منكم أحد معي؟ قلنا: نعم قال: إني أقول مالي أنازع القرآن قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر الإمام قال الليث: حدثني ابن شهاب ولم يقل: فانتهى الناس وقال بعضهم !: هو قول الزهري وقال بعضهم: هو قول ابن أكيمة والصحيح أنه قول الزهري
وهذا إذا كان من كلام الزهري فهو من أدل الدلائل على أن الصحابة لم يكونوا يقرأون في الجهر مع النبي ﷺ فإن الزهري من أعلم أهل زمانه أو أعلم أهل زمانه بالسنة وقراءة الصحابة خلف النبي ﷺ إذا كانت مشروعة واجبة أو مستحبة تكون من الأحكام العامة التي يعرفها عامة الصحابة التابعين لهم بإحسان فيكون الزهري من أعلم الناس بها فلو لم يبينها لاستدل بذلك على انتفائها فكيف إذا قطع الزهري بأن الصحابة لم يكونوا يقرأون خلف النبي ﷺ في الجهر
فإن قيل: قال البيهقي: ابن أكيمة رجل مجهول لم يحدت إلا بهذا الحديث وحده ولم يحدث عنه غير الزهري
قيل: ليس كذلك بل قد قال أبو حاتم الرازي فيه: صحيح الحديث حديثه مقبول وحكي عن أبي حاتم البستي أنه قال: روى عنه الزهري وسعيد بن أبي هلال وابن أبيه عمر وسالم بن عمار بن أكيمة بن عمر
وقد روى مالك في موطئه عن وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: من صلى ركعة لم يقرأ فيها لم يصل إلا وراء الإمام وروى أيضا عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل: هل يقرأ خلف الإمام؟ يقول: إذا صلى أحدكم خلف الإمام تجزئه قراءة الإمام وإذا صلى وحده فليقرأ قال: وكان عبد الله بن عمر لا يقرأ خلف الإمام ! وروى مسلم في صحيحه عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء
وروى البيهقي عن أبي وائل أن رجلا سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام فقال: انصت للقرآن فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك ذلك الإمام وابن مسعود وزيد بن ثابت هما فقيها أهل المدينة وأهل الكوفة من الصحابة وفي كلامهما تنبيه على أن المانع إنصاته لقراءة الإمام
وكذلك البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام عن علي بن أبي طالب قال: وروى الحارث عن علي يسبح في الأخريين قال: ولم يصح وخالفه عبيد الله بن أبي رافع حدثنا عثمان بن سعيد سمع عبيد الله بن عمرو عن إسحق بن راشد عن الزهري عن عبيد الله بن أبي رافع مولى بني هاشم حدثه عن علي بن أبي طالب: إذا لم يجهر الإمام في الصلوات فاقرأ بأم الكتاب وسورة أخرى في الأوليين من الظهر والعصر وفاتحة الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر وفي الآخرة من المغرب وفي الأخريين من العشاء
وأيضا: ففي إجماع المسلمين على أنه فيما زاد على الفاتحة يؤمر بالاستماع دون القراءة: دليل على أن استماعه لقراءة الإمام خير له من قراءته معه بل على أنه مأمور بالاستماع دون القراءة مع الإمام
وأيضا: فلو كانت القراء في الجهر واجبة على المأموم للزم أحد أمرين: إما أن يقرأ مع الإمام وإما أن يجب على الإمام أن يسكت له حتى يقرأ ولم نعلم نزاعا بين العلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم بالفاتحة ولا غيرها وقراءته معه منهي عنها بالكتاب والسنة فثبت أنه لا تجب عليه القراءة معه في حال الجهر بل نقول: لو كانت قراءة المأموم في حال الجهر والاستماع مستحبة لاستحب للإمام أن يسكت لقراءة المأموم ولا يستحب للإمام السكوت ليقرأ المأموم عند جماهير العلماء وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم
وحجتهم في ذلك أن النبي ﷺ لم يكن يسكت ليقرأ المأمومون ولا نقل هذا أحد عنه بل ثبت عنه في الصحيح سكوته بعد التكبير للاستفتاح وفي السنن: أنه كان له سكتتان: سكتة في أول القراءة وسكتة بعد الفراغ من القراءة وهي سكتة لطيفة للفصل لا تتسع لقراءة الفاتحة وقد روي أن هذه السكتة كانت بعد الفاتحة ولم يقل أحد إنه كان له ثلاث سكتات ولا أربع سكتات فمن نقل عن النبي ﷺ ثلاث سكتات أو أربع فقد قال قولا لم ينقله عن أحد من المسلمين والسكتة التي عقب قوله: { ولا الضالين } من جنس السكتات التي عند رؤوس الآي ومثل هذا لا يسمى سكوتا ولهذا لم يقل أحد من العلماء إنه يقرأ في مثل هذا
