26 - / 10 - مسألة: إذا ولغ الكلب في اللبن ومخض اللبن وظهر فيه زبدة فهل يحل تطهير الزبدة أفتونا مأجورين
الجواب: اللبن وغيره من المائعات هل يتنجس بملاقاة النجاسة أو حكمه حكم الماء؟
هذا فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن أحمد
وكذلك مالك له في النجاسة الواقعة في الطعام الكثير هل تنجسه؟ فيه قولان
وأما ولوغ الكلب في الطعام فلا ينجسه عند مالك فهذا على أحد قولي العلماء: لم ينجس وعلى القول الآخر: ينجس وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عن أصحابه لكن عند هؤلاء هل يطهر الدهن بالغسل؟
فيه قولان في مذهب الشافعي وأحمد وهما قولان في مذهب مالك أيضا فمن قال أن الأدهان تطهر بالغسل قال بطهارته بالغسل وإلا فلا والله أعلم
27 - / 11 - مسألة: في أناس في مفازة ومعهم قليل ماء فولغ الكلب فيه وهم في مفازة معطشة
الجواب: يجوز لهم حبسه لأجل شربه إذا عطشوا ولم يجدوا ماء طيبا فإن الخبائث جميعا تباح للمضطر فله أن يأكل عند الضرورة الميتة والدم ولحم الخنزير وله أن يشرب عند الضرورة كل ما يرويه: كالمياه النجسة والأبوال التي ترويه
وإنما منعه أكثر الفقهاء شرب الخمر قالوا: لأنها تزيده عطشا
وأما التوضؤ بماء الولوغ فلا يجوز عند جماهير العلماء بل يعدل عنه إلى التيمم
ويجب على المضطر أن يأكل ويشرب ما يقيم به نفسه فمن اضضر إلى الميتة أو الماء النجس فلم يشرب ولم يأكل حتى مات دخل النار ولو وجد غيره مضطرا إلى ما معه من الماء الطيب أو النجس فعليه أن يسقيه إياه ويعدل إلى التيمم سواء كان عليه جنابة أو حدث صغير
ومن اغتسل وتوضأ وهناك مضطر من أهل الملة أو الذمة أو دوابهم المعصومة فلم يسقه كان آثما عاصيا والله أعلم
28 - / 12 - مسألة: في الزيت إذا وقعت فيه النجاسة مثل الفأرة ونحوها وماتت فيه هل ينجس أم لا؟
وإذا قيل ينجس فهل يجوز أن يكاثر بغيره حتى يبلغ قلتين أم لا؟
وإذا قيل تجوز المكاثرة هل يجوز إلقاء الطاهر على النجس أو بالعكس أو لا فرق؟
وإذا لم تجز المكاثرة وقيل بنجاسته هل لهم طريق في الانتفاع به مثل الاستصباح به أوغسله إذا قيل يطهر بالغسل أم لا؟
وإذا كانت المياه النجسة اليسيرة تطهر بالمكاثرة هل تطهر سائر المائعات بالمكاثرة أم لا؟
الجواب: الحمد لله أصل هذه المسألة أن المائعات إذا وقعت فيها نجاسة فهل تنجس؟ وإن كانت كثيرة فوق القلتين أو تكون كالماء فلا تنجس مطلقا إلا بالتغير أو لا ينجس الكثير إلا بالتغير كما إذا بلغت قلتين؟
فيه عن أحمد ثلاث روايات:
إحداهن: أنها تنجس ولومع الكثرة وهو قول الشافعي وغيره
والثانية: إنها كالماء سواء كانت مائية أو غير مائية وهو قول طائفة من السلف والخلف: كابن مسعود وابن عباس والزهري وأبي ثور وغيرهم وهو قول أبي ثور نقله المروزي عن أبي ثور ويحكى ذلك لأحمد فقال: إن أبا ثور شبهه بالماء ذكر ذلك الخلال في جامعه عن المروزي
وكذلك ذكر أصحاب بني حنيفة أن حكم المائعات عندهم حكم الماء ومذهبهم في المائعات معروف فإذا كانت منبسطة بحيث لا يتحرك أحد طرفيها بتحرك الطرف الآخر لم تنجس كالماء عندهم
وأما أبا ثور فإنه يقول بالعكس: بالقلتين كالشافعي والقول أنها كالماء يذكر قولا في مذهب مالك وقد ذكر أصحابه عنه في يسير النجاسة إذا وقعت في الطعام الكثير روايتين
وروي عن أبي نافع من المالكية في الحجاب التي بالشام للزيت تموت فيه الفأرة أن ذلك لا يضل الزيت قال: وليس الزيت كالماء
وقال ابن الماجشون في الزيت وغيره تقع فيه الميتة ولم تغير أوصافه وكان كثيرا لم ينجس بخلاف موتها فيه ففرق بين موتها فيه ووقوعها فيه
ومذهب ابن حزم وغيره من أهل الظاهر: أن المائعات لا تنجس بوقوع النجاسة إلا السمن إذا وقعت فيه فأرة كما يقولون إن الماء لا ينجس إلا إذا بال فيه بائل
والثالثة: يفرق بين المائع المائي: كخل الخمر وغير المائي: كخل العنب فيلحق الأول بالماء دون الثاني
