سورة القمر | |
---|---|
الترتيب في القرآن | 54 |
عدد الآيات | 55 |
عدد الكلمات | 342 |
عدد الحروف | 1438 |
الجزء | {{{جزء}}} |
الحزب | {{{حزب}}} |
النزول | مكية |
نص سورة القمر في ويكي مصدر |
نزلت سورة القمر التي بدأت بـ(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ{1} وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ{2}و التي تتحدث عن انشقاق القمر
هذه السورة تتحدث بمعظم آياتها على نماذج لمن كذّب بآيات القرآن وتحمل السورة طابع التهديد والوعيد والإنذار مع صور شتّى من مشاهد العذاب والدمار. وقد تكرر فيها ذكر (فكيف كان عذابي ونذر) وكذلك (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) وتحدثت عن قوم نوح (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) آية 12، وقوم عاد (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ) آية 19، وقوم ثمود (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) آية 31، وقوم لوط: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ) آية 34، وآل فرعون: (كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ) آية 42. وكلها تتحدث عن كيفية غضب الله لنتعرف عليه من خلال النقم التي لحقت بمن كذّب بهذا القرآن. وقد ختمت السورة بآية بيّنت مآل السعداء المتقين لتحافظ على توازن اسلوب القرآن في الترغيب والترهيب (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) آية 54
( اقتربت الساعة وانشق القمر ) مطلع باهر مثير على حادث كوني كبير وإرهاص بحادث أكبر . لايقاس إليه ذلك الحدث الكوني الكبير . إنشقاق القمر آية خارقة ...والقمر في ذاته آية أكبر ! هذا الكوكب بحجمه ، ووضعه ، وشكله ، وطبيعته ، ومنازله ، ودورته ، وآثاره في حياة الأرض ، وقيامه هكذا في الفضاء بغير عمد ، هذه الآية الكبرى القائمة الدائمة حيال الأبصار وحيال القلوب ، توقع إيقاعها وتلقي ظلالها ، وتقوم أمام الحس شاهداً على القدرة المبدعة التي يصعب إنكارها إلا عناداً أو مراء ! ولقد جاء القرآن ليقف بالقلب البشري في مواجهة الكون كله ، وما فيه من آيات الله القائمة الثابتة ويصله في هذا الكون وآيات الله في كل لحظة ، لامرة عارضة في زمان محدود ، يشهدها جيل من الناس في مكان محدود .
وفي مطلع هذه السورة تجيء تلك الإشارة إلى اقتراب الساعة وانشقاق القمر إيقاعاً يهز القلب البشري هزاً ، وهو يتوقع الساعة التي اقتربت ، ويتأمل الآية التي وقعت ، ويتصور أحداث الساعة في ظل هذا الحدث الكوني الذي رآه المخاطبون بهذا الايقاع المثير .
ومع اقتراب الموعد المرهوب ، ووقوع الحادث الكوني المثير ، وقيام الآيات التي يرونها في صور شتى .. فإن تلك القلوب كانت تلج في العناد ، وتصر على الضلال ، ولاتتأثر بالوعيد كما لا تتأثر بايقاع الآيات الكثيرة الكافية للعظة والكف عن التكذيب : ( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سحر مستمر ، وكذبوا واتبعوا أهوائهم وكل أمر مستقر ، ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر ، حكمة بالغة فما تغني النذر )
قالوا (سحر مستمر ) معرضين عن تدبير طبيعة الآيات وحقيقتها ، معرضين كذلك عن دلالتها وشهادتها وكذبوا بالآيات اتباعاً لآهوائهم لا استناداً إلى حجة ، ولا تدبراً للحق الثابت المستقر في كل ماحولهم في هذا الوجود .
( وكل أمر مستقر ) فكل شيء في موضعه في هذا الوجود الكبير . فأمر هذا الكون يقوم على الثبات والاستقرار ، لاعلى الهوى المتقلب ، والمزاج المتغير .
( ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر ) ...أنباء الآيات الكونية التي صرفها الله لهم في هذا القرآن ، وأنباء المكذبين من قبلهم ومصارعهم ، وأنباء الآخرة التي صورها الله لهم ..وكان في هذا زاجر ورادع لمن يزدجر ويرتدع .
(فتول عنهم يوم يدعو الداع إلى شيء نكر ، خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ، مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون : هذا يوم عسر ) وهو مشهد من مشاهد ذلك اليوم يناسب هوله ظلال السورة كلها ، ويتناسق مع الإرهاص باقتراب الساعة ، ومع الإنباء بانشقاق القمر ،ومع الإيقاع الموسيقي في السورة كذلك ! فهذا هو اليوم الذي اقترب ، وهم عنه معرضون ، وبه يكذبون فتول عنهم يوم يجيء، ودعهم لمصيرهم وهو المصير المخيف . وبهذا الإيقاع العنيف في مطلع السورة ، والمشهد المكروب الذي يشمل المكذبين في يوم القيامة ... يأخد في عرض مشاهد التنكيل والتعذيب الذي أصاب أجيال المكذبين قبلهم .
المصدر : في ظلال القرآن - سيد قطب .