وكان بعض من أدركنا من أصحابنا يقرأ عقب السكوت عند رؤوس الآي فإذا قال الإمام: { الحمد لله رب العالمين } قال: { الحمد لله رب العالمين } وإذا قال: { إياك نعبد وإياك نستعين } قال: { إياك نعبد وإياك نستعين } وهذا لم يقله أحد من العلماء
وقد اختلف العلماء في سكوت الإمام على ثلاثة أقوال: فقيل: لا سكوت في الصلاة بحال وهو قول مالك وقيل: فيها سكتة واحدة للاستفتاح كقول أبي حنيفة وقيل فيها: سكتتان وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما لحديث سمرة بن جندب: [ أن رسول الله ﷺ كان له سكتتان: سكتة حين يفتتح الصلاة وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية قبل أن يركع ] فذكر ذلك لعمران بن حصين فقال: كذب سمرة فكتب في ذلك إلى المدينة إلى أبي بن كعب فقال: صدق سمرة رواه أحمد واللفظ له وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن
وفي رواية أبي داود: سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } وأحمد رجح الرواية الأولى واستحب السكتة الثانية لأجل الفصل ولم يستحب أحمد أن يسكت الإمام لقراءة المأموم ولكن بعض أصحابه استحب ذلك ومعلوم أن النبي ﷺ لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فلما لم ينقل هذا أحد علم أنه لم يكن
والسكتة الثانية في حديث سمرة قد نفاها عمران بن حصين وذلك أنها سكتة يسيرة قد لا ينضبط مثلها وقد روي أنها بعد الفاتحة ومعلوم أنه لم يسكت إلا سكتتين فعلم أن إحداهما طويلة والأخرى بكل حال لم تكن طويلة متسعة لقراءة الفاتحة
وأيضا فلو كان الصحابة كلهم يقرأون الفاتحة خلفه إما في السكتة الأولى وإما في الثانية لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فكيف ولم ينقل هذا أحد عن أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية خلفه يقرأون الفاتحة مع أن ذلك لو كان مشروعا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه وعمله فعلم أنه بدعة
وأيضا فالمقصود بالجهر استماع المأمومين ولهذا يؤمنون على قراءة الإمام في الجهر دون السر فإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة فقد أمر أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته وهو بمنزلة أن يحدث من لم يستمع لحديثه ويخطب من لم يستمع لخطبته وهذا سفه تنزه عنه الشريعة ولهذا روي في الحديث: [ مثل الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا ] فهكذا إذا كان يقرأ والإمام يقرأ عليه
فصل
وإذا كان المأموم مأمورا بالاستماع والانصات لقراءة الإمام لم يشتغل عن ذلك بغيرها لا بقراءة ولا ذكر ولا دعاء ففي حال جهر الإمام لا يستفتح ولا يتعوذ وفي هذه المسألة نزاع وفيها ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عن أحمد قيل: إنه حال الجهر يستفتح ويتعوذ ولا يقرأ لأنه بالاستماع يحصل له مقصود القراءة بخلاف الاستفتاح والاستعاذة فإنه لا يسمعهما
وقيل: يستفتح ولا يتعوذ لأن الاستفتاح تابع لتكبيرة الإحرام بخلاف التعوذ فإنه تابع للقراءة فمن لم يقرأ لا يتعوذ
وقيل: لا يستفتح ولا يتعوذ حال الجهر وهذا أصح فإن ذلك يشغل عن الاستماع والانصات المأمور به وليس له أن يشتغل عما أمر به بشيء من الأشياء
ثم اختلف أصحاب أحمد: فمنهم من قال هذا الخلاف إنما هو في حال سكوت الإمام هل يشتغل بالاستفتاح أو الاستعاذة أو بأحدهما أو لا يشتغل إلا بالقراءة لكونها مختلفا في وجوبها وأما في حال الجهر فلا يشتغل بغير الإنصات والمعروف عند أصحابه أن هذا النزاع هو في حال الجهر لما تقدم من التعليل وأما في حال المخافتة فالأفضل له أن يستفتح واستفتاحه حال سكوت الإمام أفضل من قراءته في ظاهر مذهب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما لأن القراءة يعتاض عنها بالاستماع بخلاف الاستفتاح