وفي الجملة: العلماء في المائعات ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها كالماء
والثاني: أنها أولى بعدم التنجس من الماء لأنها طعام وأدام فإتلافها فيه فساد ولأنها أشد إحالة للنجاسة من الماء أو مباينة لها من الماء
والثالث: أن الماء أولى بعدم التنجس منها لأنه طهور
وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع وذكرنا حجة من قال بالتنجيس وأنهم احتجوا بقول النبي ﷺ:[ إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم وإن كان مائعا فلا تقربوه ]
رواه أبو داود وغيره وبينا ضعف هذا الحديث وطعن البخاري والترمذي وأبو حاتم الرازي والدارقطني وغيرهم فيه وأنهم بينوا أنه غلط فيه معمر على الزهري
وقال أبو داود: ( باب في الفأرة تقع في السمن )
حدثنا مسدد حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عباس عن ميمونة: أن فأرة وقعت في سمن فأخبر النبي ﷺ فقال:[ ألقوها وما حولها وكلوا ]
وقال: ثنا أحمد بن صالح والحسين بن علي واللفظ للحسين قال: ثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: [ إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه ]
قال الحسن: قال عبد الرزاق: ربما حدث به معمر عن الزهري عن عبيدالله ابن عبد الله بن عباس عن ميمونة عن النبي ﷺ قال أبو داود: قال أحمد بن صالح: قال عبد الرزاق: قال أخبرنا عبد الرحمن بن مردويه عن معمر عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عباس عن ميمونة عن النبي ﷺ بمثل حديث الزهري عن سعيد بن المسيب
وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه: ( باب ما جاء في الفأرة تموت في السمن )
حدثنا سعيد بن عبد الرحمن وأبو عمار قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عباس عن ميمونة: أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل عنها النبي ﷺ فقال: [ ألقوها وما حولها وكلوه ]
قال أبوعيسى: هذا حديث صحيح
وقد روي هذا الحديث عن عبيدالله بن عبد الله بن عباس: أن النبي ﷺ سئل - ولم يذكروا فيه عن ميمونة
وحديث ابن عباس عن ميمونة أصح
وروى معمر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ - نحوه وهو حديث غير محفوظ قال: سمعت محمد بن إسمعيل يقول: حديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في هذا خطأ
قات: والصحيح حديث الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عباس عن ميمونة
قلت: وحديث معمر هذا الذي خطأه البخاري وقال الترمذي إنه غير محفوظ هو الذي قال فيه: [ إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه ] كما رواه أبو داود وغيره وكذلك الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده وغيره
وقد ذكر عبد الرزاق أن معمرا كان يرويه أحيانا من الوجه الآخر وكان يضطرب في إسناده كما اضطرب في متنه وخالف فيه الحفاظ الثقات الذين رووه بغير اللفظ الذي رواه معمر ومعمر كان معروفا بالغلط وأما الزهري فلا يعرف منه غلط
فلهذا بين البخاري من كلام الزهري ما دل على خطأ معمر في هذا الحديث
قال البخاري في صحيحه: ( باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب )
ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أخبرني عبيدالله بن عبد الله بن عتبة: أنه سمع ابن عباس يحدث عن ميمونة: أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي ﷺ عنها فقال: [ ألقوها وما حولها وكلوه ]
قيل لسفيان: فإن معمرا يحدثه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: ما سمعت الزهري يقوله إلا عن عبيدالله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي ﷺ ولقد سمعت منه مرارا
