☰ جدول المحتويات
كتاب البيع
وكل ما عده الناس بيعا أو هبة من متعاقب أو متراخ من قول أو فعل انعقد به البيع والهبة ويجوز بيع الطير لقصد صوته إذا جاز حبسه وفيه احتمالان لابن عقيل واختار أبو العباس صحة البيع بغير صفة وهو بالخيار إذا رآه وهو رواية عن أحمد ومذهب الحنفية وضعفه في موضع آخر والبيع بالصفة السليمة صحيح وهو مذهب أحمد
وإن باعه لبنا موصوفا في الذمة واشترط كونه من هذه الشاة أو البقرة صح ويجوز بيع الكلأ ونحوه الموجود في أرضه إذا قصد استنباته ويصح بيع ما فتح عنوة أو لم يقسم من أرض الشام ومصر والعراق ويكون في يد مشتريه بخراجه وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي وجوز أحمد أصداقها وقاله أبو البركات وتأوله القاضي على نفعها والمؤثر بها أحق بلا خلاف وإذا جعلها الإمام فيئا صار ذلك حكما باقيا فيهما دائما
ولا تعود إلى الغانمين وليس غيرهم مختصا بها ومكة المشرفة فتحت عنوة ويجوز بيعها لا إجارتها فإن استأجرها فالأجرة ساقطة يحرم بذلها ويصح بيع الحيوان المذبوح مع جلده وهو قول جمهور العلماء وكذا لو أفرد أحدهما بالبيع ويصح بيع المغروس في الأرض الذي يظهر ورقه كالقت والجوز والقلقاس والفجل والبصل وشبيه ذلك وقاله بعض أصحابنا ويصح البيع بالرقم ونص عليه أحمد وتأوله القاضي وبما ينقطع به السعر وكما يبيع الناس وهو أحد القولين في مذهب أحمد
ولو باع ولم يسم الثمن صح بثمن المثل كالنكاح ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك كمذهب أحمد وغيره أو ظن وهو أحد القولين يؤيده أن الأصحاب قالوا لو ظن الآجر أن المستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار ولم تصح الإجارة والبيع والإجارة سواء
وإذا جمع البائع بين عقدين مختلفي الحكم بعوضين متميزين لم يكن للمشتري أن يقبل أحدهما بعوضه ويحرم الشراء على شراء أخيه وإذا فعل ذلك كان للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة وأخذ السلعة أو عوضها ومن استولى على ملك إنسان بلا حق ومنعه إياه حتى يبيعه إياه فهو كبيع المكره بغير عوض ويكره أن يتمنى الغلاء قال أحمد لا ينبغي أن يتمنى الغلاء ومن قال لآخر اشترني من زيد فإني عبده فاشتراه فبان حرا فإنه يؤاخذ البائع والمقر بالثمن فإن مات أحدهما أو غاب أخذ الآخر بالثمن ونقله ابن الحكم عن أحمد
وبيع الأمانة باطل ويجب المعاوضة بثمن المثل لأنها مصلحة عامة لحق الله تعالى ولا يربح على المسترسل أكثر ما يربح على غيره وله أن يأخذ منه بالقيمة المعروقة بغير اختياره قال أبو طالب قيل لأحمد إن ربح الرجل في العشرة خمسة يكره ذلك قال إذا كان أجله إلى سنة أو أقل بقدر الربح فلا بأس به وقال أبو جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يقول بيع النسيئة إذا كان مقاربا فلا بأس وهذا يقتضي كراهة الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل لأنه سبه بيع المضطر وهذا يعم بيع المرابحة والمساومة ومن ضمن مكانا للبيع ويشتري فيه وحده كره الشراء منه بلا حق ويحرم عليه أخذ زيادة بلا حق اتفق أهل السوق على أن لا يتزايدوا في السلعة وهم محتاجون إليها ليبيعها صاحبها بدون قيمتها فإن ذلك فيه من غش الناس مالا يخفى وإن ثم من بد فلا بأس ومن مالك ماء نابعا كبئر محفورة في ملكه أو عين ماء في أرضه فله بيع البئر والعين جميعا ويجوز بيع بعضها مشاعا كأصبع أو أصبعين من قناة وإن كان أصل القناة في أرض مباحة فكيف إذا كان أصلها في أرضه
قال أبو العباس: وهذا لا أعلم فيه نزاعا وإن كانت العين ينبع ماؤها شيئا فشيئا فإنه ليس من شرط المبيع أن يرى جميعه بل ما جرت به العادة برؤيته وأما ما يتجدد ومثل المنابع ونقع البئر فلا يشترط أحد رؤيته في بيع ولا إجارة وإنما تنازعوا لو باع الماء دون القرار وفي الصحة قولان بناء على أنه هل يملك وتنازعوا إذا باع الأرض ولم يذكر الماء هل يدخل أم لا؟
فصل
ولو قال البائع بعتك لو جئتني بكذا أو إن رضي زيد صح البيع والشرط وهو إحدى الروايتين عن أحمد وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود فلو باع جارية وشرط على المشتري إن باعها فهو أحق بها بالثمن صح البيع والشرط ونقل عن ابن مسعود وعن أحمد نحو العشرين نصا على صحة الشروط وأنه يحرم الوطء لنقص الملك
سأل أبو طالب الإمام أحمد عمن اشترى أمة يشترط أن يتسرى بها لا للخدمة قال لا بأس به وهذا من أحمد يقتضي أنه إذا شرط على البائع فعلا أو تركا في البيع مما هو مقصود للبائع أو للبيع نفسه صح البيع والشرط كاشتراط العتق وكما اشترط عثمان لصهيب وقف داره عليه ومثل هذا أن يبيعه بشرط أن يعلمه أولا يخرجه من ذلك البلد أو لا يستعمله في العمل الفلاني أو أن يوجه أو يساويه في المطعم أولا يبيعه أولا يهبه