وأما قول القائل: إن قراءة المأموم مختلف في وجوبها فيقال: وكذلك الاستفتاح هل يجب؟ فيه قولان مشهوران في مذهب أحمد ولم يختلف قوله: إنه لا يجب على المأموم القراءة في حال الجهر واختار ابن بطة وجوب الاستفتاح وقد ذكر ذلك روايتين عن أحمد
فعلم أن من قال من أصحابه كأبي الفرج بن الجوزي أن القراءة حال المخافتة أفضل في مذهبه من الاستفتاح فقد غلط على مذهبه ولكن هذا يناسب قول من استحب قراءة الفاتحة حال الجهر وهذا ما علمت أحدا قاله من أصحابه قبل جدي أبي البركات وليس هو مذهب أحمد ولا عامة أصحابه مع أن تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام في نفس الأمر فإن ذلك وصف حادث بعد النبي ﷺ ولكن يسلكه من لم يكن عالما بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط
وعلى هذا ففي حال المخافتة هل يستحب له مع الاستفتاح الاستعاذة إذا لم يقرأ؟ على روايتين
والصواب: أن الاستعاذة لا تشرع إلا لمن قرأ فإن اتسع الزمان للقراءة استعاذ وقرأ وإلا أنصت
وأما الفصل الثاني:
وهو القراءة إذا لم يسمع قراءة الإمام كحال مخافتة الإمام وسكوته فإن الأمر بالقراءة والترغيب فيها يتناول المصلي أعظم مما يتناول غيره فإن قراءة القرآن في الصلاة أفضل منها خارج الصلاة وما ورد من الفضل لقارئ القرآن يتناول المصلي أعظم مما يتناول غيره لقوله ﷺ: [ من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول: { الم } حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ] قال الترمذي: حديث صحيح
وقد ثبت في خصوص الصلاة قوله في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: [ من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج - ثلاثا ] أي: غير تمام فقيل لأبي هريرة: إني أكون وراء الإمام فقال: اقرأ بها في
نفسك فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: [ قال الله: قسمت الصلاة بيي وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: { الحمد لله رب العالمين } قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: { الرحمن الرحيم } قال الله: أثنى علي عبدي فإذا قال: { مالك يوم الدين } قال: مجدني عبدي وقال مرة: فوض إلي عبدي - فإذا قال: { إياك نعبد وإياك نستعين } قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال: { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ]
وروى مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين: [ أن رسول الله ﷺ صلى الظهر فجعل رجل يقرأ خلفه: بسبح اسم ربك الأعلى فلما انصرف قال: أيكم قرأ؟ أو أيكم القارئ - قال رجل: أنا قال: قد ظننت أن بعضكم خالجنيها ] رواه مسلم فهذا قد قرأ خلفه في صلاة الظهر ولم ينهه ولا غيره عن القراءة لكن قال: قد ظننت أن بعضكم خالجنيها أي نازعنيها كما قال في الحديث الآخر: [ إني أقول مالي أنازع القرآن ]
وفي المسند عن ابن مسعود قال: كانوا يقرأون خلف النبي ﷺ فقال: خلطتم علي القرآن فهذا كراهة منه لمن نازعه وخالجه وخلط عليه القرآن وهذا لا يكون ممن قرأ في نفسه بحيث لا يسمعه غيره وإنما يكون ممن أسمع غيره وهذا مكروه لما فيه من المنازعة لغيره لا لأجل كونه قارئا خلف الإمام وأما مع مخافته الإمام فإن هذا لم يرد حديث بالنهي عنه ولهذا قال: أيكم القارئ؟ أي القارئ الذي نازعني لم يرد بذلك القارئ في نفسه فإن هذا لا ينازع ولا يعرف أنه خالج النبي ﷺ وكراهة القراءة خلف الإمام إنما هي إذا امتنع من الإنصات المأمور به أو إذا نازع غيره فإذا لم يكن هناك إنصات مأمور به ولا منازعة فلا وجه للمنع من تلاوة القرآن في الصلاة والقارئ هنا لم يعتض عن القراءة باستماع فيفوته الإستماع والقراءة جميعا مع الخلاف المشهور في وجوب القراءة في مثل هذه الحال فخلاف وجوبها في حال الجهر فإنه شاذ حتى نقل أحمد الإجماع على خلافه