ثنا عبدان ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - عن يونس عن الزهري عن الدابة تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد الفأرة أو غيرها قال: بلغنا أن رسول الله ﷺ أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح ثم أكل من حديث عبيدالله بن عبد الله ثم رواه من طريق مالك كما رواه من طريق ابن عيينة
وهذا الحديث رواه الناس عن الزهري كما رواه ابن عيينة بسنده ولفظه وأما معمر فاضطرب فيه في سنده ولفظه فرواه تارة عن ابن المسيب عن أبي هريرة وقال فيه: [ وإن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه ]
وقيل عنه [ وإن كان مائعا فاستصبحوا به ] واضطرب عن معمر فيه
وظن طائفة من العلماء أن حديث معمر محفوظ فعملوا به وممن ثبته محمد ابن يحيى الذهلي فيما جمعه من حديث الزهري وكذلك احتج به أحمد لما أفتى بالفرق بين الجامد والمائع وكان يحتج أحيانا بأحاديث ثم يتبين له أنها بالفرق بين الجامد والمائع وكان أحمد يحتج أحيانا بأحاديث ثم يتبين له أنها معلومة كاحتجاجه بقوله: لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين
ثم تبين له ذلك أنه معلوم فاستدل بغيره
وأما البخاري والترمذي وغيرهما فعللوا حديث معمر وبينوا غلطه والصواب معهم فذكر البخاري هنا عن ابن عيينة أنه قال: سمعته من الزهري مرارا لا يرويه إلا عن عبيد الله وليس في لفظه إلا قوله: ألقوها وما حولها وكلوا وكذلك رواه مالك وغيره
وذكر من حديث يونس أن الزهري سئل عن الدابة تموت في السمن الجامد وغيره فأفتى بأن النبي ﷺ أمر بفأرة ماتت في السمن فأمر بما قرب منها فطرح
فهذه فتيا الزهري في الجامد وغير الجامد فكيف يكون قد روى في الحديث الفرق بينهما وهو يحتج على استواء حكم النوعين بالحديث ورواه بالمعنى
والزهري أحفظ أهل زمانه حتى يقال إنه لا يعرف له غلط في حديث ولا نسيان مع أنه لم يكن في زمانه أكثر حديثا منه ويقال إنه حفظ على الأمة تسعين سنة لم يأت بها غيره وقد كتب عنه سليمان بن عبد الملك كتابا من حفظه ثم استعاده منه بعد عام فلم يخط منه حرفا
فلو لم يكن في الحديث إلا نسيان الزهري أو معمر لكان نسبة النسيان إلى معمر أولى باتفاق أهل العلم بالرجال مع كثرة الدلائل على نسيان معمر وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن معمر كثير الغلط على الزهري
قال الإمام أحمد رضي الله عنه فيما حدثه محمد بن جعفر غندر عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه: أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته ثمان نسوة فقال أحمد: هكذا حدث به معمر بالبصرة وحدثهم بالبصرة من حفظه وحدث به باليمن عن الزهري بالاستقامة
وقال أبو حاتم الرازي: ما حدث به معمر بن راشد بالبصرة ففيه أغاليط وهو صالح الحديث وأكثر الرواة الذين رووا هذا الحديث عن معمر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: هم البصريون: كعبد الواحد بن زياد وعبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي
والاضطراب في المتن ظاهر فإن هذا يقول: إن كان ذائبا أو مائعا لم يؤكل وهذا يقول: وإن كان مائعا فلا تنتفعوا به واستصبحوا به وهذا يقول: فلا تقربوه وهذا يقول: فأمر بها أن تؤخذ وما حولها فيطرح فأطلق الجواب ولم يذكر التفصيل
وهذا يبين أنه لم يروه من كتاب بلفظ مضبوط وإنما رواه بحسب ما ظنه من المعنى فغلط
وبتقدير صحة هذا اللفظ وهو قوله: وإن كان مائعا فلا تقربوه فإنما يدل على نجاسة القليل الذي وقعت فيه النجاسة: كالسمن المسؤول عنه فإنه من المعلوم أنه لم يكن عند السائل سمن فوق قلتين يقع فيه فأرة حتى يقال فيه: ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال
بل السمن الذي يكون عند أهل المدينة في أوعيتهم يكون في الغالب قليلا فلو صح الحديث لم يدل إلا على نجاسة القليل فإن المائعات الكثيرة إذا وقعت فيها نجاسة فلا يدل على نجاستها: لا نص صحيح ولا ضعيف ولا إجماع ولا قياس صحيح