فإذا امتنع المشتري من الوفاء فهل يجبر عليه أو ينفسخ على وجهين وهو قياس قولنا إذا شرط في النكاح أن لا يسافر بها أو لا يتزوج إذ لا فرق في الحقيقة بين الزوجة والمملوك وإذا شرط البائع نفع المبيع لغيره مدة معلومة فمقتضى كلام أصحابنا جوازه فإنهم احتجوا بحديث أم سلمة أنها اعتقت سفينة وشرطت عليه أنه يخدم النبي ﷺ ما عاش واستثناء خدمة غيره في العتق كاستثنائها في البيع وشرط البراءة من كل عيب باطل وعلله جماعة من أصحابنا بأنه خيار يثبت بعد البيع فلا يسقط قبله كالشفعة ومقتضى هذا التعليل صحة البراءة من العيوب بعد عقد البيع
وقال المخالف في صحة البراءة إسقاط حق وصح في المجهول كالطلاق والعتاق قيل له والجواب إنا نقول بوجوبه وأنه يصح في المجهول لكن بعد وجوبه والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم أن البائع إذا لم يكن علم بذلك العيب فلا رد للمشتري لكن إذا ادعى أن البائع علم بذلك فأنكر البائع حلف أنه لم يعلم فإن نكل قضى عليه
فصل
ويثبت خيار المجلس في البيع وثبت خيار الشرط في كل العقود ولو طالت المدة فإن اطلقا الخيار ولم يوقتاه بمدة توجه أن يثبت ثلاثا لخبر حبان بن مقيد
وللبائع الفسخ في مدة الخيار إذا رد الثمن وإلا فلا ونقل أبو طالب عن أحمد وكذا التملكات القهرية لإزالة الضرر كالأخذ بالشفعة وأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر والزرع من الغاصب ويثبت خيار الغبن المسترسل إلى البائع لم يماكسه وهو مذهب أحمد وإن علق عتق عبده ببيعه وكان قصده بالتعليق اليمين دون التبرر بعتقه أجزأه كفارة يمين وإن قصد به التقرب كان عتقه مستحقا كالنذر فلا يصح بيعه ويكون العتق مطلقا على صورة البيع
وطرد أبو العباس قوله: هذا في تعليق الطلاق على الفسخ والخلع فجعله معلقا على صورة الفسخ والخلع المعلق عليه فلا يمتنع وقوع الطلاق معه على رأي ابن حامد حيث أوقعه مع البينونة بانقضاء العدة فكذا بالفسخ ويحرم كتم العيب في السلعة وكذا لو أعلمه به ولم يعلمه قدر عيبه ويجوز عقابه باتلافه أو التصدق به وقد أفتى به طائفة من أصحابنا ويحرم تغرير مشتر بأن يسومه كثيرا ليبذل قريبا منه
والنماء المتصل في الأعيان المملوكة العائدة إلى من انتقل الملك عنه لا يتبع الأعيان وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب حيث قال إذا اشترى غنما فنمت ثم استحقت فالنماء له وهذا يعم المتصل والمنفصل وإذا اشترى شيئا فظهر به عيب على عيب فله أرشه إن تعذر رده وإلا فلا وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة والشافعي
وكذا في نظائره كالصفقة إذا تفرقت والمذهب يخير المشتري بين الرد وأخذ الثمن وإمساكه وأخذ الأرش فعليه يجبر المشتري على الرد وأخذ الأرش لتضرر البائع بالتأخير وإذا أبقت الجارية عند المشتري وكانت معروفة بذلك قبل البيع وكتمه البائع رجع المشتري بالثمن في الأصح
والجار السوء عيب وإذا ظهر عسر المشتري أو مطله فللبائع الفسخ ويملك المشتري المبيع بالعقد ويصح عتقه قبل القبض إجماعا فيهما ومن اشترى شيئا لم يبعه قبل قبضه سواء المكيل والموزون وغيرهما
وهو رواية عن أحمد اختارها ابن عقيل ومذهب الشافعي وروى عن ابن العباس رضي الله عنهما وسواء كان المبيع من ضمان المشتري أولا وعلى ذلك تدل أصول أحمد كتصرف المشتري في الثمرة قبل جدها في أصح الروايتين وهي مضمونة على البائع وكصحة تصرف المستأجر في العين المؤجرة بالإجارة وهي مضمونة على المؤجر ويمتنع التصرف في صبرة الطعام المشتراة جزافا على إحدى الروايتين وهي اختيار الخرقي مع أنها من ضمان المشتري
وهذه طريقة الأكثرين وعلة النهي عن البيع قبل القبض ليست توالي الضمانين بل عجز المشتري عن تسليمه لأن البائع قد يسلمه وقد لا يسلمه لا سيما إذا رأى المشتري قد ربح فيسعى في رد البيع إما بجحد أو باحتيال في الفسخ وعلى هذه العلة تجوز التولية في المبيع قبل قبضه وهو مخرج من جواز بيع الدين
ويجوز التصرف فيه بغير البيع ويجوز بيعه لبائعه والشركة فيه وكل ما ملك بعقد سوى البيع فإنه يجوز التصرف فيه بغير البيع فإنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه بالبيع وغيره لعدم قصد الربح وإذا تعين ملك إنسان في موروث أو وصية أو غنيمة لم يعتبر لصحة تصرفه قبضه بلا خلاف وينتقل الضمان إلى المشتري بتمكنه من القبض وظاهر مذهب أحمد الفرق بين تمكن قبضه وغيره ليس هو الفرق بين المقبوض وغيره