وأبو هريرة وغيره من الصحابة فهموا من قوله: [ قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد: { الحمد لله رب العالمين } ] أن ذلك يعم الإمام والمأموم
وأيضا فجميع الأذكار التي يشرع للإمام أن يقولها سرا بشرع المأموم أن يقولها سرا كالتسبيح في الركوع والسجود وكالتشهد والدعاء ومعلوم أن القراءة أفضل من الذكر والدعاء فلأي معنى لا تشرع له القراءة في السر وهو لا يسمع قراءة السر ولا يؤمن على قراءة الإمام في السر
وأيضا فإن الله سبحانه لما قال: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } وقال: { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } وهذا أمر للنبي ﷺ ولأمته فإنه ما خوطب به خوطبت به الأمة ما لم يرد نص بالتخصيص كقوله: { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } وقوله: { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } وقوله: { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } ونحو ذلك
وهذا أمر يتناول الإمام والمأموم والمنفرد بأن يذكر الله في نفسه بالغدو والآصال وهو يتناول صلاة الفجر والظهر والعصر فيكون المأموم مأمورا بذكر ربه في نفسه لكن إذا كان مستمعا كان مأمورا بالإستماع وإن لم يكن مستمعا كان مأمورا بذكر ربه في نفسه والقرآن أفضل الذكر كما قال تعالى: { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } وقال تعالى: { وقد آتيناك من لدنا ذكرا } وقال تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } وقال: { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث }
وأيضا: فالسكوت بلا قراءة ولا ذكر ولا دعاء ليس عبادة ولا مأمورا به بل يفتح باب الوسوسة فالاشتغال بذكر الله أفضل من السكوت وقراءة القرآن من أفضل الخير وإذا كان كذلك فالذكر بالقرآن أفضل من غيره كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: [ أفضل الكلام بعد القرآن أربع - وهن من القرآن - سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ] رواه مسلم في صحيحه وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: [ جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمنى ما يجزئني منه فقال: قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فقال: يا رسول الله ! هذا لله فما لي قال: قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني فلما قام قال: هكذا بيديه - فقال رسول الله ﷺ: أما هذا فقد ملأ يديه من الخير ] رواه أحمد وأبو داود والنسائي
والذين أوجبوا القراءة في الجهر: احتجوا بالحديث الذي في السنن عن عبادة أن النبي ﷺ قال: [ إذا كنتم ورائي فلا تقرأوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ] وهذا الحديث معلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة ضعفه أحمد وغيره من الأئمة وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع وبين أن الحديث الصحيح قول النبي ﷺ: [ لا صلاة إلا بأم القرآن ] فهذا هو الذي أخرجاه في الصحيحين ورواه الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة وأما هذا الحديث فغلط فيه بعض الشاميين وأصله أن عبادة كان يؤم ببيت المقدس فقال هذا فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عبادة
[ وأيضا: فقد تكلم العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة وبسطوا القول فيها وفي غيرها من المسائل وتارة أفردوا القول فيها في مصنفات مفردة وانتصر طائفة للإثبات في مصنفات مفردة: كالبخاري وغيره وطائفة للنفي: كأبي مطيع البلخي وكرام وغيرهما