وعمدة من ينجسه يظن أن النجاسة إذا وقعت في ماء أو مائع سرت فيه كله فنجسته وقد عرف فساد هذا وأنه لم يقل أحد من المسلمين بطرده فإن طرده يوجب نجاسة البحر بل الذين قالوا هذا الأصل الفاسد: منهم من استثنى مالا يتحرك أحد طرفيه يتحرك الآخر ومنهم من استثنى في بعض النجاسات ما لا يمكن نزحه ومنهم من استثنى ما فوق القلتين وعلل بعضهم المستثنى بمشقة التنجيس وبعدم وصول النجاسة إلى الكثير وبعضهم بتعذر التطهير
وهذه العلل موجودة في الكثير من الأدهان فإنه قد يكون في الحب العظيم قناطير مقنطرة من الزيت ولا يمكنهم صيانته عن الواقع والدور والحوانيت مملوءة مما لا يمكن صيانته كالسكر وغيره فالعسر والحرج بتنجيس هذا عظيم جدا ولهذا لم يرد بتنجيس الكثير أثر عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه واختلف كلام أحمد رحمه الله في تنجيس الكثير وأما القليل فإنه ظن صحة حديث معمر فأخذ به وقد اطلع غيره على العلة القادحة فيه ولو اطلع عليها لم يقل به ولهذا نظائر كان يأخذ بحديث ثم يتبين له ضعفه فيترك الأخذ به وقد يترك الأخذ به قبل أن تتبين صحته فإذا تبين له صحته أخذ به وهذه طريقة أهل العم والدين رضي الله عنهم ولظنه صحته عدل إليه عما رماه من آثار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
وروى صالح بن أحمد في مسائله عن أبيه أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا إسمعيل ثنا عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة: أن ابن عباس سئل عن فأرة ماتت في سمن قال: تؤخذ الفأرة وما حولها قلت: يا مولانا فإن أثرها في السمن كله قال: عضضت بهن أبيك إنما كان أثرها بالسمن وهي حية وإنما ماتت حيث وجدت
ثنا أبي ثنا وكيع ثنا النضر بن عربي عن عكرمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فسأله عن جر فيه زيت وقع فيه جرذ؟ فقال ابن عباس: خذه وماحوله فألقه وكله قلت: أليس جال في الجر كله؟ قال: إنه جال وفيه الروح فاستقر حيث مات
وروى الخلال عن صالح قال: ثنا أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن حمران بن أعين عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلمي قال: سئل ابن مسعود عن فأرة وقعت في سمن؟ فقال: إنما حرم من الميته لحمها ودمها
قلت: فهذه فتاوى ابن عباس وابن مسعود والزهري مع أن ابن عباس هو راوي حديث ميمونة ثم إن قول معمر في الحديث الضعيف فلا تقربوه متروك عند عامة السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة فإن جمهورهم يجوزوا الاستصباح به وكثير منهم يجوز بيعه أو تطهيره وهذا مخالف لقوله فلا تقربوه
ومن نصر هذا القول يقول: قول النبي ﷺ: [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] احتراز عن الثوب والبدن والإناء ونحو ذلك مما يتنجس والمفهوم لا عموم له وذلك لا يقتضي أن كل ما ليس بماء يتنجس فإن الهواء ونحوه لا تتنجس وليس بماء
كما أن قوله: [ إن الماء لا يجنب ] احتراز عن البدن فإنه يجنب ولا يقتضي ذلك أن كل ما ليس بماء يجنب ولكن خص الماء بالذكر في الموضعين للحاجة إلى بيان حكمه فإن بعض أزواجه اغتسلت فجاء النبي ﷺ ليتوضأ بسؤرها فأخبرته أنها كانت جنبا فقال: [ فإن الماء لا يجنب ] مع أن الثوب لا يجنب والأرض لا تجنب وتخصيص الماء بالذكر لمفارقة البدن لا لمفارقة كل شيء
وكذلك قالوا له: أتتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال: [ الماء طهور لا ينجسه شيء ]
فنفى عنه النجاسة للحاجة إلى بيان ذلك كما نفى عنه الجنابة للحاجة إلى بيان ذلك والله سبحانه قد أباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث والنجاسات من الخبائث فالماء إذا تغير بالنجاسة حرم استعماله لأن ذلك استعمال للخبيث
وهذا مبني على أصل وهو أن الماء الكثير إذا وقعت فيه النجاسة فهل مقتضى القياس ينجسه لاختلاط الحلال بالحرام إلى حيث يقوم الدليل على تطهيره أو مقتضى القياس طهارته إلى أن تظهر فيه النجاسة الخبيثة التي يحرم استعمالها؟
للفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم في هذا الأصل قولان:
أحدهما: قول من يقول الأصل النجاسة وهذا قول أصحاب أبي حنيفة ومن وافقهم من أصحاب الشافعي وأحمد بناء على أن اختلاط الحلال بالحرام يوجب تحريمهما جميعا
ثم إن أصحاب أبي حنيفة طردوا ذلك فيما إذا كان الماء يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر قالوا: لأن النجاسة تبلغه إذا بلغته الحركة ولم يمكنهم طرده فيما زاد على ذلك وإلا لزم تنجيس البحر والبحر لا ينجسه شيء بالنص والإجماع ولم يطردوا ذلك فيما إذا كان الماء عميقا ومساحته قليلة ثم إذا تنجس الماء فالقياس عندهم يقتضي أن لا يطهر بنزح فيجب طم الآبار المتنجسة وطرد هذا القياس بشر المريسي وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا بالتطهير بالنزح استحسانا إما بنزح البئر كلها إذا كبر الحيوان أو نضخ وإما بنزح بعضها إذا صغر بدلاء ذكروا عددها فما أمكن طرد ذلك القياس
وكذلك أصحاب الشافعي وأحمد قالوا بطهارة ما فوق القلتين لأن ذلك يكون في الفلوات والغدران التي لا يمكن صيانتها عن النجاسة فجعلوا طهارة ذلك رخصة لأجل الحاجة على خلاف القياس
وكذلك من قال من أصحاب أحمد: إن البول والعذرة الرطبة لا ينجس بهما إلا ما أمكن نزحه ترك طرد القياس لأن ما يتعذر نزحه يتعذر تطهيره فجعل تعذر التطهير مانعا من التنجس
فهذه الأقوال وغيرها من مقالات القائلين بهذا الأصل تبين: أنه لم يطرده أحد من الفقهاء وأن كلهم خالفوا فيه القياس رخصة وأباحوا ما تخالطه النجاسات من المياه لأجل الحاجة الخاصة
وأما القول الثاني: فهو قول من يقول: القياس أن لا ينجس الماء حتى يتغير كما قاله من قاله من فقهاء الحجاز والعراق وفقهاء الحديث وغيرهم: كمالك وأصحابه ومن وافقهم من أصحاب الشافعي وأحمد وهذه طريقة القاضي أبي يعلى بن القاضي أبي حازم مع قوله أن القليل ينجس بالملاقاة
وأما ابن عقيل وابن المنى وابن المظفر وابن الجوزي وأبو نصر وغيرهم من أصحاب أحمد: فنصروا هذا - أنه لا ينجس إلا بالتغير - كالرواية الموافقة لأهل المدينة وهو قول أبي المحاسن الروياني وغيره من أصحاب الشافعي وقال الغزالي: وددت أن مذهب الشافعي في المياه كان كمذهب مالك
وكلام أحمد وغيره موافق لهذا القول فإنه لما سئل عن الماء إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت طعمه أولونه بأي شيء ينجس
والحديث المروي في ذلك وهو قوله: الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ضعيف
فأجاب بأن الله حرم الميتة ولحم الخنزير فإذا ظهر في الماء الدم أو طعم الميتة أو لحم الخنزير كان المستعمل لذلك مستعملا لهذه الخبائث ولو كان القياس عنده التحريم مطلقا لم يخص صورة التغير باستعمال النجاسة
وفي الجملة: فهذا القول هو الصواب وذلك أن الله حرم الخبائث التي هي الدم والميتة ولحم الخنزير ونحو ذلك فإذا وقعت هذه في الماء أو غيره واستهلكت لم يبق هناك دم ولا ميتة ولا لحم خنزير أصلا كما أن الخمر إذا استهلكت في المائع لم يكن الشارب لها شاربا للخمر والخمرة إذا استحالت بنفسها وصارت خلا كانت طاهرة باتفاق العلماء
وهذا على أصل من يقول إن النجاسة إذا استحالت طهرت أقوى كما هو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد فإن انقلاب النجاسة ملحا ورمادا ونحو ذلك: هو كانقلابها ماء فلا فرق بين أن تستحيل رمادا أو ملحا أو ترابا أو ماء أو هواء ونحو ذلك والله تعالى قد أباح لنا الطيبات
وهذه الأدهان والألبان والأشربة: الحلوة والحامضة وغيرها من الطيبات والخبيثة قد استهلكت واستحالت فيها فكيف يحرم الطيب الذي أباحه الله تعالى؟ ومن الذي قال إنه إذا خالطه الخبيث واستهلك فيه واستحال قد حرم وليس على ذلك دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا إجماع ولا قياس