باب الربا
والعلة في تحريم ربا الفضل الكيل أو الوزن مع الطعم وهو رواية عن أحمد ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل ويجعل الزائد في مقابلة الصيغة ليس بربا ولا بجنس بنفسه فيباع خبز بهريسة وزيت بزيتون وسمسم بسيرج والمعمول من النحاس والحديد إذا قلنا يجري الربا فيه يجري في معموله إذا كان يقصد وزنه بعد الصنعة كثياب الحرير والأسطال ونحوها وإلا فلا وهو ثالث أقوال أهل العلم ويحرم بيع اللحم بحيوان من جنسه مقصودا للحم
ويجوز بيع الموزونات الربوية بالتحري وقاله مالك وما لا يختلف فيه الكيل والوزن مثل الأدهان يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا وعن أحمد ما يدل عليه ويجوز العرايا والزروع ويجوز مسألة من عجوة وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة وظاهر مذهب أحمد جواز بيع السيف المحلى بجنس حليته لأن الحلية ليست بمقصودة
ويجوز بيع فضة لا يقصد غشها بخالصة مثلا بمثل ولا يشترط الحلول والتقابض في صرف الفلوس النافقة بأحد النقدين وهو رواية عن أحمد نقلها أبو منصور واختارها ابن عقيل وما جاز التفاضل فيه كالثياب والحيوان يجوز النسأ فيه إن كان متساويا وإلا فلا وهو رواية عن أحمد وإن اصطرفا دينا في ذمتهما جاز
وحكاه ابن عبد البر عن أبي حنيفة ومالك خلافا لما نص عليه أحمد ويحرم مسألة القورق وهو رواية عن أحمد ومن باع ربويا نسيئة حرم أخذه عن ثمن ما لا يباع نسيئة ما لم تكن حاجة وهو توسط بين الإمام أحمد في تحريمه والشيخ أبي محمد المقدسي في حله والتحقيق في عقود الربا إذا لم يحصل فيها القبض أن لا عقد وإن كان بعض الفقهاء يقول بطل العقد فهو بطلان ما لم يتم بطلان ما تم والكيماء باطلة محرمة وتحريمها أشد من تحريم الربا ولا يجوز بيع الكتب التي تشتمل على معرفة صناعتها وأفتى بعض ولاة الأمور بإتلافها
فصل
والصحيح أنه لا يجوز بيع المقاثي جملة بعروقها سواء بدا صلاحها أولا وهذا القول له مأخذان أحدهما أن العروق كأصول الشجر فبيع الخضروات قبل بدو صلاحها كبيع الشجر بثمره قبل بدو صلاحه يجوز تبعا والمأخذ الثاني وهو الصحيح أن هذه لم تدخل في نهي النبي ﷺ بل يصح العقد على اللقطة الموجودة واللقطة المعدومة إلى أن تيبس المقثاة لأن الحاجة داعية إلى ذلك
ويجوز بيع المقاثي دون أصولها وقاله بعض أصحابنا وإذا بدا صلاح بعض شجرة جاز بيعها وبيع ذلك الجنس وهو رواية عن أحمد وقول الليث بن سعد وبقية الأجناس التي ساء حمله فإن أصحاب ذلك أو الزرع الذي بجائحة ولو من جراد أو جيش لا يمكن تضمينه
فمن ضمان بائعه إن لم يفرط المشتري وثبتت الجائحة في المزارع كما إذا اكترى الأرض بألف مثلا وكانت تساوي بالجائحة سبعمائة وبعض الناس يظن أن هذا خلاف ما في المعنى أن نفسه إذا تلف يكون من ضمان المستأجر صاحب الزرع لا يكون كالثمرة المشتراة فهذا ما فيه خلاف وإنما الخلاف في نفس أجرة الأرض ونقص قيمتها فيكون كما لو انقطع الماء عن الرحا ونبتت الجائحة في المزارع
ولو قال في الإجارة إنه أجره إياها مقيلا أو مضيفا أو مراحا أو مزروعا وثبتت الجائحة في حانوت أو حما نقص نفعه وحكم بذلك أبو الفضل سليمان بن جعفر المقدسي
قال أبو العباس: لكنه بخلاف ما رأيته عن الإمام أحمد وقياس أصول أحمد ونصوصه إذا عطل نفع الأرض بآفة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة كاستهدام الدار ولو يبست الكروم بجراد أو غيره سقط من الخراج حسب ما يعطل من النفع وإذا لم يمكن النفع به ببيع أو إجارة أو عمارة أو غير ذلك لم يجز المطالبة بالخراج
باب السلم
ولو أسلم مقدارا معلوما إلى أجل معلوم في شيء يحكم أنه إذا حل يأخذه بأنقص مما يساوي بقدر معلوم صح كالبيع بالسعر ويصح السلم حالا إن كان المسلم فيه موجودا في ملكه وإلا فلا ويجوز بيع الدين في الذمة من الغريم وغيره ولا فرق بين دين المسلم وغيره وهو رواية عن أحمد وقال ابن عباس لكن بقدر القيمة فقط لئلا يربح فيما لم يضمن ويصح تعليق البراءة على شرط وهو عن أحمد
وما قبضه أحد الشريكين من دين مشترك بعقد أوراث أو إتلاف أو ضريبة وسبب استحقاقها واحد فالشريكة الأخذ من الغريم ويحاصه فيما قبضه وهو مذهب الإمام وكذا لو تلف ولو تبارآ ولأحدهما على الآخر دين مكتوب فادعى استثناء بقلبه وإنه لم يبرئه منه قبل ولخصمه تحليفه
باب القرض
ويجوز قرض الخبز ورد مثله عددا بلا وزن من غير قصد الزيادة وهو مذهب أحمد ولو أقرضه في بلد آخر جاز على الصحيح ويجوز قرض المنافع مثل أن يحصد معه يوما ويحصد معه الآخر يوما أو يسكنه الآخر بدلها لكن الغالب على المنافع أنها ليست من ذوات الأمثال حتى يجب رد المثل بتراضيهما