ومن تأمل مصنفات الطوائف تبين له القول الوسط فإن عامة المصنفات المفردة تتضمن صور كل من القولين المتباينين قول من ينهى عن القراءة خلف الإمام حتى في صلاة السر وقول من يأمر بالقراءة خلفه مع سماع جهر الإمام والبخاري ممن بالغ في الانتصار للاثبات بالقراءة حتى مع جهر الإمام بل يوجب ذلك كما يقوله الشافعي في الجديد وابن حزم ومع هذا فحججه ومصنفه إنما تتضمن تضعيف قول أبي حنيفة في هذه المسألة وتوابعها مثل كونه ]
239 - / 155 - سئل: في قراءة المؤتم خلف الإمام: جائزة أم لا؟ وإذا قرأ خلف الإمام هل عليه إثم في ذلك أم لا؟
الجواب: القراءة خلف الإمام في الصلاة لا تبطل عند الأئمة - رضوان الله عليهم - لكن تنازع العلماء أيما أفضل في حق المأموم؟
فمذهب مالك والشافعي وأحمد: أن الأفضل له أن يقرأ في حال سكوت الإمام: كصلاة الظهر والعصر والأخيرتين من المغرب والعشاء وكذلك يقرأ في صلاة الجهر إذا لم يسمع قراءته ومذهب أبي حنيفة: أن الأفضل أن لا يقرأ خلفه بحال والسلف - رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين - منهم من كان يقرأ ومنهم من كان لا يقرأ خلف الإمام
وأما إذا سمع المأموم قراءة الإمام فجمهور العلماء على أنه يستمع ولا يقرأ بحال وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم ومذهب الشافعي أنه يقرأ حال الجهر بالفاتحة خاصة ومذهب طائفة كالأوزاعي وغيره من الشاميين يقرأها استحبابا وهو اختيار جدنا
والذي عليه جمهور العلماء هو الفرق بين حال الجهر وحال المخافتة فيقرأ في حال السر ولا يقرأ في حال الجهر وهذا أعدل الأقوال لأن الله تعالى قال: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } فإذا قرأ الإمام فليستمع وإذا سكت فليقرأ فإن القراءة خير من السكوت الذي لا استماع معه ومن قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات كما قال النبي ﷺ فلا يفوت هذا الأجر بلا فائدة بل يكون إما مستمعا وإما قارئا والله سبحانه وتعالى أعلم
156 - 240 - سئل: [ عما تدرك به الجمعة والجماعة؟ ]
الجواب: اختلف الفقهاء فيما تدرك به الجمعة والجماعة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهما لا يدركان إلا بركعة وهو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه اختارها جماعة من أصحابه وهو وجه في مذهب الشافعي واختاره بعض أصحابه أيضا كأبي المحاسن الرياني وغيره
والقول الثاني: أنهما يدركان بتكبيرة وهو مذهب أبي حنيفة
والقول الثالث: أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة والجماعة تدرك بتكبيرة وهذا القول هو المشهور من مذهب الشافعي وأحمد والصحيح هو القول الأول لوجوه:
أحدها: أن قدر التكبيرة لم يعلق به الشارع شيئا من الأحكام لا في الوقت ولا في الجمعة ولا الجماعة ولا غيرها فهو وصف ملغى في نظر الشارع فلا يجوز اعتباره
الثاني: أن النبي ﷺ إنما علق الأحكام بإدراك الركعة فتعليقها بالتكبيرة إلغاء لما اعتبره واعتبار لما ألغاه وكل ذلك فاسد فيما اعتبر فيه الركعة - وعلق الإدراك بها في الوقت ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: [ إذا أدرك أحدكم ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ]
وأما ما في بعض طرقه: إذا أدرك أحدكم سجدة فالمراد بها الركعة التامة كما في اللفظ الآخر؟ ولأن الركعة التامة تسمى باسم الركوع فيقال: ركعة وباسم السجود فيقال سجدة وهذا كثير في ألفاظ الحديث مثل هذا الحديث وغيره
الثالث: أن النبي ﷺ علق الإدراك مع الإمام بركعة وهو نص في المسألة
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: [ من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة ] وهذا نص رافع للنزاع
