سورة الزخرف مكية عدد اياتها 89 اية تحتل الرتنة 43 في المصحف الكريم وقد تناولت اسس العقيدة الاسلامية و اصول الايمان (الايمان بالوحدانية و بالرسالة و بالبعت و الجزاء)كسائر السور المكية عرضت السورة لاثبات مصدر الوحي و صدق هذا القران الذي انزله الله على النبي الامي بافصح لسان وانصع بيان ليكون معجزة واضحة للنبي العربي
تعرض هذه السورة جانباً مما كانت الدعوة الإسلامية تلاقيه من مصاعب وعقبات ، ومن جدال واعترضات . وتعرض معها كيف كان القرآن الكريم يعالجها في النفوس ، وكيف يقرر في ثنايا علاجها حقائقه وقيمه في مكان الخرافات والوثنيات والقيم الجاهلية الزائفة ، التي كانت قائمة في النفوس إذ ذاك ، ولايزال جانب منها قائماً في النفوس في كل مكان وزمان
كانت الوثنية الجاهلية تقول : إن في هذه الأنعام التي سخرها الله للعباد ، نصيباً لله ونصيباً لآلهتهم المدعاة : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ) .
وفي هذه السورة تصحيح لهذه الانحرافات الاعتقا دية ، ورد النفوس إلى الفطرة وإلى الحقائق الأولى ، فالانعام من خلق الله ، وهي طرف من آية الحياة ، مرتبط بخلق السماوات والأرض جميعاً ، وقد خلقها الله وسخرها للبشر ليذكروا نعمة ربهم عليها ويشكروها ، لاليجعلوا له شركاء : ( والذي خلق الأزواج وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ، لتستووا على ظهوره ، ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم ، وتقولوا : سبحان الذي سخر لنا هذا ، وما كنا مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون )
وكانت الوثنية الجاهلية تقول : إن الملائكة بنات الله ، ومع أنهم يكرهون مولد البنات لهم ، فإنهم كانوا يختارون لله البنات ! ويعبدونهم من دونه ويقولون : إننا نعبدهم بمشيئة الله ولو شاء ما عبدناهم ! وكانت مجرد أسطورة ناشئة من انحراف العقيدة .
وفي هذه السورة يواجههم بمنطقهم هم ، ويحاجهم كذلك بمنطق الفطرة الواضح حول هذه الأسطورة التي لا تستند إلى شيء على الإطلاق : ( وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين ...إم اتخد مما خلق بنات وأصفاكم بالبنين )
ولما قيل لهم إنكم تعبدون أصناماً وأشجاراً وإنكم وما تعبدون حصب جهنم ، حرفوا الكلام واتخدوا منه مادة للجدل وقالوا : مابال عيسى وقد عبده قومه ؟ أهو في النار ؟ ثم قالوا إن الاصنام تماثيل الملائكة والملائكة بنات الله ، فنحن في عبادتنا لهم خير من عبادة النصارى لعيسى وهو بشر له طبيعة الناس !
وفي هذه السورة يكشف عن التوائهم في هذا الجدل ، ويبرىء عيسى -عليه السلام – مما ارتكبه أتباعه من بعده : ( ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً ، بل هم قوم خصمون . إن هو إلا عبداً أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل ) .
وكان الوثنيون يزعمون أنهم على ملة أبيهم إبراهيم ، وأنها ملة التوحيد الخالص ، وأنهم أهدي من أهل الكتاب وأفضل عقيدة ، فبين لهم في هذه السورة حقيقة ملة إبراهيم ، وأنها ملة التوحيد الخالص ، وأن كلمة التوحيد باقية في عقبة وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قد جاءهم بها : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين . وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون . )
ولم يدرك الوثنيون حكمة اختيار الله – سبحانه – لرسوله – صلى الله عليه وسلم – ووقفت في وجوههم القيم الأرضية الزائفة ، وفي هذه السورة يحكي تصوراتهم وأقوالهم ، ويرد عليهم ببيان القيم الحقيقية : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم : أهم يقسمون رحمة ربك ؟ نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )
ثم جاء بحلقة من قصة موسى – عليه السلام – مع فرعون يبدو فيها اعتزاز فرعون بمثل تلك القيم الزائفة وهوانها وهوان فرعون على الله ونهايته التي تنتظر النعتزين بمثل ما اعتز به : ( ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لى ملك مصر ، وهذه الأنهار تجرى من تحتي ، أفلا تبصرون ؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ، فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقرنين ! فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين ، فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ، فجعلناهم سلفاً ومثلا لآخرين ) .
المصدر : في ظلال القرآن - سيد قطب .