وإذا ظهر المقترض مفلسا ووجد المقرض عين ماله فله الرجوع بعين ماله بلا ريب والدين الحال يتأجل بتأجيله سواء كان الدين قرضا أو غيره وهو قول مالك ووجه في مذهب أحمد
ويتخرج رواية عن أحمد من إحدى الروايتين في صحة الحاق الأجل بعد لزوم العقد ولو أقرض إكاره بذرا أو أمره ببذره وأنه في ذمته كما يفعله الناس فهو فاسد وله نصيب المثل ولو تلف لم يضمنه لأنه أمانة ولو اقترض من رجل قروضا متفرقة ووكل المقرض في ضبطها أو ابتاع منه شيئا ووكل البائع في ضبط المبيع حفظا أو كتابة فينبغي أن يكون قول هذا المؤتمن ههنا مقبولا ويجب على المقترض أن يوفي المقرض في بلد القرض ولا يكلفه مؤونة السفر والحمل
باب الضمان
وقياس المذهب أنه يصح بكل لفظ يفهم منه الضمان عرفا مثل زوجه وأنا أؤدي الصداق أو بعه وأنا أعطيك الثمن أو اتركه لا تطالبه وأنا أعطيك الثمن ولو تغيب مضمون عنه قادر فأمسك الضامن وغرم شيئا أو أنفقه في الحبس رجع به على المضمون عنه ويصح ضمان المجهول ومنه ضمان السوق وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة وتجوز كتابته والشهادة به لم ير جوازها
وكذلك تجوز الشهادة على المزارعة لمن لم ير جوازها لأن ذلك محل اجتهاد وأما الشهادة على العقود المحرمة على وجه الإعانة عليها فحرام ويصح ضمان حارس ونحوه وتجار حرب بما يذهب من البلد أو البحر وغايته ضمان مجهول وما لم يجب وهو جائز عند أكثر أهل العلم مالك وأبي حنيفة وأحمد
ومن كفل إنسانا فسلمه إلى المكفول له ولا ضرر في تسليمه برئ ولو في حبس الشرع ولا يلزمه اختياره منه إليه عند أحد الأئمة والسجان ونحوه ممن هو وكيل على بدن الغريم كالكفيل للوجه عليه إحضار الخصم فإن تعذر إحضاره كان كما لو لم يحضر المكفول به يضمن ما عليه عندنا وعند مالك وإذا لم يكن الوالد ضامنا لولده ولا له عنده مال يجب له على الوالد معاونة صاحب الحق على إحضار ولده ونحوه ولزمه ذلك
فصل
والحوالة على ماله في الدين إن أذن في الإستيفاء فقط والمختار الرجوع ومطالبته وليس للابن أن يحيل على الأب ولا يبيح دينه إذا جوزنا بيع ما على الغريم إلا برضاء الأب وكره الإمام أحمد أن يتزوج الرجل أو يقترض أو يشتري إذا لم يعلم الآخر بعسرته أولا لأن ظاهر الحال أن الرجل إنما يعامل من كان قادرا على الوفاء فإذا كتم ذلك كان عذرا
فصل
ويجوز رهن العبد المسلم من كافر بشرط كونه في يد مسلم واختاره طائفة من أصحابنا ويجوز أن يرهن الإنسان مال نفسه على دين غيره كما يجوز أن يضمنه وأولى وهو نظير إعارته للمرهن وإذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين فالقول قول المرتهن ما لم يدع أكثر من قيمة الرهن وهو مذهب مالك ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين وهو مذهب أحمد وغيره وإذا لم يكن للمديون وفاء غير الرهن وجب على رب الدين إمهاله حتى يبيعه فمتى لم يمكن بيعه إلا بخروجه من الحبس أو كان في بيعه وهو في الحبس ضرر عليه وجب إخراجه ويضمن عليه أو يمشي معه هو أو وكيله
باب الصلح وحكم الجوار
ويصح الصلح عن المؤجل ببعضه حالا وهو رواية عن أحمد وحكى قولا للشافعي ويصح عن دية الخطأ وعن قيمة المتلف غير المثل بأكثر منها من جنسها وهو قياس قول أحمد والغبن والمنفعة التي لا قيمة لها عادة كالاستظلال بجدار الغير والنظر في سراجه لا يصح أن يرد عليها عقد بيع أو إجارة اتفاقا ولو اتفقا على بناء حائط بستان فبنى أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر ضمن لشريكه نصيبه وإذا احتاج الملك المشترك إلى عمارة لا بد منها فعلى أحد الشريكين أن يعمر مع شريكه إذا طلب ذلك منه في أصح قولي العلماء ويلزم إلا على التستر بما يمنع مشارفة الأسفل
وإن استويا وطلب أحدهما بناء السترة أجبر الآخر معه مع الحاجة إلى السترة وهو مذهب أحمد وليس للإنسان أن يتصرف في ملكه بما يؤذي به جاره من بناء حمام وحانوت طباخ ودقاق وهو مذهب أحمد ومن لم يسد بئره سدا يمنع من التضرر بها ضمن ما تلف بها وله تعلية بنائه ولو أفضى إلى سد الفضاء عن جاره
قلت: وفيه على قاعدة أبي العباس نظر والله أعلم
وليس له منعه خوفا من نقص أجره ملكه بلا نزاع والمضمار مبناها على القصد والإرادة أو على فعل ضرر عليه فمتى قصد الإضرار ولو بالمناخ أو فعل الإضرار من غير استحقاق فهو مضار