الرابع: أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة كما أفتى به أصحاب رسول الله ﷺ: منهم ابن عمر وابن مسعود وأنس وغيرهم ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف وقد حكى غير واحد أن ذلك إجماع الصحابة والتفريق بين الجمعة والجماعة غير صحيح ولهذا أبو حنيفة طرد أصله وسوى بينهما ولكن الأحاديث الثابتة وآثار الصحابة تبطل ما ذهب إليه
الخامس: أن ما دون الركعة لا يعتد به من الصلاة فإنه يستقبلها جميعها منفردا فلا يكون قد أدرك مع الإمام شيئا يحتسب له به فلا يكون قد اجتمع هو والإمام في جزء من أجزاء الصلاة يعتد له به فتكون صلاته جميعا صلاة منفرد
يوضح هذا أنه لا يكون مدركا للركعة إلا إذا أدرك الإمام في الركوع وإذا أدركه بعد الركوع لم يعتد له بما فعله معه مع أنه قد أدرك معه القيام من الركوع والسجود وجلسة الفصل ولكن لما فاته معظم الركعة وهو القيام والركوع فاتته الركعة فكيف
يقال مع هذا أنه قد أدرك الصلاة مع الجماعة وهو لم يدرك معهم ما يحتسب له به فإدراك الصلاة بإدراك الركعة نظير إدراك الركعة بإدراك الركوع لأنه في الموضعين قد أدرك ما يعتد له به وإذا لم يدرك من الصلاة ركعة كان كمن لم يدرك الركوع مع الإمام في فوت الركعة لأنه في الموضعين لم يدرك ما يحتسب له به وهذا من أصح القياس
السادس: أنه ينبني على هذا: أن المسافر إذا ائتم بمقيم وأدرك معه ركعة فما فوقها فإنه يتم الصلاة وإن أدرك معه أقل من ركعة صلاها مقصورة نص عليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وهذا لأنه بإدراك الركعة قد ائتم بمقيم في جزء من صلاته فلزمه الإتمام وإذا لم يدرك معه ركعة فصلاته صلاة منفرد فيصليها مقصورة
ويبنى عليه أيضا أن المرأة الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس بقدر ركعة لزمها العصر وإن طهرت قبل الفجر بقدر ركعة لزمها العشاء وإن حصل ذلك بأقل من مقدار ركعة لم يلزمها شيء
وأما الظهر والمغرب فهل يلزمها بذلك؟ فيه خلاف مشهور؟ فقيل: لا يلزمها وهو قول أبي حنيفة وقيل: يلزمها وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد ورواه الإمام أحمد عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف
ثم اختلف فيما تلزم به الصلاة الأولى على قولين:
أحدهما: تجب بما تجب به الثانية وهل هو ركعة؟ أو تكبيرة؟ على قولين
والثاني: لا تجب إلا بأن تدرك زمنا يتسع لفعلها وهو أصح
وقريب من هذا اختلافهم فيما إذا دخل عليها الوقت وهي طاهرة ثم حاضت هل يلزمها قضاء الصلاة أم لا؟ على قولين:
أحدهما: لا يلزمها كما يقوله مالك وأبو حنيفة
والثاني: يلزمها كما يقوله الشافعي وأحمد
ثم اختلف الموجبون عليها الصلاة فيما يستقر به الوجوب على قولين:
أحدهما: قدر تكبيرة وهو المشهور في مذهب أحمد
والثاني: أن يمضي عليها زمن تتمكن فيه من الطهارة وفعل الصلاة وهو القول الثاني في مذهب أحمد والشافعي
ثم اختلفوا بعد ذلك: هل يلزمها فعل الثانية من المجموعتين مع الأولى؟ على قولين وهما روايتان عن الإمام أحمد والأظهر في الدليل مذهب أبي حنيفة ومالك أنها لا يلزمها شيء لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء ولأنها أخرت تأخيرا جائزا فهي غير مفرطة وأما النائم أو الناسي - وإن كان غير مفرط أيضا - فإن ما يفعله ليس قضاء بل ذلك وقت الصلاة في حقه حين يستيقظ ويذكر كما قال النبي ﷺ: [ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها ] وليس عن النبي ﷺ حديث واحد بقضاء الصلاة بعد وقتها وإنما وردت السنة بالاعادة في الوقت لمن ترك واجبا من واجبات الصلاة كأمره للمسيء في صلاته بالإعادة لما ترك الطمأنينة المأمور بها وكأمره لمن صلى خلف الصف منفردا بالإعادة لما ترك المصافة الواجبة وكأمره لمن ترك لمعة من قدمه لم يصبها الماء بالإعادة لما ترك الوضوء المأمور به وأمر النائم والناسي بأن يصليا إذا ذكرا وذلك هو الوقت في حقهما والله سبحانه وتعالى أعلم