ولهذا قال ﷺ في حديث بئر بضاعة لما ذكر له أنها يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال: [ الماء طهور لا ينجسه شيء ]
وقال في حديث القلتين [ إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ]
وفي اللفظ الآخر [ لم ينجسه شيء ] رواه أبو داود وغيره
فقوله [ لم يحمل الخبث ]: بين أن تنجيسه بأن يحمل الخبث أي بأن يكون الخبث فيه محمولا وذلك يبين أنه مع استحالة الخبث لا ينجس الماء
فصل
وإذا عرف أصل هذه المسألة فالحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها كالخمر لما كان الموجب لتحريمها ونجاستها هي الشدة فإذا زالت بفعل الله طهرت بخلاف ما إذا زالت بقصد الآدمي على الصحيح كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تأكلوا خل خمر إلا خمرا بدأ الله بفسادها
ولا جناح على مسلم أن يشتري خلا من خمر أهل الكتاب ما لم يعلم أنهم تعمدوا فسادها وذلك لأن اقتناء الخمر محرم فمن قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرما والفعل المحرم لا يكون سببا للحل والإباحة وأما إذا اقتناها لشربها واستعمالها خمرا فهو لا يريد تخليلها وإذا جعلها الله خلا كان معاقبة له بنقيض قصده فلا يكون في حلها وطهارتها مفسدة
وأما سائر النجاسات: فيجوز التعمد لإفسادها لأن إفسادها ليس بمحرم كما لا يحد شاربها لأن النفوس لا يخاف عليها بمقاربتها المحظور كما يخاف من مقاربة الخمر ولهذا جوز الجمهور أن تدبغ جلود الميتة وجوزوا أيضا إحالة النجاسة بالنار وغيرها
والماء لنجاسته سببان: أحدهما متفق عليه والآخر مختلف فيه
فالمتفق عليه: التغير بالنجاسة فمتى كان الموجب لنجاسته التغير فزال التغير كان طاهرا: كالثوب المضمخ بالدم إذا غسل عاد طاهرا
والثاني: القلة: فإذا كان الماء قليلا ووقعت فيه نجاسة ففي نجاسته قولان للعلماء: فمذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه: أنه ينجس ما دون القلتين وأحمد في الرواية المشهورة عنه يستثني البول والعذرة المائعة فيجعل ما أمكن نزحه نجسا بوقوع ذلك فيه ومذهب أبي حنيفة: ينجس ما وصلت إليه الحركة ومذهب أهل المدينة وأحمد في الرواية الثالثة: أنه لا ينجس ولو لم يبلغ قلتين واختار هذا القول بعض أصحاب الشافعي
وقد نص هذه الرواية بعض أصحاب أحمد كما نص الأولى طائفة كثيرة من أصحاب أحمد لكن طائفة من أصحاب مالك قالوا: إن قليل الماء ينجس بقليل النجاسة ولم يجدوا ذلك بقلتين وجمهور أهل المدينة أطلقوا القول فهؤلاء لا ينجسون شيئا إلا بالتغير ومن يسوي بين الماء والمائعات: كإحدى الروايتين عن أحمد وقال بهذا القول الذي هو رواية عن أحمد قال: في المائعات كذلك كما قاله الزهري وغيره
فهؤلاء لا ينجسون شيئا من المائعات إلا بالتغير كما ذكره البخاري في صحيحه لكن على المشهورعن أحمد اعتبار القلتين في الماء
وكذلك في المائعات إذا سويت به فنقول: إذا وقع في الماء القليل نجاسة فصب عليه مائع كثير فيكون الجميع طاهرا إذا لم يكن متغيرا وإن صب عليه ماء قليل دون القلتين فصار الجميع كثيرا فوق القلتين ففي ذلك وجهان في مذهب أحمد: أحدهما: وهو مذهب الشافعي في الماء أن الجميع طاهر والوجه الثاني: أنه لا يكون طاهرا حتى يكون المضاف كثيرا
والمكاثرة المعتبرة: أن يصب الطاهر على النجس ولو صب النجس على الطاهر الكثير كان كما لو صب الماء النجس على ماء كثير طاهر أيضا وذلك مطهر له إذا لم يكن متغيرا وإن صب القليل الذي لاقته النجاسة على قليل لم تلاقه النجاسة وكان الجميع كثيرا فوق القلتين كان كالماء القليل إذا ضم إلى القليل وفي ذلك الوجهان المتقدمان