وأما إذا فعل الضرر المستحق للحاجة إليه والانتفاع به لا لقصد الأضرار فليس بمضار ومن ذلك قول النبي ﷺ في حديث النخلة التي كانت تضر صاحب الحديقة لما طلب من صاحبها المعاوضة عنها بعدة فلم يفعل فقال إنما أنت مضار ثم أمر بقلعها فدل على أن الضرار محرم لا يجوز تمكين صاحبه منه ومن كانت له ساحة تلقى فيها التراب والحيوانات ويتضرر الجيران بذلك فإنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران إما بعمارتها أو إعطائها لمن يعمرها أو يمنع أن يلقى فيها ما يضر بالجيران وإذا كان المسجد معدا للصلاة ففي جواز البناء عليه نزاع بين العلماء وليس لأحد أن يبني فوق الوقف ما يضر به اتفاقا وكذا إن لم يضر به عند الجمهور وإذا كان الجدار مختصا بشخص لم يكن له أن يمنع جاره من الانتفاع بما يحتاج إليه الجار ولا يضر بصاحب الجدار ويجب على الجار تمكين جاره من إجراء مائه في أرضه إذا احتاج إلى ذلك ولم يكن على صاحب الأرض ضرر في أصح القولين في مذهب أحمد وحكم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فالساباط الذي يضر بالمارة مثل أن يحتاج الراكب أن يحني رأسه إذا مر هناك وإن غفل عن نفسه رمى عمامته أو شج رأسه ولا يمكن أن يمر هناك جمل عال إلا كسرت رقبته والجمل المحمل لا يمر هناك فمثل هذا الساباط لا يجوز أحداثه على طريق المارة باتفاق المسلمين بل يجب على صاحبه إزالته فإن لم يفعل كان على ولاة الأمور إلزامه بإزالته حتى يزول الضرر حتى لو كان الطريق منخفضا ثم ارتفع على طور الزمان وجب إزالته إذا كان الأمر على ما ذكر والله أعلم
باب الحجر
وإذا لزم الإنسان الدين بغير معاوضة كالضمان ونحوه ولم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه في الإعسار وهو مذهب أحمد وغيره ومن أراد سفرا وهو عاجز عن وعاء دينه فلغريمه منعه حتى يقيم كفيلا بدينه ومن طولب بأداء دين عليه فطلب أمهالا أمهل بقدر ذلك اتفاقا لكن إذا خاف غريمه منه احتاط عليه بملازمته أو بكفيل أو برسم عليه ومن كان قادرا على وفاء دينه وامتنع أجبر على وفائه بالضرب والحبس ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم
قال أبو العباس: ولا أعلم فيه نزاعا لكن لا يزاد كل يوم على أكثر من التعزير إن قيل يقتدر وللحاكم أن يبيع عليه ماله ويقضي دينه ولا يلزمه وإذا كان الذي عليه الحق قادرا على الوفاء ومطل صاحب الحق حتى أخرجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل إذا كان غرمه على الوجه المعتاد وممن عرف بالقدرة فادعى إعسارا وأمكن عادة قبل وليس له إثبات إعساره عند غيره من حبسه بلا إذنه ويقضي دينه من مال له فيه شبهة لأنه لا يبقى شبهة بترك واجب ولو ادعت امرأة على زوجها بحقها وحبسته لم يسقط من حقوقه عليها شيء قبل الحبس بل يستحقها عليها بعد الحبس كحبسه في دين غيرها فله إلزامها ملازمة بيته ولا يدخل عليها أحد بلا إذنه ولو خاف خروجها من منزله بلا إذنه أسكنها حيث شاء ولا يجب حبسه بمكان معين فيجوز حبسه في دار نفسه بحيث لا يمكن من الخروج ولو كان قادرا على أداء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك إذ التعزير لا يختص بنوع معين وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله ومن ضاق ماله عن ديونه صار محجورا عليه بغير حكم حاكم بالحجر وهو رواية عن أحمد ومن عليه نفقة واجبة فلا يملك التبرع بما يخل بالنفقة الواجبة وكلام أحمد يدل عليه وإن نوزع المحجور عليه لحظر في الرشد فشهد شاهدان برشده قبل لأنه قد يعلم بالاستفاضة ومع عدم البينة له على وليه أنه لا يعلم رشده والإسراف ما صرفه في الحرام أو كان صرفه في مباح قدرا زائدا على المصلحة ولو وصى من فسقه ظاهر أو لا وجب إنفاذه كحاكم فاسق حكم بالعدل والولاية على الصبي والمجنون والسفيه تكون لسائر الأقارب ومع الاستقامة لا يحتاج إلى الحاكم إلا إذا امتنع من طاعة الولي وتكون الولاية لغير الأب والجد والحاكم وهو مذهب أبي حنيفة ومنصوص أحمد في الأم
وأما تخصيص الولاية بالأب والجد والحاكم فضعيف جدا والحاكم العاجز كالعدم ولو مات من يتجر لنفسه وليتيمه بماله وقد اشترى شيئا ولم يعرف لمن هو لم يقسم ولم يوقف الأمر حتى يصطلحا كما يقوله الشافعي بل مذهب أحمد أنه يفرغ فمن فرغ خلف واحد ولو مات الوصي وجهل بقاء مال وليه كان دينا في تركته ولوصي اليتيم أقل الأمرين من أجرة مثله أو كفايته ولا يجوز أن يولى على مال اليتيم إلا من كان قويا خبيرا بما ولي عليه أمينا عليه والواجب إذا لم يكن الولي بهذه الصفة أن يستبدل به ولا يستحق الأجرة المسماة لكن إذا عمل لليتامى استحق أجرة المثل كالعمل في سائر العقود الفاسدة ولا يقبل من السيد دعوى عدم الإذن لعبده مع علمه بتصرفه ولو قدر صدقة فتسليطه عليه عدوان وتردد أبو العباس فيما إذا لم يمكن الولي خلاص حق موليه إلا برفع من هو عليه إلى وال يظلمه ويستحب التجارة بمال اليتيم لقول عمر وغيره اتجروا بأموال اليتامى كيلا تأكلها الصدقة
