سورة النازعات | |
---|---|
الترتيب في القرآن | 79 |
عدد الآيات | 46 |
عدد الكلمات | 179 |
عدد الحروف | 762 |
الجزء | {{{جزء}}} |
الحزب | {{{حزب}}} |
النزول | مكية |
نص سورة النازعات في ويكي مصدر |
هذه السورة نمودج من نمادج هذا الجزء لإشعار القلب البشري حقيقة الآخرة ، بهولها وضخامتها ، وجديتها ، وأصالتها في التقدير الإلهي لنشأة هذا العالم الإنساني ، والتدبير العلوي لمراحل هذة النشأة وخطواتها على ظهر الأرض وفي جوفها ، ثم في الدار الآخرة ، التي تمثل نهاية هذه النشأة وعقباها
وفي الطريق إلى إشعار القلب البشري حقيقة الآخرة الهائلة الضخمة العظيمة الكبيرة يوقع السباق إيقاعات منوعة على أوتار القلب ، ويلمسه لمسات شتى حول تلك الحقيقة الكبرى . وهي إيقاعات ولمسات تمت إليها بصلة . فتلك الحقيقة تمهد لها في الحس وتهيئه لاستقبالها في يقظة وفي حساسية .
يمهد لها بمطلع غامض لكنه يثير بغموضه شيئاً من الحدس والرهبة والتوجس . يسوقه في إيقاع موسيقي راجف لاهت ، كأنما تنقطع به الأنفاس من الذعر والارتجاف والمفاجأة ةالانهيار : ( والنازعات غرقا ، والناشطات نشطا ، والسابحات سبحا . فالسابقات سبقا . فالمدبرات أمرا ) ..
وعقب هذا المطلع الغامض الراجف يجيء المشهد الأول من مشاهد ذلك اليوم . ظله من ظل ذلك المطلع وطابعه من طابعه ، كأنما المطلع له إطار وغلاف يدل عليه : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ، قلوب يومئذ واجفة . أبصارها خاشعة . يقولون أإنا لمردودون في الحافرة ؟ إذا كنا عظاماً نخرة ؟ قالوا : تلك إذن كرة خاسرة ! فإنما هي زجرة واحدة . فإذا هم بالساهرة ) ..
ومن هنالك ..من هذا الجو الواجف المبهور المذعور، .بأخد في عرض مصرع من مصارع المكذبين العتاة في حلقة موسى مع فرعون . فيبدأ الايقاع الموسيقي ويسترخي شيئاً ما ، ليناسب جو الحكاية والعرض : ( هل أتاك حديث موسى . إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى : اذهب إلى فرعون إنه طغى . فقل : هل لك إلى أن تزكى ؟ وأهديك إلى ربك فتخشى ؟ فأراه الآية الكبرى ، فكذب وعصى ، ثم أدبر يسعى ، فحشر فنادى فقال : أنا ربكم الأعلى فأخده الله نكال الآخرة والأولى . إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) وبهذا يلتقي ويمهد لتلك الحقيقة الكبرى .
ثم ينتقل من ساحة التاريخ إلى كتاب الكون المفتوح ، ومشاهد الكون الهائلة ، الشاهدة بالقوة والتدبير والتقدير للألوهية المنشئة للكون ، المهيمنة على مصائره ، في الدنيا والآخرة . فيعرضها في تعبيرات قوية الأسر ، قوية الايقاع ، تتسق مع مطلع السورة وإيقاعها العام : ( أأنتم أشد خلقاً أم السماء ؟ بناها ، رفع سمكها فسواها ، وأعطش ليلها وأخرج ضحاها ، والأرض بعد ذلك دحاها ، أخرج منها ماءها ومرعاها ، والجبال أرساها ، متاعاً لكم ولأنعامكم ) ..
وهنا – بعد هذه التمهيدات المقربة وهذه اللمسات الموحية – يجيء مشهد الطامة الكبرى ، وما يصاحبها من جزاء على ما كان في الحياة الدنيا . جزاء يتحقق هو الآخر في مشاهد تتناسق صورها وظلالها مع الطامة الكبرى : ( فإذا جاءت الطامة الكبرى ، يوم يتذكر الإنسان ما سعى ، وبرزت الجحيم لمن يرى ! فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ، فإن الجحيم هي المأوى . وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) .. وفي اللحظة التي يغمر الوجدان فيها ذلك الشعور المنبعث من مشاهد الطامة الكبرى ، والجحيم المبرزة لمن يرى ، وعاقبة من طغى وآثر الحياة الدنيا ، ومن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى .. في هذه الحظة يرتد السياق إلى المكذبين بهذه الساعة ، الذين يسألون الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن موعدها . يرتد إليهم بإيقاع يزيذ من روعة الساعة وهولها وضخامتها : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ؟ فيم أنت من ذكراها ؟ إلى ربك منتهاها . إنما أنت منذر من يخشاها . كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) والهاء الممدودة ذات الايقاع الضخم الطويل ، تشارك في تشخيص الضخامة وتجسيم التهويل !
المصدر : في ظلال القرآن – سيد قطب