وهذا القول الذي ذكرناه من المائعات كالماء أولى بعدم التنجيس من الماء هو الأظهر في الأدلة الشرعية بل لو نجس القليل من الماء لم يلزم تنجيس الأشربة والأطعمة ولهذا أمر مالك بإراقة ما ولغ فيه الكلب من الماء القليل ولم يأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب من الأطعمة والأشربة واستعظم إراقة الطعام والشراب بمثل ذلك وذلك لأن الماء لا يمن له في العادة بخلاف أشربة المسلمين وأطعمتهم فإن في نجاستها من المشقة والحرج والضيق ما لا يخفى على الناس وقد تقدم أن جميع الفقهاء يعتبرون رفع الحرج في هذا الباب فإذا لم ينجسوا الماء الكثير رفعا للحرج فكيف ينجسون نظيره من الأطعمة والأشربة والحرج في هذا أشق ولعل أكثر المائعات الكثيرة لا تكاد تخلو عن نجاسة
فإن قيل: الماء يدفع النجاسة عن غيره فعن نفسه أولى وأحرى بخلاف المائعات قيل: الجواب عن ذلك من وجوه:
أحدها: إن الماء إنما دفعها عن غيره لأنه يزيلها عن ذلك المحل وتنتقل معه فلا يبقى على المحل نجاسة وأما إذا وقعت فيه فإنما كان طاهرا لاستحالتها فيه لا لكونه أزالها عن نفسه ولهذا يقول أصحاب أبي حنيفة: إن المائعات كالماء في الإزالة وهي كالماء في التنجيس إذا كان كذلك لم يلزم من كون الماء يزيلها إذا زالت معه أن يزيلها إذا كانت فيه
ونظير الماء الذي فيه النجاسة: الغسالة المنفصلة عن المحل وتلك نجسة قبل طهارة المحل وفيها بعد طهارة المحل ثلاثة أوجه: هل هي طاهرة أو مطهرة أو نجسة؟
وأبو حنيفة نظر إلى هذا المعنى فقال: الماء ينجس بوقوعها فيه وإن كان يزيلها عن غيره لما ذكرنا
فإذا كانت النصوص وقول الجمهور على: أنها لا تنجس بمجرد الوقوع مع الكثرة كما دل عليه قول النبي ﷺ: [ الماء طهور لا ينجسه شيء ]
وقوله: [ إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ]
فإنه إذا كان طهورا يطهر به غيره علم أنه لا ينجس بالملاقاة إذ لو نجس بها لكان إذا صب عليه النجاسة ينجس بملاقاتها فحينئذ لا ينجس بوقوع النجاسة فيه لكن إن بقيت عين النجاسة حرمت وإن استحالت زالت
فدل ذلك على أن استحالة النجاسة مع ملاقاتها فيه لا تنجسه وإن لم تكن قد زالت كما زالت عن المحل فإن من قال: يدفعها عن نفسه كما يزيلها عن غيره فقد خالف المشاهدة وهذا المعنى يوجد في سائر المائعات من الأشربة وغيرها
الوجه الثاني: أن يقال: غاية هذا أن يقتضي أنه يمكن إزالة النجاسة بالمائع وهذا أحد القولين في مذهب أحمد ومالك كما هو مذهب أبي حنيفة وغيره
وأحمد جعله لازما فمن قال: إن المائع لا ينجس بملاقاة النجاسة وقال: يلزم على هذا أن تزال به النجاسة وهذا لأنه إذا دفعها عن نفسه دفعها عن غيره كما ذكروه في الماء فيلزم جواز إزالته بكل مائع طاهر مزيل للعين قلاع للأثر على هذا القول
وهذا هو القياس فنقول به على هذا التقدير وإن كان لا يلزم من دفعها عن نفسه دفعها عن غيره لكون الإحالة أقوى من الإزالة فيلزم من قال إنه يجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات أن تكون المائعات كالماء فإذا كان الصحيح في الماء أنه لا ينجس إلا بالتغير إما مطلقا وإما مع الكثرة فكذلك الصواب في المائعات
وفي الجملة: التسوية بين الماء والمائعات ممكن على التقديرين وهذا مقتضى النص والقياس في مسألة إزالة النجاسات وفي مسألة ملاقاتها للمائعات الماء وغير الماء
ومن تدبر الأصول المنصوصة المجمع عليها والمعاني الشرعية المعتبرة في الأحكام الشرعية تبين له أن هذا هو أصوب الأقوال فإن نجاسة الماء والمائعات بدون التغير بعيد عن ظواهر النصوص والأقيسة وكون حكم النجاسة تبقى في مواردها بعد إزالة النجاسة بمائع أو غير مائع بعيد عن الأصول وموجب القياس
ومن كان فقيها خبيرا بمأخذ الأحكام الشرعية وأزال عنه الهوى تبين له ذلك ولكن إذا كان في استعمالها فساد فإنه ينهى عن ذلك كما ينهى عن ذبح الخيل التي يجاهد عليها والإبل التي يحج عليها والبقر التي يحرث عليها ونحو ذلك لما في ذلك من الحاجة إليها لا لأجل الخبث