باب الوكالة
قال القاضي في ضمن مسألة بقاء الوكيل بموت الموكل: فأما إن أخرج الموكل فيه عن ملكه مثل اعتاقه العبد وبيعه فإنه تنفسخ الوكالة بذلك ففرق بين الموت وبين العتق والمبيع بأن حكم الملك هنا قد زال وهناك السلعة بعد الموت باقية على حكم مالكها وما قاله القاضي فيه نظر فإن الانتقال بالموت أقوى منه بالبيع والعتق فإن هذا يمكن الموكل الاحتراز عنه فيكون بمنزلة عزله بالقول وذلك زال الملك فيه بفعل الله تعالى وإذا تصرف بلا إذن ولا ملك ثم تبين أنه كان وكيلا أو مالكا ففي صحة تصرفه وجهان كما لو تصرف بعد العزل ولم يعلم فلو تصرف بإذن ثم تبين أن الأذن كان من غير المالك والمالك أذن له ولم يعلم أو أذن بناء على جهة ثم تبين أنه لم يكن يملك الأذن بها بل بغيرها أو بناء أنه مالك شبر ثم تبين أنه كان وارثا فإن قلنا يصح التصرف في الأول فههنا أولى وإن قلنا لا يصح هناك فقد يقال صح هنا لأنه كان مباحا له في الظاهر والباطن لكن الذي اعتقده ظاهر ليس هو الباطل فنظيره إذا اعتقد أنه محدث فتطهر ثم تبين فساد طهارته وإنه كان متطهرا قبل هذا ولو وكل شخصا أن يوكل له فلانا في بيع ونحوه فقال الوكيل الأول للوكيل الثاني بع هذا ولم يشعر أنه وكيل الموكل
قال أبو العباس: سئلت عن هذه المسألة فقلت نسبة أنواع التوكيل والموكلين إلى الوكيل كنسبة أنواع التمليك والمملكين إلى الملك ثم لو ملك شيئا لم يحتج أن يتبين هل هو وكيله أو وكيل فلان وإن كان الحكم فيهما مختلفا بالنسبة إلى الموكل والمملك ( نقل ) ههنا في رجل دفع إلى رجل ثوبا يبيعه فباعه وأخذ الثمن فوهبه المشتري من الثمن درهما فإن الضمان على الذي باع الثوب فقد نص أحمد على أن ما حصل للوكيل من زيادة فهي للبائع وما نقص فهو عليه ولم يفرق بين أن يكون النقص قبل لزوم العقد أو بعده
وينبغي أن يفصل إذا لم يلزمه والوكيل في الضبط والمعرفة مثل من وكل رجلا في كتابة ماله وما عليه كأهل الديوان فقوله أولى بالقبول من وكيل التصرف لأنه مؤتمن على نفس الأخبار بماله وما عليه وهذه مسألة نافعة ونظير إقرار كتاب الأمراء وأهل ديوانهم بما عليهم من الحقوق بعد موتهم وإقرار كتاب السلطان وبيت المال وسائر أهل الديوان مما على جهاتهم من الحقوق ومن ناظر الوقف وعامل الصدقة والخراج ونحو ذلك فإن هؤلاء لا يخرجون عن ولاية أو وكالة وإن استعمل الأمير كاتبا جابيا أو عاملا أثم بما أذهب من حقوق الناس لتفريطه
ومن استأمنه أميرا على ماله فخشي من حاشيته إن منعهم من عادتهم المتقدمة لزمه فعل ما يمكنه وما هو اصلح للأمير من تولية غيره فيرتع معهم لا سيما وللأخذ شبهة قال في المحرر وإذا اشترى الوكيل أو المضارب بأكثر من ثمن المثل أو بدونه صح ولزمه النقص والزيادة ونص عليه
قال أبو العباس: وكذلك الشريك والوصي والناظر على الوقف وبيت المال ونحو ذلك وقال هذا ظاهر فيما إذا فرط وأما إذا احتاط في البيع والشراء ثم ظهر غبن أو عيب لم يقصر فيه فهذا معذور يشبه خطأ الإمام أو الحاكم ويشبه تصرفه قبل علمه بالعزل وأبين من هذا الناظر والوصي والإمام والقاضي إذا باع أو أجر أو زارع أو ضارب ثم تبين الخطأ فيه مثل أن يأمر بعمارة أو غرس ونحو ذلك ثم تبين أن المصلحة كانت في خلافه وهذا باب واسع وكذلك المضارب والشريك فإن تبين أن المصلحة كانت في خلافه وهذا باب واسع وكذلك المضارب والشريك فإن عامة من يتصرف لغيره بوكالة أو ولاية قد يجتهد ثم يظهر فوات المصلحة أو حصول المفسدة ولا لزوم عليه فيهما وتضمين مثل هذا فيه نظر وهو يشبه بما إذا قتل في دار الحرب من يظنه حربيا فبان مسلما فإن جماع هذا أنه مجتهد مأمور بعمل اجتهد فيه وكيف يجتمع عليه الأمر والضمان هذا الضرب هو خطأ في الاعتقاد والقصد لا في العمل وأصول المذهب تشهد له بروايتين قال أبو حفص في المجموع وإذا سمى له ثمنا فنقص منه نص الإمام أحمد في رواية ابن منصور إذا أمر رجلا أن يبيع له شيئا فباعه بأقل قال البيع جائز وهو ضامن لما نقص قال أبو العباس لعله لم يقبل قولهما على المشتري في تقدير الثمن لأنهما يريان فساد العقد وهو يدعي صحته فكان القول قوله ويضمن الوكيل النقص وإذا وكله أو أوصى إليه أن يتصدق بمال ذكره فإنه يصح وتعيين المعطي إلى الوكيل أو الوصي هذا هو الذي ذكروه في الوصية والوكالة مثلها وكذلك لو وكله أو أوصى إليه بإخراج حجة عنه وإن وكله أو أوصى إليه أن يقف عنه شيئا ولم يعين مصرفا فينبغي أن يكون كالصدقة فإن المصرف للوقف كالمصرف للصدقة ويبقى إلى الوكيل والوصي تعيين المصرف وإن عين مصرفا منقطعا فينبغي أن يكون إلى الوصي تتميمه بذكر مصرف مؤيد إلا أن يقال الصدقة لها جهة معلومة بالشرع والعرف وهم الفقراء وإنما النظر للوصي في تعيين أفراد الجهة بخلاف الوقف فإنه لا يتبين له جهة معينة شرعا ولا عرفا فالكلام في هذا ينبغي أن يكون كما لو نذر أن يقف أو يتصدق