157 / - 241 - سئل: فيمن يرفع قبل الإمام ويخفض ونهي فلم ينته فما حكم صلاته؟ وما يجب عليه؟
الجواب: أما مسابقة الإمام فحرام باتفاق الأئمة لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه ولا يرفع قبله ولا يسجد قبله وقد استفاضت الأحاديث عن النبي ﷺ بالنهي عن ذلك كقوله في الحديث الصحيح: [ لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود فإني مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت إني قد بدنت ] وقوله [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم - قال رسول الله ﷺ: فتلك بتلك وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم فتلك بتلك ]
وكقوله ﷺ: [ أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ] وهذا لأن المؤتم متبع للإمام مقتد به والتابع المقتدي لا يتقدم على متبوعه وقدوته فإذا تقدم عليه كان كالحمار الذي لا يفقه ما يراد بعمله كما جاء في حديث آخر: [ مثل الذي يتكلم والخطيب يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا ]
ومن فعل ذلك استحق العقوبة والتعزير الذي يردعه وأمثاله كما روي عن عمر: أنه رأى رجلا يسابق الإمام فضربه وقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت
وإذا سبق الإمام سهوا لم تبطل صلاته لكن يتخلف عنه بقدر ما سبق به الإمام كما أمر بذلك أصحاب رسول الله ﷺ لأن صلاة المأموم مقدرة بصلاة الإمام وما فعله قبل الإمام سهوا لا يبطل صلاته لأنه زاد في الصلاة ما هو من جنسها سهوا فكان كما لو زاد ركوعا أو سجودا سهوا وذلك لا يبطل بالسنة والاجماع ولكن ما يفعله قبل الإمام لا يعتد به على الصحيح لأنه فعله في غير محله لأن ما قبل فعل الإمام ليس وقتا لفعل المأموم فصار بمنزلة من صلى قبل الوقت أو بمنزلة من كبر قبل تكبير الإمام فإن هذا لا يجزئه عما أوجب الله عليه بل لا بد أن يحرم إذا حل الوقت لا قبله وأن يحرم المأموم إذا أحرم الإمام لا قبله فكذلك المأموم لا بد أن يكون ركوعه وسجوده إذا ركع الإمام وسجد لا قبل ذلك فما فعله سابقا وهو ساه عفي له عنه ولم يعتد له به فلهذا أمره الصحابة والأئمة أن يتخلف بمقداره ليكون فعله بقدر فعل الإمام
وأما إذا سبق الإمام عمدا ففي بطلان صلاته قولان معروفان في مذهب أحمد وغيره ومن أبطلها قال: إن هذا زاد في الصلاة عمدا فتبطل كما لو فعل قبله ركوعا أو سجودا عمدا فإن الصلاة تبطل بلا ريب وكما لو زاد في الصلاة ركوعا أو سجودا عمدا وقد قالت الصحابة للمسابق: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت ومن لم يصل وحده ولا مؤتما فلا صلاة له
وعلى هذا [ فعلى ] المصلي أن يتوب من المسابقة ويتوب من نقر الصلاة وترك الطمأنينة فيها وإن لم ينته فعلى الناس كلهم أن يأمروه بالمعروف الذي أمره الله به وينهوه عن المنكر الذي نهاه الله عنه فإن قام بذلك بعضهم وإلا أثموا كلهم
ومن كان قادرا على تعزيره وتأديبه على الوجه المشروع فعل ذلك ومن لم يمكنه إلا هجره وكان ذلك مؤثرا فيه هجره حتى يتوب والله أعلم
158 - 242 - سئل: المصافحة عقيب الصلاة: هل هي سنة أم لا؟
الجواب: الحمد لله المصافحة عقيب الصلاة ليست مسنونة بل هي بدعة والله أعلم
243 - / 159 - سئل: عن الإمامة هل فعلها أفضل أم تركها؟
أجاب: بل يصلي بهم وله أجر بذلك كما جاء في الحديث [ ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: رجل أم قوما وهم له راضون ] الحديث والله أعلم
244 - / 160 - مسألة: في رجلين: أحدهما حافظ للقرآن وهو واعظ يحضر الدف والشبابة والآخر عالم متورع فأيهما أولى بالإمامة؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم عن أبي مسعود البدري أن النبي ﷺ قال: [ يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ]