كما ثبت في الصحيح: [ عن النبي ﷺ: لما كان في بعض أسفاره مع أصحابه فنفدت أزوادهم فأستأذنوه في نحر الظهر فأذن لهم ثم أتى عمر فسأله أن يجمع الأزواد فيدعو الله بالبركة فيها ويبقى الظهر ففعل ذلك ]
فنهيه لهم عن نحر الظهر كان لحاجتهم إليه للركوب لا لأن الإبل محرمة
فهكذا ينهى فيما يحتاج إليه من الأطعمة والأشربة عن إزالة النجاسة بها كما ينهي عن الاستنجاء بماله حرمة من طعام الإنس والجن وعلف دواب الإنس والجن ولم يكن ذلك لكون هذه الأعيان لا يمكن الاستنجاء بها بل لحرمتها فالقول في المائعات كالقول في الجامدات
الوجه الثالث: أن يقال إحالة المائعات للنجاسة إلى طبعها أقوى من إحالة الماء وتغير الماء بالنجاسات أسرع من تغير المائعات فإذا كان الماء لا ينجس بما وقع فيه من النجاسه لاستحالتها إلى طبيعه فالمائعات أولى وأحرى
الوجه الرابع: إن النجاسة إذا لم يكن لها في الماء والمائع طعم ولا لون ولا ريح لا نسلم أن يقال بنجاسته أصلا كما في الخمر المسلبة أو أبلغ وطرد ذلك في جميع صور الإستحالة فإن الجمهور على أن المستحيلات من النجاسة طاهرة كما هو المعروف عن الحنفية والظاهرية وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد ووجه في مذهب الشافعي
الوجه الخامس: إن دفع العين للنجاسة عن نفسها كدفع الماء لا يختص بالماء بل هذا الحكم ثابت في التراب وغيره فإن العلماء اختلفوا في النجاسة إذا أصابت الأرض وذهب بالشمس أو الريح أو الاستحالة هل تطهر الأرض على قولين:
أحدهما: تطهر وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وهو الصحيح في الدليل فإنه ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله ﷺ ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك
وفي السنن أنه قال: [ إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن كان فيهما أذى فليدلكهما في التراب فإن التراب لهما طهور ]
وكان الصحابة: كعلي بن أبي طالب وغيره يخوضون في الوحل ثم يدخلون يصلون بالناس ولا يغسلون أقدامهم
وأوكد من هذا قوله ﷺ [ في ذيول النساء إذا أصابت أرضا طاهرة بعد أرض خبيثة: تلك بتلك وقوله: يطهره ما بعده ]
وهذا هو أحد القولين في مذهب أحمد وغيره وقد نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد السالنجي التي شرحها إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وهي من أجل المسائل وهذا لأن الذيول يتكرر ملاقاتها للنجاسة فصارت كأسفل الخف ومحل الاستنجاء
فإذا كان الشارع جعل الجامدات تزيل النجاسة عن غيرها لأجل الحاجة كما في الاستنجاء بالأحجار وجعل الجامد طهورا علم أن ذلك وصف لا يختص بالماء
وإذا كانت الجامدات لا تنجس بما استحال من النجاسة فالمائعات أولى وأحرى لأن إحالتها أشد وأسرع
ولبسط هذه المسائل وما يتعلق بها مواضع غير هذا
وأما من قال: إن الدهن يتنجس بما يقع فيه في جواز الاستصباح به قولان في مذهب مالك والشافعي وأحمد أظهرهما: جواز الاستصباح به كما نقل ذلك عن طائفة من الصحابة
وفي طهارته بالغسل وجهان في مذهب مالك والشافعي وأحمد:
أحدهما: يطهر بالغسل كما اختاره ابن شريح وأبو الخطاب وابن شعبان وغيرهم وهو المشهور من مذهب الشافعي وغيره
والثاني: لا يطهر بالغسل وعليه أكثرهم وهذا النزاع يجري في الدهن المتغير بالنجاسة فإنه نجس بلا ريب ففي جواز الاستصباح به هذا النزاع وكذلك في غسله هذا النزاع
وأما بيعه: فالمشهور أنه لا يجوز بيعه لا من مسلم ولا كافر وعن أحمد أنه يجوز بيعه من كافر إذا علم بنجاسته كما روى عن أبي موسى الأشعري وقد خرج قول له بجواز بيعه منهم من خرجه على جواز الاستصباح به كما فعل أبو الخطاب وغيره وهو ضعيف لأن أحمد وغيره من الأئمة فرقوا بينهما ومنهم من خرج جواز بيعه على جواز تطهيره لأنه إذا جاز تطهيره صار كالثوب النجس والإناء النجس وذلك يجوز بيعه وفاقا وكذلك أصحاب الشافعي لهم في جواز بيعه إذا قالوا بجواز تظهيره وجهان ومنهم من قال يجوز بيعه مطلقا والله أعلم