وحديث أبي طلحة يقتضي أن من نذر الصدقة بمال فإن الأفضل أن يصرفه في أقربيه وإن كان سهم غني وهذا يقتضي أن الصدقة المطلقة في النذر ليست محمولة على الصدقة الواجبة في الشرع لكن على جنس المستحبة شرعا ويتوجه على أدنى الواجب أو أدنى التطوع فبين الوكالة والإيمان مشابهات والوكيل أمين لا ضمان عليه ولو عزل قبل علمه بالعزل وقلنا ينعزل لعدم تفريطه وكذا لا يضمن مشتر الأجرة إذا لم يعلم وهو أحد القولين ومن وكل في بيع أو استئجار أو شراء فإن لم يسم الموكل في العقد فضامن وإلا فروايتان وظاهر المذهب تضمينه ولو تصرف الوكيل فادعى الموكل أنه عزله قبل التصرف لم يقبل فلو أقام بينه ببلد آخر وحكم به حاكم فإن لم ينعزل قبل العلم صح تصرفه وإلا كان حكما على الغائب ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى عزله قبل العلم فإن كان قد بلغه ذلك بعد الحكم الناقض له فهو مردود وإلا وجوده كعدمه
قال القاضي في المجرد: وابن عقيل في الفصول: ولو جاء رجل إلى امرأة فقال لها وكلني فلان لأزوجك له فرغبت في ذلك وأذنت لوليها في تزويجها ثم إن ذلك الموكل أنكر أن يكون وكله في التزويج له فالقول قوله ولا يلزمه النكاح ولا تلزم للوكيل بل يحكم ببطلانه ويتفرع على هذا أن الرجل إذا وكل وكيلا في أن يتزوج له امرأة فتزوجها فلا بد أن يذكر حال العقد أنه تزوجها لفلان فإن أطلق ولم يسم الموكل لم يلزمه النكاح في حقه ولا في حق الموكل لأن الظاهر أنه عقد العقد لنفسه ونيته أن يعقده لغيره وإذا لم يذكر اسم ذلك الغير فقد أخل بالمقصود ولو وكله أن يشتري له سلعة فاشتراها لم يشترط في صحة العقد ذكر فلان بل إذا أطلق ونوى الشراء له صح لأن القصد منه حصول الثمن وقد وجد وإذا بطل عقد النكاح في حقهما فهل يلزم الوكيل نصف الصداق على روايتين
قال أبو العباس: فقد جعلا فيما إذا لم يسم الويل الموكل في العقد روايتين وهذا فيه نظر بل إذا قال زوجتك فلانة فقال قبلت فقد انعقد النكاح في الظاهر للوكيل فإذا قال نويت أن النكاح لموكلي فهو يدعي فساد العقد وإن الزوج غيره فلا يقبل قوله على المرأة إلا أن نصدقه ولو صدقته لم يلزمه شيء قولا واحدا إلا أن هنا الإنكار من الزوج بخلاف مسألة انكار الوكالة ولو قيل منه فتزوج غيرها ثم كتب لزوجته الجديدة وكالة وقال متى رددتها كان طلاقها بيدك إلى مدة عشرين سنة وقد طلق التي بيدها الوكالة
فهذه المسألة قد يظن أن الوكالة بحالها بناء على أن الزوج إذا وكل امرأته في بيع ونحوه ثم طلقها ثلاثا لم تبطل الوكالة بالتطليق كما ذكره الفقهاء وليست كتلك والصواب في هذه الصورة أنها تبطل بالتطليق لأنه هناك لم يرد أن يطلقها وقد استناب غيره في ذلك وإنما يريد أن يبيع متاعه فيوكل شخصا وهنا المراد تمكينها هي من الطلاق لئلا تبقى زوجة إلا برضاها
وأما بعد البينونة فلا يقصد رضاها كيف وقد طلقها وهذا كله إذا جعل الشرط لازما وأما إذا لم يجعله شرطا لازما فيكون كما لو قال لها ابتداء أمرك بيدك أو أمر فلانة بيدك فإن هذا له الرجوع فيه قال الأصحاب ومن ادعى الوكالة في استيفاء حق فصدقه الغريم لم يلزمه الدفع إليه ولا اليمين أن كذبه والذي يجب أن يقال إن الغريم متى غلب على ظنه أن الموكل لا ينكر وجب عليه التسليم فيما بينه وبين الله تعالى الذي بعث النبي ﷺ إلى وكيله وعلم له علامة فهل يقول أحد أن ذلك الوكيل لم يكن يجب عليه الدفع
وأما في القضاء فإن كان الموكل عدلا وجب الحكم لأن العدل لا يجحد والظاهر أنه لا يستثني فإن دفع من عنده الحق إلى الوكيل ولم يصدقه بأنه وكيل وأنكر صاحب الحق الوكالة رجع عليه وفاقا ومجرد التسليم ليس تصديقا وكذا إن صدقه في أحد قولي أصحابنا بل نص إمامنا وهو قول مالك لأنه متى لم يتبين صدقه فقد غره وكل إقرار كذب فيه ليحصل بما يمكن أساؤه ويجعل أنسا مثل يقول وكلت فلانا ولم توكله فهو نظير أن يجحد الوصية فهل يكون جحده رجوعا ففيه وجهان وإذا اشترى شيئا من موكله أو موليه كان الملك للموكل والمولى عليه ولو نوى شراءه لنفسه لأن له ولاية الشراء وليس كالغصب لكن لو نوى أن يقع الملك له وهذه نية محرمة فتقع باطلة ويصير كأن العقد عرى عنها إذا كان يريد النقد من مال المولى عليه أو الموكل قال أبو العباس في تعاليه القديمة حديث عروة في شراء الشاة يدل على أن الوكيل في شراء معلوم بمعلوم إذا اشترى به أكثر من المقدر جاز له بيع الفاضل وكذا ينبغي أن يكون الحكم ويغلب على ظني أنه منقول كذا حسبه في كفالة الكافي