فإذا كان الرجلان من أهل الديانة فأيهما كان أعلم بالكتاب والسنة وجب تقديمه على الآخر متعينا فإن كان أحدهما فاجرا مثل أن يكون معروفا بالكذب والخيانة ونحو ذلك من أسباب الفسوق والآخر مؤمنا من أهل التقوى فهذا الثاني أولى بالإمامة إذا كان من أهلها وإن كان الأول أقرأ وأعلم فإن الصلاة خلف الفاسق منهي عنها نهي تحريم عند بعض العلماء ونهي تنزيه عند بعضهم وقد جاء في الحديث: [ لا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسوط أو عصا ] ولا يجوز تولية الفاسق مع إمكان تولية البر والله أعلم
245 - / 161 - سئل: الصلاة خلف المرازقة وعن بدعتهم
أجاب: يجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال
ولو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان مشهوران في مذهب أحمد ومالك ومذهب الشافعي وأبي حنيفة الصحة
وقول القائل لا أسلم مالي إلا لمن أعرف ومراده لا أصلي خلف من لا أعرفه كما لا أسلم مالي إلا لمن أعرفه كلام جاهل لم يقله أحد من أئمة الإسلام فإن المال إذا أودعه الرجل المجهول فقد يخونه فيه وقد يضيعه وأما الإمام فلو أخطأ أو نسي لم يؤاخذ بذلك المأموم كما في البخاري وغيره أن النبي ﷺ قال: [ أئمتكم يصلون لكم ولهم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم ] فجعل خطأ الإمام على نفسه دونهم وقد صلى عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم وهو جنب ناسيا للجنابة فأعاد ولم يأمر المأمومين بالإعادة وهذا مذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه
وكذلك لو فعل الإمام ما يسوغ عنده وهو عند المأموم يبطل الصلاة مثل أن يقتصد ويصلي ولا يتوضأ أو يمس ذكره أو يترك البسملة وهو يعتقد أن صلاته تصح مع ذلك والمأموم يعتقد أنها لا تصح مع ذلك فجمهور العلماء على صحة صلاة المأموم كما هو مذهب مالك وأحمد في أظهر الروايتين بل في أنصهما عنه وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي اختاره القفال وغيره
ولو قدر أن الإمام صلى بلا وضوء متعمدا والمأموم لم يعلم حتى مات المأموم لم يطالب الله المأموم بذلك ولم يكن عليه إثم باتفاق المسلمين بخلاف ما إذا علم أنه يصلي بلا وضوء فليس له أن يصلي خلفه فإن هذا ليس بمصل: بل لاعب ولو علم بعد الصلاة أنه صلى بلا وضوء ففي الإعادة نزاع ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم
ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام برا كان أو فاجرا وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقا هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة كما ذكره في رسالة عبدوس وابن مالك والعطار
والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة وكان يشرب الخمر حتى أنه صلى بهم مرة الصبح أربعا ثم قال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة؟ ولهذا رفعوه إلى عثمان وفي صحيح البخاري أن عثمان - رضي الله عنه - لما حصر صلى بالناس شخص فسأل سائل عثمان فقال: إنك إمام عامة وهذا [ الذي ] يصلي بالناس إمام فتنة فقال: يا بن أخي ! إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم ومثل هذا كثير
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يرتب إماما للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة - رضي الله عنهم -
وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ولم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة فهنا ليس عليه ترك الصلاة خلفه بل الصلاة خلف الإمام الأفضل أفضل وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الرافضة والجهمية ونحوهم - ومن أنكر مذهب الروافض وهو لا يصلي الجمعة والجماعة بل يكفر المسلمين فقد وقع في مثل مذهب الروافض فإن من أعظم ما أنكره أهل السنة عليهم تركهم الجمعة والجماعة وتكفير الجمهور