قلت: ما قاله أبو العباس من النقل فصحيح قال صاحب الكافي ظاهر كلام أحمد صحة ذلك الحديث عن عروة ولكن ذكره في وكالة الكافي فنسب العلم لأبي العباس فكتب كفالة الكافي والله أعلم
فصل
الاشتراك في مجرد الملك بالعقد مثل أن يكون بينهما عقار فيشيعانه أو يتعاقد على أن المال الذي لهما المعروف بهما بينهما يكون نصفين ونحو ذلك مع تساوي ملكهما فيه فجوازه متوجه لكن يكون قياس ما ذكروه في الشركة أنه ليس بيع كما أن القسمة ليست بيعا ولا نفقة للمضارب إلا بشرط أو عادة فإن شرطت مطلقا فله نفقة مثل طعامه وكسوته وقد يخرج لنا أن للمضارب في السفر الزيادة على نفقة الحضر كما قلنا في الولي إذا جحد الصبي لأن الزيادة إنما احتاج إليها لأجل المال
وقال أبو العباس أيضا يتوجه فيها ما قلناه في نفعه في الصبي إذا أحجه الولي هل يكون الزائد فيها من مال الصبي أو مال الولي على القولين كذلك وقد ثبت من أصلنا صحة الاشتراك في العقود وإن تختلط الأعيان كما تصح الأقسام بالمحاسبة وإن لم تتميز الأعيان ولو دفع دابته أو نخلة إلى من يقوم به وله جزء من ثمانية صح وهو رواية عن أحمد ويجوز قسمة الدين في ذمة أو ذمم وهو رواية عن أحمد فإن تكافأت الذمم فقياس المذهب في الحوالة على ولي وجوبها ولو كتب رب المال للجابي والسمسار ورقة ليسلمها إلى الصبي في المتسلم ماله وأمره أن لا يسلمه حتى يقتص منه فخالف ضمن لتفريطه ويصدق الصبي مع يمينه والورقة شاهدة له لأن العادة جارية بذلك وتصح شركة الشهود وللشاهد أن يقيم مقامه إن كان الجعل على عمل في الذمة وإن كان على شهادته بعينه فالأصح جوازه وللحاكم أن يكرههم لأن له نظر في العدالة وغيرها وإن اشتركوا على أن كلما حصله كل واحد منهم بينهم بحيث إذا كتب أحدهم وشهد شاركه الآخر وإن لم يعمل فهي شركة الأبدان تجوز بحيث تجوز به الوكالة وأما حيث لا تجوز ففيه وجهان كشركة الدلالين
وقد نص أحمد على جوازها فقال في رواية أبي داود وقد سئل عن الرجل يأخذ الثوب ليبيعه فيدفعه إلى الآخر يبيعه ويناصفه فيما يأخذ من الكراء للذي باعه إلا أن يكون يشتركان فيما أصابا ووجه صحتها أن بيع الدلال وشراءه بمنزلة خياطة الخياط وتجارة التجار وسائر الأجراء المشتركين ولكل منهم أن يستنيب وإن لم يكن للوكيل أن يوكل ومأخذ من منع أن الدلالة من باب الوكالة وسائر الصناعات من باب الإجارة وليس الأمر كذلك ومحل الخلاف في شركة الدلالين التي فيها عقد
فأما مجرد النداء والعرض واحضار الديون فلا خلاف في جوازه وتسليم الأموال إلى الدلالين مع العلم باشتراكهم أذن لهم ولو باع كل واحد ما أخذه ولم يعط غيره واشتركا في الكسب جاز في أظهر الوجهين وموجب العقد المطلق التساوي في العمل وأما بإعطائه زيادة في الأجرة بقدر عمل وإن اتفقوا على أن يشترطوا له زيادة جاز وليس لولي الأمر المنع بمقتضى مذهبه في شركة الأبدان والوجوه والمساقاة والمزارعة ونحوها مما يشرع فيه الاجتهاد والربح الحاصل من مال لم يأذن مالكه في التجارة فيه فقيل هو للمالك فقط كنماء الأعناب وقيل للعامل فقط لأن عليه الضمان وقيل يتصدقان به لأنه ربح خبيث وقيل يكون على قدر النفعين بحسب معرفة أهل الخبرة وهو أصحها وبه حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا أن يتجر به على غير وجه العدوان مثل أن يعتقد أنه مال نفسه فتبين مال غيره فهنا يقتسمان الربح بلا ريب
وذكر أبو العباس في موضع آخر: أنه إن كان عالما بأنه مال الغير فهنا يتوجه قول من لا يعطه شيئا لأنه حصل بعمل محرم فلا يكون سببا للإباحة فإن تاب سقط حق الله بالتوبة وأبيح له حينئذ بالقسمة فأما إذا لم يتب ففي حله نظر وكذلك المتوجه فيما إذا غصب شيئا كفرس وكسب به مالا كالصيد أن يجعل المكسوب بين الغاصب ومالك الدابة على قدر نفعهما بأن تقوم منفعة الراكب ومنفعة الفرس ثم يقسم الصيد بينهما وأما إذا كسب العبد فالواجب أن يعطي المالك أكثر من الأمرين من كسبه أو قيمة نفعه ومن كانت بينهما أعيان مشتركة مما يكال أن يوزن فأخذ أحدهما قدر حقه بإذن حاكم جاز قولا واحدا وذلك بدون إذنه على الصحيح انتهى